من الدروسِ المستوحاةِ من خطابِ السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي، يحفظه الله تعالى، أمس، أن مفهومَ الهجرة يتعدى البُعدَ المكانيَّ إلى أبعاد أوسع، كالهجرة عن كُـلِّ باطلٍ وجهلٍ وظلمٍ وفساد، والهجرةِ من الحالةِ السيئة والوضعيةِ غير السوية، وذلك بالسيرِ في رَكْبِ المُخَلِّصِين من أنبياء الله وأوليائهِ الذين ينقذون الأُمَّــة بِهُدى الله.
فإذا ما مضى المهاجرون خلفَ قيادةٍ مهتدية بكتاب الله هُدوا إلى صراطِ العزيز، وأُخرجوا من الظلماتِ إلى نور الهداية الإلهية، وأُبعدوا عن الضلال والضياع والباطل وسوء الأخلاق، فتحَرّكوا ليفوقوا الأمم في كُـلّ المجالات.
لهذا على كُـلِّ مَن يشعرُ أن الأُمَّــةَ لا تسيرُ في الطريق الصحيح، وأنها ضائعةٌ في دينِها ودنياها، أن يهجُرَ حالتَه، وأن ينطلقَ ليُصحِّحَ وضعيتَه، بالسير مع جماعةٍ في رَكْبِ أولياء الله من بعد خاتمِ المرسلين سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم، الذين يُبيّنون للأُمَّـة خارطةَ طريق النجاة، فالله الله في اقتفَاء أثرِهم.
وليدركْ كُـلُّ آمرٍ بالمعروف وناهٍ عن المنكر بأنّ عملَه الفرديَّ لن يثمرَ كما يأمل مهما بذلَ واجتهد؛ لأَنَّ الله تعالى يقول (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)، فأمّةٌ تعني تحَرّكاً جماعياً..
وليحرِصْ كُـلُّ مَن يتحَرّك تحَرّكاً فردياً على أن ينخرطَ في التحَرّك “الجَمَاعي” وتحت القيادة القرآنية؛ لأَنَّه حينها يحقّقُ هدفَه العام وينالُ الشرفَ والمكانةَ العظيمة لسيرِه على طريق النصر والتمكين والظهور والغلبة، فدينُ الحق مكتوبٌ له الانتصار وسيظهره الله ولو كرِه المشركون.
وبالمقابل فليدرك السابقون في هذه المسيرة أنهم كالأنصار الذين استقبلوا المهاجرين بالأمس وأنهم الحاضنةُ اليوم، بما يُلزمهم هذا من أن يتحلّوا بأخلاق أنصار الأمس في تعاملِهم مع مهاجري اليوم، بصفاءِ نفوسٍ وقلوبٍ سليمةٍ من الأحقاد والضغائن، وبقلوبٍ عامرةٍ بالحبِّ والإيثار لِمَن يلتحقُ بهم ويتحَرّك معهم.
ولأنّ ما يَجمعُ السابقين بالملتحقين هي القضية الواحدة المقدسة والتوجّـه والمبدأ الواحد، فلا بدَّ من التخلي عن الأنانيةِ والطموحاتِ الشخصية؛ لأَنَّ الأُمَّــةَ بحاجةِ أن تتحَرَّكَ على نحوٍ جماعيٍّ، فالمسؤوليةُ مسؤوليةٌ جماعية، ومسيرةُ الإسلام هي مسيرةُ جماعية.
وقد أكّـد السيد يحفظه الله على أهميّة هذه النقطة، وتمنّى أن يتمَّ استيعابُها؛ باعتبَار أن مِن أول متطلباتِ المسيرة أن يحملَ المنتمون لها المحبةَ لبعضِهم البعض، ليتحَرّكوا كالبُنيانِ المرصوصِ بقوةٍ كبيرةٍ ومجهودٍ جماعيٍّ مُنظَّمٍ وفاعلٍ ومؤثِّــرٍ ومنتِج، فبغيرِ المحبةِ تسودُ الفُرقةُ والاحتكاكاتُ ولا يكونُ لعملِهم تأثير.
كما أكّـد السيدُ يحفظه الله أنه يجبُ أن يحمِلَ أهلُ المسيرةِ روحيةَ العطاءِ وحُبِّ الخير لمن هم حولَهم، فلا يتحسسوا مما يُعطَى لغيرهِم من الماديات لحاجةٍ أَو لمتطلباتِ عمل، فغيابُ هذه الروحية يُنتِجُ الفُرقةَ والخِلافَ وغيابَ التعاون وخللاً في تظافرِ الجهود فيتأثرُ الواقعُ العملي، ويضعُفُ الموقفُ لغيابِ الموقفِ الجَماعي.
وأكّـد على النقطة الثالثة التي من شأنِها النهوضُ بالمسؤولياتِ والأعمال الكبيرةِ وهي الإيثارُ على النفسِ حتى في الظروفِ الصعبة، وذلك بأن يكونَ لدى أهل المسيرةِ هذا المستوى من الإخلاص لقضيتِهم وموقفِهم، حَيثُ يكونُ لديهم استعدادٌ عالٍ للتضحيةِ والبذلِ لنجاحِ الموقفِ والوصولِ إلى الغاية.
خلاصة: (مسيرةُ الإسلام جَماعيةٌ، في إطارِ هُدى اللهِ سبحانَه وتعالى وقيادةٍ قرآنية، وينتمي لها مجاهدون إذَا ما تحلّوا بروحِ العملِ الجهادي الجَماعي سيحظَون بنصرِ اللهِ تعالى).
هذا باختصار درسٌ من دروسِ الهِجرةِ كما استوحيتُه من خطابِ السيدِ القائد يحفظهُ الله تعالى بمناسبةِ ذكرى الهجرةِ النبوية ١٤٤٣، أنصحُ نفسي قبلَ الجميع بأن نتمثّلَه في واقعِنا؛ كي يَمُنَّ اللهُ سبحانَه وتعالى علينا بمزيدٍ من النصرِ والتمكين.
وسلامُ اللهِ على الشهيدِ البروفيسور أحمد شرف الدين مَن شدّد على التحَرّك الجماعي بمقولته الشهيرة:
“ما معنى أهل المسيرة؟ أنتم تسيرون في الأرضِ لغايةٍ يريدُها اللهُ سبحانَه وتعالى، أنتم لا تمشون في هذه الأرض كالأنعام، وإنما تسيرون لغاية وهدف، وهذا الهدف هو الله سبحانه وتعالى ورضوانه، تسيرون في مسيرة إليه، فَـإنَّ هذه الأرض فانية، ولا يبقى عليها أحد، لا يبقى إلا الله سبحانَه وتعالى، فنحن في هذه الدنيا في مهمة، كالمسافر، والمسافر يسير ويقطع الطريق ولا يقف عند شيء، نحن نسير في هذه المسيرة، وبالتالي فنحن أهل مسيرة، لسنا أهل دنيا، ولذلك لا نبتغي من انضمامنا إلى هذه المسيرة دنيا، ولا نريد زائلاً، ولا نريد متاعاً، إنما نريدُ أن نحقّقَ الهدفَ الذي أمرنا الله تعالى أن نحقّقَه وهو السيرُ إليه في مسيرة جماعية، نحن نسيرُ الآن في مسيرة جماعية، واللهُ سبحانَه وتعالى سيباركُ هذه المسيرة وسينصُرُها؛ لأَنَّها تتجهُ إليه ولا تتجهُ إلى أحدٍ غيره”.