الهجرة النبوية ..نقطة تحول في تاريخ البشرية والواقع العالمي
تقرير ||
مناسبة الهجرة النبوية حدث تاريخي عظيم ارتبط بها تاريخ الإسلام ومثلت نقلة عظيمة ومهمة جداً نتج عنها تحول في الواقع العالمي وفي الواقع البشري وترتب عليها نتائج مهمة جدا، ونحن كأمة مسلمة وكشعب يمني مسلم نحن أحوج ما نكون إلى أن نستلهم في هذه المحطات التاريخية ما نحن في أمس الحاجة إليه فيما نواجه من مشاكل وتحديات وأخطار كبيرة.
لقد أصَّلّت الهجرةُ النبويةُ لخاتم الأنبياء والمرسلين مُحَمَّـد (صلواتُ الله عليه وعلى آله) لمرحلة جديدة، وأرست معالمَ عالم جديد، عالَمٌ يقودُه مُحَمَّـدٌ صلواتُ الله عليه وعلى آله غيَّرَ فيه كـُـلَّ ما كان سائداً من حالة الكفر والشرك والظلام والضلال، والجهل والفساد، والتخلف والتناحر في المنطقة العربية، ومن ثم امتدت أنوارُ هذا الهدى، ومعالمُ هذا الدين ومهامه وقيمه إلَـى أنحاء المعمورة..
لقد حدَثَ في الهجرة النبوية أَن مجتمعاً خسر، ومجتمعاً فاز، مجتمع مكة الذي لم يستجب للإسْلَام، ولقيم الإسْلَام ومبادئ الإسْلَام، ولم يلتف حول الرَّسُـوْل مُحَمَّـد (صلواتُ الله عليه وعلى آله) وحول راية الإسْلَام، باستثناء القليل الذين آمنوا وثبتوا ثم هاجروا وصبروا، لكن مجتمعاً آخر هو مجتمع يثرب، حيث الأوس والخزرج، حيث الأَنْصَـار، الذين سماهم الله، وسماهم الرَّسُـوْل بالأَنْصَـار، مجتمعاً آخر فاز هو بأن يحمل راية الحق راية العدل، راية الهدى راية الإسْلَام، وأن يكونَ هو المجتمع الذي تتكونُ فيه نواةُ الأُمَّة الإسْلَامية والمجتمع المسلم، فيحتضنُ الرسالةَ، ويحضن الدين، ويحتضن الهُدى، ويحتضن نورَ الوحي..
وبجهود المؤمنين مع رَسُـوْل الله صلوات الله عليه وعلى آله، بجهوده العظيمة، وجهود المؤمنين معه من المهاجرين والأَنْصَـار، تمكن الرَّسُـوْل صلوات الله عليه وعلى آله بنصر الله، بتأييد الله، من تغيير الواقع في المنطقة تغييراً جذرياً وعجيباً، يدلل على عظمة الإسْلَام الحق في حقيقته الناصعة العظيمة المؤثرة المشرقة البناءة
والهجرة هي إرادة، وهي عزم، وهي تصميم، وهي ثبات على المبادئ والقيم، وهي رمزٌ للتضحية والعطاء، ولذلك تبقى الهجرة النبوية محطة تَأريخية مهمة، تستلهم منها الأُمَّةُ الدروسَ التي هي بحاجة إليها، دروساً تزيد من عزمها وصبرها ووعيها وثباتها وعطائها إلَـى آخر ذلك.
البيت الحرام
الحاضن لمشروع الرسالة الإلهية
﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ﴾،
الله “سبحانه وتعالى” أعدَّ مكة والبيت الحرام لتكون المنطلق المهيَّأ للرسالة الإلهية الخاتمة، فالله “سبحانه وتعالى” جعل نبيه إبراهيم “عليه السلام” يودع في مكة المكرمة من يقوم برعاية البيت الحرام، ومن يتولى هذا المركز الديني العظيم والمهم من نسْله، وهو ابنه إسماعيل “عليه السلام”؛ ليمتد هذا النسل عبر الأجيال بكلها وصولاً إلى رسول الله محمد “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله” الذي بعثه الله بالرسالة خاتم النبيين، وسيد المرسلين.
فمكة المكرمة أعدَّها الله لتكون المنطلق، والتي توفرت فيها كل العوامل المطلوبة:
أولاً: الفرع الإبراهيمي، إسماعيل “عليه السلام” وذريته من بعده، وفي هذا الفرع حفظ الله هذا الامتداد للدين الإلهي ضمن هذا الفرع، كان هناك عبر الأجيال من يحافظ على هذه القيم، من هو مستودع لهذه المبادئ والقيم العظيمة، من يجسِّدها، من يلتزم بها جيلاً بعد جيل.
العامل الآخر: المركز الديني في مكة:
بوجود البيت الحرام، وبقيت فريضة الحج قائمة في أوساط الأجيال جيلاً بعد جيل، من بعد نبي الله إبراهيم “عليه السلام” .
العامل الثالث: الاستقرار الاقتصادي والأمني الذي تميَّزت به، بينما كان محيطها بكله يعيش حالة المشاكل الكبيرة.
على المستوى الأمني: كان هناك حروب بشكل مستمر بين القبائل العربية في محيط مكة، وحالة من الخوف والمشاكل المستمرة، وكذلك حالة من الاضطراب الذي عمّ، وحالة من الفوضى الكبيرة.
على المستوى الاقتصادي: كان هناك مشاكل وأزمات ومعاناة اقتصادية بالذات في شبه الجزيرة العربية، القبائل التي تعيش هناك كقبائل أكثرها تعيش حالة البداوة، وتعيش الظروف الصعبة، في مكة كان هناك استقرار اقتصادي، دعوة إبراهيم “عليه السلام” وضمن التدبير الإلهي .
واقع مظلم يرفض النور
قبائل قريش ومن حولهم أتيحت لهم فرصة لا يساويها فرصة أبدا لنيل شرف عظيم لأن يكونوا في طليعة البشرية في حمل راية الإسلام في أن يستنيروا بنوره وأن يتخلصوا مما هم فيه من واقعٍ:
مليء بالظلم،
ومليء بالخرافات،
وغارق تحت سيطرة الطاغوت،
لكن موقفهم كان خاسرا وخاطئا وخائبا لقد تعاملوا تجاه هذه الرسالة، وتجاه خاتم الأنبياء وسيد المرسلين بكل كفر وجحود وتنكر مع وضوح مصداقية وعظمة ونقاء هذه الرسالة كما قدمها الرسول ـ صلوات الله عليه وعلى آله ـ ومع ما يعرفونه عن رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله من:
كمال ومن مكارم الأخلاق،
وفيما عرفوه به من مصداقية لا نظير لها،
ومن أمانة لا مثيل لها في واقع البشرية جمعاء،
وفيما عرفوه عنه من اتزانٍ ورشدٍ وذكاءٍ وصلاح واستقامة وسداد يتميز به عن كل الناس،
مع هذا وذاك اتجهوا حتى بعد الآيات المعجزات والدلائل الواضحات والبراهين النيرات التي تثبت صدقه في نبوته ـ صلوات الله عليه وعلى آله ـ في أنه رسول من الله في أنه يبلغ عن الله ابتعثه هاديا ورسولا ونبيا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا إلى آخر ذلك، مع كل ذلك وقفوا موقفا يتسم بالعناد والنكران لهذه الرسالة والتصدي لها.
منتهى الرفض والعناد
مجتمع مكة بلغ في عناده و جحوده في أكثريته إلى درجة أن البعض منهم توجهوا إلى الدعاء إلى الله قائلين كما حكى القرآن الكريم عنهم ﴿وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾قالوا خلاص نحن لا نريد هذا الحق أبدا وإذا كان هو الحق من عندك يا الله يدعون الله على أنفسهم بأن يمطر عليهم حجارة من السماء فتبيدهم نهائيا أو أن يعاجلهم بعذاب أليم ليتخلصوا من ذلك الحق ما هو ذلك الحق الذي بلغوا من نفورهم منه وعنادهم تجاهه وكرههم له إلى هذه الدرجة؟
دين عظيم
فيه الخير
فيه الشرف
فيه السعادة
فيه الحرية
فيه الكرامة
فيه العزة
فيه السمو
فيه رحمة الله في الدنيا
فيه الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة،
الإنسان إذا ساء يمكن أن يتنكر حتى لأجمل وأرقى وأعظم ما في الحياة إلى هذه الدرجة وهذا المستوى من التنكر ويمكن أن يحمل في نفسه الكراهية والنفور من الحق الواضح الجلي الذي فيه الخير له وفيه الحل له يقول القرآن الكريم عنهم أيضا ﴿لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ وصلوا إلى درجة رهيبة من الخذلان على مدى سنوات طويلة.