مواصفات إيمانية عملية راقية وعظيمة أشاد بها الله تعالى وأثنى عليها في القرآن الكريم وخلدها للعالمين عبر الزمان، مواصفات استثنائية يحبها الله ويريد من المؤمنين في كل زمان ومكان على مر التاريخ أن يتحلوا بها وأن يعملوا على تجسيدها في واقعهم قولاً وعملا لأنها لا تقتصر فقط على أولئك المؤمنين السابقين الذين آمنوا برسول الله صلوات الله عليه وعلى آله وجاهدوا تحت رايته وتحركوا معه في نصرة الإسلام ومقارعة الشرك في الأيام والسنوات الأولى من الإسلام والرسالة الإلهية المحمدية في مكة والمدينة المنورة بل يجب أن يتصف بها ويقتدي بها المؤمنون بالله ورسوله والقرآن الكريم إلى يوم القيامة، لأن رسول الله صلوات الله عليه وآله خاتم الأنبياء والمرسلين أرسله الله رحمة للعالمين إلى آخر أيام الدنيا لما فيه الخير والفلاح والفوز والنجاة لهم في الدنيا والآخرة ولأنه يترتب على ضرورة التأسي والتحلي بهذه المواصفات الكثير من النتائج الإيجابية والثمار المباركة لأنها نابعة من القيم والمبادئ الإيمانية المحمدية القرآنية.
تحدث الله تعالى في القرآن الكريم عن مواصفات الرسول محمد صلوات الله عليه وعلى آله وسلم والذين آمنوا معه في أكثر من سورة وفي أكثر من آية مؤكداً أنهم أشداء على الكفار ، رحماء بينهم ، ركعاً ، سجداً ، يبتغون فضلاً من الله ورضوانا ، يجاهدون في سبيل الله بأموالهم وانفسهم ، وأنهم آمنوا بالله تعالى إيماناً صادقاً وآمنوا برسوله إيماناً خالصاً وآمنوا بالقرآن الكريم إيماناً عملياً ، فكانت النتيجة المضمونة التي كفلها الله تعالى لهم على النحو التالي : في الدنيا لهم العزة والكرامة والنصر والتأييد والرعاية ولهم الأمن وهم مهتدون ، ولهم الخيرات وهم المفلحون ، وفي الآخرة لهم البشرى ولهم الفوز والنجاة ولهم الجنة والرضوان من الله تعالى ، ومن خلال هذه المواصفات الراقية والعظيمة وما يترتب عليها من نتائج مهمة ومباركة يجب علينا كمؤمنين أن نعمل ونسعى لأن يكون إيماننا بهذا المستوى لكي نضمن لأنفسنا الفلاح والخير في الدنيا والفوز والنجاة في الآخرة .
وعندما نأتي إلى القرآن الكريم سنجد أن الله تعالى تحدث عن مواصفات الرسول محمد صلوات الله عليه وعلى آله والذين آمنوا معه بالشكل الذي يقدم لنا صورة مكتملة عنهم، تدفعنا إلى العمل على أن نقتدي بهم، قال الله تعالى {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} وقال تعالى {لكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} وقال تعالى {حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} وقال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ۖ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، ولهذا إذا تأملنا في سياق هذه الآيات نجد أن الهدف منها ليس فقط الثناء على رسول الله والذين آمنوا معه وانتهى الأمر بل من أجل أن نأخذ منها الدروس والعبر ونعمل على أن نحولها نحن كمؤمنين إلى واقع عملي في نفوسنا وفي حياتنا نسير على أساسها ونجعلها معياراً لمستوى صدق إيماننا بالله ورسوله ولكي ندخل من ضمن المؤمنين الذين آمنوا مع رسول الله وآمنوا به ولو كان ذلك من وجهة نظرنا متأخراً بالنسبة للزمان ولكن تجسيدها في واقعنا اليوم سيضمن لنا أن نكون عند الله من الذين آمنوا برسول الله والرسالة التي جاء بها من عند الله بالشكل الذي يريد الله تعالى.
ولو نأتي لنتأمل وندرس طبيعة ومستوى الإيمان الذي يتمتع به أولئك الذين أشاد بهم الله من الذين آمنوا مع رسول الله صلوات الله عليه وآله سنجد أن إيمانهم بالله ورسوله كان إيماناً عملياً وليس إيماناً معلوماتياً لأن هناك فرقاً كبيراً وشاسعاً بين الإيمان العملي والإيمان المعلوماتي، الإيمان العملي بالله تعالى وبرسوله وبالقرآن الكريم هو الإيمان الحقيقي الذي يريده الله والذي أكد عليه القرآن الكريم ودعا إليه رسول الله، إيمان كله عمل ومواقف وإنجازات قوية ومثمرة ومؤثرة في واقع الناس بالحق والعدل والخير والإصلاح ، أما الإيمان المعلوماتي الذي يقتصر فقط على الإيمان باللسان والإقرار بالرسالة المحمدية كواقع فرض نفسه بإرادة الله تعالى مجرد معلومات عامة لا تدفع صاحبها إلى العمل ولا تحركه إلى ما فيه مصلحته في الدنيا والآخرة، فهو إيمان أجوف لا يقدم بل يؤخر وتكون عواقبه كارثية في الدنيا والآخرة ، ولهذا يجب علينا كمسلمين أن نعمل على تقييم واقعنا الإيماني وننظر في أي مستوى هو وفي أي اتجاه نمضي وماذا علينا أن نعمل لنكون ممن آمنوا بالله ورسوله وفق المواصفات القرآنية.
أعمال ومواقف إيمانية مشتركة يؤديها الرسول والذين آمنوا معه لكنها تختلف من حيث المهام والاصطفاء والدور والمسؤولية، فرسول الله صلوات الله عليه وعلى آله يحظى برعاية إلهية خاصة وعليه مسؤولية أكبر ولكن في نفس الوقت الذين آمنوا معه عليهم مسؤوليات ولكن وفق توجيهات الله تعالى ومن أعظمها وأهمها الجهاد في سبيل الله بالمال والنفس إضافة إلى الاتباع والتسليم المطلق لرسول الله والطاعة له فيما يأمر به ويوجه اليه امتثالاً لقول الله تعالى “وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا” وقوله تعالى {مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} وقوله تعالى ﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ ومن خلال هذه الآيات المباركة نجد أن طاعة رسول الله هي بوابة الولوج إلى طاعة الله وأن حب رسول الله هو همزة الوصل التي تصلنا بحب الله وهذا ما يجسده الشعب اليمني اليوم وهو يحتفي بذكرى المولد النبوي الشريف بهذا الشكل الفريد الذي يليق بعظمة ومقام رسول الله محمد صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله.