بعد سبع سنوات من نجاح ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر وبعد كل ما حققته ما يزال هناك من ينظر لها من منظار غير عادل وبرؤية غير عقلانية فمن جهة هناك من يعتبرها ثورة حقيقة حملت كل الخصائص الثورية وآخرين يصفونها كمجرد انقلاب أو حراك سياسي.. ومهما تعددت التوصيفات فإننا هنا لسنا معنين بالجدل الحاصل بقدر ما نحاول مجهرة الثورة من خلال الواقع الذي ولدت فيه والتحديات التي واجهتها.
منذ ستينيات القرن الماضي عصفت باليمن وبالشعب اليمني الكثير من التحديات والأزمات السياسية وتعرض للكثير من المؤامرات والدسائس الإقليمية والمحلية لتأتي بعد ذلك حركة التصحيح التي قادها الرئيس إبراهيم الحمدي وقد استطاع أن يخطو خطوات هامة في بناء الدولة ومؤسساتها والاهتمام بالوضع المعيشي للشعب اليمني ولكن هذه الحركة لم تستمر طويلا إذ سرعان ما تم الإجهاز عليها وهي ما تزال في بواكيرها الأولى فتم اغتيال الرئيس الحمدي والاجهاز على مشروعه الإصلاحي لتتكون بعد ذلك بحسب وصف الكاتب اليمني عبد الملك العجري ( جماعات مصالح ومراكز نفوذ شكلت نواة النظام السابق، وبنت شبكات مصالح واسعة تتقاسم الامتيازات النفطية والتوكيلات الاحتكارية، وطورت أدوات للهيمنة تضمن من خلالها إعادة إنتاج نفسها والالتفاف على آليات الديمقراطية الشكلية…إلخ) فظهرت طبقات قبيلة وعسكرية برجوازية وسط شعب يتضور جوعا يتعرض لسياسية استبدادية قمعية من نظام هش خاضع كليا للوصاية الخارجية، مستهترا بمصالح الشعب وكرامته وحريته ومفرطا في سيادته ووحدته وثروته وأمنه واستقراره لمستوى أن أصبحت اليمن تصنف بأنها من أفقر الدول وأكثرها فسادا وفشلا..
أما الوضع المعيشي للشعب اليمني فيصفه السيد عبد الملك الحوثي بقوله: (( في الجانب الاقتصادي كانت الأزمة الاقتصادية تشتد وتشتد بشكل غريب جدًّا، الثروات النفطية التي كانت تحت سيطرة الدولة في كل هذا البلد، لم يعد لها أي أثر إيجابي لمعالجة المشكلة الاقتصادية، وكأننا بلد بلا نفط، ولا ثروة نفطية، ولا ثروة غازية، كل الإيرادات التي كانت تجمعها الدولة لم يعد لها أي أثر إيجابي يخدم هذا البلد، وينتفع به الشعب، كانت معاناة الشعب على المستوى الاقتصادي تزداد يوماً فيوماً، جرعة بعد جرعة، سياسات اقتصادية تدميرية، وضع بائس جدًّا، الموارد الاقتصادية بكلها على مستوى: الضرائب، والجمارك، وكلما يجمع من إيرادات لا أثر له أبداً في حلِّ المشكلة الاقتصادية لهذا البلد آنذاك)).
أما على مستوى الوصاية الخارجية وانتهاك السيادة اليمنية فقد كان السفير الأمريكي هو الحاكم الفعلي ويمتلك دولة داخل الدولة ويسرح ويمرح ويمتلك عناصر أمنية خاصة به وقراره فوق كل قرار..
وبالتالي فقد كان الوضع المعيشي البائس الذي يعيشه الشعب والفساد الإداري والسياسي الذي تمارسه القوى الحاكمة سببا كافياً لأن يثور الشعب اليمني وهو ما حدث فما إن انطلق الربيع العربي حتى كان الشعب اليمني من أول الثائرين فانطلقت المظاهرات في مختلف المحافظات في الـ 11 من فبراير 2011م ولكن القوى البرجوازية القبيلة والعسكرية استطاعت الالتفاف على ثروة 11 فبراير فكان لا بد من ثورة تقتلع هذه القوى فكانت ثورة 21 سبتمبر 2014م ويمكن القول أنها ثورة ولدت من رحم الضرورة والحاجة الشعبية وقد نجحت في اسقاط هذه القوى وقيام سلطة شعبية مثلتها في البداية اللجنة الثورية ثم تلى ذلك حكومة شراكة ومجلس سياسي أعلى.
ثورة 21 سبتمبر ثورة قيم ومبادئ
بعد أن نجحت ثورة الـ 21 سبتمبر لم تدفع نشوة النصر القوى الثورية باتجاه ما هو معتاد في اغلب الثورات التحررية من الإجهاز على خصومها ونصب المشانق وفتح السجون ولأنها لم تنح هذا المنحى ظل البعض يصفها بالنقص والنكوص لأنها كانت في حقيقتها وجوهرها ثورة قيم ومبادئ وعفو وتسامح ترفعت عن الانتقام رغم ما تعرضت له القوى الثورية من ظلم واقصاء وحروب ومآسي..
لقد آمنت ثورة الـ 21 من سبتمبر بالشراكة وبالعدالة، انطلاقاً من إيمانها بأن ذلك يعد ضرورةً لإصلاح الوضع وتجسيداً لقيم العدالة.
كما سعت ثورة الـ 21 من سبتمبر لتعزيز الروابط الأخوية والوطنية على أسس العيش المشترك وحل المشكلات بالحوار والتفاهمات ومدت يدها للسلام مع الجميع وأعطت فرصة كبيرة للقوى التي ضلت تناوئها لإعادة لحمتهم مع الشعب والانخراط في اتفاق السلم والشراكة..
كما تعهدت ثورة الواحد والعشرين بحل القضية الجنوبية وإنصاف الجنوبيين والاعتراف بمظلوميتهم وإنصافهم..
يقول قائد الثورة السيد عبد الملك عن منطلقات ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر:
((كانت ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر ضرورة وطنية، وضرورة تفرضها على هذا الشعب كل الاعتبارات، اهتمامنا من منطلق مبادئنا وقيمنا، التي تفرض علينا أن لا نقبل مطلقاً بتلك السيطرة الأجنبية، بتلك الهيمنة المطلقة من الأجانب على رؤوسنا وعلينا، على بلدنا، على حاضرنا وعلى مستقبلنا؛ لا الحكمة، ولا المنطق، ولا الهوية، ولا الانتماء، ولا المبادئ تجعلنا نقبل بتلك السيطرة من أطراف هي معادية لنا، وبرنامجها الذي تشتغل عليه من خلال وصايتها وسيطرتها المباشرة برنامج كارثي، برنامج يسحق هذا الشعب، يدمر هذا البلد يوصلنا إلى الهاوية في كل الاتجاهات: وحدتنا تنتهي وتسقط، وكذلك هويتنا تُضرب، قيمنا وأخلاقنا- كذلك- يستهدفونها وينهونها، وضعنا الاقتصادي يوصلنا إلى الهاوية بنفسها ويوقعنا فيها، الاستقرار الأمني ينتهي ويتلاشى ويصبح بلدنا مملوء بالدواعش واغتيالات وقتل وجرائم، وكل فترة جرائم قتل بطريقة وحشية، حتى في المستشفيات والشوارع، القتل الجماعي والقتل بالاغتيالات على المستوى الفردي، ماهناك أي داعي أن نقبل بأن يستمر ذلك الوضع على ما كان عليه وهو يتجه نحو الأسوأ، كل شيء في هذا البلد: قيم، مبادئ، عزة، كرامة، أصالة… يفرض علينا أن نعمل على إيقاف تلك الكارثة التي كانت قائمة.
فكان التحرك في التصعيد الثوري تحركاً مسؤولاً، ويمثل ضرورة ملحة لإيقاف تلك الكارثة الرهيبة التي كانت قائمة، وكان تحركاً فاعلاً ومؤثراً)).
لقد أذهلت الثورة بسلوكها القويم كل العالم وشهد لها الكثير بقيمها العظيمة وأنها كانت ثورة فعلية وبكل المقاييس كما شهد لها الواقع بنزاهتها وحفظها لمؤسسات الدولة من الضياع والنهب الذي يحدث في الأعم الأغلب مع كل الثورات.
ثورة 21 سبتمبر تحديات ومؤامرات
وكنتيجة للقيم الثورية التي حملتها ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر واحيائها للهوية الإيمانية للشعب اليمني والقضاء على الهيمنة والوصاية الخارجية ووقوفها العملي والصادق مع قضايا الأمة وفي المقدمة قضية فلسطين لم تتقبل قوى الوصاية الخارجية وأدواتهم في الداخل هذا الأمر ـ رغم التنازلات التي قدمتها لهم الثورة وقيادتها بما لا يمس بالثوابت اليمنية ـ إلا أن ذلك قوبل بالنكران والجحود وبدأت تلك القوى حبك حبائل مؤامراتها وزرع الألغام السياسية في طريق الثورة بدءاً باستقالة الخائن هادي من الرئاسة وصولاً لإعلان أمريكا وادواتها عدوانهم الإجرامي على الشعب اليمني بكله بحجة إعادة ما يسمونها “الشرعية” وليس هناك من شرعية يقصدون سوى إعادة وصايتهم وهيمنتهم ..
ومع ذلك فقد كانت رهانات الثورة أقوى من رهاناتهم وكان صمود الثورة أقوى من ترسانتهم وكان بأس الثورة أقوى من عدوانهم وأثبتت طوال سنوات العدوان الكوني السبع أنها ثورة جهاد ووعي وتحرر وكرامة وعزة وإباء وعطاء وتضحية لا مثيل لها على وجه الأرض..
لقد راهنت الثورة على الله فما خاب رهانها وراهنت على فاعلية الشعب فكان شعباً عظيماً بمستوى الرهان رغم الفئة الضالة التي اتخذها العدوان مراكب لاحتلال بعض المحافظات لكن ذلك لم يفت في عضد الثورة ورجالها الأحرار فقد تحركها في كل منعطف وأمام كل تحدي تحركاً مدروساً ومسؤولاً فسقطت أمامها كل المؤامرات وتكسرت أمام صمودها كل معاول الهدم.
وما أنجزته الثورة لحد الآن يصعب حصره واعظم تلك الإنجازات هو في تصديها لعدوان عالمي تقوده عشرات الدول الكبرى والغنية وفي المقدمة السعودية والامارات والكيان الصهيوني وأمريكا وبريطانيا ومختلف الدول الغربية تشارك في هذا العدوان بوسائل وطرق متفاوتة ..حتى الأمم المتحدة نفسها تساهم بصور مختلفة في هذا العدوان الإجرامي.. الذي تسبب بأكبر كارثة إنسانية على وجه الأرض ..
كما أن تحقيق الأمن والاستقرار في المحافظات المحررة يعتبر انجازا كبيرا جداً يحسب لثورة 21 من سبتمبر خصوصاً أن ذلك يأتي في ظل استهداف متواصل للجبهة الداخلية من قبل دول العدوان ورغم الفتن التي أشعلتها هذه القوى في محافظات مختلفة كفتنة عفاش وفتنة حجور وفتنة البيضاء وكذلك انتشار عناصر داعش والقاعدة التي تقاتل في صف العدوان والكثير من التحديات الأمنية التي تجاوزتها ثورة الواحد والعشرين المجيدة بكل اقتدار.
كما حققت إنجازات مذهلة على صعيد التصنيع الحربي وفي الجانب الزراعي وفي الجانب الاجتماعي كحل مشاكل الثأر وانصاف المظلومين وما يشهد لهذه الإنجازات رغم تواضعها انها أتت في ظل حصار خانق واستهداف ممنهج وضائقة معيشية لها أكثر من ثلاثة عقود من الزمن وتركة ثقيلة من الفساد والإهمال.
أخيراً .. نحن أمام ثورة لا مثيل لها بين كل الثورات.. ثورة خلقت نهج ثوري وتجربة منفردة لم يستوعب عظمتها ونهجها الثوري البناء وقيمها العظيمة الكثير من الناس لأسباب كثيرة قد تكون في مقدمتها الكم الهائل من التضليل والحرب الإعلامية والتشويه الممنهج الذي يستهدف هذه الثورة العظيمة ولكن الأيام كفيلة بأن تكشف الجوانب الخلاقة والقيم النبيلة لثورة الحادي والعشرين من سبتمبر أما أعداء الثورة فلا غرابة أن لا يفهموا معانيها وأهدافها وما حملته من قيم الخلاص والنبل والكرامة..
ومهما كتبنا عن ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر فإن ذلك قليل جداً في حقها فهي في عطائها أكبر من أن يحتويها مقال أو حتى مجلدات..
ونختتم بما قاله قائدها وربان سفينتها السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي (حفظه الله): ((أننا شعبٌ يأبى الإذلال، ويأبى الهوان، ويأبى العبودية لغير الله -سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى- أننا شعبٌ حرٌ، ونأبى إلا أن نكون أحراراً، ولن نضحي أبداً بحريتنا، ولن نقبل بأن نكون عبيداً لأعدائنا من المستكبرين وقوى الطاغوت، لا يمكن أن نقبل أبداً).