أضواءٌ على استراتيجية القائد للنهوض بالقطاع الزراعي بمأرب والجوف

27/ 9 /2020م

 مقالات

منير الشامي:

كلنا نعلمُ أن الحضارةَ السبئيةَ قامت على أرضِ مأرب والجوف، ونعلمُ أَيْـضاً أن العاملَ الرئيسي لقيامِ تلك الحضارة العريقة تمثل بالزراعة، وهو ما بينه الله سبحانه وتعالى لنا بقوله جل في علاه:-

(لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آَيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ) صدق الله العظيم، سورة سبأ- آية (15).

وهذه الآية الكريمة تكفينا هداية إلى أهم عامل من عوامل النهوض باقتصادنا الوطني وإلى ركن من أركان القوة التي أمرنا الله تبارك وتعالى بإعدادها لمواجهة أعدائنا بقوله جل من قائل عليم (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ) صدق الله العظيم

فالقوةُ التي أمرنا الله بها ليست محصورةً في إعداد الجيش والسلاح، بل إن المقصودَ بالقوة في الآية هو الوصول إلى مستوى الاعتماد على أنفسنا في كُـلّ ما نحتاج إليه وأن نبذلَ جهودنا وكل طاقتنا حتى نتعدى مستوى الاكتفاء الذاتي إلى مرحلة الإنتاج الفائض في الغذاء الكساء والأسلحة وكل ما يحتاج إليه الإنسان في حياته ومتى ما وصلنا إلى هذه الحالة نكون عندئذ قد بلغنا مستوى القوة الحقيقية.

والآية السابقة من سورة سبأ تهدينا إلى الخطوة الأولى في رحلتنا لبلوغ القوة، والمتمثلة باستغلال البلدة الطيبة وزراعة جنتيها وإحيائهما لتعودا كما كانت كلٌّ منهما، وبمعنى آخر فالآية ترشدُنا إلى ما يلي:-

1- لفظ (بلدة طيبة) ترشدنا إلى خصوبة تربتها وطيب ثمارها.

2- لفظ الجنتين في الآية يرشدنا إلى أن تلك البلدة قد هيّأها الله ووفر فيها كُـلَّ العوامل اللازمة لزراعة وإنتاج كُـلّ أنواع الحبوب والفواكه؛ لأَنَّ الجنةَ هي الأرضُ التي تنتجُ كُـلَّ الطيبات مما تخرجه الأرض.

3- ترشدنا الآية أَيْـضاً إلى أن نتحَرّك لذلك معتمدين على الله ومتوكلين عليه بروح التقوى والإيمان وبوعي البصيرة والقرآن والشكر لله على فضله والإحسان.

4- ترشدنا الآية إلى أن هذه الأرض أعظم وأنفس كنز بيد الشعب اليمني إذَا ما أحسن استغلاله واستثماره على الوجه الذي يرضي الله سبحانه وتعالى.

ومعنى ما سبق أننا إذَا تحَرّكنا على النحو الذي ترشدنا إليه واستغلينا ما في هذه الأرض الطيبة التي حبانا الله بها فإننا بإذن الله تبارك وتعالى سنبلغُ مستوى الاكتفاء الذاتي ونتعدى ذلك لبلوغ القوة في ظرف بضع سنوات قليلة فقط.

وهذا هو ما تعكسُه توجيهاتُ قائد الثورة يحفظه الله ويرعاه في هذا الخصوص، فاهتمامُه بهذا الأمر نابعٌ من رؤية قرآنية وبصيرة ربانية، وما توجيهاتُه إلى كُـلّ الأطراف بالتحَرّك الجاد لاستغلال الأراضي الطيبة والواسعة بهاتين المحافظين بتحريك عجلة التنمية الزراعية فيهما من خلال خطوات واقعية منظمة ووضع استراتيجية عملية مزمنة، ودراسات علمية فعّالة ورصد موازنات تمويلية لذلك والشروع الفوري في التنفيذ إلا ليقينه الأكيد بأن قوتَنا في اكتفائِنا وعزتنا في الاستغناء عن منتجات غيرنا، فإذا ما تحقّق لنا ذلك فحينها لن يبقى لأعدائنا أيةُ نقطة ضعف علينا ولن يبقى أمامنا أيُّ هَمٍّ أَو تحدٍّ يشغلنا عن مواجهة أعدائنا والتصدي لمؤامرتهم وحينئذ لن يكون أمامهم إلا إيقافُ استهدافهم لنا وانسحابهم الفوري من مواجهتنا وانقلابهم من حالة العداء علينا إلى حالة الاسترضاء لنا.

إنَّ الخطةَ الاستراتيجيةَ للنهوض بالقطاع الزراعي في مأرب التي تعكفُ وزارة الزراعة على إعدادها حسب ما أكّـده نائب وزير الزرعة والرأي الدكتور رضوان الرباعي، وما سبقها لمحافظة الجوف هو الترجمةُ الحقيقيةُ لتوجيهات قائد الثورة -يحفظه الله ويرعاه- وما تزامن تحَرّك وزارة الزراعة مع الانتصارات التي يسطرها أبطال الجيش واللجان الشعبيّة في ذلك وبهذه السرعة إلا دلالة واضحة على جدية الأمر وصدق الإرادَة وعلى مواصَلة المضي في تعزيز الصمود الشعبي والتوجّـه الحقيقي لثورة الـ 21 من سبتمبر المباركة في تجاوز كافةِ التحديات التي خلقها العدوانُ وحصارُه لتحقيق أهدافها العظيمة التي قامت مِن أجلِها.

وهو الأمر الذي يجب أن تستوعبَه كُـلُّ الأطراف المعنية وأولها وزارة الزراعة خُصُوصاً في مرحلة إعداد استراتيجية النهوض الزراعي بمحافظة مأرب حيث ومن الضروري أن تراعيَ إعداد دراسة واقعية قابلة للتنفيذ واعتماد آلية التنفيذ وفق أولوية تحقيق الأهداف الفرعية المتوازن مع القدرات المتاحة، وطبقاً لبرنامج زمني مناسب وقابلٍ للقياس والتقييم في طريق الوصول إلى تحقيق الأهداف الاستراتيجية العامة وليس العكس؛ لأَنَّ وضعَ خطة استراتيجية النهوض بالقطاع الزراعي حسب الأهداف العامة التي تضمنتها الرؤية الوطنية لا يمكن تحقيقُها في ظل الظروف الصعبة وشحة الموارد وقلة الإمْكَانيات، ما يعني أن وضعَها على هذا الأَسَاس سيجعلُ تجاوُزَ التحديات غيرَ ممكنٍ وسيترتب على ذلك الفشل المسبق للخطة، كما يجبُ على وزارة الزراعة بذلُ الجهود لتوفير الاعتمادات المناسبة للتنفيذ ومنحُ القطاع الخاص التسهيلاتِ المحفزةَ للمشاركة في إدارة عجلة النهوض بالقطاع الزراعي في أرض الجنتَين.