حليف القرآن وإمام الثائرين

بقلم / عبدالفتاح البنوس

 

الحديث عن شخصية بحجم حليف القرآن وإمام الثائرين وقدوة المستبصرين الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، يحتاج إلى مجلدات ومؤلفات كثيرة جدا للإحاطة بسيرته وشمائله وعلمه الواسع وفكره النير ومواقفه الجهادية التي كانت وما تزال وستظل علامة فارقة في تاريخ الدولة الإسلامية، نتحدث عن إمام قاد ثورة الحق ضد الباطل ، ثورة الإيمان ضد قوى الطاغوت والإجرام والتوحش، بقيادة الطاغية هشام بن عبدالملك، على خطى جده الحسين بن علي في ثورته الحسينية ضد الطاغية يزيد وطواغيته عبيد الله بن زياد وعمر بن سعد ومن دار في فلكهم من القتلة المجرمين ، خرج الإمام زيد بعد أن استشعر الخطر الذي يتهددها ، في ظل سلطة الطاغية هشام بن عبدالملك .
حملة قتل وتنكيل بكل محبي أهل البيت ، وسب علني لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب -عليه السلام- على المنابر ، المجاهرة بالمعاصي والمنكرات من شرب للخمور الخمر وجلب للمغنين والمغنيات ومنحهم العطايا والمكرمات والأموال من بيت مال المسلمين ، وصولا إلى الإساءة للرسول الأعظم وأهل بيته وتدنيس المقدسات واستباحة الحرمات ، وهي منكرات كبيرة دفعت بالإمام زيد للخروج في وجه الطاغية هشام بن عبدالملك بغية إصلاح شؤون الأمة والقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حيث عبر عن ذلك بالعديد من المقولات التي شكلت أيقونة لثورته منها : (والله ما يسرني أني لقيت محمداً صلى الله عليه وآله وسلم ولم آمر في أمته بمعروف، ولم أنههم عن منكر، والله ما أبالي إذا قمت بكتاب الله وسنة نبيه أنه تأجج لي نار، ثم قذفت فيها، ثم صرت بعد ذلك إلى رحمة الله)، وقوله عليه السلام مُخاطباً علماء الأمة: (قد ميزكم اللّه تعالى حق تمييز، ووسمكم سِمَة لا تخفى على ذي لب، وذلك حين قال لكم: ﴿وَالمُؤْمِنُونَ وَالمُؤمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُوْنَ باِلمعْرُوْفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَيُقِيْمُوْنَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُوْنَ الزَّكَاةَ وَيُطِيْعُوْنَ اللَّهَ وَرَسُوْلَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيْزٌ حَكِيْمٌ﴾، فبدأ بفضيلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم بفضيلة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر عنده، وبمنزلة القائمين بذلك من عباده … واعلموا أن فريضة اللّه تعالى في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا أقيمت له استقامت الفرائض بأسرها، هينها وشديدها)، وقوله عليه السلام حين شاهد امرأة تأكل من بقايا الطعام: (من أجل هذه كان خروجي) .
فلم يخرج الإمام زيد عليه السلام من أجل مال أو سلطة ولكنه خرج لإصلاح وضع أمته وقال في ذلك : (والله لوددت أن يدي ملصقة بالثريا فأقع إلى الأرض أو حيث أقع فأتقطع قطعة قطعة وأن الله أصلح بي أمر أمة محمد)، فلم يسكت أويجبن أو يتذمر ويتخلى عن المسؤولية والواجب المنوط به، ولذلك كان رده المزلزل على من طلبوا منه عدم الخروج بقوله : (كيف لي أن أسكن، وقد خولف كتاب الله، وتحوكم إلى الجبت والطاغوت، والله لو لم يكن إلا أنا وابني يحيى لخرجت وجاهدت حتى أفنى)، خاض معركة بطولية في سبيل إعلاء راية الإسلام وتصحيح مساره وتقويم حالة الضلال والإعوجاج التي صنعها هشام بن عبدالملك، حيث ارتقت روحه الطاهرة إلى بارئها في ليلة الجمعة (25) محرم سنة (122هـ) بعد إصابته بسهم في جبينه الطاهر، وقام أصحابه بدفنه في مجرى نهر بعد أن عدلوه خلال عملية الحفر للتمويه على الأعداء، ولكن الخبر وصل للمجرم يوسف بن عمر الثقفي فأمر جنوده بإخراج جثته الطاهرة واحتزوا رأسه وبعث به إلى الطاغية هشام بن عبدالملك في الشام والذي أمر بأن يطاف به في البلاد لبث الرعب في أوساط الناس، وقاموا بصلب جثته على شجر الرمان بكناسة الكوفة، وظل مصلوبا قرابة أربع سنوات رافقتها الكثير من الكرامات، إلى أن أمر الطاغية الوليد بن يزيد المجرم السفاح يوسف بن عمر بإحراق جثة الإمام زيد وذرها في نهر الفرات ، بهدف محو ذكره ، ولم يعلموا انهم بذلك أسهموا في تخليد الإمام زيد ودفعوا الناس للالتفاف حول نجله الإمام يحيى بن زيد لمواصلة مسار والده الجهادي الثوري الخالد على مر التاريخ .
بالمختصر المفيد: الإمام زيد عليه السلام صاحب منهجية قائمة على الوسطية والاعتدال، حيث أسس فكره ومنهجه واحدا من أهم وأبرز المذاهب الإسلامية وهو المذهب الزيدي، الذي يجسد سماحة الإسلام، ورقي الرسالة المحمدية، ومنتهى سمو الفكر الإسلامي النير، الإمام زيد عليه السلام، مدرسة في العلم والوعي والبصيرة والاجتهاد، والجهاد والاستشهاد، وسيظل ملهما لكل الثوار الأحرار على مر العصور، حتى يرث الله الأرض ومن عليها .
قلت قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ووالدينا ووالديكم وعاشق النبي يصلي عليه وآله.