بريطانيا.. مشاركة مباشرة وعلنية في الحرب على اليمن
|| مقالات ||
ــ د.وفيق إبراهيم
الإنجليز إلى جانب الأمريكيين هم من الأطرافِ الأَسَاسية المخطّطة للحرب التي شنّتها قوات سعودية – إماراتية على اليمن منذ سنوات خمس بإسناد مصري – إسرائيلي سوداني ومتنوع..
كان الدورُ الإنجليزي مساهماً في التخطيط والإشراف والتسليح إلى جانب الأمريكيين، إلّا أنه انتقل إلى مرحلةِ الهجوم الجوي المباشر منذ شهر تقريبًا ودفع بعديد بري محدود يؤدي دور القيادات الميدانية المباشرة لألوية سعوديّة تلعب دور خط الدفاع الثاني داخل المملكة، إنما على مقربة من الحدود مع مأرب وحتى جيزان ونجران وأعالي صعدة.
لماذا هذا التغيير وما هي مظاهره الواضحة؟
لا بدّ من التأكيد أن هناك إجماعاً عالميّاً يعتبر الحرب على اليمن حربين اثنتين، أمريكية بالمفهوم الجيوبولتيكي، واستراتيجية للسعودية.
أما بالنسبة للإمارات فهي انسجام مع رعاتها الأمريكي الدولي والسعودي الإقليمي، بالإضافة إلى اهتمام إمارة ابن زايد بالبحث عن أدوار اقتصادية وسياسية، لتضخيم أهميّة إمارة صغيرة جِـدًّا تحاول التستر بلباس الأقوياء على قزم بالاستعانة بتأثير أموال النفط والغاز.
الملاحَظُ هنا أن هذا العام 2020، اتّسم بهزائم سعودية – إماراتيّة في معظم جبهات القتال مع دولة صنعاء، أمام أنصار الله والجيش اليمني وتحالفاتهم.
انعكست هذه الهزائم بصمود الحديدة ومعظم الساحل الغربي والهزائم في أعالي صعدة ومأرب والرمضة والقفل والسوادية وعين عربي في شبوة والحمراني..
هذا استتبع على الفور انتقال أنصار الله إلى مرحلة تنظيم هجمات في معظم المحاور، مع قصف شديد متقطع على الداخل السعودي استهدف أهدافاً نفطية واقتصادية وعسكرية على مستوى وزارة الدفاع ومديرية المخابرات في مدينة الرياض عاصمة السعودية.
ففهم الغرب أن قصف مصفاة أرامكو هو رسالة لاقتصاده المرتبط بالنفط السعودي، مستوعباً أَيْـضاً بأن قصف وزارة الدفاع والمخابرات في الرياض هو بدوره رسالة استراتيجية للارتباط السعودي الاستراتيجي بالغرب، وخُصُوصاً الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا.
هناك إذَن تقهقُرٌ سعوديّ إماراتيّ في حربهما على اليمن يترافق مع صراع حاد بينهما أَيْـضاً للسيطرة على جنوب اليمن يرتدي بشكل معارك عسكرية ضخمة بين قوات عبد ربه منصور هادي الرئيس المزعوم لليمن الذي عيّنته السعودية، وبين قوات المجلس الانتقالي الذي تدعمه الإمارات وبين حزب الإصلاح الإخواني المسنود من تركيا.
بالتوازي، هناك تراجع أمريكي إضافي في عموم الشرق الأوسط، يجد نفسها مضطراً لإفساح المجال لهرولة روسية وصينية، مع دور إيراني متقدم.
أما الدوافعُ الأَسَاسية أَيْـضاً فهي دخول الأمريكيين مرحلة الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني المقبل، ما يضطرهم إلى الاكتفاء بأضيق القرارات على المستوى الدولي ومنه اليمن، حتى لا يرتدّ على هذه الانتخابات بالسلب خُصُوصاً على الرئيس الأمريكي ترامب الذي يعمل ما في وسعه للتجديد لولاية رئاسية ثانية.
هناك أسباب إنجليزية صرفة تدفعُ السياسةَ البريطانية لتورط إضافي أَسَاسي في حرب اليمن.
فإذا كانت السعوديةُ حسب موقع «ديكلاسوفايد» الذي نقل عن مصادرَ في وزارة الدفاع البريطانية، أن الإنجليز قبضوا ستة مليارات جنيه في الخمس سنوات الماضية مقابل مساعداتهم لقوات الغزو السعودية في الحرب على اليمن؟ فكم تراهم يطلبون من إسناد مباشر منهم للمحور السعودي الإماراتي المهزوم في اليمن؟
هذا بالإضافة إلى حلمهم بعودة الدور البريطاني القديم الاستعماريّ، خُصُوصاً في مناطقَ يمنية تفوحُ منها رائحة الغاز وربما في الربع الخالي السعودي الذي يكتنز كما تقول مصادر غربية، على أكبر احتياطات غاز في العالم؟
إن هذه المعطياتِ تبرز مشاركةً بريطانية في قصف جوي على اليمن، تعدّى المئة غارة أصابت مجزر في مأرب وصلب والجفرة ونجد العتق في صرواح ونهم وجبهات الحديدة التي تعرضت بمفردها لـ 55 خرقاً خلال اليومين الماضيين، وقصفت مناطق سيطرة أنصار الله والجيش 117 مرة على التوالي.
هذا من دون نسيان الهجمات على الدريهمي والتحيتا فضلاً عن الاشتباكات التي لا تقف القوات البريطانية بمنأىً منها في المعارك بين الانتقالي وقوات هادي في الجنوب.
لذلك فإن التصعيد الذي يشمل اليمن بأنحائه البحرية والجبلية، يحتوي على أدوار بريطانية عسكرية مباشرة، كما أن للإنجليز محاولاتٍ لتأسيس قاعدة عسكرية في سقطرى وذلك بعد تأمين «سيناريو» تدّعي الصومال فيه أن سقطرى هي «صوماليّة» بسكانها وجغرافيّتها الملاصقة لسواحلها أكثرَ من قُربها للساحل اليمني، وتقومُ الصومال بعد ذلك ببيعها للإمارات لإنشاء مؤسّسات سياحية واقتصادية فيها، مقابل حماية أمنية من قاعدة بريطانية.
يتبين بالإجمال أن هناك دوراً أكبرَ للقوات البريطانية في اليمن إلى جانب الغزاة السعوديين والإماراتيين، يشمل أعمالَ التخطيط والتنظيم والتدريب والقيادة والاشتراك المباشر في عمليات القصف الجوي التي ترتبط بأقمار اصطناعية أمريكية وإنجليزية تحدّد الأهداف، بالإضافة إلى خدمات بحرية تتولاها مباشرةً قطع حربية إنجليزية في بحري الأحمر وعدن، مع امتداداتهما نحو البحر المتوسط من جهة وبحر الخليج من جهة ثانية.
إنجلترا ذاهبة إذَن لتعزيز دورها على حساب التراجع الأمريكي الشرق أوسطي والتقهقر السعودي – الإماراتي.. فهل تنجح؟
لقد نجح اليمنيون في خمسة أعوام من تحقيق نصر على قوات أكثر تسليحاً ومهارة من القوات البريطانية، وهم مجموع الأمريكيين والسعوديين والإماراتيين والإسرائيليين والسودانيين والمصريين وآخرين، بما يعني أن الإنجليز لن يكونوا أكثر من محاولة لاختلاس المزيد من ذخيرة العرب وقد يقتصر دورهم على حماية آل سعود داخل مملكتهم من احتمالات انتقال اليمن المنتصر إلى مرحلة الهجوم على الأراضي السعودية ومختلف بقاعها، ما يهدّد فعلياً الاستمرار السياسي لهذه العائلة.