وطن برائحة الشهداء

بقلم / عبدالرحمن الأهنومي

 

أحيا الشعب اليمني الذكرى السنوية للشهيد كعادته كل عام في إحياء هذه الذكرى، وفيها ما فيها من دروس ينهل منها الدارسون في جيلنا وفي الأجيال من بعدنا.
قصص العطاء التي يرسمها شهداء اليمن لا تشبه غيرها، ثمانية أعوام من البطولات والفداء والتضحية في مواجهة الحرب الإجرامية الأمريكية القذرة سالت فيها أنهر من الدماء الطاهرة التي روت تراب اليمن، تضحيات اليمانيين في هذه الحرب كبيرة وجسيمة، الدم الذي سكب في أودية وسواحل وبحار وجبال وسهول اليمن لم يكن قليلا أبدا، لكنها بحمدالله لم تكن في معركة خاسرة ولا خاطئة، بل كانت تضحية مقدسة في سبيل الله ودفاعا عن اليمن وكرامة اليمنيين ودفاعا عن الوطن والشعب الذي أراد الأعداء إخضاعه واحتلاله وسحقه.
مع بداية العدوان انطلق اليمانيون من كل قراهم في مواجهته، قبل ذلك كانت المسيرة العظيمة قد قدمت في سياق المواجهة مع الأعداء دماء عظيمة ومقدسة كذلك، لم يستشهد اليمنيون من محافظة دون أخرى، ففي كل بيت شهيد من كل أصقاع اليمن، القضية والحق والوطن هو الجامع لهذا الدم المقدس.
قصص التضحيات والفداء للشهداء في اليمن لا تشبه غيرها، ووراء كل شهيد قصة وألف درس ومعنى، سير الشهداء في حياتهم، قصص بطولاتهم الحربية والجهادية، إيمانهم بالله، إخلاصهم وصدقهم مع الله ومع الشعب والقيادة لا نظير لها، تجردهم من الأنانيات، انطلاقاتهم الإيمانية فيها دروس عظيمة لنا نحن الذين لم نكن بمستواهم، عِطر سيرتهم تضوع كرامة وعزة وإحسانا.
فتشوا بين صفحات الشهداء، تعرفوا على حياتهم وسيرتهم في أسرهم وفي مجتمعهم وفي حياتهم، لتعرفوا أنهم كانوا صفوة البشر في حياتهم بيننا، كانوا هم الأرقى والأزكى والنموذج العظيم في أخلاقهم ونبلهم وسلوكهم وإيمانهم، أما بعد الشهادة فقد صاروا في عليين مع الأنبياء والصالحين.
كثيرةٌ هي الصور البطولية لشهداء اليمن في هذه المعركة المقدسة، كثيرة هي الدروس والعبر والعظات التي تركها هؤلاء لنا نحن الذين لم يحالفنا الحظ، هم مدرسة في كل شيء ودروسهم هي أكثر من أن تعدّ أو تحصى، كل قصة شهيد هي سنبلة تنبت نباتا حسنا، هذه التضحيات أثمرت عزة وكرامة ومستقبلا آمنا للأجيال، إن شاء الله.
حين نستذكر الملاحم البطولية التي خاضها الشعب اليمني في مواجهة العدوان، وحين نستذكر الدماء التي سكبها آلاف الشهداء في خمسين جبهة اشتعلت لثمانية أعوام متتالية، حين نستذكر أسماء الشهداء ومآثرهم وقصصهم وما سطروه من ملاحم، وعلينا أن نستذكر كل ذلك اليوم، لأننا بحاجة لكل تلك الدروس العظيمة حتى نربي أنفسنا على الإيمان الذي كان عليه الشهداء، على الإخلاص، على التجرد من الأنانيات، على الرقي والإحسان وكل قيم العظماء، الشهداء كتبوا تاريخهم وصنعوا مستقبلهم بالشهادة وبالدم والفداء ورسموا عناوين المعركة وتفاصيلها، ومضوا تاركين لنا نحن الآخرين استخلاص تلك المعاني، وحملونا أمانة الثبات في الاستمرار على النهج والمسار.
ثمانية أعوام من الحرب المستعرة التي تحالفت فيها دول الشر والفجور على الشعب اليمني مرت وانقضت بكل أيامها ولياليها التي لم تخل من دماء وشهداء يرتقون، هم الحقيقة التي لا تحتمل التأويل، والقيمة المقدسة التي لا تقبل الانتقاص.
نكتب عنهم أو لا نكتب، فقد كتبوا بأنفسهم التاريخ والملاحم والبطولات العظيمة، حين سطروا الانتصارات في ميادين وجبهات الحرب في تصديهم للعدوان وجحافله المأجورة، وقبل ذلك رسموا النموذج الأرقى في كل شيء، دحروا العدوان، تصدوا للغزاة والمأجورين، دافعوا عن الشعب وعن الوطن وحرروا أجزاء كبيرة من بلادنا، دافعوا عن سيادة اليمن وعن كرامة اليمنيين، فانتصروا ونالوا فضل الشهادة التي لا يلقاها إلا ذو حظ عظيم.
لم تقتصر التضحيات على محافظة يمنية دون أخرى، فقد اختلطت دماء اليمنيين جميعا في هذه المعركة المقدسة، حين خاضوا على مدى ثمانية أعوام أشرس المعارك، وسطروا أروع الملاحم وأعظمها، وانتصروا بعون الله على أقوى الجيوش والتحالفات الإجرامية بالدماء والتضحيات والشهداء، لقد كان الشهداء من أول المسيرة وما زالوا إلى اليوم عنوانا لعزة اليمنيين ومدرسة للأجيال في الإيمان والبذل والتضحية والفداء.
اليوم، وبالأمس، وغداً، وفي كل يوم وساعة وثانية، يُكْبر أبناء شعبنا الأبي تضحياتهم، ويُجلّون الشهداء وأسرهم وذويهم، لأنهم ذادوا ودافعوا عن الكرامة والدين والوطن وحموا الأرض والعرض، ثم صاروا بعد الاستشهاد قلاعا حامية لليمن وللشعب وللدين، والواجب منا الوفاء لهم في المضي على الدرب وفي دروب اليقين الذي مضاه الشهداء سلام الله عليهم.