حدَثَ أن البعضَ اعتقد أن الحربَ في اليمن وعلى اليمن قد وضعت أوزارَها عندما رأوا وفدًا سعوديًّا وآخرَ يمنيًّا يتفاوضان في كُـلٍّ من صنعاء والرياض بعد تسع سنوات من المواجهات العنيفة.
نعم كان تطورًا مهمًّا ولكنه في نفس الوقت خطرٌ، ذلك أن نوعًا من المفاوضات السياسية على أهميتها تكونُ بوابةً للحرب وليس للسلام، للأسف هذا النوع نفسه هو الذي يجري بين اليمن والسعوديّة في الآوِنة الأخيرة.
مثل هذا الشهر أُكتوبر وتحديدًا في العام الماضي 2022 انتهت الهُدنة الرسمية التي وُقِّعت في العاصمة العُمانية مسقط بين صنعاء والتحالف الذي تقودُه السعوديّة، بينما استمرَّت تفاهماتٌ دون اتّفاقٍ رسمي منذ ذلك الحين ولمدة عام، وحصل خلالها جولتان من المفاوضات السياسية رفيعةِ المستوى بين الوفدَين السعوديّ واليمني، لكنها دون نتائجَ سوى استمرار التهدئة التي شابها الكثير من الجدل في العاصمتَين والمحيط، مركزُ هذا الجدل، الخوفُ من التنازلات التي قد تسلم بها السعوديّة، وأبرزها التخلي عن حلفاء السعوديّة المحليين لصالح صنعاء (هو تنازُلٌ بالنسبة للطرف المؤيِّد للتحالف لكنه غير ذلك بالنسبة للطرف المناهض للتحالف).
على أن تعقيداتِ الحرب ليست هنا، إن كانت السعوديّةُ ستتخلى عن حلفائها أَو لا، بل إن كانت السعوديّة قد قبلت بنتائج الحرب أم لا، أبعد من ذلك إن كان الولايات المتحدة الأمريكية ستساعد السعوديّة في القبول بالنتائج وهي ليست لصالحها أم ستستمر بالضغط عليها وتقديم مزيد من الوعود بالدعم العسكري.
الاتّجاهُ غيرُ المتفائل بالمفاوضات لتحقيق السلام في اليمن، وأنا من هذا الفريق، نؤمن يقينًا أن السعوديّةَ لا تزال تناور وتخشى من التسليم بانتصار صنعاء وحلفائها وتبحثُ عن مزيد من الوقت لتجميد الحرب وليس لإيقافها، وهناك أدلة كثيرة تدعم هذا الاتّجاه، أبرزها: أن السعوديّة تصر على تقديم نفسها كوسيط وليس طرفًا وتريد أن تكون هناك تفاوضاتٌ يمنية يمنية وتسوية على غرار ما حصل في أزمة 2011، وهي في ذات التوقيت تسعى خلالَ المفاوَضات الثلاثية: الأمريكية السعوديّة الإسرائيلية، التي تجري منذ عدة أشهر وربما أكثر، للحصول على اتّفاقية حماية مشتركة مع الولايات المتحدة الأمريكية، إن حصل على ذلك وربما يتأخر، فهذا يعني أن أية هجمات يمنية على السعوديّة ستلزم الولايات المتحدة الأمريكية بالتدخل المباشر في اليمن، على الأقل تنفيذ ضربات عسكرية عنيفة ضد العاصمة صنعاء والقوى الوطنية التي تواجهُ تحالُفَ العدوان، في هذه الحالة من المؤكَّـد أن الحربَ ستتوسَّعُ لتشملَ الجمهورية الإسلامية في إيران؛ باعتبارها متهمة (سعوديًّا وأمريكيًّا) بدعمِ اليمن بالأسلحة.
لم يعد الأمر سِرًّا بالنسبة لهذا التوجّـه السعوديّ الذي يأتي ضمنَ شروطِ التطبيع مع العدوّ الإسرائيلي، إذ إن اتّفاقية الحماية المشترك الذي تسعى له السعوديّة لتصبحَ حليفًا من خارج الأطلسي؛ ليس فقط لإيقاف المخاوف من اليمن، بل من الجمهورية الإسلامية رغم التسوية التي تقوم بها الرياضُ وطهران، ولم تصل بعدُ إلى مستوى المصالَحة بين البلدَين.
وعلى ذكرِ هذه التسوية ربطًا باليمن، وبعيدًا عما اعتقده البعضُ من تأثيرٍ على الحرب في اليمن لجهة السلام، فَــإنَّها إن بحثت بتمعن فهي عكسُ التصور القائم، ذلك أن الحربَ على اليمن تجاوزت الاتّفاقَ السعوديّ الإيراني أَو حتى الخلاف السعوديّ الإيراني بمراحلَ؛ فـحربُ اليمن تؤثر على التسوية السعوديّة الإيرانية وليس العكس.
كواحدٍ من المقرَّبين من صنعاء فَــإنَّني أؤكّـد أنه في الوقت الذي تعتقدُ الرياضُ أنها تستفيدُ من الوقت تجري متغيراتٌ في اليمن تجعلُ من قُدرةِ السعوديّة على الخروج من الحرب دونَ تداعيات تهدِّدُها وجوديًّا أمرًا معقَّدًا؛ فخلال السنوات التسع التي مضت من الحرب الشرسة تتكوَّنُ امبراطوريةٌ عسكريةٌ تقودُها صنعاءُ بتلك السرعة والقوة التي حدثت في إيران عقب حرب 1980-1988م.