أخذ الاحتفاء بذكرى المولد النبوي – خلال السنوات الماضية في بلادنا – أنماطا وأشكالا عدة تعددت معها مظاهر الابتهاج..
لدرجة بات معها الاحتفاء بالمولد النبوي ظاهرة فريدة شدت إليها الأنظار ولفتت انتباه العالم ، وإزاء ذلك شهدنا انزعاجا غربيا كبيرا عبرت عنه الكثير من وسائل الإعلام الممولة من قوى الاستكبار والطغيان وتلك الممولة من قبل الأنظمة الوظيفية التابعة لقوى الاستعمار ..
هذا الهجوم المسعور تجاه احتفاء اليمنيين بالذكرى بزخم شعبي واسع وبتجمعات غير مسبوقة في التاريخ ، يضعنا أمام سؤال: ما وراء ذلك وما هي مخاوف القوى المعادية للأمة الإسلامية من إحياء ذكرى المولد النبوي الشريف بما درج عليه اليمنيون إبان سنوات العدوان الست الماضية بالتحديد ؟ يمكنك أن تقف على أسباب ذلك ودواعيه بعودة مُتأنية لخطابات السيد القائد عبد الملك الحوثي في ذكرى المولد النبوي الشريف وفي ذات الفترة المُشار إليها سابقا، وإن شئت إلى غيرها في مُناسبة المولد، بالتأكيد ستجد أن خلفية المخاوف والهجوم الشرس على إحياء ذكرى المولد النبوي مرتبط بدرجة أولى بدلالات الذكرى ورسائل الاحتفاء بها ، و يمكن أن نسطر هنا البعض من دلالات الذكرى ورسائل إحيائها يمنيا :
أولا : إن ذكرى المولد النبوي الشريف بذاتها محطة تنادي في العالمين بأن الرسالة الإلهية هي المشروع الوحيد وبشكل مطلق القادر على إحداث التغيير الحقيقي للواقع البشري و لتقديم الحلول الواقعية للبشر وأن لا بديل للبشرية عن رسالةِ الله تعالى ولا حَلَّ يُغيِّرُ واقعها إلا الانفتاحُ على الرسالة الإلهية وبها يمكن إصلاح واقع البشرية والانتقال إلى فضاء تسود فيه قيم و مبادئ القسط والأخلاق وكل ما تجد به البشرية الفلاح والخير العظيم، وبهذا فإن إحياء ذكرى المولد النبوي بما يليق بها وبما يعبر عن الإعظام بصاحبها لهو دعوة جهيرة إلى الرسالة الإلهية الخاتمة ..
ثانيا: إن إحياء ذكرى المولد النبوي محفل عام يرشد البشرية إلى أن خلاصها لن يكون إلا تحت حامل لواء الرسالة الإلهية خاتم الأنبياء النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم وفي ذلك الكثير مما يغيظ قوى الاستكبار والطاغوت اليوم و على رأسها أمريكا وإسرائيل بما تمثله من حالة الانحراف و التحريف المعاصرة عن شريعة نبي الله موسى وشريعة نبي الله عيسى عليهما السلام ..
ثالثا : إن في الذكرى تذكير دائم للبشرية بأن الدين عند الله الإسلام وأن معالم رسالة الله في الأنبياء والرسل السابقين تجد وصلها بالإيمان برسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم واتباعه والاهتداء بالقرآن الكريم الكتاب المنزل عليه، وبالتالي فإن إحياء هذه الذكرى العظيمة يواجه ما سُوق ماضيا و يُسوق حاضرا من تعدد للديانات وهذه الدلالة التي تبعث بها الذكرى في حد ذاتها ويعززها ويعممها الإحياء للذكرى أمر خطير جدا من منظور من أضاعوا معالِمَ رسالة الله تعالى إلى موسى و أنبياء بني إسرائيل، ومن أضاعوا ميراثَ عيسى من الهُدى ، ويضاف إليهم الأنظمة التابعة لقوى الاستكبار وفي المقدمة النظام السعودي المنافق والجماعات التكفيرية بما يمثلان من حالة انحراف وتحريفِ داخل الأُمَّـة الإسلامية ، ونحن نجد أن كل القوى السابقة المؤتلفة على الانحراف والتحريف سعت وما تزال لمحاصرة ذكرى المولد النبوي بشكل مباشر وغير مباشر في طقوس وأشكال معينة بدعوى ما كانت عليه ماضيا وإبعادها عن الجمهرة والاحتشاد فيما الذكرى المحتفى بها و صاحب الذكرى نفسه يوجبان مظاهر احتفاء تعبر عن عالمية الرسالة الخاتمة من جهة ومن جهة أخرى عن المشتركات الإسلامية التي تجمع الأمة ولا تفرقها وبها يمكن للأمة استعادة حضورها ووجودها وتأثيرها على طريق استنقاذ البشرية من الضلال والتيه والشقاء ..
رابعا : إن الذكرى مناسبة معطاءة غنية بأهم الدروس والعبر وإحياءها يستعيد حضور معجزاتِ الرسالة الإلهية في الذهنية العامة للأمة الإسلامية ومن ذلك أن المستضعفين كانوا هم رافعة وحملة وأتباع وأنصار الرسالة الإلهية والمنتصرون بها واستعادت حضور هذه المعجزة في ذهنية الأمة يعزز ثقتها بوعد الله بالغلبة والانتصار ويرشد إلى أسباب ذلك ومتطلباته ويجعل المستكبرين والطغاة والمستبدين والمنحرفين والمحرفين أمام مأزق وهج هذه المعجزة وما تتركه من أثر في نفسيات الناس وتوجهاتهم وخياراتهم.
خامسا : إحياء ذكرى المولد النبوي تحت نيران العدوان و طوق الحصار الأمريكي السعودي وفي العام السابع منهما، هو التعبير العملي لما قاله الإمام علي عليه السلام “كُنا كلما حمي الوطيس احتمينا برسول الله”، اليمنيون والحرب ضروس والحصار في أشده يحتمون برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويلبونه قائدا وهاديا ومعلما ومرشدا والاحتفاء بذلك و في سياق المواجهة الشاملة يعبر عن الصمود في أبهى صوره وعن الاستعداد لمواصلة المواجهة والثبات بصبر ويقين بنصر الله، وسبحان الله القائل ” هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ ” ..