باحثون وأكاديميون: مجزرة تنومة كانت بداية الحرب على اليمن

يجمع الكثير من السياسيين والأكاديميين والمؤرخين أن مجزرة تنومة التي ارتكبها النظام السعودي على اليمن وعلى حجاج بيت الله الحرام قبل مائة عام، والتي راح ضحيتها أكثر من 3000 حاج يمني بغيا وعدوانا، منهم 900 شهيد ذُبِحوا ذبحا بالسكاكين، كانت جريمة بشعة تحمل بعدين اولها سياسي وثانيها عقائدي، حيث أراد من خلالها آل سعود ومن خلفهم بريطانيا إرهاب اليمنيين وتمكين آل سعود من حكم الجزيرة العربية وفصل اليمنيين عن الحرمين الشريفين، خاصة وأن هذه الاسرة تعتبر المسلمين بصورة عامة وأهل اليمن بشكل خاص، مشركين ودماؤهم وأعراضهم مباحة.

وإلى وقت قريب كانت مجزرة تنومة وسدوان التي ارتكبتها عصابات آل سعود سنة 1341 هجرية،  من المجازر التي سعى النظام السعودي الى طمس ملامحها، الا انها اليوم وبفعل احياءها ارتسمت مجددا في اذهان اليمنيين وفضحت صورة النظام السعودي واجرامه بحق الشعب اليمني ، ما جعل المتحدث الرسمي للقوات المسلحة العميد سريع يؤكد بان الشعب اليمني لم ينس شهداء المجزرة، فيما طالبت الاوساط في صنعاء من الجيش واللجان الشعبية اطلاق عملية عسكرية واسعة تحمل اسم شهداء تنومة ثأرا للضحايا الذين اريقت دماءهم، وهو ماتم بالفعل عقب الاستهداف الاخير لأبطال الجيش واللجان الشعبية لعدد من المواقع الهامة في عسير ونجران وجيزان ضمن عملية تنومة .

ولتسليط الضوء أكثر على هذه الجريمة والتعرف على ابعادها والمشاركين في ارتكابها، اجرى موقع أنصار الله استطلاعاً مع عدد من الشخصيات والاكاديميين الذين تحدثوا عن هذه الجريمة وحللوها من كافة الجوانب.

 

استطلاع :

في البداية يشير الدكتور عبدالرحمن المختار، وهو وزير سابق في الشؤون القانونية وعضو مجلس الشورى حاليا الى الدوافع والعوامل التي ادت الى وقوع مجزرة تنومة، حيث يؤكد بأن النوازع الإجرامية لأسرة آل سعود تجاه اليمن هي من مهدت لهذه الجريمة، وهو ما يتضح كذلك من خلال الإجرام السعودي بحق اليمن الذي اتخذ أشكالا وصورا ومظاهر متعددة تختلف من حينٍ لآخر باختلاف الظروف والأوضاع .

وقال أن كل تلك الأشكال والصور والمظاهر تنم عن دوافع إجرامية متأصلة في بيئة أسرة آل سعود وتكوينها العقائدي، فبيئتها نجد منبت قرن الشيطان، وموطن الفتن، وعقيدتها الوهابية التكفيرية المتطفلة على الدين الاسلامي المارقة عن تعاليمه، والهدامة لأركانه.

وعن طبيعة جريمة قتل الحجاج اليمنيين من جانب عصابات حاكم نجد عبدالعزيز آل سعود اوضح الدكتور المختار أن ابن سعود كان يشن في تلك المرحلة حروباً توسعية في جميع الاتجاهات بهدف السيطرة على شبه الجزيرة العربية مدعوماً من جانب بريطانيا بالمال والسلاح، الا أن ذلك لا يعني نفي علاقة ابن سعود بارتكابه جريمة ذبح الحجاج لوجود حالة الحرب، كما أن تلك الجريمة ليست جريمة قتل عادية يمكن أن يكون دافع مرتكبها الحصول على المال الذي لا يمكن الحصول عليه إلا بإزهاق روح الضحية، أو أن ارتكابها ناتج عن ردة فعل انتقامية وجد مرتكبها نفسه في ظروف مواتية تسمح له بتنفيذ انتقامه الذي طالما انتظر الفرصة لتنفيذه، ومن ثم فبواعث ودوافع وأهداف جريمة الإبادة تختلف عما سبق فلا يمكن بحال من الأحوال أن يقف وراءها الانتقام أو الحصول على مال، وبالتالي فالظروف المحيطة بالجريمة هي المعول عليها في استخلاص طبيعة الجريمة وبواعثها ودوافعها وأهدافها.

وأكد أن ما يتعرض له حجاج بيت الله الحرام من جريمة في تنومة بالإضافة الى جرائم مماثلة خلال فترات متعاقبة كانت المسؤولية عن تلك الحوادث على الدولة التي وقعت في نطاقها الجغرافي، بغض النظر عما إذا كانت الحادثة قد وقعت من جنود تلك الدولة المرابطين على حدوها أو في أي نقطة مر بها الحجاج داخل نطاقها الجغرافي، أو وقعت من جانب قطاع طرق، ففي كل الأحوال تتحمل الدولة المسؤولية وكافة التبعات الناتجة عن الجريمة.

وبحسب المختار فمسرح الجريمة في تنومة واضحٌ ومُحَدَّدٌ لا لبس فيه ولا غموض؛ حيث يقع نطاقها تحت سيطرة ونفوذ حاكم نجد- في حينه- عبدالعزيز آل سعود مباشرة، وفي منطقة غير بعيدة عن العمران، ولا تجرؤ على تنفيذ تلك المذبحة بكل تلك القسوة وبكل ذلك التوحش عصابة تقطُّع إجرامية مهما بلغ شأنها في الإجرام.

وعلى فرض أن عصابة إجرامية منفلته قد نفَّذَتْ تلك الجريمة فليس من مصلحة ابن سعود ولا من مصلحة كيانه الوليد أن تتواجد عصابة مماثلة في منطقة تخضع لنفوذه وسيطرته تنهب وتسلب وتقتل المسافرين خصوصا حجاج بيت الله الحرام؛ إذ ستتلطخ سمعة كيانه وسيكون منبوذا عند العرب والمسلمين لعدم قدرته على تأمين المناطق التي تقع تحت سيطرته ونفوذه.

بواعث جريمة إبادة الحجاج اليمنيين

وفيما يخص اسباب الجريمة يؤكد الدكتور عبدالرحمن المختار أن السبب لم يكن جنائي، موضحاً أن العصابات الاجرامية التي تمارس أعمال التقطع والسلب والنهب للمسافرين في أي بلد إنما تكون غايتها الحصول على المال، ومثل هذه العصابات تحرص أشد الحرص على عدم إثارة السلطات الحاكمة بالإفراط في جرائم السلب والنهب، وما قد يخالطها من جرح أو قتل لضحاياها؛ باعتبار أن ذلك سيترك آثارا تدل عليها، وستتعقبها السلطة الحاكمة حفاظا على هيبتها ومكانتها حتى تتمكن من القبض عليها ومعاقبتها على جرائمها، وبالنتيجة تخسر تلك العصابات ما تعتبره مصدرا لدخلها، بل تخسر حياة أعضائها .

ويضيف: الاستخلاص السائغ من كل المعطيات والظروف المحيطة بجريمة قتل الحجاج اليمنيين أن هذه الجريمة البشعة لا تندرج بأي حال من الأحوال ضمن جرائم اللصوص وقطاع الطرق التي تهدف إلى سلب ونهب الأموال؛ فتلك الجريمة تفوق قدرات وإمكانات وأهداف وتفكير هكذا عصابات، وبالنتيجة فتلك الجريمة لم يكن باعثها ودافعها سلبَ ونهبَ أموال الحجاج، ولو كان الأمر كذلك لتم الاكتفاء بنهب الأموال وجرح وقتل بعض المقاومين لإخافة البقية، ودونما حاجة للقتل بتلك الصورة المتوحشة، هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن تلك الجريمة وبكل ذلك التوحش لا يمكن بحال من الأحوال أن تندرج ضمن جرائم العصابات المستأجرة – كما هو حال المرتزقة اليوم- التي تعمل لحساب مشغليها آل سعود وآل نهيان، فهذه العصابات لديها خطوط عريضة تتحرك وتمارس جرائمها في نطاقها وغير مسموح لها تجاوزها، وهو ما يعني أن عصابات القتل التابعة لحاكم نجد ابن سعود في ذلك الحين، والتي كانت تعمل لحسابه، لم تنفذ جريمتها من تلقاء نفسها مطلقا، وإنما بتوجيه مباشر من عبدالعزيز آل سعود .

الدكتور حمود الأهنومي – مؤلف كتاب مذبحة الحجاج الكبرى أكد من جانبه أن عدوان آل سعود الوهابيين على اليمن لم يبدأ في تنومة بل سبق ذلك اعتداءات فظيعة كاعتداء 1196هـ حيث تعرض الحجاج اليمنيون في طريق عودتهم إلى اليمن لاعتداء تكفيري من قبل بعض قبيلة بني تغلب ومن قبائل خثعم وغامد وقتل منهم نحو خمسين حاجا وفر كثير منهم في الشعاب والآكام ونهب عليهم نحو مائتين من البغال والحمير موقرة بالبضائع والتجارة بأمر من أمير الدرعية عبدالعزيز بن محمد بن سعود، وأحياناً كان الحجاج يعودون دون حج بسبب تهديد الوهابيين للمسلمين المسافرين وما كان البعض من الوهابيين يطلق على الحجاج بالمشركين ومنعهم من وصول مكة .

وعن ضحايا المجزرة يوضح الاهنومي بأن خيرة أعلام اليمن راحوا ضحية هذا المجزرة، مضيفاً أن ممن استشهد فيها السيد العلامة الحسين بن يحيى حورية المؤيدي، والسيد العلامة يحيى بن أحمد بن قاسم حميد الدين، والحاج حسين القريطي والد الشيخ المقرئ محمد حسين القريطي رحمهما الله، الذي ولد في نفس العام، والحاج محمد مصلح الوشاح، أحد أهالي صنعاء.

أما فاجعة الانباء التي وصلت الى اليمن حينذاك فيقول: عمّ السخط والحزن أرض اليمن، وحين وصل الرحالة نزيه مؤيد العظم إلى اليمن وجد الحزن والأسى يعم أهلها، ورثاهم الشعراء والأعيان، وعلى رأسهم القاضي العلامة المؤرخ الجغرافي محمد بن أحمد الحجري، وقال القاضي العلامة يحيى بن محمد الإرياني، والد الرئيس الأسبق القاضي عبدالرحمن الإرياني:

جنيت على الإسلام يا ابن سعود… جناية ذي كُفْرٍ به وجحود

جناية من لم يدر ما شرعُ أحمدٍ… ولا فاز من عذب الهدى بورود[2]

ولما حضر الموتُ السيدَ العلامة يحيى بن علي الذاري رحمه الله أسِف على أمرين لم يوفّق فيهما، وهو أنه لم يقاتل الصهاينة في فلسطين، والثاني أنه لم يجاهد آل سعود اقتصاصا لشهداء مجزرة تنومة، وكان قد فاض ألما في شعره عليهم، فقال راثيا إياهم:

ألا من لطرف فاض بالهملان .. بدمعٍ على الخدين أحمرَ قانِ

بما كان في وادي تنومة ضحوةً .. وما حلّ بالحجاج في سدوان

من المارقين الناكثين عن الهدى .. وعن سنة مأثورة وقران

أحلوهم قتلا وسلبا وغادروا .. جسومهم صرعى تُرَى بعيان

تنوشهمُ وحش الفلاة وطيرها .. لعمرُك لم تسمع بذا أذنان

لذا لبس الإسلام ثوب حداده .. وناح ونادت حاله بلسان[3]

وكتب إلي الأخ محمد سهيل من صعدة أن أمه لا تزال تحفظ بيت شعر من قصيدة شعبية كانت النساء تنشدها في الأعراس أسىً على شهداء تنومة، وهو: يا ريت وأن علي بن أبي طالب على الدنيا يعود *** يؤمن طريق الحج والمذهب يصونه. أهداف جريمة إبادة وعلاقة بريطانيا

وبحسب اكاديمي يمني فقد ارتبط أهداف الجريمة ارتباطا وثيقا ببواعثها ودوافعها وما حدث يحمل في طياته أهدافا تتجاوز مجرَّدَ سلب ونهب الأموال والقتل وتقطيع الرؤوس وتشويه المغدور بهم إلى بث الرعب في أوساط أفراد مجتمعهم، ويبدو أن ترك بعض الحجاج يلوذون بالفرار لم يكن إلا من ضمن أهداف المخطط الإجرامي وذلك لنقل الجريمة بكل تفاصيلها المرعبة إلى المجتمع اليمني.

وبالتالي فإن العدف من هذه الجريمة هو بث الخوف والرعب في أوساط الشعب اليمني لثنيه عن أي مقاومة له عندما يقرر التوسع جنوبا للسيطرة على اليمن وضمه بالقوة إلى مملكته، وقد كانت تلك المذبحة بمثابة الخطوة التحضيرية للخطوة التي تليها.

وهذا ما اكده الدكتور أحمد العرامي رئيس جامعة البيضاء بقوله أن جرائم الوهابيين لم تكن في حق اليمنيين فحسب فقبل مجزرة الحجاج اليمنيين في تنومة وبعدها ارتكب الوهابيون جرائم بحق المسلمين في العراق والشام والحجاز.

واوضح أن الأسباب السياسية بارتكاب مجزرة الحجاج اليمنيين في تنومة وسدوان ارتبطت بالسياسة البريطانية في الوطن العربي بشكل عام وشبه الجزيرة العربية بشكل خاص خلال الربع الأول من القرن العشرين.

وقال اتسمت السياسة البريطانية في الربع الأول من القرن العشرين بالانتقال من السيطرة على السواحل، وضمان طرق الملاحة البحرية إلى الهند عبر البحر الأحمر والخليج العربي إلى الداخل وترتيب الأوضاع السياسية بما يوافق مصالحها.

وأكد أن الإمام يحيى كان قد أسس المملكة اليمنية ودخل صنعاء عام 1336هـ/1918م، ورفض المشاركة في الحرب العالمية ضد الدولة العثمانية منطلقاً من موقف مبدئي شرعي لحرمة قتال دولة إسلامية والتحالف مع دول الاحتلال الأوربية النصرانية.

ونتيجة لذلك وبسبب مطالبة الإمام يحيى باستعادة جنوب الوطن المحتل قامت السياسة البريطانية على أساس حصار الإمام يحيى وحرمانه من أي منفذ بحري يصله بالعالم الخارجي، فسلّمت ميناء الحديدة للإدريسي، وشجّعت عبد العزيز بن سعود على السيطرة على عسير، وارتكاب المجزرة؛ لتكون رسالة تهديد وبث الرعب في نفوس اليمنيين، وفتح جبهة في الشمال تشغل الإمام عن تحرير الجنوب المحتل، وهناك مراسلات بين الإمام يحيى وعبد الرحمن بن عبد الله السقاف يطالب الإمام بضم حضرموت إلى دولته، لكن الإمام لم يستطع بسبب انشغاله بحروب الشمال.

ويضيف الدكتور العرامي أن بداية المشاورات عام 1340هـ/1922م بين الإمام يحيى والشريف حسين قد أزعجت بريطانيا وابن سعود، فكان لابد من فصل اليمن عن الأماكن المقدسة في الحجاز، وإن نجاح المشاورات بين الإمام يحيى والشريف حسين سيجعل ابن سعود محاطاً من جهات اليمن والحجاز وإمارة شرق الأردن التي يحكمها الأمير عبدالله ابن الشريف حسين، والعراق التي يحكمها الملك فيصل ابن الشريف حسين، فارتكبت المجزرة في تنومة وسدوان بحق الحجاج اليمنيين هذا من ناحية.

نائب وزير الإعلام فهمي اليوسفي من جانبه قال أن مجزرة تنومة تمت عبر النفوذ البريطاني الذي خطط وهندس لارتكاب هذه الجريمة وشارك في تنفيذها آل سعود والوهابية لتمرير أهداف استعمارية.

ولفت إلى تعمّد القوى الإمبريالية الغربية والعربية طمس مجزرة تنومة من سجلات التاريخ .

وأوضح اليوسفي أنه كما كان للاستعمار القديم دوراً في تقسيم المنطقة على ضوء اتفاقية سايكس بيكو، يعود من جديد لتقسيم المقسم على ضوء خارطة شرق أوسط جديد .. مضيفا “كما كان للإستعمار القديم دوراً في تأسيس تيارات سياسية بالماضي منها الوهابية وأنظمة متصهينة بالمنطقة منها نظامي السعودية والإمارات وغيرها، ظل نفوذ الناتو قائماً من خلال هذه الأنظمة المصنعة في الغرب وعبر الأجندات والمنظمات ذات الطابع الغربي التي تدار بالريموت كنترول من مطابخ الغرب “.

وأكد أن تحقيق أهداف الغرب في السيطرة على المنطقة العربية والإسلامية ونهب ثرواتها، يتطلب الفوضى واستهداف محور المقاومة ودعم الأجندات المطبعة مع إسرائيل.. لافتا إلى أن ذلك يستدعي تعزيز الوعي المجتمعي واستمرار مواجهة العدوان بقيادة السعودية لإيقاف مطامع الغرب بالمنطقة بشكل عام واليمن تحديدا.

وبحسب البيان الختامي لندوة مجزرة تنومة ومئة عام من العدوان السعودي على اليمن وعلى حجاج بيت الله الحرام التي اقيمت صباح الأربعاء الـ17 من ذي القعدة 1441هـ الموافق 8 يوليو 2020م، فقد اشار الى أن بريطانيا عملت بشكل مباشر وغير مباشر على حصار حكومة الإمام يحيى آنذاك، وشغله عن تثبيت حكمه وحصاره؛ لكي لا يتمكن من تحرير الجنوب المحتل، وحتى لا يشارك اليمنيون في الدفاع عن الأماكن المقدسة عندما يجتاحها ابن سعود لاحقا، وقامت السياسة البريطانية على سياسة فصل اليمن عن الأماكن المقدسة، كما عملت بريطانيا على تشكيل الوضع السياسي في شبه الجزيرة العربية آنذاك بجعل ابن سعود أقوى حكام شبه الجزيرة وحصار الإمام يحيى وإضعافه؛ لتتمكن لاحقاً من تأسيس الكيان الصهيوني في فلسطين. موقف حاكم نجد عبدالعزيز آل سعود من الجريمة

الدكتور أحمد العرامي أكد ايضا أن حاكم نجد عبدالعزيز آل سعود سارع الى إعلان أسفه الشديد على ما تعرض له الحجاج اليمنيون ومواساته للإمام يحيى ولذوي الضحايا، وهو بهذا الموقف إنما أراد إثارة هالة من الغبار تحجب رؤية يديه الملطختين بدماء الحجاج اليمنيين الأبرياء، وهو يدرك أيضاً أن موقفه هذا يجعل خيارات الإمام يحيى والشعب اليمني تجاه أي رد انتقامي منعدمة .

وكان ابن سعود قد قبل بتحكيم الإمام يحيى له في تلك الجريمة، لكنه ظل لسنوات يماطل ويتهرب لإدراكه أن معاقبة المنفذين لها وتعويض ذوي الضحايا إدانة له؛ كون أولئك المنفذين تابعين له ويخضعون لسيطرته المباشرة، ومن المستحيل أن ينفذوا مثل تلك المذبحة من تلقاء أنفسهم، ما لم تكن مدروسة ومخططا لها من مستوى أعلى وموافقا عليها وعلى نتائجها وآثارها من جانب ابن سعود، ومن ثم فإن تنفيذ تلك المذبحة بواسطة تلك الأدوات القذرة وبتلك الصورة البشعة يؤكد وبما لا يدع مجالا للشك مسؤولية ابن سعود عنها فمن نفذوا تلك المذبحة هم أدوات بيده يستخدمها كيفما يشاء ووقت ما يشاء .

ومع أن ابن سعود قد أبدى للإمام يحيى أسفه عقب ارتكاب المذبحة، وهذا الموقف يمثل من حيث الاصل اختيار ابن سعود الطريق الودي لمعالجة آثار الجريمة بعيدا عن أية ردة فعل عنيفة من جانب اليمن، غير أن ابن سعود ظل يماطل ويسوِّف رغم قبوله تحكيم الإمام يحيى له في الجريمة، وظل ذلك دأبه إلى أن أعلن تنصله ونفيه مسؤوليته عن الجريمة وتبعاتها وبرَّأ نفسه منها متذرِّعاً بأنه قد أنزل بمرتكبيها العقاب الذي يستحقونه، وأنه قد أعاد مقتنيات الحجاج وأموالهم.

 

الموقف اليمني من الجريمة

وعن الموقف اليمني حينها من الجريمة اوضح المختار أن الإمام يحيى سعى لمحاكمة مرتكبي الجريمة، والحصول على تعويضات غير أن حاكم نجد عبدالعزيز آل سعود لم يحاكم أو يعاقب أحداً، ولم يقبل بدفع التعويضات خاصة في ظل وجود بريطانيا على الخط.

ويمكن القول أن التعامل مع ذلك الخطب الجلل قد اتسم بالهدوء والعقلانية خصوصا بعد مسارعة حاكم نجد عبدالعزيز آل سعود إلى تعزية الإمام يحيى والشعب اليمني وتأسفه على ما تعرض له الحجاج، ووفقا لقواعد العلاقات الدولية لم يكن أمام الإمام يحيى من خيارٍ سوى التعاطي مع الجريمة بتلك الطريقة بهدف الوصول مع حاكم نجد عبدالعزيز آل سعود لحلول تكفل معاقبة المجرمين والحفاظ على حقوق الحجاج اليمنيين.

ولم يكن الامر منطقيا ولا مقبولاً بالنسبة للإمام أن يختار طريقة أخرى للتعامل كإعلان الحرب مثلا على حاكم نجد عبدالعزيز آل سعود، وكان لا بد من التعامل بتلك الطريقة الهادئة الى أن تأخذ القضية مداها وتنجلي كل ملابساتها محاولة طمس الجريمة

الدكتور المختار تحدث كذلك عن محاولة حاكم نجد عبدالعزيز آل سعود طمس آثار جريمته بحق حجاج بيت الله الحرام وتبرئة نفسه ونفي مسؤوليته عن سفك الدماء البريئة الطاهرة ،  إلا أن كل تلك المحاولات كانت بمثابة تأكيد وقوفه وراء التخطيط لارتكاب تلك المذبحة وإشرافه عليها، وحسابه لنتائجها؛ فطبيعة الجريمة وبواعثها وأهدافها والظروف المحيطة بها كلها عوامل تحاصر المجرم الأكبر حاكم نجد عبدالعزيز آل سعود وأبناءه المتعاقبين على حكم كيانه المجرم.

وقد كان للتكتيك الذي اتبعه ابن سعود أثره البالغ في حجب الجريمة ومحاصرتها ضمن نطاق جغرافي وديمغرافي محدود استعدادا لطمس معالمها بالتعاون مع بريطانيا فكانت رسالة العزاء والمواساة التي بعثها ابن سعود إلى الإمام يحيى بداية ذلك التكتيك حين التزم بمتابعة ومعاقبة مرتكبي الجريمة، وبذلك تم التعتيم تماما عليها، ولعل ما يحصل اليوم من محاولات التعتيم على الجرائم التي يرتكبها طيران نظام آل سعود خير شاهد على سلوك مؤسس كيانهم، رغم الفارق الهائل في وسائل الإعلام التي تغطي بشكل متواصل، وتتناول جرائم عدوان آل سعود بمختلف لغات العالم، وتدينها يوميا منظمات حقوقية دولية.

أما الدكتور فؤاد الشامي، أستاذ تاريخ اليمن الحديث والمعاصر بجامعة صنعاء فأكد حرص بن سعود بعد وقوع المجزرة بحق الحجاج على عدم إثارتها على المستوى السياسي والاجتماعي، حيث استخدم كافة الوسائل المتاحة له، وخاصة النفوذ السياسي؛ ولذلك فقد تمكنت السعودية من إقناع الامام يحيى بطريقة غير مباشرة أنه من الأفضل للجميع عدم إثارة القضية على المستوى الاجتماعي والثقافي ومعالجتها في المستوى السياسي، بعد أن قام الإمام بتحكيم الملك عبدالعزيز، ومع مرور الوقت وبالتدريج تمكنت السعودية من التخلص من تبعات المجزرة القانونية والمالية، ونظراً لعدم إصدار الملك عبدالعزيز حكمه في القضية فقد فشلت اليمن في تحقيق أي تقدم لحمل الطرف السعودي على الاعتراف بمسؤوليته عن المجزرة، بالرغم من الضغط الذي مارسته أثناء المفاوضات بين الطرفين قبل اتفاقية الطائف وأثناء الاجتماعات الثنائية والإسلامية، وفي النهاية تم إقفال الملف من قبل السعودية بعد توقيع اتفاقية الطائف عام 1934م.

واوضح الشامي أن مجزرة تنومة تعرضت للتغييب في المراجع والمصادر اليمنية والعربية، بما فيها ذاكرة اليمنيين باستثناء ذاكرة أهالي الضحايا الذين يحملون ذكريات أليمة إزاء الجُرم الذي لحق بهم.

وأشار إلى أن النظام السعودي حرص على تغييب هذه المجزرة وعدم إثارتها باستخدام كافة الوسائل والأساليب ومنها احتواء كثير من المؤرخين والباحثين والكتاب العرب والأجانب ودفع مبالغ مالية ومنحهم هدايا وامتيازات بهدف إسكاتهم عن التعاطي مع هذه الجريمة وممارسة سياسة الترغيب والترهيب بحقهم.

واضاف أن السياسة السعودية كان لها دوراً رئيسياً في تغييب مجزرة الحجاج الكبرى ” تنومة” على كافة المستويات، ما يتطلب من الباحثين والمؤرخين والكتّاب الكشف عن الحقائق المغيبة واستعادة الذاكرة اليمنية للوصول إلى حقيقة ما حدث في تنومة.

ولفت الدكتور الشامي الى أن السلطات اليمنية كانت تَنْصِبُ نفسها مراقباً على كل ما ينشر من كتب أو أبحاث أو دراسات تاريخية حرصاً على عدم إثارة أو غضب الدولة السعودية عليها من جراء ما قد ينشر في البلاد ولا يتوافق مع أهوائها.

وتطرق الى عدة أمثلة منها ما ذكره الدكتور حمود الأهنومي في كتابه (مجزرة الحجاج الكبرى) نقلاً عن الأستاذ محمد صالح البخيتي بأنه كتب بتاريخ 13-14 يناير 2006م حلقتين في صحيفة الثورة بعنوان (مراسم عيد الأضحى في ريف اليمن مقارنة بمراسم مدنه ماضياً وحاضراً) تعرض فيها لذكر المجزرة، وما قاله الشاعر الكبير الشيخ ناجي الجبري عنها، ولكن لم يُسمح بمرور المقالة كاملة، حيث تعرّضت لتدخلات الرقيب السياسي في الصحيفة، وتم حذف ما يتعلق بالمجزرة، كما تعرض العديد من المؤرخين والباحثين والكتاب لعقوباتٍ سعودية مختلفة بسبب كتاباتهم، ومنهم المؤرخ الكبير الأستاذ الدكتور سيد مصطفى سالم الذي لم يسمح له قط إلى اليوم بزيارة السعودية سواء لأداء مناسك الحج والعمرة، أو لحضور مؤتمر علمي، أو ندوة فكرية، ولم يتلقَّ أية دعوة حضور من أية جهة أكاديمية، على الرغم من المكانة العلمية الكبيرة التي كان يتمتع بها في اليمن، وذلك بسب كتاباته التي كانت تعتبر متمردة على الضوابط السعودية، وآخرها كتابه (مدخل العلاقات اليمنية السعودية) الذي حدّثني أحد المسؤولين السعوديين عنه بقوله: “الدكتور سيد ملكي أكثر من الملكيين، ويتعامل مع السعودية بعدم احترام” ؛ ولذلك تعرض الدكتور محمد الشهاري للنفي من البلاد والمطاردة نتيجة كتاباته الحادة ضد السعودية، وغيرهم الكثير وما خفي كان أعظم. السعودية بين الماضي والحضار

وقال المختار أن الشعب اليمني لم يكن في أية مرحلة من مراحل صراعه مع النظام السعودي إلا مجبرا على دفع عدوانية وهمجية وتوحش هذا النظام، الذي لم يوفر أسلوبا من الأساليب الاجرامية إلا واستخدمه في مواجهة الشعب اليمني، مستدلاً على عدوانية وتوحش نظام آل سعود بما هو حاصل اليوم من جرائم إبادة بحق أبناء الشعب اليمني التي تعد امتدادا لجريمة مؤسس هذا الكيان المسخ عبدالعزيز آل سعود في عشرينيات القرن الماضي، والتي تمثلت في إبادة حجاج بيت الله الحرام في تنومة وسدوان ضاربا عرض الحائط بكل أواصر الدين والأخوة والجوار.

ومذبحة تنومة وسدوان التي تعرض فيها آلاف الحجاج اليمنيين للقتل بصورة وحشية لم تكن سوى مقدمة لحربٍ سعودية على اليمن، والرسالة التي أراد النظام السعودي إيصالها للشعب اليمني مفادها أن المصير الذي واجهه الحجاج يمكن أن يكون مصير كل من سيقاوم أو يعارض حاكم نجد عبدالعزيز آل سعود عندما يقرر غزو الأراضي اليمنية لضمها إلى مملكته، وإذا كان هذا هو منطق مجرم آل سعود فكيف كان وقع الجريمة وتأثيرها على الشعب اليمني وحكومته.

وهذا ما اكده ايضا محمد حمود المؤيد الذي قال من جانبه أن مجزرة تنومة كانت الخطوة الأولى في مشوار الاجرام السعودي المتواصل بحق اليمنيين من قبل 100 عام وحتى اليوم، مبيناً ان حادثة تنومة لم تزل جرحاً غائراً في قلوب اليمنيين لن يندمل إلا باجتثاث الفكر الوهابي التكفيري الداعشي والنظام المتعجرف من أرض نجد والحجاز.

وفي العصر الحالي يمكن الاستشهاد بجريمة مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي الذي خرج من عباءة النظام، ولجأ الى أمريكا، ليعلن معارضته لنظام آل سعود من هناك غير أن ترتيب جريمة قتله بتلك البشاعة وبذلك التوحش من نشر وتقطيع وإذابة تؤكد أن القتل بحد ذاته لم يكن هو المقصود فحسب، وأن الهدف أبعد من ذلك بكثير، وهو إيصال رسالة لكل معارض خارج السعودية، أو لا يزال داخلها وينوي أن يسلك مسلك خاشقجي، أن مصير خاشقجي سيكون مصيره، ولن يفيده اللجوء الى أمريكا أو بريطانيا أو غيرها فسيتم جلبه أو الوصول اليه وتقطيعه حيثما كان.

وكذلك يمكن الاستشهاد بالفظائع التي ارتكبها ولا يزال يرتكبها نظام آل سعود بحق الشعب اليمني منذ اليوم الأول للعدوان وحتى اليوم، وما تعرض له المدنيون أطفالا ونساء ورجالا من مجازر شبه يومية في الأحياء السكنية وفي المدارس والمصانع والمساجد وصالات الأفراح والعزاء والأسواق والمستشفيات ومراكز ذوي الاحتياجات الخاصة وفي الطرقات، وما ألحقه العدوان من دمار شامل وهائل بكل مقومات حياة الشعب اليمني، كل ذلك الإجرام والتوحش القصد منه ترويع الشعب اليمني وإرهابه وكسر إرادته، وفرض خيارات استسلامية على المجاهدين من أبناء الشعب اليمني؛ لثنيهم عن مقاومة ومجابهة عدوان نظام آل سعود؛ ليتمكن هذا النظام من بسط سيطرته على عاصمة اليمن خلال أيام كما زعم متحدثه العسكري في بداية العدوان.

 

محاكمة النظام السعودي

ويوضح الدكتور حمود الأهنومي أن السعودية أبدت إنزعاجا كبيرا إزاء مدى وعي المجتمع اليوم بمجزرة تنومة ومعرفة أبعادها وخلفياتها ومظلومية شعبنا وتداول العديد من الوسائل المحلية والدولية تفاصيلها التي حققت صدى قويا ومجلجلا، مؤكدا أن استمرار العدوان على بلادنا يحتم إحياء ذكرى هذه المجزرة ولاسيما الذكرى المئوية الأولى بشكل قوي ولائق يعزز واقع الصمود والثبات والانتصار ، ورسالة لكل الطغاة بأننا قوم لا ننسى شهداءنا ولو تقادم العهد بهم عقودا وقرونا من الزمان .

ودعا الأهنومي إلى التحرك السياسي والقضائي لمقاضاة مجرمي تنومة أمام المحاكم الدولية والمحلية وطرح القضية في أية مفاوضات سياسية قد تنشأ بين شعبنا والنظام السعودي لكون باب القضية لم يغلق سياسيا ولا قضائيا.

من جانبه دعا العميد عابد الثور الجهات القانونية إلى فتح ملف تنومة أمام المحاكم الدولية والجهات القانونية في العالم لمحاسبة وملاحقة النظام السعودي إزاء ما ارتكبه من جرائم بحق الشعب اليمني ماضياً وحاضراً.

ويتفق الاهنومي والمختار على ضرورة ملاحقة نظام آل سعود قانونيا وقضائيا أمام المحاكم المحلية، والدولية، وإعلان إلغاء معاهدة الطائف واتفاقية جدة نظرا لانتهاك السعودية لبنودهما، وإلزام نظام آل سعود بالاعتراف بجريمة الإبادة هذه عبر مختلف الأطر السياسية والحقوقية والإعلامية، والكشف عن مصير رفات الشهداء في تنومة، والعمل على استعادته، أو إقامة مقبرة رمزية لهم في المكان الذي استشهدوا فيه، والعمل على اعتراف إقليمي ودولي وعالمي بالمذبحة بوصفها تمثل جريمة ضد الإنسانية لا تعني اليمني فحسب بل تعني كل البشرية، والتنسيق بين المنظمات الحقوقية اليمنية ومثيلاتها العربية والأجنبية لخلق رأيٍ عامٍّ مساند ومؤيد ومتعاطف مع موقف اليمن من المذبحة، واستمرار جمع الوثائق المتعلقة بجريمة الإبادة وفرزها وأرشفتها ورقيا وإلكترونيا تمهيدا لعرضها على محكمة الجنايات الدولية، وغيرها من محاكم الدول ذات الاختصاص العالمي، وتشكيل هيئة أو جمعية تمثل أقارب الشهداء في تنومة تعنى بملفهم القانوني ومقاضاة النظام السعودي.