وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ

{وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (آل عمران:105) الآيات من أولها، سواء ما كان منها يتحدث عن خطورة القضية التي تواجهنا – والتي عادة ما يتبادر إلى أذهان الناس وحدة الكلمة ليكونوا بمستوى المواجهة، أليس هذا طبيعي يحصل .

ثم من بداية التوجيه للناس نحو الطريق -التي فيها ما يجعلهم بمستوى مواجهة هذا الخطر بل القضاء عليه وضربه – كلها تتجه نحو وحدة الكلمة تحت الاعتصام بحبل الله جميعًا، كلها في هذا.. {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا} (آل عمران: من الآية 103) {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ} (آل عمران: من الآية 104 الآية الأولى فيها ثلاث عبارات تؤكد على وحدة الكلمة، على وحدة الأنفس، وحدة الصف {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ} (آل عمران: من الآية 104) كذلك تؤكد الوحدة.
ثم يأتي نهي مؤكد بوعيد شديد {وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (آل عمران:105) تنهى عن التفرق، تنهى عن الاختلاف، وتحذر أن نكون مثل أولئك الذين تفرقوا واختلفوا، وهم تفرقوا واختلفوا من بعدما جاءتهم بينات من قِبَل الله توجههم إلى ما يحول بينهم وبين التفرق والاختلاف، توجههم إلى ما سيجعل منهم أمة واحدة لا تتفرق ولا تختلف، لكنهم تفرقوا واختلفوا؛ تبعًا للأهواء أو جهلًا بدين الله، أو بغيًا من بعضهم على بعض، أو حسدًا من بعضهم لبعض، تفرقوا واختلفوا.
ولم يكن هناك تقصير من جانب الله سبحانه وتعالى أنه لم يوجههم إلى ما يجعل منهم أمة واحدة، أنه لم يأتِ من جانب الله ما يحذرهم من خطورة التفرق والاختلاف، ما ينهاهم عن التفرق والاختلاف، كل شيء قد أتى من قِبَل الله على أوضح ما يمكن وأعلى ما يكون. فهو يقول لنا: بأنكم لا تتفرقوا ولا تختلفوا، ينهانا عن التفرق والاختلاف، وعندما ينهانا عن التفرق والاختلاف؛ لأنه يعلم أن في التفرق والاختلاف الضربة الموجعة لنا، الضياع لديننا، الإهانة لأنفسنا، الشقاء في الدنيا وفي الآخرة، في الدنيا شقاء في الحياة وذلة وخزي في الحياة وفي الآخرة نار جهنم.
عندما ينهانا عن التفرق لا بد وأنه قد رسم لنا الطريق التي إذا سرنا عليها سنكون متوحدين على أرقى ما يمكن أن نتصور، من توحد الصف، توحد الكلمة، تآلف القلوب، تآلف النفوس، لقد أرشد الله إلى ما يجعلنا بهذا المستوى في كتابه الكريم.
فعندما نتفرق ونختلف فنحن تفرقنا واختلفنا على الرغم من وجود آيات الله التي تحول بيننا وبين التفرق لو عملنا بها، أما عندما نتفرق ونختلف ونصبغ فرقتنا واختلافنا بصبغة دينية فإن ذلك يدل على جهل شديد جهل شديد بآيات الله، جهل شديد في مقام معرفة الله، اتهام لله في حكمته، اتهام لله في رحمته، اتهام لله في علمه وهدايته، ونقول: [ما سبر إلا كذا، وليس لنا إلا هذه الطريق، فواجب على كل منا أن يمشي عليها بمفرده] كما هو منطق من يصبغهم [أصول الفقه] بقواعده، من يصبغهم [علم الكلام] بقواعده، ممن يضع نفسه وقلبه بين أيديهم من بداية عمره، فينشأ وهو يرى [أن التفرق والاختلاف هو ما يعني الحرية الفكرية، هو ما يعني كرامة الإنسان، هو ما يعني اتساع المعرفة، ما يؤدي إلى التفرق والاختلاف هو الميزة في هذا الدين]. فتقدم الأشياء معكوسة، وتُسمى بعناوين هي بعيدة عنها، وتُكتب فوقها عناوين هي أبعد ما تكون عنها.
أين الحرية لأمة متفرقة؟ أليس ذلك يؤدي إلى استعباد هذه الأمة؟ لأننا نجد في المقابل أن أولئك الذين ينطلقون نحونا ليستعبدونا ويستذلونا، أليسوا هم يتوحدون على أرقى ما يمكن فيه التوحد فيما بينهم في مواجهتنا؟ يتوحدون في مواجهتنا، وينطلقون جيوشًا من مختلف البلدان تحت قيادة واحدة لضابط أمريكي، وتوجيهات واحدة تصدر من تحته، ففي إطار هذه القضية الواحدة يتوحدون فيما بينهم، ونحن نتفرق ونصبغ تفرقنا بأنه هو الحرية الفكرية، ثم نقول في الأخير [اختلاف أمتي رحمة]. تجلّت الرحمة الآن، ألسنا مختلفين؟ ها هي الرحمة لكبارنا والرحمة لأفراد شعوبنا!! تتحول إلى جنود لأمريكا وإسرائيل هذه هي رحمة، نصبح تحت رحمة اليهود والنصارى، هل هذه هي الرحمة؟!
نعم اختلاف أمتي تجعلنا تحت رحمة اليهود والنصارى، هي رحمة تجعلنا تحت رحمتهم، هل رسول الله يريد لنا هكذا؟! لا، الله لا يريد لنا هذا، رسوله لا يريد لنا هذا. {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} (التوبة:29)، من الذي يعطي الجزية الآن عن يد وظهر وبطن وهم صاغرون؟ المسلمون والاّ أهل الكتاب؟ نحن نأتي نعطيهم بترولنا من الباطن، ونعطيهم عقولنا وقلوبنا في الظاهر، ونقدم أنفسنا بين أيديهم في الظاهر، أموالنا تسير إلى جيوبهم من باطن الأرض وظاهرها، وألسنتنا تخدمهم، وأقدامنا تتحرك في خدمتهم ونحن مع ذلك صاغرون تحت أقدامهم، هل هذه هي الرحمة؟
فما الذي جعلنا هكذا؟ أن الأمة لم تعتصم بحبل الله جميعًا، ولم تكن أمة تدعو إلى الخير وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فتكون مفلحة، وأنهم تفرقوا واختلفوا من بعدما جاءهم البينات، وأولئك لهم عذاب عظيم.
يدل على خطورة التفرق والاختلاف، وأنه في حد ذاته جريمة، هو في حد ذاته جريمة؛ لأنه توعد عليه بخصوصه بالعذاب العظيم، {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (آل عمران:105) أي متى كنتم مثل أولئك المتفرقين والمختلفين من بعدما تأتيكم البينات فماذا؟ فسيكون لكم عذاب عظيم كما كان لهم.

#سلسلة_سورة_آل_عمران (3- 4)
#دروس_من_هدي_القرآن_الكريم
#الدرس_الثالث
{ولْتَكُنْ مِنْكُم أمَّة}
ألقاها السيد/ #حسين_بدر_الدين_الحوثي
بتاريخ: 11/1/2002م
اليمن – صعدة
الله أكبر
الموت لأمريكا
الموت لإسرائيل
اللعنة على اليهود
النصر للإسلام