“النقدُ والتحذيرُ بالشكل الصحيح يسمَّى نصيحة، وَإذَا جاوز حَدَّه إلى التهويل والتخويف فهو إرجافٌ، وَإذَا كانت دوافعُه غيرَ بريئة فهو تشهيرٌ، وَإذَا كان ضرُّه أعظمَ من نفعه فهو حماقةٌ.. وإياك ومرافقةَ صاحبِها؛ لأَنَّه يريدُ أن ينفعَك فيضُرُّك”.
ولأَنَّني أؤمنُ -مثل الكثير- بحكمةِ أولئك الأشخاص الذين لا ينظرون إلى أنفسهم نظرةَ إعجابٍ وغرورٍ، وبالتالي نراهم لا يأنفون من الاستفادة من نصائحِ الغير الطيبة ونقلها عنهم إلى الآخرين، فلقد قمتُ باقتباس تلك الحكمة الطيبة التي صدّرت بها مقالتي هذه من تغريدةٍ لأحد أصدقائي بتويتر، وكما نقلتها عنه لكم فقد رغبت أَيْـضاً أن أنقلَ لكم بعضَ تأملاتي لشواهدَ من واقعنا الذي نعيشُه أمام تلك الحِكَم، مع العلمِ أن مصدرَ الحكمة يكمُنُ في تجربة ماضية، كما أن شاهدَها يكمُنُ في تجربة حاضرة، وغايتها هي المقارنة بين نتائج التجربتين ماضياً وحاضراً إما نجاحاً وإما إخفاقاً، غير أن النجاحَ غالباً ما يكونُ حليفَ أولي الألباب، ولا لُبَّ إلا لمَن كان يستشعرُ أنه فردٌ في أمّةٍ منظَّمةٍ يمضي أفرادُها في مسيرةٍ واحدة وتوجُّـهٍ واحد وعلى نحوٍ من التناسق والتكاملِ، تماماً كتروسِ الساعة التي تلبسُها الآن في يدك أَو ربما تراها مساءَ اليوم معلّقةً أمامك في أحد حيطان منزلك، تلك التروسُ التي لا يمكنُكَ رؤيتُها، ولكنك بالتأكيد تجدُ نفسكَ مندهشاً بالنتائج المنضبطة والدقيقة التي تتجلّى عنها في كُـلِّ ساعة وفي كُـلّ دقيقة وثانية.
لعلَّكم تلاحظون أن الحِكَمَ التي نقلتُها لكم عن صديقي تكادُ تكونُ كُـلُّ عبارةٍ منها حِكمةً مستقلّةً قائمةً بذاتها، ولكنها مجموعةً تؤدي لنتيجةٍ منضبطةٍ ودقيقةٍ، بل يمكنني الآن أن أستذكرَ معكم تأملاتي أمامها، حيث وجدت نفسي وأنا أقرأُها -وأرجو منكم أن تعاودوا قراءتها سريعاً- وجدت نفسي أتأملُ واقعَ أولئك العقلاء الّذين تلقّفوا بروحٍ مسؤولةٍ ووطنية إعلانَ الرئيس مهدي المشّاط عن المرحلة الأولى لمحاربة الفساد، فوجدتهم ينتقدون ويحذرون بشكلٍ صحيحٍ من خلال إسهامهم في اقتراح الحُلول والمعالجات الممكنة والمتاحة لكُلِّ الإشكالات والمعوقات التي يتطرقون إليها في سياق هذا المشروع الوطني والأخلاقي العظيم، محاذرين في الوقت ذاته أن يقعوا في التهويلِ والتخويف والإرجاف فيتسببوا -وبدون شعور- في فتح ثغراتٍ تمكِّنُ الأعداءَ والمتربِّصين من الاستفادةِ منها واستثمارها لقلب طاولةِ الفساد على رؤوس محاربيه.
الأحمقُ هو من يُمكِّنُ أعداءَه والمتربصين به وبوطنه وشعبه -دون أن يشعر- من ركوب موجة إخلاصه التي تعالت من تحت رُكام الصمود مصبوغةً بلون التضحيات، ولعلّ الحكمةَ -يا شعبَ الحكمة- هي في الإيمان -يا شعبَ الإيمان- بأنّ العدوان مستمرّ، وحربُ “الاختراق” مستعرة، وأن زمنَ كشف الحقائق لم ينتهِ بعدُ، وأن فصلَ سقوطِ الأقنعة عن وجوه عملاء الداخل ما نزالُ في منتصفه، فلا غرورَ ولا اغترار، ولا ركونَ ولا تراكُنَ، ولا تخوينَ للشركاء، ولا تسامُحَ مع الخونةِ والعملاء، وَ”إنما النصرُ صبرُ ساعة”.. وعلى اللهِ فليتوكَّلِ اليمنيون.