اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين والمجاهدين.
في هذا المؤتمر الذي نأمل- إن شاء الله- أن يكون له مخرجات جيدة، ومفيدة، ومثمرة، والذي يأتي في سياق عناية هيئة الأوقاف من خلال الإخوة القائمين عليها والمسؤولين فيها، واهتمامهم وسعيهم الدؤوب لرفع مستوى أدائهم، وتحسين مستوى أدائهم في النهوض بوجباتهم ومسؤوليتهم المهمة.
وهذا التوجه هو توجهٌ إيمانيٌ، وتوجهٌ صادقٌ، وتوجهٌ إيجابي، يمثِّل نموذجاً لكل الإخوة في كل المسؤوليات، وفي كل المؤسسات، وفي كل المواقع التي هي مواقع مسؤولية، أن يحمل الإنسان هكذا توجهاً وإرادةً جادةً للاهتمام بكل ما يساعده على أداء مسؤوليته كما ينبغي.
قصة الأوقاف قصةٌ طويلة، والكلام عنها يطول، والكلام عنها أيضاً مهم، وقد تحدث الإخوة الذين تحدثوا قبل حديثنا، وفي المقدِّمة حضرة الوالد المفتي “حفظه الله” بما يكفي ويفي عن ذلك؛ وإنما مشاركةً، ومن باب التعاون على البر والتقوى، ومن باب المعاضدة والمناصرة، والوقوف إلى جانب هذه الهيئة لأداء مسؤولياتها المهمة، ودعمها لأداء مسؤوليتها الكبيرة، أحببنا أن نشارك معكم.
الأوقاف في واقع الأمر بمثل ما هي ذات بُعْدٍ دينيٍ، وذات علاقةٍ بالجانب الإيماني؛ باعتبارها من القرب التي يتقرَّب بها الواقفون إلى الله “سبحانه وتعالى”، وتتجه نحو أعمال البر والخير المتنوعة، من مثل ما هو للمساجد، وله أهميته الكبيرة في إحيائها، وإحياء دورها المهم روحياً وتربوياً وإيمانياً؛ وبالتالي بكل ما لذلك من آثار في حياة الناس، في أعمالهم، في واقعهم، فيما يترتب على ذلك من نتائج في حياتهم، وأيضاً أنواع البر المتنوعة، من مثل ما هو للفقراء، من مثل ما هو للمياه، من مثل ما هو لخدمات إنسانية واجتماعية، ولكن بدافع القربة إلى الله “سبحانه وتعالى”، هو يدل على عظمة الدين الإسلامي، وأنَّ كل ما فيه هو رعايةٌ للمجتمع؛ لأن الله “سبحانه وتعالى” هو غنيٌ عن عباده، {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ}[الحج: من الآية37]، مثلما قال في الآية التي تحدثت عن الهدي، الذي يُهدَى به في الحج والعمرة، أنه يتوجه إلى القانع والمعتر، إلى الفقير البائس، إلى المحتاج، إلى الإنسان، فكل ما في الدين الإسلامي هو لرعاية الناس، لما يصلح حياتهم، لما يلامس احتياجاتهم الضرورية، لما ينفعهم، كل عوائده لهم، فهذا يدل على عظمة الدين الإسلامي، وأنَّ إحياءه وإحياء كل ما قد أميت منه، أو غيِّب من الساحة منه، إحياؤه هو خيرٌ للناس، عائده للناس، فائدته للناس، ثمرته للناس، هذا جانبٌ.
الجانب الآخر هو يدل أيضاً على الروح الخيِّرة الإيمانية لمجتمعنا اليمني؛ لأن مجتمعنا اليمني هو من أكثر المجتمعات التي قدَّمت أوقافاً، التي أوقفت أوقافاً، هناك أوقاف كثيرة على مر عقود وأجيال وقرون من الزمن، هناك الكثير من الأوقاف التي أوقفها الواقفون، بدافع القربة إلى الله “سبحانه وتعالى”، وبما يحملونه من روحٍ معطاءةٍ، خيِّرة، محسنة، تريد أن يصل الخير منها إلى الناس قربةً إلى الله “سبحانه وتعالى”، ومبرةً بعباده، فهذا يدل أيضاً على هذا الجانب، الذي يجب أن يستمر في الواقع، يعني: لا يكون هناك فجوة يأتي جيل لديه توجهات مختلفة، وروحية مختلفة، ويكون كل همه أن ينقض على ما قد وقفه الواقفون في الأجيال الماضية، فيحاول أن يسيطر عليه، وأن يأخذه، وأن يضيعه.
هذا الجيل نأمل من الله “سبحانه وتعالى” أن يوفقنا جميعاً نحن في هذا الجيل، وفي هذا القرن، وفي هذا العصر، لأن نكون امتداداً صالحاً للأجيال التي قد مضت، من آبائنا، من أبناء شعبنا الذين هم من نالوا ذلك الوسام العظيم، وسام الشرف الكبير: ((الإيمان يمان، والحكمة يمانية))، من تجليات هذا الإيمان، هو: أن يحمل شعبنا هذه الروح الخيِّرة، المعطاءة، المحسنة، المهتمة بأمر الناس، المهتمة بما فيه القربة إلى الله “سبحانه وتعالى”، وفيه ما يعود بالخير على المجتمع، وفيه ما يصلح واقع المجتمع، وفيه ما ينفع الناس، ينفعهم روحياً، وثقافياً، وتربوياً، ومعيشياً، ينفعهم في كل الجوانب، كما هو شأن الإسلام، الذي يرعى الإنسان رعايةً متكاملة، لا يكون جانب منه على حساب جانب، يعني: لا يلحظ في رعايته للإنسان أن يهتم فقط بالجانب المادي والمعيشي، بل يرعى الإنسان كإنسان، بكل ما يحتاج إليه هذا الإنسان، على المستوى الروحي، والأخلاقي، والتربوي، والاجتماعي، وعلى المستوى المعيشي… وهكذا من كل الجوانب.
في ظل هذه المرحلة ومنذ أتت الثورة الشعبية، هناك توجه يتناسق ما بين الجانب الشعبي والجانب الرسمي، أن يهتم الجميع بإصلاح ما قد فسد، وبتغيير ما قد أصبح قائماً، مما هو انقلاب على هوية هذا المجتمع اليمني، الذي هويته هوية إيمانية، وانتماؤه انتماءٌ إيمانيٌ، فبعض الأمور مثلما هي قصة الأوقاف، كان الحال فيها قد أصبح حالاً مؤسفاً بكل ما تعنيه الكلمة، ضياع وإهدار كبير؛ لأن الجانب الرسمي على مدى عشرات السنين تعاطى بسلبية تامة تجاه هذا الجانب، وتحول هذا الموضوع- كما قصة الزكاة- إلى مغنم، من المغانم التي يغنمها ويستفيد منها البعض في الدولة، وتضيع عن أن تصل إلى مقاصدها التي وقِفَت لأجلها وفيها.
ثم أيضاً من جانب الناس، من جانب المجتمع، كثيرٌ من الناس لم يعد عندهم اهتمام، ولا وفاء، ولا أمانة بالقدر الذي ينبغي، في رعاية هذا الحق، في الحفاظ عليه، في صرفه في مصارفه ومقاصده، فحصل خلل كبير خلال عشرات السنين، خلل كبير جداً في هذا الجانب، ولذلك عندما أُنشئت هذه الهيئة، وبدأت عملها، فهي بدأت عملها في ظل وضعٍ مأساويٍ بالنسبة لهذا الموضوع، لهذا المجال، ومؤسف؛ لأن المشاكل قد تراكمت كثيراً، السلبيات قد تراكمت كثيراً، الضياع، الضياع إلى حد كبير في كثيرٍ من الأوقاف، كم من الأوقاف حرر عن الوقف، حصل خلل كبير جداً، وتساهل من بعض مؤسسات الدولة، وتساهل اشتمل يعني اتجه في الجانب الرسمي، وفي الجانب الشعبي، فتراكمت المشاكل والعقد والإشكاليات كثيراً، ونقص الوعي عن أهمية هذه المسألة، عن أهميتها الدينية، ما يترتب على الإخلال بها، أو الخيانة فيها، من ذنبٍ ومسؤوليةٍ كبيرةٍ أمام الله “سبحانه وتعالى”، من تبعات خطيرة، هي ذنب، وهي وزر، وعليها الإثم، وما ترتب عليها أيضاً من نتائج سلبية في الواقع، كم من المساجد أهدرت، عُطِّلت، خُرِّبت، تضررت كثيراً، أهملت، الفقراء الذين كانوا أيضاً جهة أساسية من الجهات التي تتجه إليها مقاصد الواقفين في كثيرٍ من الأوقاف، حرموا من هذا الحق، أشياء كثيرة، مصالح عامة، خدمات عامة، من مثل خدمات مياه، مياه الشرب، أشياء يحتاجها الناس… وهكذا كان لهذا تأثيره السلبي من كل الجوانب.
فالهيئة بدأت أمام واقعٍ صعب، وتحديات كبيرة، وإشكاليات تراكمت، وعقد كثيرة، فبدأت بالاستعانة بالله “سبحانه وتعالى”، ومع ذلك لوحظ وخلال مدة وجيزة، مدة بسيطة، إنجازات مهمة، ظهرت، ولو أن مستوى ما قد تمكنوا منه حالياً لا يزال محدوداً، لكن ظهرت بركاته، ظهرت آثاره الطيبة، نتائجه الجيدة، وصلت الآن أموال إلى مقاصدها، إلى المساجد، إلى فقراء، توفرت في شهر رمضان مياه الشرب في أحياء من العاصمة صنعاء، وهكذا كلما كان الاهتمام بهذه المسألة أكثر؛ كلما تمكنت الهيئة من أداء مسؤولياتها، مسنودةً من الجميع؛ باعتبار هذا من التعاون على البر والتقوى، ومن المسؤوليات التي يجب التعاون فيها، من كل من له علاقة، من كل من له دور، يسهم من خلاله في إقامة هذا الحق، وفي رعايته، وفي أن يصل الناس إلى مستوى أفضل مما كان عليه الحال سابقاً فيما يتعلق بهذا الأمر؛ لأن الهيئة لديها خطط طموحة، وخطط مهمة، في تنمية الوقف، في أن تتمكن من الاستفادة منه بشكلٍ أفضل في مقاصده، وفي جهاته المحددة، وفق الالتزامات الشرعية.
فهناك فرص كبيرة الآن، بالرغم من حجم التعقيدات، وحجم المشاكل، وتراكم الكثير من الإشكالات، لكن هناك فرصاً كبيرة مع وجود هذه الهيئة، مع وجود مسؤولين فيها قائمين عليها يتجهون باهتمامٍ كبير، وبالحس الإيماني، والشعور بالمسؤولية أمام الله “سبحانه وتعالى”، وبإدراك لقيمة هذا الجانب وأهميته وتأثيره الإيجابي في واقع الحياة، وما يمثله من أهمية دينية، وأهمية في الواقع، هناك فرصة حقيقية، تحتاج إلى مساندة.
من ضمن ما تحرص عليه الهيئة: أنها تسعى إلى أن يكون لديها رؤية واضحة متكاملة، تُحَدِّثْ من خلالها أداءها، بالاستفادة من وسائل هذا العصر، من كل التقنيات والوسائل التي تساعد على المستوى الإداري تساعدها في عملها، وعلى المستوى التنموي والاقتصادي بما تتحقق به نتائج أكبر، في خدمة الفقراء، في خدمة المجتمع، في خدمة بيوت الله “سبحانه وتعالى”، في مختلف المقاصد المتعلقة بالأوقاف، وهذا توجهٌ مباركٌ، وتوجهٌ مهمٌ وإيجابيٌ وعظيم، نسأل الله أن يوفقهم.
ما نأمله من الجميع، وما نسعى له: أن يكون هناك مساندة للهيئة من مختلف مؤسسات الدولة، وبالذات الجهات ذات العلاقة: القضاء من جانبه، الجانب الأمني من جانبه، المؤسسات الحكومية، أو الوزارات التي لها علاقة من جانبها، كُلٌّ بحسب علاقته ودوره.
ثم على المستوى الشعبي: أن يكون هناك توعية للناس، وتذكير فيما يتعلق بهذه المسألة؛ حتى يكون هناك تجاوب، وهناك خطط جيدة من جانب الهيئة، هي تلحظ التدرج، وتلحظ طبيعة الظروف والتعقيدات التي قد حصلت في الواقع، فهي تسعى إلى معالجة هذه المشكلات بطريقة حكيمة، بطريقة سليمة، بطريقة متدرجة، بطريقة إيجابية، وتلحظ جانب الفقراء، التعقيدات التي هي حاصلة في كثيرٍ من قضايا الوقف القائمة، لكن دون الضياع، معالجات دون الضياع، هذا ما هو موجود في خطط الهيئة، وتسعى له أكثر وأكثر، أن تعالج المسألة بطريقة حكيمة، تراعي فيها الفئات المجتمعية المتضررة، بما يجمع بين الأمرين: بين مراعاتهم من جهة، والحفاظ على الوقف.
وعلى كلٍّ التوعية الدينية في المساجد، في الإعلام، والإعلام دوره مهم في هذا الجانب، إضافة إلى التعامل الحازم والجاد مع المستهترين، والعابثين، والخائنين، أصحاب الطمع، الذين لا يهمهم لا اعتبار ديني، ولا خيري، ولا إنساني، وهمه أن يستحوذ على ما قد سيطر عليه من أموال الوقف، وأن يأكله حراماً دون مبالاة، مثل هذا النوع من الناس إذا لم ينفع معهم التذكير، يبقى الحزم، وتبقى الإجراءات المفترضة تجاههم.
فنحن نأمل من الله “سبحانه وتعالى” أن يوفق الإخوة في الهيئة بتوفيقه، وأن يعينهم بعونه، وأن يوفق الإخوة المشاركين في هذا المؤتمر المنعقد أيضاً لأن تكون المخرجات مخرجات جيدة ومفيدة، وتساعد على الارتقاء بأداء الهيئة، وتحديث أداء الهيئة، لتستفيد على كل المستويات: على المستوى الإداري، والتقني، والاقتصادي… وعلى كافة المستويات بما يساعدها على النهوض بمسؤولياتها على نحوٍ أفضل، وعلى مستوى أكبر وأرقى إن شاء الله.