الحج.. أبعاده وخطورة استهدافه

أبعاد الحج
{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ}
اقتصرت نظرة الكثير من الناس على المظاهر الخارجية للحج غافلين عن الأبعاد السامية المرجوة من هذه الفريضة الربانية العظيمة غير مدركين ما تدل عليه تلك المشاعر المقدسة والمناسك العظيمة من أبعاد كثيرة على حد سواء في شتى الجوانب أهمها
الجانب المعنوي
يقول الشهيد القائد رضوان الله عليه (الحج ماذا يعني؟ أليس هناك بيت من أحجار، في مكان محدد؟ أحجار، وهناك مواقف أخرى، عرفات، منى، مزدلفة، مواقع محددة، أماكن ترمي فيها أحجار، أماكن لازم أن تبيت فيها، بيت لابد أن تطوف حوله، مسعى لابد أن تتحرك فيه، من هذه الصخرة إلى هذه الصخرة.
هذا ابتلاء يتجلى معه مدى صدق ادعائي العبودية لله، أنا لا يمكن أن أقول: لماذا يأمرني أن أطوف حول هذه الأحجار؟ ما قيمتها؟ ما فائدتها؟ ما أهميتها؟ وهكذا.. إلى مجالات أوسع فيما يتعلق بهذا الجانب، جانب تحطيم الكبرياء التي تتعارض مع ما تتطلبه العبودية من تسليم لله سبحانه وتعالى مع ما يقتضيه الإقرار بالعبودية لله من تسليم كامل لله سبحانه وتعالى).
جانب التسليم المطلق لله
{وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}
الأضاحي هي شعيرة من شعائر الله وسنة إلهية في أيام معلومات وتمثل استجابة لله وتذكرنا باستجابة نبي الله إبراهيم عليه السلام  والتسليم المطلق لله في حادثة وصفها الله سبحانه وتعالى بـ ( الْبَلَاء الْمُبِينُ} بدأت قصتها برؤيا أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام أنه يذبح ولده إسماعيل الذي بلغ مبلغ الرجال وقد خلد الله سبحانه وتعالى تلك القصة في قوله تعالى {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} فقد قدم كلا الرجلين أعظم دروس في التسليم لله سبحانه وتعالى بما يدل على مصداقية تعبيد النفس لله والاستجابة الحقيقية له على نحو ينبغي أن يكون موجوداً لدى كل مسلم، ويجب أن يكون هو القاعدة التي تتحرك من خلالها في واقع حياتك، هذه المواقف التاريخية العظيمة بقيت ملهمة لكل الأجيال البشرية المتلاحقة تحمل من الدروس والعبر الكثير من أبرزها:
  • كيف نعبّد أنفسنا لله، العبودية الصحيحة، والصادقة
  • كيف هو التسليم الحقيقي لله سبحانه وتعالى {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} (البقرة آية 131).
  • كيف نجعل من أنفسنا جنوداً لله، ننصر الحق، ونعمل على إقامة الحق فيما بيننا
  • علمتنا كيفية مواجهة الباطل والشرك والطاغوت والطغيان، وهذا مقام تعلمناه من نبي الله إبراهيم عليه السلام كأهم موضع للتسليم ضمن مقامات العبودية لله.
  • تعلمنا من تلك المواقف أن التحرك في سبيل الله يجب أن يكون بقوة وثبات وصبر واستعداد عال للتضحية حتى لو لم تملك إلا نفسك وحتى لو كان الثمن أن يلقى بك في نار مستعرة تحرق جسدك، فقدوتك في ذلك هو نبي الله إبراهيم عليه السلام أو أن تضحي بأعز ما وهبك الله في هذه الحياة كما ضحى إبراهيم عليه السلام.
  • علمتنا أن النفس المؤمنة تكون عزيزة تأبى الصمت وترفض الخوف أمام كل متكبر جبار.
  • علمتنا كيف نسعى لتغيير الواقع ونرفض الضلالة والطاغوت ولو باليسير من الوسائل والحاصل من الأنصار.
  • علمتنا أن العبودية لله هي أن تذوب في تعبيد نفسك له استجابة وتسليما وصبرا وثقة وتوكلا عليه وألا تربط استجابتك لله بأحد ممن حولك فإذا ما تراجع تراجعت أنت.
  • تعلمنا منها حقيقة ألطاف الله ورعايته وتأييده لعباده وأنه لن يتخلى عنهم وقت الشدائد.
أهمية فريضة الحج
يمكن تلخيص تلك الأهمية فيما ذكره الشهيد رضوان الله عليه في قوله (الحج له أثره المهم، له أثره الكبير في خدمة وحدة الأمة الإسلامية، ألم يجزئوا البلاد الإسلامية إلى دويلات إلى خمسين دولة أو أكثر؟ وجزأوا البلاد العربية إلى عدة دويلات، لكن بقي الحج مشكلة يلتقي فيه المسلمون من كل منطقة، إذاً ما زال الحج رمزاً لوحدة المسلمين ويلتقي حوله المسلمون ويحمل معانياً كثيرة جداً لو جاء من يذكر المسلمين بها ستشكل خطورة بالغة عليهم، على الغربيين، على اليهود والنصارى).
الحج مهم في بناء الأمة
يقول عليه السلام في الدرس السابع ـ القرآن كتاب هداية: ” يأتي يتحدث عن الحج في وسط آيات الجهاد، ماذا يعني هذا؟ أن الحج مهم فيما يتعلق ببناء الأمة وتأهيلها لأن تكون أمة مجاهدة، وأن الحج لعلاقته الهامة فيما يتعلق بهذه الأمة، لعلاقته ببنائها، لعلاقته بأن تكون أمة قادرة على مواجهة عدوها، هو أيضاً مستهدف من جانب العدو، يؤكد على أنه مستهدف من جانب العدو. وهذا شيء ملحوظ. الغربيين مركزين جداً على موضوع الحج بأي طريقة، كيف يعطلونه، كيف يسيطرون عليه؟”
وفي محاضرة الصرخة في وجه المستكبرين يقول سلام الله عليه:
” لتعرف أهمية الحج بالنسبة للأمة وفي مواجهة أعداء الإسلام والمسلمين ارجع إلى القرآن الكريم تجد آيات الحج متوسطة للحديث عن بني إسرائيل، وآيات الجهاد والإعداد ضدهم في أكثر من موقع في القرآن الكريم. فهم لا بد، لا بد أن يعملوا للاستيلاء على الحج بأي وسيلة ممكنة، وقد رأوا بأن الأمور تهيأت لهم على هذا النحو، حتى أصبح زعماء المسلمين بعد أن فرقوا البلاد الإسلامية إلى دويلات، كل دولة لا يهمها أمر الدولة الأخرى، فإذا ما ضُرِبَت السعودية تحت مسمى أنها دولة تدعم الإرهاب، والسعوديون أنفسهم نستطيع أن نقطع بأنهم لم يعملوا ضد أمريكا أي شيء، لكنهم يواجَهون بحملة عشواء، ويواجهون بحملات دعائية ضدهم في الغرب، تَصِمُهُم بأنهم دولة تدعم الإرهاب، وأنهم إرهابيون، وأن مصالح أمريكا في المنطقة معرضة للخطر من الإرهابيين، السعوديون أنفسهم لم يفهموا ما هذا؟!. استغربوا جداً لماذا هذه الضجة ضدنا، ونحن أصدقاء، نحن أصدقاء معكم أيها الأمريكيون، ما هذه الضجة ضدنا؟”.
 الحج فريضة مهمة تتعرض للاستهداف من قبل اليهود
في محاضرة “لا عذر للجميع أمام الله” تحدث الشهيد القائد رضوان الله عليه قائلا: “لأن الحج مهم في مجال مواجهة اليهود والنصارى، جاءت الآيات القرآنية في الحديث عن الحج متوسطة لآيات الحديث عن اليهود والنصارى في كل من سورة [البقرة] وسورة [آل عمران] و[النساء]، ثلاث سور أذكرها من السور الطوال أتى الحديث عن الحج ضمن الحديث عن بني إسرائيل.. كما جاء الحديث عن ولاية الإمام علي ضمن الحديث عن بني إسرائيل، كما جاء الحديث عن الوحدة والاعتصام بحبل الله جميعاً ضمن الحديث عن بني إسرائيل؛ لأن بني إسرائيل هم المشكلة الكبرى في هذا العالم ضد هذه الأمة وضد هذا الدين، هم العدو التاريخي للمسلمين من ذلك اليوم إلى آخر أيام الدنيا. هم العدو التاريخي بنو إسرائيل”.
لماذا يسعى اليهود لاستهداف الحج؟
بقي استهداف الحج من قبل اليهود والنصارى قضية قائمة ومستمرة على مر التاريخ وهذا الإصرار لم يأت من فراغ بل نتج عن أسباب أهمها:
  • لأن الحج يمثل خطورة كبيرة على اليهود ولذا يخططون للاستيلاء عليه.
  • لأنه أكبر مؤتمر إسلامي يلتقي فيه المسلمون من كل أرجاء العالم.
  • لأنه فريضة تقل فيها الخلافات المذهبية بين المسلمين وتكثر فيها المواقف الجامعة.
  • لأن ما يملكه الحج من مدلولات إيمانية وما يجسده من مبادئ وقيم ترفض الجبت والطاغوت.
  • لأنه ينمي في نفسية المسلمين معاني الأخوة الإيمانية ويحافظ عليها من التلاشي والضياع.
  • لأنه أهم حدث يستطيع المسلمون أن يعلنوا فيه براءتهم من أعداء الله ورسوله ويوحدوا فيه موقفهم ضد عدوهم.
  • حدث يذكّر المسلمين بعظمة الاستجابة لله وقداسة التضحية في سبيله وثمرة التسليم المطلق له.
  • يمثل فرصة عظيمة يمكن أن تستغل لصالح الأمة وصلاحها ولو بعد حين.
  • لأن الحج عبادة مهمة، لها علاقتها الكبيرة بوحدة الأمة، لها علاقتها الكبيرة بتأهيل الأمة لمواجهة أعدائها من اليهود والنصارى.
 
أسباب أدت وتؤدي إلى تحقيق أهداف اليهود في استهداف الحج
لقد حقق اليهود والنصارى تقدما ملفتا في عملية الاستهداف للحج فريضة ومقدسات واستطاعوا أن يصعبوا هذه الفريضة المقدسة ليمسحوها من أذهان الكثير من المسلمين وقد ساعدهم في تحقيق هذا النجاح عدد من العوامل أبرزها:
  • سعي اليهود المستمر في تنفيذ مخططات حكماء صهيون التي نصت على الاستيلاء على مقدسات الأمم وطمسها رغم معرفة الكثير من المسلمين بذلك وبدون اتخاذ أي إجراءات مضادة.
  • جهل الكثير من المسلمين بعدوهم الحقيقي وكيفية الصراع معه.
  • المسارعة في تولي اليهود والنصارى من قبل كثير من الأنظمة العربية ومن المنافقين.
  • جهل كثير من المسلمين بأهمية مقدساتهم ورموزهم وموقفهم السلبي من الدفاع عنها.
  • العرب أمة ربط مصيرها بدينها فبابتعادها عنه سهل السيطرة عليها.
  • الترويج الإعلامي للكثير من الأنشطة والبرامج التي تشغل أفكار الناس وأوقاتهم بحيث تمرر خطوات الاستهداف بدون ردة فعل تذكر.
  • الترويج للتقارب والتطبيع مع إسرائيل في كثير من الدول العربية.
  • تصديق كثير من الناس لدعاياتهم وأنشطتهم الشيطانية التي يجعلون منها مبررا لمنع الحج مثل الأوبئة والأمراض المعدية التي يروج له خصوصا قبل مواسم الحج.
 
الأساليب التي اعتمد عليها الأعداء في محاربة الحج
لقد حاول أعداء الإسلام إبعاد الناس عن فريضة الحج كليا أو على الأقل إبعادهم عن مضامينها الصحيحة والسليمة فكريا وثقافيا حتى يموت الحج في أنفسنا، ويضيع من ذاكرتنا وفي هذا السياق يقول الشهيد القائد رضوان الله عليه:
” الإشكالية لديهم هم وليس من أجل كثرة العدد، إذا كان الزحمة قد تحصل بحضور ألفين في ذلك المكان لا يؤدي إلى أن تقول يجب أن نقلل عدد الحجاج وكل بلد لا يحج منه إلا عدد معين ثم يرفعون تكاليف الحج هذه خطة يبدو أمريكية ترويض للناس أن يتقبلوا تقليص وتقليل عدد الحجاج من كل بلد عدد معين ويكون عدداً قابلاً للتخفيض وكل سنة يخفضون أكثر وكل سنة يفتعلون شيئاً فيما يتعلق بالكعبة يقولون: قد حصل وباء أو حصل كذا من كثرة الازدحام ، إذاً قللوا العدد قللوا العدد حتى يصبح الحج قضية لا تعد محط اهتمام عند المسلمين أو في الأخير يوقفوه.”
وفي العامين الماضيين أغلق الحج أمام المسلمين ولأول مرة إلا عن ألف حاج من المقيمين في مكة بذريعة وباء كورونا وهناك عدد من الوسائل والأساليب في مراحل مختلفة استخدمها اليهود والنصارى وأولياؤهم في عملية استهدافهم لفريضة الحج وشعائره منها :
  • تصعيب فريضة الحج إلى الحد الذي لا يستطيع معه السواد الأعظم من المسلمين أن يصلوا إليه إلا بإجراءات مشددة، وفي المقابل تسهيل دخول غير المسلمين لغرض السياحة والمجون.
  • تكوين شركات للحج تفرض رسوما باهظة على الحجاج.
  • فرض المزيد من المعاملات الروتينية وتعقيدها إلى مستوى تجعل الناس ينفرون من الحج.
  • فرض متطلبات ومقررات مالية باهظة، ليسوا بحاجة إليها إنما ليجعلوا الحج مستعصياً على الكثير من الناس وأمراً مستحيلاً على الأغلب منهم.
  • تنحية الكثير من أبناء الأمة من خلال تحديد الفئات العمرية القليلة.
  • زرع الكثير من الحواجز والعراقيل التي تصعب على الحجاج تنقلاتهم.
  • التخطيط للكثير من المشاكل والإشكاليات التي تعيق الحجاج وتؤدي إلى كوارث كبيرة بحقهم.
  • افتعال حوادث يقتل فيها كثير من الحجاج كل عام بصورة مستمرة تحت عناوين كثيرة يخطط لها مسبقا.
  • نشر الأوبئة أو القتل الجماعي أو بأي وسيلة وطريقة ممكنة لتشويه فريضة الحج وتخويف الناس منها.
خطورة استهداف الحج
أما عن خطورة استهداف الحج على فيمكن تلخيصها فيما يلي
  1. بضياع الحج سيضيع ديننا.
  2. بالقضاء على الحج سيقضى على ما تبقى من إمكانية وحدتنا وبقائنا.
  3. بالقضاء عليه سنفصل نهائيا عن رموزنا ومقدساتنا التي هي ضمان بقائنا وخط رجعتنا إلى ديننا ومجدنا.
  4. بفصلنا عن الحج سنفصل نهائيا عن بعضنا البعض وبهذا تزداد هوة خلافنا ويتسع بعدنا عن بعضنا الآخر وتتفكك ما بقي بيننا من أواصر ووشائج المقاربة.
  5. بزوال الحج عن واقعنا ستزول بعده الكثير من شرائع الدين وأركانه.
  6. سيكون زواله دليلا على ضعفنا ونهايتنا وبالتالي سيتطاول علينا أعداؤنا أكثر مما هو قائم.
  7. إن التهاون أمام استهداف الحج هو تهاون في الدين بكله وتضييعه هو تضييع للدين بكله وبذلك سنتعرض بسبب تهاوننا فيه لعقوبة الله وسخطه وسبة التاريخ ولعنة الأجيال.

المصدر : موقع انصار الله