نص كلمة للسيد عبدالملك بدر الدين الحوثي بمناسبة الذكرى السنوية للشهيد القائد 1443هـ الموافق 27-02-2022
أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُهُ ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين.
السَّلام والرحمة والرضوان على شهيد القرآن: حسين بن بدر الدين الحوثي “رضوان الله تعالى عليه”، السيد القائد، المؤسس للمسيرة القرآنية المباركة، ورائد الحرية والاستقلال والكرامة لشعبنا ولأمتنا، الحاضر بمشروعه القرآني العظيم على الدوام، والخالد بشهادته التي فاز بها وهو يحمل أقدس قضية، وأشرف موقف، صابراً، محتسباً، ثابتاً على الحق المبين.
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ- أيُّها الإخوة- وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
في هذه الذكرى الأليمة، نتحدث عن السيد حسين بدر الدين الحوثي “رضوان الله عليه” كعنوانٍ لمشروعه القرآني العظيم، وعنوانٍ لقضيته المحقة العادلة الواضحة البيِّنة، في مرحلةٍ ونحن نعيش فيها التحديات والأخطار التي تحرَّك السيد حسين بدر الدين الحوثي “رضوان الله عليه” لمواجهتها، والتصدي لها، برؤيةٍ قرآنيةٍ، وعلى بيِّنةٍ واضحة، وبإحساسٍ عالٍ بالمسؤولية، وابتغاءٍ لمرضاة الله “سبحانه وتعالى”.
ما عاناه الشهيد القائد “رضوان الله عليه”، وما حورب لأجله، نرى صورةً تقريبيةً له فيما تعانيه أمتنا في هذه المرحلة، فيما تعانيه شعوبنا في هذا الوقت، فيما تعانيه المقاومة في فلسطين وفي غير فلسطين، وما يعاني منه أحرار الأمة، وهم يتبنون الموقف الصحيح، الذي يفرضه عليهم انتماؤهم للإسلام، ويفرضه عليهم انتماؤهم لهذه الأمة، ويفرضه عليهم الحق في كل اعتباراته وصوره، تفرضه الفطرة الإنسانية السليمة، في التصدي لأعداء الأمة، في حملتهم التي يستهدفون بها الأمة استهدافاً شاملاً في دينها وديناها.
عندما نتأمل في هذه المرحلة في واقع أمتنا الإسلامية بشكلٍ عام، ثم نتجه بأنظارنا إلى فلسطين، القضية الواضحة، التي شهدت في مراحل معينة من تاريخ الأمة شبه إجماعٍ على أنها قضية حقٍ، وأنه يجب على الأمة بكلها أن تلتف حول هذه القضية، وأنَّ الكيان الإسرائيلي الغاصب هو عدوٌ مبطلٌ، مغتصبٌ، مجرمٌ، استهدف الأمة بشكلٍ عام، واستهدف الشعب الفلسطيني الذي هو جزءٌ من هذه الأمة، واستهدف أرضاً هي للشعب الفلسطيني، وهي جزءٌ- أيضاً- من بلدان هذه الأمة، ومن البلاد الإسلامية بشكلٍ عام، واستهدف مقدَّسات هي من مقدَّسات هذه الأمة.
ثم مع الزمن، مع المتغيرات، مع تجلي الحقائق أكثر فأكثر، تتجلى في هذه المرحلة الراهنة، في هذا الظرف، تتجلى الحقائق؛ لتكشف عن مواقف مغايرة، متنكِّرة لهذا الحق الواضح البيِّن، فتتجه للتطبيع مع العدو الإسرائيلي، وإقامة العلاقات معه، وإقامة التحالفات معه، وتحاول أن تغيِّر الصورة التي كانت تمثل الحقيقة الثابتة عنه كعدوٍ لهذه الأمة، وكمجرمٍ له سجلٌ إجراميٌ حافلٌ بالجرائم البشعة، التي يهتز لها الضمير الإنساني في كل العالم، فتحاول أن تزيف له صورةً مختلفةً، وتغيِّر في هذه الصورة من الواقع والحقيقة؛ لتقدمه صديقاً يجب التحالف معه، التعايش معه، التعاون معه، وتفترض بواقع الأمة أن تتجه بكلها إلى إقامة علاقاتٍ معه، علاقاتٍ كاملةٍ وشاملة، ثم وصولاً إلى إقامة تحالفات معه.
في نفس الوقت تتجه بنظرةٍ سلبية إلى المقاومة الفلسطينية، التي تمثِّل الحق الفلسطيني، والموقف الفلسطيني الصحيح، في الثبات على ذلك الحق، في الموقف من ذلك العدو القاتل، المجرم، المغتصب، المنتهك لكل الحرمات، المستهدف للشعب الفلسطيني في كل شيء، في دينه ودنياه، والعدو لهذه الأمة بشكلٍ عام في دينها ودنياها، فتعادي الحركات الفلسطينية المقاومة، وتصنِّفها بالإرهاب، وتوجِّه إعلامها بالاستهداف الممنهج السلبي المعادي لحركات المقاومة في فلسطين، وللمجاهدين في فلسطين، وتقدِّم صورةً سلبيةً حتى عن الشعب الفلسطيني بشكلٍ عام، وليس فقط عن حركات المقاومة في فلسطين.
وتستمر دائماً في الهمز، واللمز، والإساءة إلى الشعب الفلسطيني، وتتجه لترسيخ مفاهيم جديدة عن الحق الفلسطيني؛ بغية إسقاط ذلك الحق، بغية الضغط على الشعب الفلسطيني للتنازل عن ذلك الحق الثابت، الحق الواضح، الحق المبين، وتستمر في تقديم صورة نمطية عن الشعب الفلسطيني وعن مجاهديه، وكأنه شعبٌ متعنتٌ لا يريد السلام، ليس منصفاً، ليس متفاهماً، وأنه لا يحمل قضيةً حقيقيةً لنفسه، وأنَّ مجاهديه إنما يعملون لصالح قوى أخرى، لصالح إيران! ليسوا أصحاب قضية، وليس لهم من مبرر في أن يستمروا في مواجهة العدو الإسرائيلي، والتصدي له، مع التنكر لكل الحقائق الثابتة الواضحة: أنَّ العدو الإسرائيلي هو عدوٌ بكل ما تعنيه الكلمة، اغتصب الأرض، انتهك الحرمات، يقتل أبناء الشعب الفلسطيني يومياً، يقتلع أشجارهم من مزارعهم يومياً، يهدم بيوتهم يومياً، اغتصب عليهم المدن، اغتصب عليهم القرى، اغتصب عليهم الريف، اغتصب عليهم حق الحرية والاستقلال والعيش بكرامة، يضطهدهم بشكلٍ مستمر، يتعامل معهم بشكلٍ عدائيٍ في كل شيء، تنكر لكل هذه الحقائق الواضحة، وكأنَّ المغتصب، والمتعنت، والمخطئ، والخاطئ، والمجرم هو الفلسطيني، وكأنه من يجب أن يتوجه إليه اللوم، ويتوجه إليه الانتقاد، وتتوجه إليه الحملات الإعلامية الشديدة العدائية.
وفي نفس الوقت كلما حصلت تطورات، أو أحداث، يصطف الموقف الإعلامي لتلك الأنظمة العميلة من داخل الأمة إلى التوهين من كل الإيجابيات، من كل مظاهر القوة، من كل عناصر القوة التي يمتلكها الشعب الفلسطيني، والتقليل حتى من انتصاراته وانتصار مجاهديه، والإشادة بالموقف الإسرائيلي.
فنجد من داخل الأمة أنظمة عميلة وكيانات من داخل الأمة تتبنى هذا الموقف السلبي، وهذا التوجه السلبي، المتنكر للبديهيات والثوابت التي كانت محل اعترافٍ وإقرار على مستوى عالمنا الإسلامي، وعلى مستوى العالم العربي بشكلٍ عام.
كذلك تجاه حزب الله والمقاومة اللبنانية عداء شديد، محاربة إعلامية، سياسية، اقتصادية، ضخ للأموال بشكلٍ كبير لأنشطة تستهدف محاصرة هذا الحزب، وهذه المقاومة العظيمة الباسلة، التي حققت انتصارات عظيمة للأمة بكلها، ووقفت المواقف التي هي شرفٌ لكل الأمة الإسلامية، وحفظت ماء وجه الأمة في صراعها مع عدوها الإسرائيلي، أنشطة عدائية، استهدافات، مؤامرات، بالاشتراك مع العدو الإسرائيلي ومع الأمريكي للاستهداف بكل أشكاله لهذه المقاومة، والأمور اليوم واضحة، هذا التوجه الاستهدافي الممنهج الشامل، والذي أصبح بتعاونٍ مكشوفٍ وواضح مع الإسرائيلي والأمريكي، وتنسيقٍ واضح، وتماهٍ مشترك، هو اليوم أظهر منه من أي وقتٍ مضى.
وهكذا مثلاً تجاه أحرار العراق، تجاه سوريا، تجاه الجمهورية الإسلامية في إيران، تجاه أحرار الأمة، تجاه الشعب البحريني المظلوم، الموقف هو نفسه الموقف، وتجاه شعبنا اليمني الذي شنت عليه حربٌ شاملة وقاسية وعدائية، هي من أبشع الحروب التي ارتكبت فيها أبشع وأسوأ وأقبح وأفظع الجرائم على مستوى العالم، ونحن اليوم على مقربة من دخول العام الثامن بالميلادي، أما بالهجري فقد دخل أصلاً، والعدوان مستمرٌ على شعبنا، مع حصارٍ شديد، مع ارتكاب لأبشع الجرائم بحق هذا الشعب.
هذا الاستهداف الذي تتحرك فيه قوى، أنظمة، كيانات محسوبة على هذه الأمة، من داخل هذه الأمة، لها ارتباط واضح بالأمريكي وبالإسرائيلي، لها ارتباط مكشوف وعلني، وتحالف صريح مع أعداء الأمة، المعروفين بأنهم أعداء، ليس عداؤهم لهذه الأمة أمراً مجهولاً، ولا خفياً، تجلياته، شواهده واضحةٌ، معروفةٌ، أحداث كبيرة، وقائع كبيرة، احتلال لبلدان، قتل لمئات الآلاف، جرح للملايين، حصار اقتصادي، مؤامرات شاملة في كل المجالات.
هذا التنكر لتلك الحقائق، وهذه الحملات والاستهداف الشامل المكثف من داخل تلك القوى العميلة هو ما عانى منه الشهيد القائد “رضوان الله عليه” عندما انطلق بمشروعه القرآني العظيم، وتبنى الموقف الحق، السليم، الصحيح، القرآني، الإنساني، الذي هو حقٌ بكل الاعتبارات، وحكيمٌ بكل ما تعنيه الكلمة، في مرحلة حساسة وخطرة تشكل منعطفاً في مستقبل هذه الأمة، بدون أن يتحرك فيها كان مستقبل شعبنا مستقبلاً خطيراً جداً، وبالتالي كذلك تأثيرات ذلك على الواقع من حولنا بشكلٍ عام، بحسب الدور الذي لبلدنا ولشعبنا، على مستوى أمتنا.
في الهجمة الأمريكية المستعرة ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، والتي ترافق معها تصعيدٌ إجراميٌ عدوانيٌ إسرائيلٌ في فلسطين، في تلك الأحداث التي تزعَّمها (شارون) في تلك المرحلة المعروفة، وفي تلك التحديات التي دخلت من خلالها الأمة في مرحلة جديدة من الهجمة الأمريكية الإسرائيلية الغربية على أمتنا، والتي توجه معها الكثير من الأنظمة، وجمدت في ظلها الكثير من الشعوب، اتجه الأعداء في خطوات خطيرة للغاية، وفي ظل التماهي الرسمي لكثيرٍ من الأنظمة العربية، كان ذلك سيحقق لأمريكا ولإسرائيل ما تريده وما تسعى له من سيطرةٍ تامة على أمتنا الإسلامية، وعلى شعبنا اليمني، سيطرة مباشرة شاملة، تصل بنا إلى مستوى الاستسلام التام، وأن نعيش حالةً من العبودية والذل والهوان، وأن نخسر ديننا ودنيانا.
الحركة التي قادتها أمريكا وإسرائيل هي حركة عدائية، وإن تحالف معها البعض تحت العناوين التي قدمت، مثل: عنوان مكافحة الإرهاب، وكان هو العنوان الأبرز آنذاك، لكنها مجرد عناوين تبريرية، تقدم كذريعة ووسيلة تصل بأمريكا وإسرائيل إلى السيطرة المباشرة، خلفية هذا الموقف العدائي المستهدف لأمتنا، والذي تهيب منه الكثير، واستسلم أمامه الكثير، وارتبك أمامه الكثير، والذي كان الاستسلام له سيمكن أمريكا من السيطرة المباشرة لأمدٍ طويل، ثم تكون عملية التحرر منه مكلفةً جداً، وبطيئةً، وبثمنٍ باهضٍ للغاية، وقد تتأخر لفترةٍ طويلة، ويكون لذلك تبعات خطيرة جداً.
أولئك الأعداء الذين يتحركون كأعداء عقدت معهم التحالفات من معظم الأنظمة الرسمية العربية، وفي مقدمتها النظام الرسمي آنذاك في اليمن، وكان من المسارعين {يُسَارِعُونَ فِيهِمْ}[المائدة: من الآية52]، ومن السباقين، ومقتضى تلك التحالفات، والارتباطات، والاتفاقيات: فتح المجال للأمريكي، في موقفه العدائي، في سياساته العدائية، أن يأتي، وأن يفرض ما يشاؤه ويريده، من سياسات، من توجهات، من مواقف، رسمياً وشعبياً، وأن يأتي بقواعده العسكرية، وأن يكون النظام جزءاً وأداةً من الجهات التي تنفذ ذلك المشروع، وتلك الأجندة، وتلك المؤامرات، والتي هي كارثية وتدميرية، وتشكل خسارةً كبيرةً على مستقبل الأمة، ثم فجأةً يتجه الحديث عنهم وكأنهم أصدقاء نتحالف معهم، وكأن الذي يفعلونه ويسعون لتحقيقه في واقعنا وواقع أمتنا ليس عملاً عدائياً، كأنه إنما هو- بتلك العناوين التي يقدمونها كعناوين مخادعة- لمصلحة أمتنا، وبجهد مكثف يتم العمل على تغيير الصورة الحقيقية للأعداء كأعداء، وكأنهم أصدقاء، يجب علينا أن نطيعهم، أن نعرف أنهم يسعون لما هو مصلحةٌ لنا، أن نقبل بسيطرتهم علينا، أن ننفذ ما يريدونه من سياسات وتوجهات، ألَّا يكون هناك في المقابل أي صوتٍ حُرٍ، أو أي تحركٍ جادٍ وصحيحٍ يعيق شيئاً من مخططاتهم، أو يحد من نجاح مؤامراتهم، فإذا برز صوتٌ هنا، أو صوتٌ هناك، أو تحركٌ هنا، أو تحركٌ هناك، يتجه اتجاهاً مخالفاً لما عليه التوجه الرسمي، فإنه يجب أن يحارب، أن يمنع، أن يتم التعامل معه كعدو، مخرب، كممقوت، أن يعزل، أن يحارب بكل أشكال المحاربة، إعلامياً، فكرياً، ثقافياً، عسكرياً، اقتصادياً… إلى غير ذلك.
عندما نعود إلى الحقيقة، التي هي حقيقةٌ واضحة، مهما تنكر لها عملاء أمريكا وإسرائيل، ومهما تنكر لها، أو تجاهلها، ناقصوا الوعي من أبناء هذه الأمة، الحقيقة الواضحة البينة: أن أولئك هم أعداء بكل ما تعنيه الكلمة، وأنهم يسعون للسيطرة على أمتنا من خلفيةٍ عدائية، وبسياسةٍ عدائية، وبممارساتٍ عدائية، ولأهدافٍ عدائية، وعداؤهم لأمتنا، وعداؤهم لنا كمسلمين، هو معتقدٌ دينيٌ يؤمنون به، وهو أيضاً ثقافةٌ معتمدةٌ لديهم، ورؤيةٌ فكريةٌ راسخةٌ عندهم، وهو أيضاً استراتيجيةٌ أساسيةٌ يبنون عليها مخططاتهم، ويبنون عليها برامجهم العملية، التي يتحركون على ضوئها في واقع أمتنا.
ولنقف وقفات صغيرة وموجزة ومختصرة مع هذه العناوين:
بدايةً هو معتقدٌ دينيٌ لديهم: المحرك الأساسي للاستهداف لأمتنا هو اللوبي الصهيوني اليهودي في العالم، والكيان الإسرائيلي الذي اغتصب فلسطين، واغتصب أجزاء أخرى من بلدان أمتنا وبلداننا العربية، هو ذراعٌ من أذرعة اللوبي اليهودي الصهيوني، واللوبي الصهيوني اليهودي هو الذي يحرك أمريكا، وهو الذي يحرك بريطانيا، وهو الذي يتحرك بالغرب، لدعم التوجهات والمواقف والأهداف التي يعتمدها، وهو ما قبل أن يتجه إلى أمتنا الإسلامية بهذا المستوى من التحرك، وبهذه الإمكانات، وبهذه القدرات، تمكن من الاختراق الكبير للنصارى وللعالم الغربي، ووصل إلى مستوى التحكم في السياسات الغربية والتوجهات الغربية إلى حدٍ كبير، وصنع قناعات دينية لدى المجتمع الغربي، حتى لدى النصارى المسيحيين، حتى لديهم هو تمكن من القيام بعملية تحريف واسعة، وصناعة مفاهيم ومعتقدات دينية، تتبنى في أساسها:
-
تعظيم اليهود وتقديسهم.
-
وتتبنى العداء الشديد للمسلمين.
-
وتتبنى أيضاً المصادرة لفلسطين وللمقدسات في فلسطين، والدعم للعدو الإسرائيلي من السيطرة التامة عليها.
-
وتمكين العدو الإسرائيلي لبناء كيانٍ معادٍ ونافذٍ وقويٍ في أوساط أمتنا الإسلامية وفي قلب العالم العربي.
كل هذه الأمور أصبحت معتقدات دينية، هي بالنسبة لليهود أمرٌ واضح، معتقدات دينية يتشبثون بها، مع تنكرهم للتدين والدين، لكنهم يحتفظون بالأشياء التي تخدمهم، والتي تمكن من نفوذهم، والتي تحافظ لهم على هوية ونمط معين، يوظفونه لمصالحهم السياسية وأهدافهم السياسية، على نحوٍ من أشكال الاستغلال.
فهناك في كتبهم الدينية نصوص محرفة، تبيح لهم المسلمين، تبيح لهم غيرهم، تعزز نظرة الكراهية إلى المجتمع البشري بشكلٍ عام، وإلى المسلمين بشكلٍ خاص، هناك في كتبهم المعتمدة دينياً، مثل: التلمود، ما يبيح لهم ارتكاب أبشع الجرائم بحق المجتمع البشري- كما قلنا- بشكلٍ عام، والمسلمين بشكلٍ خاص، هناك في كثيرٍ من كتبهم المعتمدة، وكتاباتهم المعتمدة، ومدارسهم وكنائسهم الدينية، ما يرسخ تلك المفاهيم التي يبنى عليها نظرة عدائية بشكلٍ كبير في عالمنا الإسلامي، للمسلمين عموماً، حتى يرى فيهم الصهيوني اليهودي، أو الصهيوني من النصارى، من أصبح موالياً لليهود، يرى في المسلم العدو الطبيعي، العدو الذي يجب معاداته، يجب استهدافه، يجب التآمر عليه، يجب العداء له…إلخ.
هذه مسألة بالنسبة لهم مسألة أساسية، فهو معتقدٌ دينيٌ، هم يستقونه من مصادرهم التي يقدسونها ويعتبرونها كتباً دينية، ويربطون بها حاضرهم ومستقبلهم، ويتنبؤون على أساسها بالمستقبل، فيبنون سياسات حتى للمستقبل، وخططاً حتى للمستقبل بالاستناد إلى ذلك، وهذا ما حصل بالنسبة للكيان الإسرائيلي، ودعم المجتمع الغربي له دعماً كبيراً جداً؛ لتمكينه من السيطرة على فلسطين، بناءً على تلك المعتقدات التي مصدرها نصوص محرَّفة، لكنها أصبحت معتقداً دينياً، ومعتقداً دينياً يبنون عليه مستقبلهم بكله، مستقبلهم بكله مبنيٌ على تلك المعتقدات الدينية، فالخلاص من المسلمين، والقضاء عليهم، والتمكين للعدو الإسرائيلي، وسيطرة اللوبي اليهودي على المسلمين، على الأمة، على المجتمع البشري، واستعباده واستغلاله، أصبح بالنسبة لهم معتقداً دينياً، يترتب عليه التزامات، تتحقق بها نتائج كبيرة بالنسبة لهم، ذات أهمية دينية، وأهمية دنيوية في مستقبلهم؛ ولذلك فالمسألة أساسية بالنسبة لهم، يتحركون فيها بكل جد، وبكل اهتمام، وينطلقون بعداء شديد بناءً عليها، عداء شديد لأمتنا الإسلامية، يعني: عداء له منطلقات دينية، عداء ينطلق من معتقدات، وأيضاً هو ثقافة، ثقافة يدرِّسونها في مناهجهم التعليمية، يرسِّخونها كمفاهيم في كتاباتهم، في سياساتهم الإعلامية، في نشاطهم الثقافي، وحتى على المستوى التربوي، منذ الطفولة هم يربون النشء فيهم على العداء للمسلمين، على نظرة الاحتقار للمسلمين، الكراهية للمسلمين، ويرسمون صورة نمطية عن الإسلام- سلبية طبعاً- عن الإسلام والمسلمين في ذهنية الناشئة فيهم، ينشأ الناشئ منهم وهو تربى هذه التربية، حمل تلك العقيدة، واقتنع بتلك الثقافة والمفاهيم، وأصبحت مكوناً أساسياً لتفكيره المستقبلي، ولخططه العملية.
هذه الحقيقة لفت القرآن الكريم نظرنا إليها منذ البداية، أنهم أعداء، وأنَّ عداءهم شديد، وقال الله “جلَّ شأنه” في القرآن الكريم: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ}[المائدة: من الآية82]، اليهود في المقام الأول، {وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا}[المائدة: من الآية82]، في المقام الثاني، اليهود في المقام الأول الأشد عداءً، والذين تتجلى الشواهد على عدائيتهم لتجدها واقعاً ممارسات عملية، وتجدها أيضاً سياسات، ومؤامرات، وخطط، ومواقف، وجرائم، ولها شواهد كثيرة جداً في الواقع، شيء ملاحظ، مشاهد، موجود، حقائقه قائمة، وقائعه حاضرة وكبيرة، وليست أمراً خفياً يصعب الإدراك له، والتنبه له، هذا من جانب.
القرآن الكريم أيضاً بيَّن لنا أنهم يستبيحوننا دينياً، {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ}[آل عمران: من الآية75]، هذه بالنسبة لهم فتوى دينية، أنَّ المسلمين وأنَّ غيرهم من المجتمعات البشرية مباحون لهم، لديهم نصوص كثيرة في التلمود وفي غير التلمود، تنص على استباحة غيرهم، على أنَّ كل شيء مباحٌ لهم، على مستوى سفك الدماء، على مستوى انتهاك الأعراض، على مستوى مصادرة الثروات والحقوق، على مستوى… كل شيء مباح لهم، {لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ}، وبيَّن لنا ما هم عليه من الحنق، والعقد، والحقد الشديد، الذي يمثل دافعاً كبيراً لهم إلى التآمر علينا كمسلمين، إلى التحرك في خطط عدائية ضدنا كأمةٍ إسلامية، عندما يقول الله “سبحانه وتعالى” عنهم: {وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ}[آل عمران: من الآية118]، أنهم يودون لنا كل ضر، كل مشقة، كل عناء، هذه هي حالة شعورية لديهم، لديهم رغبة عارمة جداً، ومودة شديدة في كل ما يمكن أن يشكل عناءً لهذه الأمة، عنتاً لهذه الأمة، ضرراً لهذه الأمة، شراً على هذه الأمة، ويترجمون هذه الرغبة الشديدة في إلحاق الضرر بأمتنا من خلال: سياسات، وخطط، وأعمال، ومواقف، وأنشطة عدائية، وبأسلوب مخادع في كثيرٍ منها.
قال عنهم: {وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ}[آل عمران: من الآية119]، حالة شديدة جداً من الحنق، من الغيظ، من الكره، من العداء الشديد لهذه الأمة، ولا يشفع لأحدٍ من أبناء هذه الأمة حتى لو أحبهم، وحتى لو تولاهم، وحتى لو خدمهم، هذا لا يجعله محبوباً عندهم، هم يتعاملون معه كأداة يستغلونها، لا مانع عندهم في ذلك: كأداة يستغلونها، ولذلك يقول عن المحبين لهم: {هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ}[آل عمران: من الآية119]، مهما أحببتموهم، مهما خدمتموهم، مهما فعلتهم لهم، مهما نفذتهم من مؤامراتهم وخططهم، تبقون بالنسبة إليهم مكروهين، محتقرين، ينظرون إليكم بالكراهية والاحتقار، وأنكم لستم سوى أدوات، تنفِّذون مخططاتهم، وتقدمون خدمات لهم، وهذا شيءٌ واضح في طبيعة العلاقة التي نشاهدها ونراها، في علاقة النظام السعودي والنظام الإماراتي بأمريكا وبإسرائيل، هل يمكن أن نقول أنَّ النظام السعودي يحظى باحترام لدى الأمريكيين، أو لدى الإسرائيليين؟ أو الإماراتي يحظى باحترام لدى الأمريكيين ولدى الإسرائيليين؟ أو آل خليفة في البحرين… أو أيٌّ من المطبِّعين والموالين والمتقدِّمين بالخدمات لمصلحة أمريكا وإسرائيل، هل هم يحظون بشيء من الاحترام والكرامة لدى أولئك؟ أبداً، واضح حالة الاستهانة، الاحتقار، الكراهية، النظرة بالاحتقار الشديد إلى تلك الأنظمة، ولا يرون فيها إلَّا أنهم مجرد عملاء، ينفِّذون مخططات، ويقدِّمون خدمات، ويُستَغَلون كأدوات لا قيمة لها أبداً، ولا احترام لها، ولا كرامة لها، هذا شيء واضح جداً، عبَّر عنه الكثير من المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين في مقامات ومناسبات متعددة، واضح أنها علاقة ابتزاز، واخضاع، وإذلال، وإهانة، والشواهد على ذلك كثيرة جداً.
فالقرآن أكَّد على هذه الحقائق، ولكن يتعامى عنها الكثير، وفيما هي أيضاً، يعني: فيما هو معتقد ديني، العداء لأمتنا فيما هو معتقد ديني، وثقافة، ورؤية، ومنهجية، وفي المناهج الدراسية، وفي الكتابات، وفي النشاط الإعلامي، وضمن الأنشطة التربوية منذ الطفولة، مشاهد لأطفال اسرائيليين يذهبون بهم من المدارس إلى المعسكرات، إلى الدبابات؛ ليتحدثوا عن أمنياتهم في قتل العرب، وفي قتل وإبادة هذه الشعوب، وعن كرههم وعدائهم لها، تربية منذ الطفولة، وترسيخ نظرة عدائية وصورة سلبية عن هذه الأمة.
هي أيضاً استراتيجية وسياسة يبنون عليها مخططاتهم، ولهم في ذلك مؤتمرات، في مراحل ماضية، ومراحل متعددة من التاريخ، هناك مؤتمرات غربية يحرِّكها اللوبي اليهودي الصهيوني من زمان، مؤتمرات تنعقد وتخرج باتفاقيات ومقررات معينة، هي عدائية بكل وضوح ضد هذه الأمة، هناك مثلاً اتفاقيات، مثل: (اتفاقية سايكس بيكو)، واتفاقيات أخرى، ونقاط ومخرجات لمؤتمرات عقدت في المراحل الماضية، في مراحل متعددة، وإلى اليوم، الأمر مستمر إلى اليوم، مخرجات تلك المؤتمرات، تلك المناسبات، تلك الفعاليات، مخرجاتها من اتفاقيات ومقررات عدائية بكل وضوح لأمتنا الإسلامية، تضمَّنت:
-
تقسيم العالم الإسلامي.
-
العمل على منع توحده.
-
إثارة النزاعات بين أبنائه تحت مختلف العناوين: العناوين الطائفية، العناوين السياسية، العناوين المناطقية، العناوين العرقية… تحت مختلف العناوين.
هذه بنود، بنود يعني تضمَّنتها اتفاقيات، ومؤتمرات، ومقررات، عقدوها، وخرجوا بها، واعتمدوها.
-
وأيضاً ضمان بقاء المسلمين في حالة تخلف وبؤس، والمنع لنهوضهم الحضاري، والمنع لنهضتهم الاقتصادية، وأن يبقى العالم الإسلامي مجرد سوق للمنتجات والبضائع من تلك الشركات التي تتبع الأعداء.
-
وأن تبقى حالة المسلمين حالة أزمات اقتصادية، وأزمات متنوعة، أزمات سياسية، أزمات أمنية.
-
أن تبقى الوضعية في العالم الإسلامي ووضعية بلدان هذه الأمة وضعية مربكة، لا تستقر أبداً، لا سياسياً، ولا اقتصادياً… ولا بأي شكلٍ من الأشكال.
-
والحيلولة دون نهضة هذه الأمة نهضةً حقيقية على أساسٍ من انتمائها الإسلامي.
-
وفرض أنظمة وحكومات عميلة على شعوب هذه الأمة، تنفِّذ خطط الأعداء في كل المجالات، وتتسلط على شعوب هذه الأمة بالقمع، والإذلال، والاضطهاد، والجبروت.
-
ونهب ثروات هذه الأمة.
-
والسيطرة على الجغرافيا.
-
وفرض قواعد عسكرية في المناطق والأماكن الاستراتيجية في بلدان هذه الأمة.
-
وأيضاً استغلال الثروة البشرية في هذه الأمة، استغلال الثروة البشرية حسب الحاجة، من يُستَغَلون في خدمة الأعداء بحسب مواهبهم:
-
الإعلاميون أبواق للأعداء، أبواق.
-
والكتَّاب والثقافيون كذلك يصدِّرون ما يريده العدو من مفاهيم زائفة، وضلالات، وخدع، وأكاذيب، وافتراءات، وما يمكن أن يساهم في إضلال أبناء هذه الأمة وإفسادهم.
-
وكذلك من يقاتلون سواءً لعدو هنا، أو هناك، أو لإثارة الفتن في داخل الأمة، والصراعات في داخل الأمة.
-
استغلال الثروة البشرية حسب الحاجة، وفي أي صراع، وفي الفتن الداخلية.
والاستراتيجيات في هذه النظرة التي هي عدائية من جهة، وأيضاً لها نزعة استعمارية وطمع كبير من جهة أخرى، يتلاقى الأمران، يعني: تلاقت الرغبة، والنزعة الاستعمارية، والطمع الكبير، والنزعة للسيطرة على مختلف العالم، وفي مقدِّمته العالم الإسلامي وبلدانه، مع تلك العقيدة العدائية، والتوجه العدائي، والثقافة العدائية، والنظرة العدائية المترسخة، فبنيت عليها استراتيجيات، عبَّرها زعماؤهم في مقامات كثيرة، منظِّروهم في مناسبات متعددة، كتبت في كتب، دوِّنت في اتفاقيات، وأعدت وحضِّرت لها برامج عمل.
من ضمن التعبيرات التي عبَّرت عن هذه الاستراتيجية، قال أحد المسؤولين الأمريكيين وهو يتحدث عن المنطقة العربية والعالم الإسلامي، قال: [لدينا استراتيجية عليا غايةٌ في البساطة، نحن نريد في المنطقة نظماً مواليةً لنا، لا تقاوم إرادتنا]، يعني: يريدون حكومات وزعماء عملاء لهم، ينفِّذون مخططاتهم ومؤامراتهم حرفياً بدون أي امتناع، [لا تقاوم إرادتنا]، [ثم]- يواصل هو كلامه- [ثم إننا نريد ثروات هذه المنطقة بغير منازع]، أن يستحوذوا عليها وأن ينهبوها في مقابل بؤس هذه الأمة، هذه الشعوب، وحرمان هذه الشعوب من ثرواتها؛ لتبقى تعاني من الفقر، وضنك المعيشة، والبؤس الشديد، والعناء الشديد، ويواصل القول: [ونريد ضماناً نهائياً لأمن إسرائيل؛ لأنها الصديق الوحيد الذي يمكن الاعتماد عليه في هذه المنطقة].
هذه الاستراتيجية فعلاً يبنون عليها سياساتهم وتوجهاتهم، والضمان النهائي- حسب تعبيرهم- لأمن إسرائيل: أن يصلوا بواقعنا كعرب وكمسلمين إلى وضعية يطمئنون فيها أننا لا نستطيع أن نفعل أي شيء ضد العدو الإسرائيلي، يعني: نصل إلى وضعية من الانهيار التام، والاستسلام التام، والتغير الكامل، إلى درجة أن نشكل في واقعنا خدمةً لأعدائنا، وليس خطورةً على أعدائنا، وليس من إمكانيةٍ للنهوض في التحرر والاستقلال نهائياً، يعني: سقف عالٍ جداً، [ونريد ضماناً نهائياً لأمن إسرائيل]، ويقول: [لأنها الصديق الوحيد]، لاحظوا هذه العبارة، وفعلاً هذه نظرتهم، لا يمكن أن يعتبروا من تحالف معهم من العرب والمسلمين صديقاً حقيقياً، ولا شريكاً، يستحيل أن يقبلوا به شريكاً حقيقياً، هم ينظرون إليه كأداةٍ رخيصةٍ، يستغلونها حسب الحاجة، وفي حال الاستغناء عنها يسحقونها، وخطتهم في بعض الوثائق: أن يتخلَّصوا من النظام المصري والنظام السعودي بعد أن يتخلَّصوا من الإيرانيين والسوريين، ولكن أصبح أمامهم عقبة، يعني: عندما يستغنون عن هذا أو ذاك يسحقونه.
فبنظرهم، بمعتقدهم، بمعتقدهم بما تعنيه الكلمة، بثقافتهم، بتوجهاتهم، بسياساتهم… بكل الاعتبارات، صديقهم الوحيد، وشريكهم الحقيقي في هذه المنطقة، الذي يمكنهم الاعتماد عليه، هو: الإسرائيلي، كما قال الله “سبحانه وتعالى” في القرآن الكريم: {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}[المائدة: من الآية51].
قال الرئيس الأمريكي روزفلت: [إنَّ قَدَرَنَا هو أمركة العالم]، يعني: إخضاع بقية البلدان لأمريكا، إخضاع بقية البلدان لأمريكا، ثرواتها لأمريكا، حتى الثروة البشرية فيها لخدمة أمريكا، ولمصلحة أمريكا، والسيطرة الأمريكية على مختلف البلدان، يقول: [إنَّ قَدَرَنَا هو أمركة العالم، تكلموا بهدوء، واحملوا عصاً غليظة، عندئذٍ يمكن أن تتوغلوا بعيداً]، [احملوا عصاً غليظة]؛ للبطش والجبروت بمن يعارضكم، بمن لا يقبل بسيطرتكم، بنفوذكم، بتحكمكم، بقهركم، هذه هي توجهاتهم.
كم هناك من نصوص كثيرة، من اتفاقيات، من بنود، من كتابات، من تنظير، وكم هناك من مواقف، من أعمال، من مشاريع عمل نفذِّت، والبعض منها قيد التنفيذ، والبعض منها معدٌ ومحضرٌ له للمستقبل، الكثير منها معلن، الكثير منها خرج إلى الساحة، إلى العلن، والبعض منها مخفيٌ، وأتت عنه تسريبات.
أيضاً هو توجهٌ عمليٌ يبنون عليه مواقفهم وتحركاتهم في داخل أمتنا، سياساتهم بشكلٍ عام، يعني مثلاً: في الجانب السياسي، كيف يتعاملون مع أمتنا في وضعها السياسي؟ كل تعاملاتهم مؤامرات، دسائس، أزمات، إثارة مشاكل، إثارة انقسامات، إثارة نزاعات، إثارة اختلافات، الاستثمار في أي مشاكل قائمة، أي أزمات قائمة إلى أقصى حد، مصادرة للحقوق، إلى درجة الاستهتار بأمتنا، إلى درجة غريبة جداً تبين المستوى الغريب الذي وصلوا إليه من التنكر لهذه الأمة ولحقوقها، وصل الحال بهم إلى أن يعلن ترامب أيام ولايته على أمريكا، أن يعلن مصادرة الجولان السوري، وأن يوهبه للعدو الإسرائيلي، بكل هذه السخافة، بكل هذه الغطرسة، وكأن عالمنا الإسلامي ملكٌ لهم، يوزِّعونه لمن يريدون، ويهبونه لمن يشاؤون، مصادرة لفلسطين، لحق الشعب الفلسطيني، لحقوق أمتنا بكل أشكالها، حالة قائمة في الواقع العام.
مثلاً: تجد في مجلس الأمن والأمم المتحدة، العالم الإسلامي الذي تمثله خمسون دولة، لا يعطى حق الفيتو الذي يعطى لدول كثيرة في الغرب، وفي بعض الشرق، ولكن عالمنا الإسلامي والمسلمين بشكلٍ عام لا يعطونهم حق الفيتو، وتعطى دول أخرى، يعني: عدد كبير من البشر، أمة كبيرة من المجتمع البشري تحرم من ذلك، وتمنع من ذلك؛ حتى لا يكون لها أي تأثير حقيقي، وتكون- بنظرهم هم- ملزمة بما يقرره الآخرون في شأنها، وليس لها أن تمتنع، وللآخرين أن يمتنعوا، ولهم حق النقض حسب ما يقولون…إلخ. وكم هناك يعني من شواهد كثيرة لهذا الأمر، السياسات العدائية، النظرة السلبية تجاه أمتنا الإسلامية.
ثم على المستوى العملي، احتلال بلدان، قتل لمئات الآلاف، قواعد عسكرية، إما بقبول من الأنظمة العميلة لهم، أو بغير قبول، في أنظمة متحررة، أو بلدان لا ترغب بذلك، يفرضون فيها قواعد عسكرية، نهب للثروات، واستئثار بها، بأكثر مما تستفيده نفسه شعوب أمتنا، وهذا واضحٌ في فلسطين، ما حصل في العراق، ما يحصل في سوريا، ما حصل على لبنان، ما حصل على الأردن، ما حصل على مصر، ما يحصل على اليمن، ما حصل سابقاً على اليمن…إلخ. الشواهد كثيرةٌ على ذلك.
فالحالة الشاملة بالنسبة لهم، هي: حالة استهدافٍ لأمتنا بكل الأشكال، ما ينفِّذونه هم (الأمريكي، الإسرائيلي، ومعهم الغرب) بشكلٍ مباشر، وما ينفِّذونه أيضاً مع عملائهم من أبناء أمتنا، بعض الحكومات، والزعماء، والملوك، والأمراء، بعض الكيانات، مثلما هو حال التشكيلات التكفيرية المتحالفة مع أمريكا وإسرائيل، وآخرون كذلك يتحركون في نفس الاتجاه، أو ما يشرفون عليه، ويتركون مهمة التنفيذ لبعض عملائهم من أبناء هذه الأمة، من المنافقين الموالين لهم، هذا شيءٌ حاصل، ومعظم معاناة أمتنا في هذه المرحلة، معظم معاناة شعوبنا على كل المستويات، في كل المجالات، الأزمات الكبيرة المعقَّدة، التغذية للإشكالات، الاستهداف المستمر، الهجمة بالحرب الناعمة التضليلية المفسدة، والهجمة الاستهدافية على المستوى العسكري والأمني، والهجمة الاقتصادية، التي تركت شعوب أمتنا تعاني من الفقر، تعاني من البؤس، تعاني من الحصار، تعاني من الحرمان، تعاني بكل أشكال المعاناة، وإفقاد أمتنا أن تستفيد من ثرواتها لبناء نهضة حضارية، أو لبناء وضع معيشي اقتصادي محترم، كل هذا يحصل بشكلٍ مستمر، أنشطته مستمرة، وأشكالها كثيرة، والحالة القائمة من المعاناة هي نتاجٌ لها.
في المقابل- في مقابل كل ذلك- يراد منا نحن كأمةٍ مسلمة، في مختلف بلدان عالمنا الإسلامي، في مختلف بلدان المنطقة العربية وغيرها من العالم الإسلامي، يراد منا أن نوالي ذلك العدو، أن نواليه، في مقابل عدائه الشديد لنا، في مقابل كل جرائمه بحقنا، في مقابل كل استهدافه لنا، في مقابل كل ما يفعله بنا على كل المستويات: سياسياً، واقتصادياً، وما يستهدفنا به في ديننا ودنيانا، يراد منا أن نوالي ذلك العدو، وأن يكون ولاؤنا له في المقابل معتقداً دينياً، يعني: يكون عداؤه لنا معتقداً دينياً، ويكون- في نفس الوقت- ولاؤنا له معتقداً دينياً، واشتغلوا، اشتغل العملاء مع الأمريكي والإسرائيلي ومع الغرب على هذه المسألة، كيف يصنعون في داخل هذه الأمة ولاءً لليهود، ولاءً للنصارى، ولاءً لأمريكا وإسرائيل بالتالي، يكون معتقداً دينياً، واشتغلوا بعدة وسائل، بعدة عناوين.
قدَّموا الأمريكي والإسرائيلي والغربي، النظام الغربي المعادي لأمتنا، قدَّموه كدين من الأديان السماوية، مساوٍ لنا، فأتوا بالحديث عن النصارى واليهود، والنصرانية واليهودية والإسلام كديانات سماوية متساوية، وعملوا على أن يرسِّخوا لدى الكثير من المغفلين من أبناء أمتنا والجهلة هذه النظرة: أن ينظر إلى اليهودية كما ينظر إلى الإسلام، كلاهما دين سماوي متساوٍ مع الآخر، أن ينظر إلى النصرانية كدين سماوي متساوٍ مع الإسلام، في تجاهلٍ تام لما وصل إليه اليهود والنصارى من انحراف تام عن الرسالة الإلهية، وتنكُّرٍ كاملٍ لمبادئها، وتحريفٍ شامل لمفاهيمها، وأنَّ الحالة التي هم عليها هي مجموعة من الأهواء، والتحريف، والانحراف المتنكِّر للأنبياء ولرسالتهم، ولكتب الله، ولدينه الحق القويم، فالنظرة إليهم بما هم عليه، (بما هم عليه)، وكأنهم في حالةٍ متساويةٍ مع الإسلام، هي في هذا السياق؛ وبالتالي يوجبون أن تنظر إليهم النظرة الإيجابية، التي تنظر بها إلى الدين السماوي، إلى الدين الإلهي الحق، وأن تنظر إليهم نظرة إيجابية بهذا العنوان، فيما هم عليه من باطل، من انحراف، من تحريف، من ظلم، من إجرام، من طغيان.
وأتوا بعنوان القبول بالآخر، والتعايش مع الآخر؛ للقبول بأولئك الأعداء المحتلين، المستهدفين لأمتنا، المجرمين، القتلة، الناهبين لثروات أمتنا، الذين يسعون إلى استعبادنا وإذلالنا وقهرنا للقبول بهم، وبكل ذلك معهم تحت هذا العنوان، ولم يقبلوه في ساحتنا الداخلية كمسلمين، لا يقبلون بالتعايش مع الآخر المسلم، لا يقبلون بالآخر المسلم، الذي له موقف معادٍ للأعداء، موقف من جرائمهم، موقف من تسلطهم، موقف من عدوانهم، موقف من مصادرتهم لحقوق هذه الأمة، موقف من سياساتهم العدائية ضد هذه الأمة، لا يقبلون بذلك أبداً؛ ولذلك عنوان الديانات السماوية، والعلاقة فيما بين أتباعها بطريقة مختلفة، بطريقة مختلفة، يعني: يرسِّخون في واقعنا نحن، واقعنا كأمةٍ مسلمة، أن ننظر بإيجابية إلى أولئك الذين يحتفظون بنظرة سلبية، ونظرة عدائية، ومعتقد عدائي، وموقف عدائي، لا يتغير، لا يغيِّرون معه شيئاً، لا في مناهجهم، ولا في مصادرهم المعتمدة، ولا في كتبهم المحرَّفة، ولا في سياساتهم المعتمدة، ولا في ثقافاتهم التي يعتمدونها، ويرسِّخونها، وينشرونها في أوساطهم؛ إنما تغيير يخصنا نحن كأمةٍ مسلمة، ولا يتجه إليهم.
ثم أكثر من ذلك: أتوا بعنوان الإبراهيمية، والتعاون وفق هذا العنوان، والاندماج بصبغة دينية، تحت عنوان الإبراهيمية، ويسمون اتفاق الخيانة، والتطبيع مع إسرائيل، والخيانة لهذه الأمة، والتحالف مع أعدائها، يسمونه بالاتفاق الإبراهيمي، ومن خلال هذه الطريقة الجديدة، يريدون أن يقدِّموا، أو أن يفرضوا، زعامةً دينيةً لليهود الصهاينة، زعامة دينية، بغطاء ديني، بعنوان ديني، على الأمة الإسلامية، ومعها المجتمع الغربي عموماً، بالنسبة للنصارى والمسيحيين، تحت عنوان الإبراهيمية، ليجعلوا الزعامة الدينية لليهود تحت العنوان الديني، وفي نفس الوقت لا يتغير شيء بالنسبة لليهود الصهاينة، لا يغيِّرون شيئاً من معتقداتهم ولا في مناهجهم، تبقى تلك النصوص، والتربية العدائية، والنظرة العدائية، والأسس العقائدية العدائية، وكل شيء يبقى على ما هو، لكن بالنسبة للمغفلين من المنافقين وأبناء أمتنا المغفلين، الذين يتجهون ذلك التوجه الغبي، فيقبلون بذلك، ويتأثرون بتلك العناوين، ناسين ومتجاهلين أنَّ الوارث الحقيقي لنبي الله إبراهيم، ولنبيه موسى، ولنبيه عيسى، وللكتب السماوية، وللدين الإلهي الحق، هو: خاتم النبيين، وسيد المرسلين، رسول الله محمد “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، هو الأولى، {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ}[آل عمران: الآية68]، (هَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا).
الرسول “صلوات الله عليه وعلى آله” هو الامتداد الحق والصحيح للرسالة الإلهية، ولرسل الله، والقرآن الكريم هو الذي احتوى خلاصة الكتب الإلهية عبر كل التاريخ: صحف إبراهيم وموسى، هو الذي احتوى في محتواه ما تقدَّمه من الهداية الإلهية للبشرية في أسس وفيما تتطلبه الهداية الإلهية للمجتمع البشري.
فيأتون ليحرِّفوا كل شيء، ويجعلون ذلك بوابةً لفرض زعامةٍ دينية يبنى عليها المحبة لليهود الصهاينة كمعتقد ديني، وكمسألة دينية، بل ومصادرة الحق الفلسطيني باسم الدين، وبعناوين دينية، وبتحريف لنصوص ومعاني لآيات قرآنية، وهذا ما صدر من البعض لحد الآن، كم يحاولون أن يحرِّفوا المعاني للنصوص القرآنية، أن يختلقوا بعضاً من النصوص والفتاوى، التي تساند هذا التوجه السلبي والتضليلي.
ثم يريدون منا أيضاً على مستوى الثقافة العامة، الثقافة والمناهج التعليمية، أن تحتوي فيما تحتويه تحت عناوين متنوعة، منها: عنوان القبول بالآخر، عنوان السلام، الذي قدَّموا له مضموناً آخر، يسمون الاستسلام للأعداء، والمصادرة للحقوق، والقبول بهيمنة أولئك الأعداء، يسمونه بالسلام، ثم يروِّجون للعناوين التي يأتي بها الغرب ولها مضمون آخر، هي مجرد عناوين، عنوان الحرية، والغربي يأتي من خلاله ليستعبد أمتنا، وليفسد أمتنا بوسائل كثيرة تندرج تحت هذا العنوان.
عنوان الحقوق: حقوق الإنسان، حقوق المرأة… مختلف الحقوق، في نهاية المطاف يمتدون بهذه الحقوق إلى الترويج للفساد، للمنكرات، للفواحش، للجرائم، تحت عنوان حقوق وحريات… وغير ذلك، مثل: الترويج للفرقة، والاختلاف، والبعثرة، والشتات تحت عناوين مختلفة، وبأساليب مختلفة.
الترويج أيضاً للغربي كنموذج حضاري يحتذى به، يقتدى به، يتَّبع، يحذو الناس حذوه… أشياء كثيرة تدخل في المناهج التعليمية، وتقدِّم صورة مشوهة عن الحرية في مفهومها الحقيقي، عن التحرر في مفهومه الحقيقي، الذي يسمو بالإنسان، فيجعل منه إنساناً لا يخضع إلَّا لله، ليس عبداً إلَّا لله “سبحانه وتعالى”، حتى ترتسم صورة مختلفة لكل الأشياء المهمة، مثلاً: ما يبني هذه الأمة لتكون أمةً قوية، بكل ما تعنيه الكلمة، كل ذلك يعتبر أمراً سلبياً، إلَّا في حدود أن تكون قوياً بالمقدار الذي تنفِّذ به سياسات أمريكية وإسرائيلية، وفي إطار التوجهات التي تخدمهم تحت سقفٍ معين يرسمونه هم، هذا قد يكون مقبولاً إلى حدٍ ما.
على كلٍّ فيريدون منا أن يكون الولاء لأعدائنا معتقداً دينياً، أن يكون ثقافةً في مناهجنا التعليمية، في أنشطتنا الثقافية، في نشاطنا الإعلامي، أن يكون أيضاً سياسةً تبنى عليها المواقف، مواقف تؤيد أمريكا، وتبنى عليها برامج العمل في كل شيء: الشؤون السياسية، الشؤون التربوية والتعليمية، الشؤون الإعلامية، الشؤون الاجتماعية، المجالات الاقتصادية، والحديث عن هذا يطول، وتحدثنا عنه في مثل هذه المناسبة في العام الماضي على نحوٍ من التفصيل.
بل ويعملون على أن تطغى العناوين والتوجهات التي يرسمها الأمريكي والإسرائيلي، وكان من أخطرها ومن أسوئها: توجيه بوصلة العداء إلى من تريد أمريكا من الناس أن يعادوه، والولاء نحو من تريد منهم أمريكا وإسرائيل أن يوالوه، كانت هذه كارثة، فمثلاً: تأتي العناوين الطائفية والتكفيرية التي تحرَّك من خلالها التكفيريون، ليوجهوها ضد من؟ ليوجهوها ضد من تعاديه أمريكا، من تعتبره معيقاً لمشاريعها ومخططاتها العدائية لأمتنا كافة، فيتحركون بشكل كبير في هذا الاتجاه، فإذا مثلاً بعنوان: العدو هو إيران، العدو هو حركات المقاومة في فلسطين ولبنان، العدو هم أحرار العراق، العدو هو الشعب اليمني ومسيرته القرآنية، العدو هو شعب البحرين في توجهه التحرري، العدو هو سوريا في توجهها الحر، وهكذا العدو هي حركات المقاومة في فلسطين، نشاط كبير جداً في توجيه العداء نحو أحرار الأمة، وحركات المقاومة في هذه الأمة، وتحرك إعلامي، تثقيفي، تحرك شامل تعبوي بشكل مكثف جداً، وكأنَّ الأمريكي والإسرائيلي ليسا عدوين، وكأنهما لا يقودان الأنشطة والبرامج الاستهدافية المعادية لهذه الأمة.
العنوان التكفيري مثلاً الطائفي للشيعة، بهدف إثارة فتنة ما بين السنة والشيعة؛ لإحداث انقسام كبير في داخل الأمة، كم اشتغلوا وكم يشتغلون على هذا العنوان، عناوين عرقية، عناوين مختلفة وكثيرة يشتغلون عليها، فتبرز وتطغى العناوين التي يريد الإسرائيلي أن تبرز وأن تطغى في داخل هذه الأمة، وأن يتحرك تحتها العملاء للنشاط الاستقطابي، ولإثارة الفتن، وللعمل التدميري في داخل هذه الأمة، من الذي جعل إيران هي العدو ابتداءً؟ إسرائيل، من الذي تحدث عن إيران أنها العدو ابتداءً؟ إسرائيل وأمريكا، ثم جاء الآخرون بعد ذلك ليتبنوا هذا الموقف الأمريكي والإسرائيلي، وليتحركوا به في داخل الأمة، [إسرائيل صديق، إيران عدو]، لو غيَّرت إيران موقفها وتحوَّلت- وحاشاها من ذلك- إلى أداة في يد إسرائيل وأمريكا؛ لتغيَّر الحال، لتغيَّر الحال، وهكذا سوريا مثلاً، لو غيَّرت موقفها؛ لتغيَّر الأمر، ولكن ليس على أساس أن يستقر وضع هذه الأمة، هذا ما لا يكون أبداً؛ لأن المطلوب في واقع هذا الأمة بالنسبة للأمريكيين والإسرائيليين حتى مع عملائهم أن يبقى وضعاً مأزوماً، أن يبقى وضعاً مضطرباً، أن تبقى حالة الأزمات قائمة، لكن مع إمساكهم بخيوطها، هذا الذي يريدونه ويخططون له، يبقى وضع هذه الأمة أيضاً في حالة من التوتر والاضطراب، تستعصي معه حالة النهضة بأمتنا، هذا الذي يريدونه، وأي دور يبقى تحت سقف الدور الخدمي لمصلحة أمريكا وإسرائيل.
فتبني التوجهات الأمريكية والإسرائيلية واضح، من أوضح ما يدل عليه: الاستهداف الشديد لأي تحركٍ مضاد، مضاد للهيمنة الأمريكية والإسرائيلية، مضاد للأنشطة العدائية الأمريكية والإسرائيلية والغربية ضد مجتمعنا المسلم، ما إن يكون هناك صوت حر، موقف وتحرك صحيح، حتى يتجه العداء إليه إلى أشد مستوى، ثم تأتي العناوين، العناوين هي لهدف استقطابي في الساحة، (العناوين التكفيرية، العناوين السياسية…)، فمن يتوجه توجهاً حراً، صادقاً، جاداً، مخلصاً، ضد التوجه العدائي، والأنشطة العدائية، والسياسات العدائية لأمريكا وإسرائيل والغرب ضد عالمنا الإسلامي، سيقال عنه كل شيء، سيقال عنه: كافر، ومجوسي، ومتمرد، وانقلابي، ومستبد… وكل الشتائم والسباب، وكل العناوين السيئة، وكل الهمز واللمز سيتوجه إليه ليلاً ونهاراً، وكم تحشد من الافتراءات، والدعايات الكاذبة، والبهتان العظيم ضده، وحتى الدعايات المتناقضة بحقه، ستبقى تتردد ليلاً ونهاراً بنشاطٍ إعلاميٍ وتثقيفيٍ واسعٍ جداً، وبحركةٍ تعبويةٍ تحريضيةٍ نشطة تدفع لها المليارات من الأموال، هذه مسألة قائمة.
حالة إثارة الفتن، وارتكاب الجرائم، والحصار ضد أحرار هذه الأمة، وفي واقع شعوب هذه الأمة، حالة تتحرك لماذا؟ لأنها ضمن السياسات التي ينفِّذها عملاء أمريكا وإسرائيل في داخل هذه الأمة، وفي المقابل يريدون منا أن نوالي ذلك العدو، بالرغم من سياساته التدميرية، التي تعاني من أمتنا هذه المعاناة الشاملة: اقتصادياً، سياسياً، اجتماعياً، أمنياً… في كل شيء، هذه الصعوبات الكبيرة التي تعاني منها أمتنا، هذا الاستهداف الكبير لإضلال الأمة، وإفساد الأمة، لتضييعها في دينها ودنياها، لتضييع حتى مستقبلها في الآخرة، قد لا يستوعب البعض أنَّ هذا هدفاً رئيسياً لهم، للأعداء (اليهود والنصارى)، يعني: يريدون أن يحرمونا حتى من الجنة، الله حكى عنهم أنهم قالوا: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى}[البقرة: من الآية111]، يعني: يريدون لنا الشقاء في هذا العالم في الدنيا، ويريدون لنا الشقاء في الآخرة، يريدون لنا العذاب في الدنيا والآخرة.
فطغيان العناوين والسياسات التي تريدها أمريكا من خلال تنفيذها على أيدي عملاء أمريكا وإسرائيل من منافقي هذه الأمة، بعض الأنظمة العميلة كالسعودي والإماراتي، وبعض الكيانات كالتكفيريين، وجهات أخرى تتحرك في ذات الاتجاه، طغيانها هو تنفيذ لسياسات عدائية أمريكية إسرائيلية، وهم يديرون الأمور (الأمريكيون الإسرائيليون)، اللوبي اليهودي الصهيوني يدير الأمور من الخلف، ويمسك بالخيوط ليحرِّك لعبة أولئك الأعداء في كل الاتجاهات، وفي كل المجالات.
من هنا في ظل هذا كله يتجلى لنا أهمية وعظمة المشروع القرآني، أنه مشروعٌ صحيحٌ وعظيمٌ ومهم، لماذا؟ لأننا أمة مستهدفة على كل حال، ليس ما يثير المشكلة لنا هو عندما نتحرك نحن تحركاً حراً، لنحفظ لأمتنا الكرامة والاستقلال، لنحافظ على هويتنا وانتمائنا الإيماني، لنتمسك بحقوقنا المشروعة في الحرية، والكرمة، والاستقلال، والانتماء الإسلامي، وإدارة شؤون حياتنا على أساسٍ من انتمائنا وهويتنا الإسلامية والإيمانية، ليس ما يثير لنا المشكلة هو هذا التحرك فحسب، قبل ذلك نحن أمةٌ مستهدفة أساساً، مستهدف بهدف السيطرة علينا بشكلٍ كامل، إنساناً، وأرضاً، وثروات، ومقدرات، واستعبادنا، واستغلالنا، وإذلالنا، وإهانتنا، ممن يعادوننا عداءً حقيقياً، عداؤهم لنا- كما أسلفنا- هو معتقدٌ ديني، هو ثقافة راسخة ومتَّبعة، هو- أيضاً- استراتيجية تُبنَى عليها، وبُنِيَت عليها الخطط، ودوِّنت فيها بنود كلها مؤامرات على هذه الأمة، كلها لإضعاف هذه الأمة، كلها لاستغلال هذه الأمة، كلها لقهر هذه الأمة، كلها لتدمير هذه الأمة، كلها في سبيل أن تبقى أمتنا أمةً مستضعفةً، مقهورةً، مفككةً، منهارةً، معذَّبةً في كل شؤون حياتها، وفي نفس الوقت هناك مسؤولية علينا، مسؤولية علينا فيما حقنا الفطري والإنساني، وواجبنا الإنساني تجاه أنفسنا، تجاه أمتنا، تجاه أجيالنا، أن نتحرك للتحرر من تلك الهيمنة، من تلك الاستهدافات العدائية، من ذلك العدو الذي يسعى إلى أن يحكم سيطرته علينا، إلى درجة ألَّا يكون هناك صوتٌ في داخل هذه الأمة يعارض هيمنته، أو تحركٌ جادٌ، صادقٌ، مخلصٌ، صحيحٌ، سليمٌ، ناجحٌ، يعيق شيئاً من مخططاته ومؤامراته، إلى هذا الحد، يتحتم أن يكون لنا هناك تحركٌ جاد.
وهنا يأتي المشروع القرآني، الذي له ميزة أنه يستند إلى الحق، الذي هو حقٌ بإجماع المسلمين جميعاً: القرآن الكريم، الذي هو هدى ونور، الذي يمثل أو يتضمن الرسالة الإلهية الحقة، ودَّون الله فيه التزاماتنا العملية بحكم انتمائنا الإسلامي والإيماني، مسؤولياتنا في هذه الحياة، رسم لنا فيه الخير في هذه الحياة، شخَّص لنا الواقع، هو هدى، هو نور، ينير لنا الواقع، ينير لنا الحياة، نقيِّم من خلاله كل فئات المجتمع البشري بتشخيصٍ دقيق، وهو يساعدنا في مواجهة كل الحملات التضليلية، بما فيها الحملات التي يسعى الأعداء إلى أن يصبغوها بصبغةٍ دينية، وبعناوين دينية، وهكذا يأتي المشروع القرآني الذي أيضاً مع ما فيه من هدى ونور، يقدِّم الشواهد من الواقع، الشواهد العملية، الشواهد الواضحة، الوقائع والأحداث التي تمثل مصاديق قائمة في واقع حياتنا، متطابقةً مع النص القرآني، مع الآيات القرآنية.
فتحرَّك السيد حسين بدر الدين الحوثي “رضوان الله عليه” بالمشروع القرآني، في مواجهة كل تلك الحملات التضليلية الهائلة، والتي تجعل من الاستهداف أو من الاختراق لأمتنا الإسلامية، وتحريك أدوات من الداخل في واقع أمتنا الإسلامية، أسلوباً أساسياً يعتمد عليه أعداء هذه الأمة، والتي تسعى إلى ترسيخ الولاء لأعدائنا؛ بهدف تسهيل سيطرتهم علينا، مع تقبلٍ لسيطرتهم علينا، يأتي المشروع القرآني مشروع تحصين للأمة من الداخل؛ لأن هذه نقطة جوهرية وأساسية في الصراع مع هذا العدو، يخترق هذه الأمة، يشغِّل كل عملائه، ليحولوا هذه الأمة إلى موالية له، في الوقت الذي هو يعاديها، إلى متقبلة لكل مؤامراته، إلى منفِّذة لكل مخططاته، التي تستهدفها، والتي تجعلها تخسر دينها ودنياها، فأتى المشروع القرآني والمواقف المبنية عليه، التي تحصِّن المجتمع الإسلامي من الداخل، وتنهض به، وتنير دربه في مواجهة كل تلك الحملات التضليلية، وكل تلك المؤامرات بكل أشكالها وأنواعها، رؤيةً متكاملة، ركَّزت على ما ركَّز عليه القرآن الكريم، تقدِّم الوعي والبصيرة كأول متطلبات لهذا الصراع، وأول عوامل للنهضة، وأول وسائل أساسية وسلاح رئيسي تحتاج إليه الأمة في المقدِّمة لفضح مؤامرات الأعداء؛ لأن نجاح الكثير من مؤامرات أعدائنا يعتمد على الاختراق لأمتنا في الداخل، معظم مؤامراتهم، بدون ذلك هم فاشلون، بدون ذلك لا ينجحون في أكثر المؤامرات؛ إنما هم يستغلون إمَّا جوانب خلل في واقعنا الداخلي، أو عملاء يشتغلون لمصلحتهم في واقعنا كأمةٍ إسلامية، في واقعنا الداخلي.
وأتت المواقف التي تعبِّر عن هذا التوجه: كالشعار، كالمقاطعة للبضائع الأمريكية والإسرائيلية، وتحرَّك السيد حسين بدر الدين الحوثي “رضوان الله عليه” على هذا الأساس، فحورب، ووجه، ويحارب في هذه الأمة إلى اليوم هذا التوجه القرآني، الذي يستند إلى القرآن الكريم، ويستند إلى حقائق واضحة في الواقع، ولا ينفع في الكثير من أبناء أمتنا لا القرآن ولا الواقع، يعني: أي مشروع يستند إلى حقائق، إلى وقائع، وإلى القرآن الكريم من جهة، إلى الحقائق والوقائع من جهة أخرى، حقائق ماثلة أمام أعيننا، تكشف لنا عن من هو العدو الحقيقي لهذه الأمة، مع كل ذلك يأتي التنكر للثوابت التي كانت معترفاً بها ومقراً بها في مراحل معينة.
ندرك أهمية ودور هذا المشروع القرآني، والموقف القرآني، المنطلق من أصالة انتمائنا الإيماني والإسلامي، ليس توجهاً يختلف ويتباين مع انتمائنا، أو مع هويتنا، بل ينتمي، هو منطلقٌ أساساً من هذا الانتماء، هو منبثقٌ أساساً من هذا الانتماء الإيماني والإسلامي، يأتي أهميته في الحفاظ على شعبنا، على هويته، على انتمائه، على حريته، على صموده في مواجهة مؤامرات الأعداء، وتجلى ذلك في هذه المرحلة وفي المراحل الماضية، بدون هذا التوجه كان شعبنا سيسحق، سيذل، حجم المؤامرات التي سحقت- في مراحل معينة- النظام بنفسه، واخترقت المكونات الحزبية إلى حدٍ كبير، وكانت الساحة ستكون مهيأة بدون أي عائق، لولا هذا المشروع، الذي كان له الأهمية الكبيرة والإيجابية الواضحة في إفشال مساعي الأعداء، وفي أن يكون لشعبنا دور يعبر عن أصالته، عن هويته، عن انتمائه، عن مقامه الحقيقي، عن موقفه الصحيح تجاه الأحداث والمستجدات والمتغيرات، يوم حمل الآخرون عنوان الخيانة باسم التطبيع مع العدو الإسرائيلي، واتجهوا لتنفيذ مؤامرات أمريكا بشكلٍ علنيٍ وواضحٍ وصريح.
ثم نحن في هذا الاتجاه الصحيح السليم، الموقف الفطري الإنساني، الصحيح بكل الاعتبارات، في التصدي لمؤامرات أعدائنا، في الوقوف بوجه استهدافهم لنا ولأمتنا، في كل مؤامراتهم التي اتجهت إلينا في كل المجالات، موقفنا في التصدي لهم هو موقفٌ صحيحٌ وسليم بكل الاعتبارات، نحن نتكامل فيه مع كل الأحرار من أبناء أمتنا: المقاومة الفلسطينية، التي تنكر لها الأعداء، تنكر لها المنافقون من هذه الأمة، وقاموا بتصنيفها بالإرهاب، في تنكرٍ واضح، مع أن كل واقعها يفضحهم بكل الاعتبارات؛ لأنهم لم يستطيعوا أن يحسبوها ضمن بعض التقسيمات، أو بعض العناوين، لكن كفى بأن تكون في موقفٍ متباينٍ مع إسرائيل ليكونوا متباينين معها، المقاومة اللبنانية أيضاً، أحرار هذه الأمة في كل شعوبها، في كل بلدانها، نتكامل معهم في هذا التوجه الصحيح، السليم، الفطري، المشرف.
عندما نأتي إلى تحديد الخيارات، أي خيار هو الأسلم، هو الأصح، هو الصواب، هو الحق، هو الحكيم:
-
أن يكون الإنسان أداةً بيد أعدائه، يقدم لهم نفسه، حياته، ماله، يعمل من أجلهم، يخدمهم، وهو لا يحظى بذرةٍ من الاحترام لديهم، يعتبرونه- في نفس الوقت- عدواً، يحبهم ويكرهونه، يتولاهم ويمقتونه، ينظرون إليه كأداة رخيصة تافهة، يتخلصون منها في أي لحظة.
-
أو أن يتبنى الإنسان الموقف الذي يكون فيه حراً، شجاعاً، مستقيماً، يرضي الله “سبحانه وتعالى”، ينسجم مع انتمائه الإيماني، يكفل به رضى الله “سبحانه وتعالى”، الموقف الذي فيه حريتك، وكرامتك، ومستقبلك الحقيقي في هذه الحياة وفي الآخرة.