نص الدرس العاشر من محاضرات السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي من دروس عهد مالك الأشتر 1443 هـ -2022م
أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُهُ ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين والمجاهدين.
أيُّها الإخوة والأخوات
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
وصلنا في دروس عهد الإمام عليٍّ “عليه السلام” لمالكٍ الأشتر إلى موضوع التجارة، والتجار، وذوي الصناعات… وما يتعلق بذلك.
قال “عليه السلام”:
((ثُمَّ اسْتَوْصِ بِالتُّجَّارِ وَذَوِي الصِّنَاعَاتِ وَأَوْصِ بِهِمْ خَيْراً، الْمُقِيمِ مِنْهُمْ، وَالْمُضْطَرِبِ بِمَالِهِ، وَالْمُتَرَفِّقِ بِبَدَنِهِ، فَإِنَّهُمْ مَوَادُّ الْمَنَافِعِ، وَأَسْبَابُ الْمَرَافِقِ، وَجُلَّابُهَا مِنَ الْمَبَاعِدِ وَالْمَطَارِحِ، فِي بَرِّكَ، وَبَحْرِكَ، وَسَهْلِكَ))
الحركة التجارية والصناعية هي ضرورةٌ معيشيةٌ في حياة الناس، وسنَّة الله “سبحانه وتعالى” وتدبيره لشؤون عباده، لشؤون المجتمع البشري، جعل من التجارة والصناعة نشاطاً أساسياً من أنشطة الإنسان في هذه الحياة؛ لتوفير ضروريات نفسه، ولعمارة الأرض، وهي قديمة في الواقع البشري والمجتمع البشري على مرِّ الأزمان والعصور، وتطوَّرت في مراحل تاريخية معينة، وتطوَّرت في هذا الزمن إلى حدٍ كبير، ربما- والله أعلم- قد يكون غير مسبوق.
وهي بما أنها ضرورة لتوفير المتطلبات الأساسية للناس، التي يحتاجون إليها في معيشتهم من: غذائهم، ودوائهم، وكسائهم… ومختلف متطلبات حياتهم، وما يحتاجونه لعمرانهم، هي أيضاً ذات علاقةٍ كبيرة بالأمن القومي للمجتمعات، وهذه مسألة معروفة في مختلف البلدان، وبالذات الأشياء الضرورية، تعتبر مهمةً جدًّا، وذات أهمية كبيرة فيما يتعلق بأمن واستقلال البلدان. فمثلاً: البلد الذي يعتمد على استيراد كل احتياجاته الضرورية من بلدانٍ أخرى، غذائه، قوته الضروري، الاحتياجات الأساسية في الحياة: من دواء، من غذاء، من كساء… من مختلف الاحتياجات الضرورية، يصبح ضعيفاً إذا واجه تحديات، أو مشاكل، مع بلدٍ أجنبي، وتعرض لحصار، أو تتحكم به نفس تلك البلدان التي يعتمد عليها في توفير احتياجاته الضرورية، ويصبح ذلك ورقةً بأيديهم للضغط عليه.
ومعروفٌ في عصرنا هذا وفي زمننا هذا ما تبادر إليه أمريكا والغرب لاستهداف أي بلدٍ مسلم، وحتى أي بلدٍ آخر في العالم يختلف معهم، أو يستهدفونه لسببٍ أو لآخر، فمن أول الإجراءات، ومن أول أشكال الاستهداف: الحظر الاقتصادي، والاستهداف الاقتصادي بكل الأشكال، بكل الأساليب المتاحة أمامهم، مثلاً: استهداف العملة، استهداف القدرة الشرائية للمجتمع، السعي للإضرار بالمجتمع في منتجاته… إلى غير ذلك، أساليب كثيرة يستخدمونها فيتحول الجانب الاقتصادي- بنفسه- إلى وسيلة أساسية من وسائل الصراع والاستهداف والضغط.
فلـــذلك مختلف البلدان يعتبرون الاحتياجات الضرورية والأساسية مما يدخل ضمن الأمن القومي، ويعتبر توفيره محلياً، وإنتاجه بما يكفي، بما يلبِّي الاحتياج، من الضروريات التي تساعد البلد على مواجهة أي تحديات، وتساعد البلد على الصمود، العملية الإنتاجية تساعد البلد على الصمود، والثبات، وتحفظ له استقلاله، يقف، ويصمد، ويصر على موقفه، أو يتمسك بحقه في الاستقلال، وهو لا يخشى أنهم سيجوِّعون شعبه، سيمنعون عنه الغذاء الضروري، سيلحقون به الضرر الكبير جدًّا.
وللأسف الشديد تضررت بلداننا العربية والإسلامية إلى حدٍ كبير عندما غابت عنها هذه النظرة، عن أهمية الحركة التجارية، والصناعية، والإنتاجية، والزراعية، واعتمدت بشكلٍ رئيسي وبشكلٍ أساسي على الاستيراد من البلدان التي تختلف معها، وتطمع فيها، وتستهدفها، ولها دوافع عدائية تجاهها، فكان لهذا تأثيره الخطير جدًّا.
فلــــذلك بالنظر إلى الأهمية: من حيث الضرورة المعيشية، ومن حيث الكرامة، والاستقلال، والحرية، والتخلص من التبعية، والتخلص من الابتزاز السياسي، والابتزاز والضغط في أشياء كثيرة؛ لأن الدول الغربية تبتز بلداننا العربية، وتضغط عليها من خلال الجانب الاقتصادي، لفرض سياسات، أو لفرض مواقف، أو للتقبل بأشياء هي مما يؤثر عليها، مما ليس لها فيه مصلحة حقيقية، مما لا ينسجم مع مبادئها الدينية والإيمانية، مما ينتقص من حقها في السيادة والاستقلال، مما ينتقص من كرامتها، فتصبح المسألة هامةً جدًّا:
-
بحساب الضرورة المعيشية، أهميتها واضحة.
-
وبحساب الجانب الاستقلالي، والحرية، والكرامة، والأمن القومي.