بين يدي كربلاء ” حقائق ومواقف

بقلم /  أحمد يحيى الديلمي

 

من مقولات الإمام الحسين بن علي عليهما السلام ( إن كان دين محمد لن يستقيم إلا بقتلي فيا سيوف خُذيني)، وقال أيضاً (ما خرجت أشراً ولا بطراً ولكن بهدف الإصلاح في دين جدي ) أو كما قال .
هذه العبارات العظيمة استهل بها الإمام الحسين مسيرته إلى كربلاء عندما رأى الانحراف الذي حدث في الواقع من خلال حُكام الجور وسلاطين الملك العضوض ، وكما نعلم بإجماع كُتّاب التاريخ والسير، فقد مثلت واقعة كربلاء أعظم كارثة مأساوية في التاريخ الإسلامي ، لأنها أدت إلى انقسام الأمة وظهور العثرات في المسيرة الإسلامية وجاءت امتداداً لحالة التآمر التي حدثت في سقيفة بني ساعدة ، عندما شكل عدد من الصحابة حلفاً مخالفاً لما أفصح عنه الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بتحديد مستقبل الأمة ووضع اللبنة الأساسية التي تحمي مدماك الإسلام من التصدع، كما حدث نتيجة الانحراف الذي توالى بعد أن جاء الحكم العضوض كما أفصح عن ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث قال ( الخلافة ثلاثين يليها حكم عضوض ) وهذا ما حدث فعلاً منذ آلت الأمور إلى بني أمية ، فجاء الإمام الحسين عليه السلام ليعيد المسلمين إلى وهج وألق الرسالة السامية ، لم يرقه الواقع وأراد العودة بالمسلمين إلى الحاضرة الأساسية للإسلام ، فكانت حادثة كربلاء بما اشتملت عليه من ظلم وجبروت وطغيان عنوان المأساة وشرعنة الانحراف .
وإذا كُنا اليوم نُحيي هذه الذكرى الأليمة بزخم كبير وحضور جماهيري غير مسبوق ، فإن ذلك يرجع إلى سببين أساسيين :
الأول : أن حضارة هذا البلد العربي العريق والتاريخ الثابت في الأذهان يقولان لنا إن اليمنيين بشكل عام يُكنّون قدراً هائلاً من الحب والاحترام والتقدير لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كتقليد ترسخ في الأذهان منذ تدافع الأجداد للقاء الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في حاضرة اليمن صنعاء التاريخ والحضارة ، وإعلانهم الدخول في الإسلام طواعية بمجرد انتهاء الإمام علي عليه السلام من قراءة رسالة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في نفس المكان الذي تخلد في ذاكرة اليمنيين ، وجسد المعنى ذاته باسم سوق الحلقة ، ولا يزال هذا الاسم قائماً حتى يومنا هذا ، وبالتالي تحول إحياء مآسي آل البيت عليهم السلام إلى تقليد شديد الخصوصية لدى اليمنيين ، وإذا كان المد الوهابي الخبيث قد استطاع- بدعم النظام السعودي من خلال جماعة الإخوان المسلمين ودعم ومباركة النظام القائم آنذاك التأثير على قناعات اليمنيين لفترة محددة عبر الفتاوى الظالمة التي اعتبرت إحياء عيد الغدير ومأساة كربلاء بدعة وضلالة ، إلى جانب استخدام القوة والقهر لمنع أي مظاهر ثقافية واحتفالية قد حال دون الإحياء فترة من الزمن إلا أن إنفاق الأموال الطائلة بقصد تحقيق هذه الغاية وتغيير قناعات اليمنيين والتآمر المباشر على الهوية الوطنية قد فشلت ، مع أن الأجهزة القمعية كانت تعيش حالة استنفار كل ما هَلّ شهر محرم الحرام ، إلا أن كل المحاولات باءت بالفشل نظراً للعلاقة شديدة الخصوصية بين اليمنيين وآل البيت، ما سهل إحياء نفس الثقافة بمعانيها السامية في النفوس بمجرد انبلاج فجر ثورة 21 سبتمبر الظافرة .
الثاني : أن جيل الشباب من اليمنيين مروا بتجارب ومحاولات عديدة حملت كل أنواع الخداع والزيف ، وبالتالي عادوا إلى صوت العقل واستيعاب أبعاد التآمر السعودي والرغبة الآثمة في التأثير على ثقافة الشعب المجسدة للهوية فتدافعوا إلى جبهات العزة والكرامة والوقوف ببسالة وإرادة فولاذية في وجه الغزو السعو أمريكي الشرس ، مما كشف عن أسباب الحقد المتوغل في صدور السعوديين على اليمنيين ، لأن هذا الشعب الفقير استطاع أن يوقف طموح آل سعود في نشر المذهب الوهابي، كما هو حال الكثير من الدول العربية ، وبالتالي لا نستغرب أن نجد اليوم الساحات في العاصمة وجميع المحافظات مليئة بالبشر الذين تدافعوا لإحياء هذه الذكرى الأليمة بقصد أخذ العبرة والعظة من الواقعة والتمسك بنهج الإمام الحسين باعتباره النهج المجسد للإسلام بأصوله وجذوره السامية ، وهذا هو الأساس الذي يجعل التمسك بإحياء الذكرى محطة شبه مقدسة لدى اليمنيين لا يمكن التخلي عنها مهما تفاقمت المؤامرات والاحتشادات المعادية ، لأن القداسة نابعة من إحساس صادق بالإسلام الصحيح والمنهج القويم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وعلى هذا الأساس سيمضي اليمنيون إن شاء الله حتى قيام الساعة .. والله من وراء القصد..