“لَهُمُ ٱلأَمنُ”.. قوة اليمن في قوة أمنه وأمانه

بقلم / عبدالرحمن الأهنومي

 

لم يكن الاستعراض المهيب والأكبر بعدده وحجمه لقوات وزارة الداخلية الذي نظمته يوم الخميس بميدان السبعين في العاصمة صنعاء، مجرد استعراض للقوة الأمنية التي نهضت من بين ركام حرب تحالف العدوان الأمريكي السعودي التي ركز في جزء أكبر منها على تدمير المنظومة الأمنية وبنيتها وهياكلها، بل وعرض للإنجاز الذي تحقق في المعركة الأمنية التي خاضتها اليمن مع تحالف العدوان الأمريكي العشريني لسنوات ثمان، وتتويج كذلك للإنجاز الذي تعاظم وتراكم على طول سنوات الثورة المباركة التي نمر بذكراها الثامنة اليوم، حتى وصل إلى هذا المستوى من الهيبة والاقتدار، بتوفيق الله وعونه.
حين انفجر التصعيد الثوري في ثورة 21 سبتمبر 2014/م، كان الوضع الأمني في اليمن هشاً ويكاد يكون الأمن مفقودا ومنعدما، لقد كان الانهيار الأمني حينها أحد مقتضيات الثورة، وكان انعكاسا للاختراق الأجنبي من المخابرات الأمريكية وغيرها التي تغلغلت في الجهاز الأمني لليمن وتحكمت فيه وسيّرته وأدارت الوضع الأمني برمته.
صحيح أن الانفلات الأمني الذي كان قائما قبل ثورة 21 سبتمبر له أسباب عديدة، لكن ما يجمع كل الأسباب والعلل، هو التغلغل الأمريكي في بنية القوى الأمنية والوصاية الأمريكية على القرار السياسي والأمني والعسكري حينها، وحين ضربت الثورة الشعبية المباركة قطيعة كاملة مع الوصاية والهيمنة الأمريكية على اليمن أنجزت بالتوازي أمناً وأماناً واستقراراً تعيشه اليمن بفضل الله.
كلنا نتذكر الوضع الأمني الذي كان قبل الثورة حين كنا ننام ونصحو على وقع تفجير مفخخ ونصحو على سيارة ملغومة أو على عملية انغماسية لمجرم مذخر بالعبوات، أو عملية اغتيال أو اقتحام معسكر أو ضرب خط كهرباء أو أنبوب نفط أو تقطع في طريق عام، أو اشتباك مسلح بين القوى الأمنية نفسها التي كانت منقسمة عموديا وأفقيا، تدين بالولاء المتعدد لمراكز القوى النافذة التي كان يجمعها التبعية للخارج.
لقد كان اليمنيون يصلون الجُمع والجماعات في المساجد خائفين من تفجيرات المتفجرين وعمليات الانتحاريين، كان اليمنيون يذهبون إلى الأسواق خائفين من هجمة انغماسي تكفيري في أجسادهم، كان الخوف والذعر يستبد بكل مواطن يمني، فقد كانت العبوات والمفخخات تزرع في جنبات الطرق وفي أكياس القمامة وفي مكبات النفايات وفي أبواب المحلات، حتى المستشفيات تعرضت للهجمات الإجرامية، كما حدث بمستشفى العرضي.
المعسكرات كانت يوميا تتعرض للاقتحامات والهجمات، كان الجنود يموتون يوميا في معسكراتهم خوفا وقتلا بالمفخخات والعمليات الانغماسية، وحتى العرض العسكري لقوات الأمن المركزي تعرض للتفجير المفخخ الذي أودى بحياة مئات الجنود، حينها مات الكثير وقتل الآلاف وعاش اليمنيون سنوات طوالاً من الخوف والمذابح والتفجيرات والمآسي.
في الأشهر الأولى التي أعقبت ثورة 21 سبتمبر، كان الاشتباك الأمني بين اللجان الشعبية وبين منظومة العدوان – التي تحالفت في ما بعد وشنت حربا عدوانية مستمرة إلى اليوم على الشعب اليمني – على أشده، ولعلي هنا أذكر باجتماع عقده وزراء داخلية منظومة العدوان بعد أيام قليلة من 21 سبتمبر 2014 / م، وخصص الاجتماع الذي عقد في عاصمة العدوان الرياض، لمناقشة الوضع في اليمن وقرروا فيه المضي في مسار الحرب الأمنية لمواجهة الثورة وشعبها العظيم، وضربت التفجيرات العاصمة صنعاء بشكل غير مسبوق، نتذكر تفجير طلاب كلية الشرطة، وتفجير ميدان التحرير، وانفجارات واغتيالات تواصلت بوتائر متصاعدة حتى شهدنا تلك التفجيرات الدموية لمسجدي الحشحوش وبدر، قبيل إعلان الحرب العدوانية من أمريكا بستة أيام، حينها كان التحدي الأمني هو الأبرز الذي تواجهه ثورة سبتمبر، ثم أضيف إليه الحرب العسكرية التي أطلقتها دول العدوان في 26 مارس مترافقة مع حرب أمنية مركزة ومكثفة.
ولست مبالغا في القول بأن ثورة 21 سبتمبر، أمنت الخائف من خوف المفخخات والمتفجرات والانغماسيين، وحمت المسافر في الطرق المسبلة التي كان ينصب المتقطعون فيها نقاط نهب وسلب وحرابة، وأعادت حقوق المنهوبين، وقضت على عصابات السرقة والنهب والتقطع، وأطاحت بالتكفيريين واقتلعت حواضنهم الحزبية والاستخبارية، وجعلت كل مجرم مكشوف الظهر بلا حماية من أحد، وقد شاهدنا طول سنوات الثورة أجهزة الأمن تعيد المسروقات إلى أصحابها، تقبض على عصابات السرقة بالإكراه والانتشال واحدة بعد أخرى، تطيح بالخلايا الإجرامية وتوقعها في قبضتها خلية تلو خلية، وما نكاد نسمع عن جريمة قتل ارتكبها مجرم إلا بإعلان وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية إلقاء القبض عليه، والواقع يشهد بذلك بحمدالله.
وبكل أمان يعيش المواطن في العاصمة صنعاء وفي المحافظات الحرة مطمئنا إلى وضع أمني مستقر وراسخ، على خلاف الحال القائم في المحافظات الخاضعة لسيطرة مرتزقة العدوان والاحتلال التي تعيش انعدام الأمن على الحياة والحقوق، وتعصف بها الاغتيالات والتفجيرات والحروب المشتعلة بين المرتزقة والتصفيات ونهب الحقوق والأملاك العامة والخاصة، والفارق ذاك يجلي بوضوح بين مشروع الثورة الشعبية التي أمنت المواطن وحمت حقوقه، وبين مخططات العدوان الذي يزرع الفوضى والاغتيالات والتفجيرات والانفلات ويقتل الناس يمينا وشمالا وينهب حقهم ويضرب أهم مقومات حياتهم المتمثلة بالأمن والاستقرار.
لقد جاء الاستعراض المهيب “لهم الأمن”، ليثبت الإنجازات الكبيرة والاستراتيجية التي حققتها الثورة المباركة في المعركة الأمنية، وقد كان العرض العسكري لوزارة الداخلية فوق المتوقع والمأمول بفضل الله، فقد أظهر دولة أضحى لها أمنها القوي والحصين، وأظهر جندية احترافية متفانية، وعكس انضباطا عاليا لدى منتسبي الأمن، وترجم إنجاز ثورة الحادي والعشرين من سبتمبر، في صورة لائقة ومظهر يعبر عن الهيبة والاقتدار.
ومن دلالات العرض أن الدولة اليمنية – التي استهدفت بالحرب العسكرية والحصار وبالحرب المركزة على مقومات وزارة الداخلية وبنيتها- باتت اليوم قادر، أمنيا بحمدالله، تملك القدرات البشرية، والإرادة والعزيمة التي تنبع من تلك القدرة على تأمين احتياجاته في المعركة الأمنية، وعلى تقديم المساندة لشعوب الأمة في المجال الأمني أيضا.
ويبقى الانتصار الذي تحقق في المعركة الأمنية من أهم عناصر قوة الشعب اليمني، وما رأيناه في ميدان السبعين يؤكد المؤكد بأن أمن اليمن يصنعه حماته من الرجال الأوفياء المخلصين، وأن حرب السنوات الثمان لم تزد اليمن إلا قوة وصلابة ومتانة وحصانة، وزادت العدوان فشلا بات اليوم مكشوفا للناظرين من كل العالم..