بايدن.. السياسةُ المتوخاة

14/ 11 /2020م

مقالات:

يحيى مقبل:

انطوت صفحةُ ترامب وكوشنر وبومبيو ومايك بنس، ولكن مطابخَ السياسة الأمريكية التي طبخت مشروعَ الشرق الأوسط ستستمرُّ في طبخِ نُسَخٍ محدثة من المشروع رغم تعاقُبِ الديمقراطيين والجمهوريين على البيتِ الأبيض.

إنَّ مطابخَ السياسة الأمريكية من المعاهد ومراكز الدراسات التابعة للخارجية والاستخبارات والبنتاغون لم تتغير، وأن الرئيسَ الجديدَ جو بايدن والنائب السابق لأوباما هو واحدٌ من أسوأ رجال السياسة الأمريكية، فقبل عقد ونصف عقد من اليوم عندما كان عضواً في مجلس الشيوخ الأمريكي تقدم بطرح أسوأ مشروع عرفته المنطقةُ العربية وهو مشروعُ تقسيم العراق إلى دويلات ثلاث.

سمعنا بعضَ المسؤولين الديمقراطيين وبعضَ المنابر الإعلامية في أمريكا تتحدث عن عزم بايدن وقفَ صادرات السلاح الأمريكي إلى السعودية فور تسلمه منصبَه بشكل رسمي، ولكن مثل هذه القرارات إذَا اتخذت لا تعني تغييراً في السياسة الأمريكية التفكيكية تجاه اليمن والمنطقة، ولا هي محاولة لغسل يديها الملوثتين بدماء المدنيين اليمنيين المذبوحين بشظايا السلاح الأمريكي بقدر ما هي تعبيرٌ عن استياء شديد من الأداء السعودي الرديء جِـدًّا في اليمن وفي الداخل السعودي واحتجاجٌ على نشر الصحفي السعودي خاشقجي والذي كان له صدى واسع في الداخل الأمريكي وبقية العالم، وقد أكّـد بايدن نفسه أكثر من مرة عزمَه حظرَ بيع السلاح على السعودية وعزمَه حال فوزه بالرئاسة معاقبةَ السعودية على مقتل خاشقجي، وأشَارَ تصريحاً إلى تورط محمد بن سلمان في جريمة النشر الفظيعة.

إن أمريكا، سواءً حكمها جمهوري أَو ديمقراطي، ستظل هي الوريثَ المخلِصَ للقوى الاستعمارية الكولونيالية وحاملةَ مشروع التفكيك الكولونيالي، ولكن بهندسة جديدة أكثر إيغالاً في التفكيك. فإذا كانت بريطانيا وفرنسا في الحقبة الاستعمارية قد حالتا دونَ قيام الدولة الأُمَّــة أَو الدولة القومية لصالح الدولة القُطرية، فقسموا الأُمَّــةَ إلى شعوب، فَـإنَّ أمريكا تطبق نموذجاً يزوِّرُ حقائقَ الاجتماع العربي بشكل غير مسبوق، فتسعى لتقسيم الشعب الواحد إلى أعراق وطوائفَ ومناطقَ وقبائلَ وعشائرَ وبطونٍ وأفخاذ، كما يقول بالقزيز: صحيحٌ أن أمريكا لم تعد تتبنى سياسةً هجوميةً، كما فعلت في احتلال العراق في الألفين وثلاثة؛ وذلك نظراً للتغير الملحوظ والمطرد في النظام العالمي من أُحادي القطب إلى متعدد الأقطاب، فقد شكّل بروز قوىً دوليةٍ وازنة كالصين وروسيا انعطافةً في مسار أولويات واشنطن وفي الوسائل المتوخاة للتفكيك.

ومن المتوقع أن أمريكا في عهد بايدن ستستمر في السعي لـ “إعادة تصنيع كيانية عربية أرخبيلية ممزقة لا حول لها؛ للسيطرة على مصادر الطاقة ولإنهاء كُـلّ مخاوف الأمن الصهيوني، ولتكوين دويلات طائفية ومذهبية تسوغ شرعيةَ الدولة الطائفية اليهودية في قلب المنطقة العربية”.

ولما لليمن من أهميّة جيوستراتيجية في الأمن الطاقوي والأمن الصهيوني فَـإنَّها لن تغيبَ عن الاهتمامات الأمريكية في عهد الديمقراطيين، الذين قد لا يعتمدون كَثيراً على الوكيل السعودي الفاشل والاعتماد أكثر على الوكيل الإماراتي.

ولكن وكما فشلت الكثيرُ من المشاريع الأمريكية بفضل صمود القوى الممانعة للسياسة الأمريكية ومع التغير المطرد في موازين القوى العالمية والإقليمية باتت الفرص الأمريكية في تفتيت وتفكيك المنطقة تتضاءل.