تفكيكُ العزلة الدولية عن اليمن.. الواقعُ والتحديات
بقلم / بندر الهتار
قد لا يكون اللقاءُ الذي جمع وزيرَ الدفاع الإيراني العميد أمير حاتمي، بالسفيرِ اليمني لدى طهران إبراهيم الديلمي، يوم أمس، ذا قيمةٍ عمليةٍ، لكنه ذو مدلولٍ مهمٍّ على رغبة البلدين في الدفع بالعلاقات الرسمية إلى الأمام ولو بخطوات بطيئة؛ نظراً لكثيرٍ من التعقيدات.
الجديدُ في هذا اللقاء وما سبقه، أن اليمنَ يريد أن يرسمَ علاقاته مع الدول الأُخرى من البوابة الرسمية، وأن يسعى للخروج من العزلة الدولية المفروضة منذُ 5 أعوام، وبات واضحـاً أن هذه المدةَ الطويلة من الحرب قد صنعت قناعات جديدة عن اليمن لدى كثيرٍ من دول العالم، لكن يبقى الرهانُ على وِلادة أية علاقات دبلوماسية مع صنعاء محاطاً بعوائقَ كثيرة نجمل أبرزها:
أولاً: القرارات الدولية المتعلّقة باليمن والتي لا تعترف بحكومة الإنقاذ كممثل شرعي للشعب اليمني، ما يضع الكثير من المحاذير المتعلّقة بانتهاك القانون الدولي أمام دول قد ترغبُ في إشهار العلاقة مع صنعاء، وهنا نلفت إلى أن الشرعيةَ الدوليةَ محكومةٌ بالنفوذ والقوة وليس بالمعايير الأخلاقية، فما يحقُّ للدول الكبرى لا يحقُّ لغيرها، فواشنطن على سبيل المثال تتعاطى مع الملفات الدولية وفقَ مصالحها بعيداً عن القرارات أَو القوانين الدولية، وآخرُ شاهد على ذلك دعمها دون أدنى معيار أخلاقي لتنصيب المعارض الفنزويلي خوان غوايدو رئيساً للبلاد في ظلِّ وجود نيكولاس مادورو الرئيس المنتخب، ثم حين صَنَعت وأشرفت على العملية الانقلابية ضد الرئيس البوليفي المنتخب إيفو موراليس، والحكايةُ تطولُ..
ثانياً: الخطوط الحمراء التي رسمتها كُـلٌّ من واشنطن والرياض أمام أي تقاربٍ مع صنعاء، وهناك خياران لا ثالثَ لهما، إما تأييد الحرب على اليمن، أَو الحياد..
ثالثاً: غالبية دول العالم لا تجد مصلحتها في صنعاء وإنما في الرياض وأبو ظبي، حتى وإن كانت دولاً مناهضةً للهيمنة الأمريكية مثل الصين وروسيا، فالمصالحُ الاقتصاديةُ وحتى السياسية والعسكرية تدفعها راهناً لغضِّ الطرف عن صنعاء مع فتح نافذة للتواصل والتنسيق لاعتبارات مستقبلية.
أمام هذه التعقيدات، لا شكَّ في أن العزلةَ الدوليةَ كانت أحدَ الأسباب في إطالة أمد العدوان والحصار، وهذه إحدى النتائج المحسوبة لتحالف واشنطن الرياض أبو ظبي، واليمنُ غيرُ مؤاخذٍ بالتقصير في ذلك؛ باعتبار أن ما حصل يفوق قدرته على المواجهة، لكنه قد يؤاخذ من الآن فصاعداً فيما لو تعامل ببرودٍ مع القناعات التي تغيّرت كنتيجةٍ لفشل العدوان.
ما تم تحقيقُه حتى الآن في العلاقات الرسمية مع طهران أمرٌ جيّدٌ، وصداه يظهرُ من خلال حرب التهويل والدعاية في وسائل الإعلام السعودية التي تحاول تصويرَ اليمن كأداة لطهران، والشيءُ الحتميُّ أن ذلك لن يؤثرَ على هذه العلاقة ولن يدفع للتراجع عنها، فصنعاءُ معنيةٌ أكثرُ من أيِّ وقتٍ مضى لكسر العزلة الدولية إلى أوسع نطاق، وليس حصرها في الجمهورية الإسلامية.
عودة إلى ما ذُكر في مقدمة المقالة عن أن اللقاءَ الذي ناقش الجانبَ العسكري مع طهران لا يعني خطوات عملية، فلذلك أسبابُه الكثيرة، تتعلّق باليمن أولاً ووضعها الاستثنائي؛ بسبَبِ العزلة الدولية المفروضة، ثم بوضع إيران كبلدٍ يخضعُ لضغط القرارات الدولية والعقوبات المتصاعدة، بعكس ما قد يعتقد البعضُ من إمْكَانية استنساخ الاتّفاقيات (القطرية التركية) التي ساهمت في حمايةِ الدوحة من هجوم حتمي للرياض وأبو ظبي، ونقول “ساهمت” لوجود أسباب أُخرى أَسَاسية أبرزها الفيتو الأمريكي، ثم مؤخّراً الاتّفاقية (التركية الليبية) التي أشعلت الأزمةَ في البحر المتوسط، فظروفُ هذه الاتّفاقيات وإن كانت جريئةً تختلف كلياً عن الظرف المعقّد لليمن.
يبقى أن كسرَ العزلة عن اليمن مرهونٌ بكسر العدوان كلياً، مع أهميّة نسج العلاقات في الوقت الحاضر مع مختلف البلدان، في ظلِّ التذمّر الملموس من إطالة أمد الحرب، وهذا يفرض على وزارة الخارجية مضاعفةَ الجهود الدبلوماسية المباشرة وليس من خلال الاتصالات الهاتفية فحسب، فاليمنُ بلدٌ له أهميته الاستراتيجية من ناحية الموقع، وله مستقبله الواعد اقتصادياً نظيرَ ثرواته الكبيرة، علاوة على المكانة الإقليمية المعتبرة كثمرة لفشل الرهانات السعودية الأمريكية.