عندما زحف العدو باتجاه صنعاء

 بقلم / اللواء عبدالخالق بدر الدين الحوثي

 

الشهيدُ سَجَّاد مناخة -رحمةُ الله تعالى تغشاه- كان يحملُ الروحيةَ العاليةَ في إيمانِه وعملِه ومسؤوليته، وكان مُبادِراً ومسارِعاً وصبوراً، ويتميز بمسؤولية عالية في صدق العمل، فكان أيُّ حدث في الجبهة لا يتعاملُ معه بتهاونٍ، سواء زحوفات أَو ترتيبات للعدو أَو ما كان يستخدمُها العدوُّ من الاساليب والتكتيكات للتقدم والزحف البطيء الذي كان تكتيكاً للعدو في نهم، كان رحمة الله عليه يعمل بجِدٍّ في كُـلِّ كبيرة وصغيرة، ولم يكن كما الكثير، فقد كان لديه القبولُ بأيِّ أمر واقع تفرضُه المواجهةُ من تقدم للعدو أو إصلاح خلل أو مواكبة معركة التنظيم للجبهة, فإذا حصل تقدُّمٌ للعدو كان يبقى متابعًا ومُجِدًّا ومثابِرًا لكسر تقدم العدوّ بكل الوسائل القتالية، لا يوهن ولا يعرفُ الوهنَ ولا يُحبَطُ ولا يَكِلُّ ولا يَمَـلُّ، بل كان يقاتل ويتحمل المسؤولية بكل تفانٍ في أعتى الظروف قتال المؤمن الشجاع الغيور على أمته.
كان الشهيدُ إذَا تحَــرَّكَ العدوُّ في أيَّةِ ساعة ليلاً أَو نهاراً تسمعُ صوتَه المبادِرَ لمتابعة ومواكبة الوضع، وإدارة المعركة, وهذا الصدقُ الحقيقيُّ في الإخلاص والعمل والصبر العظيم والمصابرة والمثابرة جعلته يرتقي عندَ الله في أدائه وترتيباته وتكتيكاته، ويبرُزُ في المسؤولية وحسن العمل والتنظيم فتحمل المسؤولية من واقع الروحية الإيْمَـانية العظيمة العملية في تلك الأيّام العصيبة، والتي كانت لهذه الأُمَّــة تعد أشدَّ المراحل التي خلت، فقد كان العدوُّ يجمَعُ أغلبَ المناطق والألوية والوَحدات للضغط؛ بهَدفِ الوصولِ إلى صنعاء ومعه تحالُفُ العدوان ومرتزِقته بكل ما أوتوا من قوة، بل إنهم كانوا يتظافرون أشدَّ من تظافرنا اليوم في تطهيرِ مأربَ وبقية الجبهات، هذا الذي نراه من الحُشُودِ والمعنويات والتوجُّـهِ الذي يصُبُّ في نقطةٍ واحدةٍ يكونُ في ميادين الحروب الشيء الكبير المُضنِي والمُثقِل في أية معركة.
نعودُ للمرحلة تلك التي كان العدوُّ يضغَطُ للوصولِ إلى صنعاءَ وكانت الجبهة بحاجةٍ إلى كوادرَ مميَّزين للحِفاظِ عليها، فهيَّأَ اللهُ كوادرَ عُظماءَ رحمةً من عنده، وكان سجَّاد -رحمة الله تغشاه- في ذلك الظرفِ المتميِّزَ والذي بوجوده يجعلُ أيَّ مسؤولٍ يثقُ بالمتابَعَةِ والعملِ بالشكل الصحيح الذي يُرضِي اللهَ بما تعنيه الكلمةُ من معنى، فلم يأتِ موقفٌ وتأتِ فيه مهادنة، فيقول: قد بلّغت فلاناً.. وقال: الأمور “سابر”.. بل كان يتابعُ ويتأكّـدُ.. ويتابعُ تحَرَّكَ العدوُّ وكأنه الذي في المترس الأول ومع اشتداد الأحداث في نهم كنا نسعى إلى تنظيمِ الجبهة بكوادرَ مميزين يحافظون عليها ويجعلون منها مقبرة للغزاة وكنا نقلَقُ عليها لحساسيتها على مصير هذه الأُمَّــة، ومع وجودِ قيادةٍ هَيَّأها اللهُ لهذه الأُمَّــة، القضيةُ مصيريةٌ بينَ الحق والباطل، فكنا نرى خطورةَ التفريطِ في جبهات صنعاء على أمتنا وشعبنا ويمننا فيما إذا تمكن مشروع الباطل كما هو التفريطُ الذي حصل في كربلاء مع الإمام الحسين عليه السلام والنكبة التي ترتبت عليها لهذه الأُمَّــة، فالموضوعُ ليس فيه محلٌّ للمناورة ولا للتراجُعِ ولا للتقصير ولا للتفريط و”السانتي متر” الواحد لا يحصل فيه تفريطٌ، بل بذل كُـلَّ ما يمكنُ من الجهود، ويرى اللهُ ذلك من جميعِ مَن في الجبهة وفي تلك المرحلة العصيبة كان إخلاصُ وتعاوُنُ جميعِ مَن في الجبهة -أفراداً ومشرفين وأقسام وتشكيلات- بمستوى المسؤولية، وكانت مراحلُ التنظيم مُستمرَّةً وكان سَجَّادٌ -رحمة الله تغشاه- ممن هيأهم الله لهذه المسؤوليات العظمى، وكنا مع الأحداث نرقُبُ أَيَّ شخص متميز يحملُ المسؤولية، فالكادر الحقيقي في الميدان يعني كنزاً من كُنُوزِ المواجهة، وكان -رحمةُ الله تغشاه- كلما تم تكليفُه بعمل يقومُ به ونرى أن طاقاتِهِ وجهدَه لا تزالُ أكبرَ، فكُنَّا نُكَلِّفُه بزيادةٍ حتى يساعِدَ ذلك في تخفيفِ الوضعِ الإداري للجَبهة، حتى توسَّعَ دورُه على مستوى ميمنة نِهْمَ والتي كانت تُعَدُّ هدفاً للعدو وكان يزحَفُ فيها بشكلٍ كبيرٍ وكان يُخَصِّصُ لها مناطقَ قتاليةً، فكان سجاد -رحمةُ الله عليه- يتحلَّى بكُلِّ المواصفات التي للمُشَاةِ والعملياتِ وللأقسامِ الإدارية والاختصاصات، وكان متميزاً فيها جميعاً بأدائه وجِدِّه وصدقِ عمله، وكنا في الواقع مطمئنين عليه بشكلٍ كاملٍ بكل ما تعنيه الكلمة وآملين فيه أن يتوسعَ دورُه حتى يمسكَ كاملَ جبهات نهم ويفوّض دورنا نحن، ونساعد في تقوية بقيةِ الجبهات الساخنة.
في عملية “البُنيان المرصوص” احتجنا نقلَه ومعه قوةٌ جيدةٌ، وعندما لقيتُه في جبلِ المصنعة كان مَظهَرُ النشاط والسعادة والتشوق والمسارعة في قسمات وجهه واضحاً يجعل أيَّ إنسان يستبشرُ بالنصر، وفي نفس اليوم تحَرَّكَ، وفي اليوم الثاني الذي كان يلتف ومعه بعض “الخُبرة” من جهة مِلح باتجاه معسكر الفرضة, في صباحَ ذلك اليوم مع اشتداد المواجَهة وتساقط جبهاتِ العدوّ وقُرب المواجَهة من نقطة ملح كان الموقف بارزاً ومميزاً، وكان أغلبُ “الخُبرة” المجاهدين فيه باذلين جهدَهم وقد جُرح بعضُهم ومع سقوط جبهة العدوّ وبداية النصر وسقوط سلسلة عيدة والمنارة والمريحات والقتب والجبيل والقَرن والحمرة إلى ملح؛ نتيجةَ الالتفاف والضغط الذي نزل من جهة الجبيل من خلف المنارة من خلف العدو من داخل الجبهة، وبدأ النصر يعلو في الأُفُق، حمدنا اللهَ كَثيراً، وبينما كنت متحدثاً مع أحد الإعلاميين وبعض “الخبرة” وأردتُّ التواصُلَ بسجاد جاوب أحدُ أصحابه وبلّغنا باستشهاده -رحمة الله تغشاه- مستقبلٌ عند الله عظيمٌ ومكانةٌ كبيرةٌ يستحقُّها مَن يتحلى بتلك الصفات العظيمة، لقد كان الناسُ في تلك الساعة تعلوهم الفرحةُ والاستبشار بالنصر الذي تحقق بفضل من الله ورعايته.
ختاماً فالشهيدُ المجاهدُ عبدالله محمد حصن ناصر الخولاني المعروف “بسجاد مناخة”، وُلد في عُزلة هوزن مديرية مناخة محافظة صنعاء, هو وأحدٌ من الشهداء الأبرار الذين لا يتسع المقال لحصر بطولاتهم وتضحياتهم الجسام في التصدي لقوى العدوان والعمالة والارتزاق, وبالمناسبة أتوجَّهُ بالشكر لكُلِّ مِن أسهم في تدريب وَبناء هؤلاء الشهداء عسكرياً والمتابعة لهم حتى تحملوا المسؤوليات الكبيرة في ميادين القتال وأخص بالذكر المجاهد عقيل اللبلوب الذي كان له الدور الأبرز في بناء الشهيد عسكرياً ومتابعته حتى تحمل المسؤوليات الكبيرة الملقاة على عاتقه, والشكر موصول لأسرة سجاد مناخة على جهودها في التربية الإيمانية التي نشاءُ عليها الشهيد، فسلامٌ من الله عليكم وعلى شهدائنا الأبرار.
* قائد المنطقة العسكرية المركزية، قائد قوات الحرس الجمهوري والعمليات الخَاصَّة