الملفات الإنسانية.. اختبارٌ لصدق النوايا

 بقلم/ علي ظافر                                                                                                                                                            منذُ إعلانِ الرئيس الأمريكي الجديد جوزيف بايدن مطلعَ فبراير الجاري تعليقَ دعم بلاده للرياض وأبوظبي، والضغط باتّجاه وقف الحرب على اليمن، فَـإنَّ الإدارةَ الأمريكيةَ لم تقدم حتى اللحظة أيةَ براهين واقعيةٍ ملموسة تؤكّـدُ تغيُّرَ سياستها في هذا المجال، وأن ثمة تحولاً فعلياً لتعديل سلوكها العدواني تجاه اليمن.

وتمثل المِلفاتُ الإنسانيةُ المُلحةُ في بلد طحنته الحربُ العدوانية على مدى ست سنوات وتسببت بأسوأ كارثة إنسانية في العالم، المِحكَّ الحقيقي لاختبار صدق نوايا الإدارة الجديدة ومن تصفهم بشركائها الإقليميين (السعودية والإمارات)، فالقول شيءٌ والواقعُ على الأرض شيءٌ آخر.

وفيما أبدى بعضُ المرافقين تفاؤلاً حذراً تجاه التصريحات الأمريكية مؤخّراً، فَـإنَّ صنعاءَ تنظُرُ بعين الشك والارتياب لتصريحاتٍ تراها منزوعةَ المفاعيل والبراهين، متمسكة بمطلب “وقف العدوان ورفع الحصار أولاً”، وحلحلة الملفات الإنسانية العالقة ومن بينها ملف الأسرى والمعتقلين والمفقودين، وإنهاء مظاهر القرصنة البحرية للتحالف على سفن المشتقات النفطية وفتح ميناء الحديدة ومطار صنعاء، وصرف مرتبات الموظفين، وُصُـولاً إلى الإيقافِ الشاملِ للعمليات العسكرية، متمسكة بحقها في “الدفاع المشروع” طالما استمر العدوان.

في الملفاتِ الإنسانيةِ لا يبدو أن ثمةَ جديةً لدى تحالف العدوان السعودي الأمريكي لحلحلتها كخطواتٍ أولى لبناء جسور الثقة وتهيئة المناخ السياسي للعبور نحو السلام، ففي مِلف الأسرى يؤكّـد رئيس اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى عبدالقادر المرتضى، أن الأطرافَ الممثلة للتحالف على طاولة المفاوضات المنعقدة حَـاليًّا في الأردن حول مِلف الأسرى تضع للأسبوع الثالث على التوالي عراقيلَ واشتراطاتٍ من خارج اتّفاق عمان قد تفشل تنفيذ الاتّفاق الذي يقضي بتحرير 200 أسير من الجيش واللجان مقابل الإفراج عن 100 عنصر من المرتزِقة بينهم ناصر منصور (شقيق الفارّ عبدربه منصور هادي)، فيما بات من الصعب البحثُ في إمْكَانية توسيع عدد الصفقة لتشمل أعداداً أكبرَ من الصفقة السابقة التي تمت منتصف أُكتوبر من العام المنصرم.

وبموازاة عرقلة ملف الأسرى تواصل بحرية التحالف قرصنتها على ١٢ سفينة نفطية بينها سفينة مازوت، رغم خضوعها للتفتيش وحصولها على تصاريح من الأمم المتحدة بحسب المتحدث باسم شركة النفط عصام المتوكل، ويشير المتحدثُ المتوكل إلى أن بعضَ السفن مر على احتجازها عشرة أشهر.

ومن شأن منع وصول المشتقات النفطية إلى ميناء الحديدة، تعميقُ الأزمة الإنسانية، والتسبب بشلل وتوقف القطاعات الصحية والخدمية وتعريض حياة أكثر من عشرين مليونَ نسمة للخطر في المناطق الخاضعة لسيطرة المجلس السياسي الأعلى، ويمثل هذا الرقم ٨٠ % من سكان اليمن.

وعلى صعيد متصل بالمِلف الإنساني، فَـإنَّ مطارَ صنعاء ما يزال مغلقاً أمام الرحلات الإنسانية؛ بفعل الحظر الجوي المفروض من قبل التحالف منذ أكثر من ثلاث سنوات.

عسكريًّا وفي مؤشر غير إيجابي أَيْـضاً يعزز عدمَ جدية التحالف السعودي الأمريكي في وقف الحرب، شنت الطائراتُ السعودية قرابة ٣٠ غارة جوية على محافظات مأرب وصعدة وحجّـة خلال الساعات الماضية.

ويأتي هذا التصعيدُ عقبَ سيلٍ من التصريحات الدبلوماسية والمزاعم الأمريكية بالدفع بعجلة الأمور نحو إيقاف الحرب وإحلال السلام، وفي ظل لقاءات هي الأولى جمعت المبعوث الأمريكي لليمن تيم ليندركينغ الذي عينه بايدن مؤخّراً، بالمبعوث البريطاني مارتن غريفيث، ونائب وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان، وفي هذا السياق أشَارَت مجلةُ فورين بوليسي الأمريكية إلى أن ‏ليندركينغ توجّـه إلى ‎السعودية حاملاً “رسالةً عاجلةً لوقف الحرب في ‎اليمن”.

وفي ظل استمرار القصف الجوي والحصار الشامل، ورغم انعدام التكافؤ والتناسب في رد صنعاء عسكريًّا على الرياض، فقد أعلنت القواتُ المسلحة، يوم الأربعاء في تغريدة نشرها المتحدثُ العسكري العميد يحيى سريع، استهدافَ مرابض الطائرات الحربية في مطار أبها الدولي بطائرات مسيَّرة من نوع صمَّاد ٣ وقاصف 2k، وأكّـد العميد سريع تحقيقَ إصابات دقيقة في سياق الرد على القصف الجوي والحصار، مجدّدًا تحذير السعودية من استخدام المطارات المدنية لأغراض عسكرية، متوعداً بـ “استمرار الرد طالما استمر العدوان والحصار”.

وفي تناغُمٍ بين الموقف العسكري والسياسي والدبلوماسي في صنعاء، أكّـد رئيسُ الوفد الوطني المفاوض والناطق باسم أنصار الله، محمد عبدالسلام، أن “العمليات العسكرية الدفاعية المشروعة ستستمر بكل ما أوتينا من قوة.. حتى يتوقف العدوانُ والحصار تماماً”.

واعتبر أن “جرائمَ تحالف العدوان الأمريكي ضد الشعب اليمني التي وصفها بـ “البشعة والإرهابية” غيرُ مسبوقة عالميًّا، وأنها تجعلُ من السعودية والإمارات دولتين ملاحقتين حقوقياً ومنبوذتين إنسانياً وحتى سياسيًّا”.

وسطَ هذه المعطيات الإنسانية والعسكرية والسياسية يستبعدُ كثيرٌ من المراقبين إمْكَانية إحلال السلام قريباً من دون وقف الحرب ورفع الحصار، ذلك ما يجعل إدارة بايدن أمامَ اختبار إنساني قد يبدو صعباً من وجهة نظرهم، لكنه ممرٌّ إجباري بالنسبة لليمنيين الذين صمدوا ستَّ سنوات أمام أعتى عدوان عسكري في التاريخ المعاصر، ولم يعد لديهم ما يخسرونه.