محرقةُ الأوراق السوداء لأمريكا

بقلم / سند الصيادي

بعد أَيَّـام قليلة من الاحتفال بذكرى الولاية، ظهر المتحدثُ باسم القوات المسلحة ليبشّرَ الشعبَ بتطهير ما بقي من جيوب وأوكار للجماعات الإرهابية في محافظة البيضاء، وَكالعادة وثّق الإعلامُ الحربي جانباً من المشاهد بالصوت والصورة.

ونحن نتابع المشاهدُ كانت تبرز إلى أذهاننا الصورة التي كانت عليها تلك المناطق في ظل سيطرة عناصر القاعدة وَداعش خلال العِقدَين الفائتين، وَكيف كانت تتحَرّك بكل حرية وَأمان وَتكثّـف من حضورها البشري وَالعسكري في ظل غطاء أمريكي يوفِّرُ وَيهيئُ لها كُـلَّ أشكال الدعم، باستثناء الهالة الإعلامية التي كانت تزيِّفُ للرأي العام حقيقةَ ما يحدث، وتبرّر للولايات المتحدة عملياتِها وتحَرّكاتها العسكرية؛ بذريعةِ محاربة الإرهاب.

واقع كان يحدث في ظل منظومة حكم فاقدة السيطرة على المشهد، مقوِّضة القرارَ وَعاجزة عن التحَرّك أَو حتى المكاشفة لحقيقة ما يجري، لا تملك إلَّا أن تردّد ذات الأسطوانة الأمريكية.

ظنت واشنطن أنها قد نجحت في خلق حالة ذهنية مرعبة لدى العامة عن سطوة وَبأس تلك الجماعات التي تفوق قدرة الجيوش المحلية على مواجهتها وَتستلزم تعاونًا وتنسيقًا دوليًّا تتبوأ واشنطن فيه القرار وتمارس في ظله كُـلّ مشاريعها العدائية تجاه الأوطان والشعوب، كما حاولت أن تعتمَ الرؤية عن منبع تلك التنظيمات وَعن كونها غامضة النشأة مجهولة التعبئة والتمويل والتجهيز.

وبعد ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر حدثت متغيراتٌ لم تكن في حسبان السياسات الأمريكية، وَبسقوط منظومتها المحلية سقطت أول جدار الحماية لتلك الجماعات وللرواية الأمريكية حيالها، وَبموجبها غيّرت واشنطن قواعدَ اللعبة وَالأدوار التي من الممكن أن تقومَ بها هذه الجماعات في خدمة المشروع الأمريكي وإبقائه في دائرة السيطرة.

وفي ليلة وضحاها أصبحت تلك الجماعاتُ الإرهابية مقاومةً شعبيّةً وَجيشاً وطنياً، لم تعد ترى أمريكا حرجاً في دعمه علناً بعد أن ظل ذلك يسري دهرا وراء الكواليس.

اليوم، وَمع مسار الانهيار المتسارع لهذه الأدوات القديمة الجديدة في محافظة البيضاء، فَـإنَّ ثمة ثورةً موازيةً اجتثت المفاهيم الزائفة، ورسّخت براهينَ جديدة عن مشروعية التحَرّك وفاعلية النهج وَالعقيدة القتالية لرجال الجيش واللجان الشعبيّة، مقابل هشاشة العقيدة القتالية لهذه الجماعات وَتعرية علاقتها الحميمية بأمريكا.

لقد أحرقت انتصاراتُ البيضاء أوراقاً أمريكية ميدانيةً هامة ظلت توظَّفُ على طاولة السياسة، كما سهَّلت مسارَ الزحف الوطني نحو بقية الأرض اليمنية المصادَرة.