كيف يستغل العدو نقاط الضعف

بقلم / محمد الفرح

 

يتميز الأمريكيون والإسرائيليون والبريطانيون، والغربيون بشكل عام، باهتمامهم الكبير في استقراء واقع الآخرين، ويتميزون بقدرتهم على قراءةِ الأوضاع، وتشخيص نقاط القوة، ونقاط الضعف وتقييمها والتحليل لها ومعرفة الثغرات، ومكامن الخلل، ولديهم أيادٍ وعيونٌ وآلياتٌ ووسائلُ تُفعّل في مجال التنصُّت والتجسس والرصد الدقيق، وفوق ذلك توجد لديهم قدرةٌ هائلة جِـدًّا على استغلال نقاط الضعف، والتوظيف لنتائج تلك المعلومات والاستفادة من الثغرات.
ومن هنا فَــإنَّ جميعَ ظواهر الخلل، والإشكاليات التي تحصلُ في واقعنا، كأنظمة وشعوب مسلمة على المستوى العام وعلى المستوى الداخلي، تفيدُهم بشكل كبير، ويتخذون على ضوئها قراراتٍ كبيرةً تصلُ إلى مستوى إعلان الحرب، فهم لن يجازفوا بحربٍ إلَّا عندما يعرفون أَنَّ لدينا نقاطَ ضعفٍ وأَنَّ الفرصةَ مواتية، وبعد أن يضمنوا النتائجَ أَنَّـها لصالحهم.
يقول الشهيد القائد رضوان الله عليه
«نحن نقولُ عن الأمريكيين: إنَّ معهم عناصر تتحَرّك، وتعمل (استبيان) للناس، يجب على من يسيرون على القرآن أن يقدموا أنفسهم نموذجاً لأمة منضبطة تماماً، أُمَّـة عندها رؤية واضحة، أُمَّـة ليست تحَرّكاتها عشوائية، ولا كُـلّ واحد يمشي على هواه، ولا كُـلّ واحد (شوره من قرنه) مثلما نقول.
نحن نقول: هذه من الناحية العملية مهمة جِـدًّا، يعملون (استبيان) نحن أمام فئة كلما وجدوا الناس أقوياء ضعفوا هم أمامهم، ضعفوا هم، لا تتصور أَنَّ الأمريكيين معناه عندما يرون الناس أقوياء، ومنضبطين، ومصرين على ما هم عليه، وعندهم صمود أَنَّـهم لن يضعفوا» ([1]).
ومن ظواهر الخلل والإشكالات العملية الداخلية التي تفيد الأعداء هي حالاتُ التنازُع والتباين، وحالة نقص الوعي والسطحية في التعامل مع كثيرٍ من الأمور، إضَــافَـةً إلى الآفات النفسية التي تبرز في مقامات العمل، كحب الظهور، وبروز الذات، وحالة التفاخر، وضعف الانضباط والالتزام، وغياب الارتباط القوي في الوضع الداخلي، إضَــافَـةً إلى حالة الانفلات في الكلام عن القضايا الحساسة أثناء الاتصالات أَو إطلاق الكلام الغير مسؤول في مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك التصريحات الغير مدروسة والمواقف الارتجالية في المناسبات وفي المقابلات وفي الأماكن العامة، كُـلّ تلك الظواهر وغيرها هي من أكثر ما يفيد العدوّ في تشخيص الواقع الداخلي، ويستفيد منها في تقييم الأشخاص ومعرفة مستوى الوعي ورؤى الناس ومعرفة المعلومات الهامة والحساسة، وجميع ذلك هو مما يقدمُ الخدماتِ المجانيةَ والمعلومات المفيدة لأعداء الأُمَّــة. يقولُ الشهيدُ القائدُ -رِضْــوَانُ اللهِ عَلَـيْهِ-: «نحن أمام أعداء خطيرين، يعني دقيقين في مراقباتهم، متى ما لمسوا أي مظاهر ضعف، أي مظاهر توحي بخلخلة، أي مظاهر توحي بتعدد رؤى، واضطرابات، أي شيء يدل على أَنَّ هؤلاء ما عندهم بصيرة، ولا عندهم -مثلما تقول- وعي كامل بالمواقف التي سيدخلون فيها، يتشجع العدوّ.
إذا ظهر الناس بمظهر، نحن نقول: القرآن الكريم قدم لنا طريقة تستطيع أن تجعل الناس بالشكل الذي يراهم العدوّ كباراً، يراهم كباراً فعلاً، وهذا العدوّ نفسه يؤثر فيه سلبًا، عندما يرى الآخرين يبدون أقوياء، يبدون صامدين، يبدون ملتزمين، ما هناك خلخلة، ولا هناك ضجة، ولا هناك شيء» ([2]).
وفي المقابل نجدُ أَنَّ العدوَّ يحرِصُ أشدَّ الحرص على أن تكونَ الأمورُ التي تصدُرُ عنه مضبوطةً وسليمة من الثغرات، ويحسبون لذلك ألفَ حساب؛ لأَنَّهم يدركون مدى الاستفادة والخدمة المجانية التي يقدمها لعدوه؛ ولأهميّة ذلك يضبطون واقعهم بآليات رقابية، فنجد ما يقوله بن غوريون الإسرائيلي وذلك في فترة الانتداب البريطاني: “في هذه الساعة نحن بحاجة إلى رقابة حرة ومخلصة؛ ولكن علينا الحذر، يجب علينا أن نزن أقوالَنا وعدم إعطاء العدوّ معلومات أَو زرع الفتنة والفوضى في شعبنا، وعدم الاستسلام»، ومن ثَمَّ أسّس، عند إعلان تأسيس إسرائيل، ما يسمى «هيئة رؤساء تحرير الصحف» التي ضمت كافة رؤساء الصحف المستقلة والحزبية، آنذاك، وقد اعتبرت من إحدى أذرع الموساد الإسرائيلي، حَيثُ قامت بمهام الرقابة المحكمة على الإعلام الإسرائيلي؛ فقد كانت تتلقى المعلومات من كبار المسؤولين، كرئيس الحكومة والأجهزة الأمنية، حول ما يجب نشره في الإعلام”. ([3])
ومن هنا ينبغي أن نعيَ بأننا أُمَّـةٌ لها أعداء خطيرون وتعيشُ حالة صراع مستمر مع أعداء خطيرين، لهم كُـلّ تلك القدرات، ويمتلكون مختلف الوسائل التي تخدم تلك الأهداف، وفي مواجهة أعداء يجيدون استغلالَ كُـلّ حالة انحراف، ويستثمرون كُـلَّ المواقف السلبية، ويوظِّفونهها إلى أقصى حَــدٍّ يستطيعونه، ويستغلون كُـلَّ التجاوزات، وحالة العشوائية وحتى ردود الأفعال بما فيها الكلامية التي تصدر تجاه أية قضية أَو حدث والمواقف التي تترافق مع أي هزيمة او مع حالة التراجع والانكسار، أَو أي مظهر من مظاهر الضعف النفسي.
يقولُ الشهيدُ القائدُ-رِضْــوَانُ اللهِ عَلَـيْهِ-: ((في حالة الصراع تظهر حالات كهذه في حالة أن يحصل انهزام من طرف المؤمنين تحصل حالات كهذه، تكون أنت عارفاً كيف تتخاطب مع كُـلّ فئة فعندما يأتي من جانبك عبارات تظهر بأنك لم تتأثر، وأنك ما تزال مستعداً للمواجهة، بل على أعلى مستوى لاحظ كيف المثل الأعلى الذي ضربه من خلال المؤمنين السابقين، الرِّبيون الذين قال عنهم مع أنبياء سابقين كيف قالوا؟ {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإسرافنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى القَومِ الكَافِرِينَ} (آل عمران: الآية 147) ثبتنا بأن ننتصر عليهم على الرغم مما أصابهم والمنافقون نفس الشيء يقال لهم بأَنَّ قراراتهم نتائجها خاسرة آراؤهم فاشلة ويتجلى في نفس المجتمع بأَنَّـه ليس هناك تأثير ولا أثر لعملهم، ولكل ما يقولونه من عبارات تخلخل الناس)). ([4])
وفي هذا السياق نؤكد على أن من الأشياء التي يركّزُ الأعداءُ على استغلالها، هي الأخطاء الثقافية؛ لأَنَّ لديهم خِبرةً دينيةً ويعرفون مستوى الانحراف الذي تخلقه الثقافات المغلوطة والمفاهيم الخاطئة، لذلك يستغلون أية حالة انحراف ثقافي وفكري، سواء الأخطاء الموجودة، أَو ما يدخلونه من مفاهيمَ ومصطلحاتٍ خاطئةٍ، وأفكارٍ جديدةٍ، «أي خطأ في مجال الهداية ليس سهلاً، يكون له آثاره السيئة جِـدًّا على الأُمَّــة. لاحظ من لديهم خبرة دينية قديمة جِـدًّا يعرفون أَنَّـه في ميدان الثقافة، كُـلّ مفردة، وغلطة في استخدام مفردة، أَو إنزالها، أَو حركة معينة مغلوطة تضرب أُمَّـة. اليَــهُـود أليسوا يحاولون يمسحون من داخلنا كلمة جهاد، ألاَّ تستخدم؟ كُـلّ من تحَرّك يسمونه مناضلاً، وانتفاضة، وحركة مقاومة، لن يجرؤ أحد أن يقول: جهاد، ومجاهدين، وجهاد المتكرّر ذكرها في القرآن كثير، لماذا؟؛ لأَنَّها كلمة مهمة تضفي على العملية ربطًا دينيًا، وتضفي على العملية أَنَّـها حركة في سبيل الله».