السلام المتأرجح بين العقوبات والمبادرات عبدالملك الحوثي والذين معه
بقلم / ابراهيم سنجاب ما بين عقوبات فرضتها واشنطن أمس على عدد من اليمنيين والإيرانيين وكيانات أخرى بتهمة تسهيل عمليات نقل أموال للحوثيين, وبين تأكيد قيادة التحالف العربى للحرب على اليمن بأنه لم يتم تنفيذ أي عمليات عسكرية بمحيط صنعاء وأي مدينة يمنية خلال الفترة الماضية بهدف تهيئة الأجواء السياسية للمسار السلمى لإنهاء الأزمة اليمنية .
وما بين إدانة حزب الإصلاح ( الإخواني ) قيام معاذ أبو شمالة ممثل حركة حماس الفلسطينية في صنعاء بتكريم محمد على الحوثى عضو المجلس السياسى الأعلى ومنحه درعا, معتبرا ذلك استفزازا لليمنيين الذين يقاومون جماعة أنصار الله عليهم في مختلف المحافظات ، وبين صمود جماعة أنصار الله فى ميادين القتال المفتوحة على عشرات الجبهات، وصبرهم على التهديدات والإغراءات التي تقدم إليهم لوقف القتال وعدم الدخول إلى مأرب، تجرى خلف الكواليس مباحثات تقودها سلطنة عمان بالنيابة عن السعودية مباشرة، وملخصها استرضاء جماعة أنصار الله فى مقابل حفظ ماء الوجه وإنهاء الحرب على اليمن وتعويضه عن سنوات الدمار.
منذ تولى جو بايدن السلطة فى الولايات المتحدة الأمريكية وقبل ذلك بعدة أشهر فى زمن دونالد ترامب، عرضت واشنطن على صنعاء عدة سيناريوهات لوقف الحرب .
ولكن وصول بايدن للسلطة شهد تسريعا وتركيزا أكثر على اليمن وكانت إحدى أولويات سياسته الخارجية من أول يوم، ضمن صفقة شاملة مع إيران باعتبار ما بين صنعاء وطهران من تحالف استراتيجي فى محور المقاومة .
حيث رأينا مباحثات مباشرة بين طهران والرياض تحدث عنها ولى العهد السعودى محمد بن سلمان فى حوار تليفزيونى، وكشف عنها نائب وزير خارجية البرتغال بوريكو بيرلهانت دياس، فى حواره مع صحيفة الشرق الأوسط بعددها الصادر يوم الجمعة 11 يونيو الجاري قائلا : نتابع عن كثب المحادثات التى بدأت أخيرا بين السعودية وإيران ونود أن نشجهم على إتباع هذا المسار
إذن ورغم غموض الرؤية بشأن ما ستسفر عنه المباحثات فى عدة عواصم عربية وأجنبية، إلا أن جملة التصريحات من كل الأطراف تشير إلى قرب توقيع اتفاق سلام أو إن شئت الدقة نصف اتفاق أو خطوة على طريق وقف الحرب في اليمن (فيها أو عليها) .
إذا بدأنا بأطراف الصراع فى اليمن فلا نجد تصنيفا لطرف الشرعية برئاسة عبد ربه منصور هادى، فثلثى عدد سكان اليمن يتمتعون بالأمن فى مناطق سيطرة صنعاء والجيش واللجان وجماعة أنصار الله، بينما الثلث الأخر يقع تحت سيطرة المجلس الانتقالي فى عدن وما حولها، كما لا نجد تصنيفا لكتائب طارق عفاش على الساحل الغربى وكذلك جماعات أخرى مسلحة فى مناطق متفرقة ,إذ أنها لا تخضع لسيطرة الشرعية، ولا هى مستقلة بنفسها بحيث يتم دعوتهم لمباحثات أو مفاوضات أو حتى مشورة.
ثم إن الشرعية وبقية الجماعات خارج سيطرة صنعاء بوزرائهم ومحافظيهم وقياداتهم العسكرية لا يقبلون بمشروع ولا يرفضون، ولا تسمع لهم صوتا إلا لطلب الدعم المالى أو العسكرى، وعلى الأرض يخسرون كل يوم أرضا ورجالا ، مكتفين بأن يموت شبابهم فى الجبهات ويفتقد سكان مناطقهم إلى الأمن بنفس الدرجة التى يكتفون فيها بأن تتحدث باسمهم الرياض وأبو ظبى . إذن فلا دولة ولا مشروع دولة، فيما صنعاء تربح كل يوم أرضا جديدة وتحقق كل يوم اختراقا سياسيا فى جسد التحالف والشرعية ,وتكتسب كل يوم مصداقية أكبر فى العالم والأمم المتحدة، إذ أن شرعيتها المحلية تحميها دماء يمنية على الجبهات، وصبر استراتيجى على الحصار، وحاضنة شعبية تزيد يوما بعد يوم رغم الاثار السلبية للعدوان اقتصاديا واجتماعيا . ليس ذلك فقط ولكن صنعاء أنصار الله تضع قدمها كل يوم فى أرض جديدة سعيا للحصول على الشرعية الدولية من خلال وفود الأمم المتحدة ومنظماتها ووفود الوزراء والسفراء من كل دول العالم ولقاءاتهم بوفد التفاوض اليمنى .
وهنا، قد يكون سؤالا غبيا إذا تساءلت من هم الذين تمثلهم الشرعية لتتفاوض باسمهم ؟ وما نسبتهم فى عدد سكان اليمن حتى ولو خارج نطاق سيطرة صنعاء ؟فماذا لو وضعنا فى الاعتبار فشل التحالف وشرعيته وبقية الجماعات المسلحة فى مواجهة جيش ولجان أنصار الله، وما تكبدوه من خسائر تقترب من 200 مليار دولار عدا القتلى والجرحى والسلاح . والخلاصة أن فى صنعاء دولة أو على الأقل مشروع دولة، وهو ما دفع الأمريكى ثم الإماراتى ثم السعودى للتباحث معها مباشرة، إن لم يكن كدولة فعلى الأقل كسلطة أمر واقع تسعى لبناء دولة مختلفة عن تلك التى كانت قائمة قبل وصول أنصار الله إلى السلطة .
ولكن على ماذا يتفاوضون ؟ وهل ما تعرضه أمريكا أو السعودية يعد كافيا لإنهاء الأزمة اليمنية ؟ أم أنه خطوة على الطريق للحل ؟ أم هو مجرد تهدئة ؟ أو هدنة كتلك التي بين إسرائيل وحماس ؟ فالكلام عن المطار والميناء والبنك المركزي والمساعدات وكلها إغراءات إنسانية واقتصادية، هذا الكلام لا يعنى قبول صنعاء بعودة هادى منصور بل لا يعنى قبول هادى منصور نفسه بالعودة إلى صنعاء.!
وهذا الكلام لا يعنى قبول المجلس الانتقالي وكتائب طارق والأخرين بالانضواء تحت راية صنعاء أو اليمن الموحد، ولا يعنى أيضا قبول صنعاء بعدم تحرير كل اليمن من الأجانب واستعادة الوحدة . أما عن السلاح والجيش والسلطة فما زال الوقت مبكرا جدا .
ومع ذلك..
لن يختلف المراقبون على وجود دولة فى صنعاء أو على الأقل مشروع دولة، فى حين لا تمتلك المناطق خارج سيطرتها هذه الميزة رغم أنها تمتلك الاعتراف الدولى .
ولن يختلف المراقبون أن صنعاء قادرة على حسم الصراع بالحرب أو بالسياسة أو بكليهما، فى حين تفتقد المناطق خارج للقدرة على الحسم لا بالحرب ولا بالسياسة .
إذن كيف تخرج السعودية من هذا المستنقع ؟
ليس أمامها إلا ما وعد به ولى العهد السعودى عندما قال إن بلاده مستعدة لإعادة إعمار اليمن، ولكن بعد أن يتخذ قرارا بوقف الحرب والحصار ويرفع يديه عن اليمن كله ويترك مستقبله لليمنيين دون غيرهم، وأن يقر بأن هذه المنطقة من العالم عصية على الاحتلال .