نص المحاضرة الرمضانية الخامسة عشر (التكبّر) – السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي 1444 هـ -2023 م
أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّدًا عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمْ.
أَيُّهَــــا الإِخْــــوَةُ وَالأَخَوَات: السَّــلَامُ عَلَـيْكُمْ وَرَحْـمَــةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُــه؛؛؛
استكمالًا لحديثنا بالأمس، عن خطورة ذنب التكبر، وفظاعته، وسوئه، وتداعياته، وآثاره السيئة، وعواقبه الوخيمة، نتحدث اليوم لنسلط الضوء على هذا الموضوع، ولنستكمل بعض النقاط المهمة؛ لأهمية هذه المسألة، وخطورة هذا الذنب، والذي قد يتهاون به الكثير من الناس.
مما يبين لنا خطورة هذا الذنب، ويكشف لنا عن مدى سوئه، وعن مدى عواقبه وآثاره السيئة: هو أنه- كما قلنا بالأمس- ذنب إبليس، وسبب ورطته، وسبب خسارته الرهيبة جدًّا، بالرغم من أنه كان في أجواءٍ يعيش فيها حالة العبادة لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وفي أجواء مؤثرة على المستوى الإيماني، في رفقة الملائكة في السماء، وأمضى في ذلك الحال الآلاف من السنين، في أجواء العبادة، في أجواء الذكر لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، في أجواء التقرب إلى الله “جَلَّ شَأنُهُ”، وبرفقة صفوة خلق الله (الملائكة) الأبرار، الأخيار، الذين كل توجههم هو عبادةٌ لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، كل أوقاتهم هي في العبادة لله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، فمع ذلك الوضع الذي هو فيه، عندما نشأت في نفسه حالة انحراف، فبدلًا من أن يَعظُم الله في نفسه، بدأت تَعظُم عنده نفسه، ويشعر بالغرور تجاه نفسه، فوصل إلى حالٍ خطيرٍ جدًّا، عندما أتى الاختبار في الواقع العملي كشفه، فإذا كانت حالة التكبر قد تحصل لدى الإنسان، حتى لو كان في بيئة إيمانية، وفي أجواء إيمانية، وفي مسار حياته، في واقعٍ عمليٍ إيماني، وإذا حصلت، تُدمر كل شيء، تُدمر إيمانه، يخسر بها توجهه وعبادته، تؤثر على نفسيته تأثيرًا بالغًا، فإبليس خسر عبادته، خسر مقامه، خسر كل شيء، وخسر مستقبله عند الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، وأيضًا ساءت نفسه أكثر وأكثر.
بعض الذنوب خطيرة جدًّا، إذا حصلت من الإنسان، تضرب روحيته الإيمانية ضربةً قاضية، وتفسد نفسيته إلى حدٍ كبير، وتغيره، تغيره تغييرًا خطيرًا جدًّا، فيتحول تحولًا تامًا، من واقع إيماني، إلى واقعٍ مختلف، والتكبر هو من تلك الذنوب، التي لها هذا الأثر السيء جدًّا على نفسية الإنسان، ولذلك يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” في قصة إبليس: {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (73) إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ}[ص: 73-74].
إذا كان الكفر بكله، بسوئه، وهو في مرتبة العصيان: من أعلى مراتب العصيان، من أسوأ ما يعصي الله الإنسان به، عندما تعصي الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” بالكفر، فأنت بلغت أبلغ درجات المعصية، فالإنسان عندما يعصي الله بالكفر، إذا كان الكفر بكله قد يكون ناتجًا عن التكبر، فرعًا عن التكبر، فهذا يبين خطورة ذنب التكبر.
كما اتضح لنا أنه سببٌ وعاملٌ من الأسباب الرئيسية، والعوامل السيئة، التي دفعت الكثير من الأمم بشكلٍ جماعي، والأقوام، ووجاهات وشخصيات، وتكتلات، وكيانات، ورموز من الطغاة، وشخصيات كانت بارزة في التاريخ، في موقعها، فيما يتعلق بدورها، فيما يتعلق بإمكاناتها، دَفَع بهم ذلك الذنب إلى التكذيب لرسالة الله، إلى المحاربة لرسل الله، إلى المعاداة لأولياء الله، إلى الصد عن سبيل الله، وتلك هي من أكبر الجرائم، ومن أفظع الذنوب، ومن أسوأ المعاصي، تفرعت عن التكبر، فهناك الكثير من الأمم، والكثير من الطغاة، الذين برزوا في التاريخ، وكان لهم موقفٌ سيءٌ جدًّا في المحاربة للرسالة الإلهية والرسل والأنبياء، وكان السبب هو ذلك: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا}[الأعراف: من الآية88]، يقول عنهم: {اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا}[فاطر: الآية43].
ما يتفرع عن التكبر مِن المفاسد الرهيبة، مثل: الصد عن سبيل الله، والظلم لعباد الله، الظلم هو من أبرز نتائج التكبر، الطغاة الظالمون هم مستكبرون، هم متكبرون، وبشاعة ظلمهم وإجرامهم بحق عباد الله، ناشئةٌ عن مستوى تكبرهم، كلما كانوا أكثر تكبرًا، كانوا أكثر ظلماً لعباد الله.
وعامل من عوامل الطغيان والحقد، الإنسان المتكبر يمكن أن يُقدِم حتى على قتل نبيٍ من أنبياء الله، أن يحارب رسول الله، أن يعادي أولياء الله، أن يكون جريئًا على ظلم عباد الله، بأبشع أنواع الظلم؛ لأنه يحتقرهم، ولا يبالي بهم، ويعيش عقدة التكبر والعياذ بالله، ولهذا يقول الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى” عن بني إسرائيل: {أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ}[البقرة: من الآية87]، رسل من عند الله، يأتون إليهم؛ لهدايتهم، لنجاتهم، لإصلاحهم، للتوجه بهم نحو الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، نحو الخير في الدنيا والآخرة، نحو النجاة من عذاب الله “سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى”، بكل ما يمتاز به رسل الله، من الخير، من الكمال الأخلاقي والإيماني، من الرحمة، من الإنسانية، من الجاذبية، في سلوكهم، في أعمالهم، من الكمال المذهل، الكمال الإنساني الراقي جدًّا، يعني: ليس فيهم ما يُنفِّر منهم، أو يبرر التعقد عليهم، أو المعارضة لهم، لا في أنفسهم، ولا في رسالتهم، التي يأتون بها من الله، وهي خيرٌ للناس وإنقاذٌ للناس، فما الذي كان يحصل؟
{أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ}، يستكبرون، يحكي عن بني إسرائيل، يستكبرون؛ لأنهم أتوا بما لا تهواه أنفسهم، بما لا يتناسب مع طموحاتهم ورغباتهم الشخصية، فحينها يستكبرون، ونتيجةً لاستكبارهم ماذا يحصل؟ {فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ}[البقرة: من الآية 87]، هكذا ينشأ ويتفرع عن ذنب التكبر مثل تلك الجرائم:
-
التكذيب لرسالة الله.
-
التكذيب بآيات الله.
-
المعارضة للحق.
-
الصد عن سبيل الله.
-
القتل حتى لرسل الله وأنبيائه.