الخطاب المموَّه
21/ 7/ 2020م
|| مقالات ||
رأي الله الأشول:
لا تخلو مؤتمراتُ المدعو تركي المالكي الصحفية التي يعقدُها مضطراً بين الحين والآخر من التُّــرَّهات والتفاهات ومتلازمة ضياع وقته ومشاهديه في شرح سيناريوهات حربية وعسكرية عجيبة لم تحدث إلَّا متزامنةً مع إنجازات وانتصارات للعدوان لا يتعدّى تحقيقُها غرفةَ المؤتمرات التي يتفلسفُ الناطقُ الرسمي بنثراتهم بين جنباتها.
فحديثُه المتواصلُ وغيرُ المجدي عن دفاعاتهم الجوية المتطورة جِـدًّا والتي يحاول عبثاً إقناعَ نفسه ومواطنيه والعالم بجدوى فاعليتها في التصدي للزيارات الجوصاروخية اليمنية يغرد في وادٍ وما تحقّقه وتعبث به الصناعاتُ اليمانية على أرض نجد بوادٍ آخر.
كما إن عملياتِ استهداف مخازن السلاح ومنصَّات الصواريخ التابعة لـ [المليشيات الحوثية] حسب تعبيرات المالكي غدت غاراتُها أكثرَ عدداً من قطع السلاح والصواريخ التي يزعُمُ تدميرَها؛ نظراً لكَـــمِّ الغارات الهائل النابع من حقد آل سعود وإجرامهم.
لكن هذا الأخرق صرّح قبل أَيَّـام في مؤتمر صحفي بعبارة مهمة ملفتة تجعلُ كُـلَّ حصيف يتوقفُ عند دلالتها كَثيراً، حيث قال مهدّداً الجيش اليمني: (إن استهدفتم مدنيينا سنستهدف قياداتكم)!!..
بغضِّ النظر عن قلبه للحقائق وتشتيت الناس وجعله الضحيةَ جلاداً إلَّا أن تلك العبارةَ تحملُ في طيات ما أُريد من وراءها اعترافاً ضمنياً وإقراراً على استحياء بما استمات الجانبُ الرسمي السعودي في إنكاره والتغطية عليه طوال سنوات العدوان..
إنه الإقرارُ بالخسائر الباهظة التي يتكبدونها سياسيًّا وعسكريًّا واقتصادياً جراء الضربات الجوصاروخية اليمنية؛ ذاك أنهم يهدّدون أن الضربةَ ستُرَدُّ بمثلها، وهذا يعني أننا أصبحنا نملكُ زمامَ التصعيد والتحكم في مجريات الحرب، فنحن من يحدّد متى وأين وكيف ستكون الجولةُ القادمة، أَيْـضاً يُعَدُّ هذا اعترافاً قوياً بالتقارب بميزان القوى وأن الحرب تحوّلت لمواجهة مباشرة بين دولتين وليس بين دولة وجماعة حسب ما كان يروّج له العدوان.
ثم إن التهديدَ المفترَضَ يعني بأن صواريخَنا البالستية وطائراتنا المسيّرة تتخطى أحدثَ المنظومات الدفاعية الأمريكية والأُورُوبية، وتفسير ذلك هو إبداءُ التخوف من مواصلة الردع اليمانية دافعاً القلق بالتهديد الذي يوضح ما وصل إليه نظام آل سعود من تخبط وتَيْهٍ.
هذا التخاطُبُ المثيرُ للجدل تعمده العدوان ولو أن فيه مخاطرةً معنويةً لصالح الجيش اليمني وحركة أنصار الله إلَّا أنه رأى أن خسارةَ شيءٌ مهمٌّ سيعوضُها بما هو أهم مثل وضعه المدنيين موضعَ المقايضة لحصد أكبر قدر ممكن من شفقة المجتمع الدولي والأمم المتحدة التي تبحثُ عن الحيل والمصوغات؛ لتغطية الجرائم الوحشية للعدوان وتبرئة مقترفيها.
ثمة رسالةٌ خطيرة أُخرى أرادت قيادةُ العدوان إيصالَها للقيادة السياسية في صنعاء وهي ضمنية تتستر خلف هذا التهديد الشكلي (إن استهدفتم مدنيينا سنستهدف قياداتكم)، فقد أريد أن يقرأ التهديد عكسياً فيكون (إن استهدفتم منشآتنا الحساسة وقياداتنا فإننا سنواصلُ استهدافَ مدنييكم)؛ وذلك للضغط على القوة الصاروخية بتذكيرها بما سترتكبُه عنجهيةُ العدوان من جرائمَ فظيعةٍ بحق اليمنيين الأبرياء في حال تم استهدافُ المملكة وإيلامها، وفي الشق الآخر منها، استعاضت الرسالةُ عن ذكر الخطر المحدق بقياداتهم بتهديد أجوف لقيادات الجيش واللجان الشعبيّة، وما تلك الرسائلُ غير المباشرة إلَّا خطابٌ مموهٌ يموّهونه عن الرأي العام الدولي ويبدونه لليمنيين لتثبيطهم وامتصاص حماسهم الشعبي العارم المناهض للعدوان ومشاريعه، إلَّا أن حجمَ الوعي والإدراك بنوايا العدوان الخبيثة ارتفع منسوبُه عند الشعب اليمني وصار متحسباً ومستعداً لمواجهة أسوأ الاحتمالات.
ولم يكد يلملمُ ناطقُهم أوراقَه وخيباتِه حتى أفصحت مجازرُهم البشعةُ بحق عشرات الأبرياء من الأطفال والنساء من أبناء حجّـة والجوف بما أضمرته رسائل الطاغوت المخادعة التي لا يقتنعُ بها أَو يصدق فحواها إلَّا منافقٌ أعرابي أَو كاهنٌ أممي عزَّ عليه وجعُ المعتدين وهانت عليه أشلاءُ صغارنا المتكدسة في قائمة العار والإجرام التاريخي السعودي الصهيوأمريكي والأممي.
لكن، هما المالُ والنفطُ الرخيص وصنائعُهما بالادِّعاءات الرنّانة المتبنِّية لحقوق الإنسان وحرياته، فها هنا على الأرض وطنٌ وجيعٌ اجتمع العالم على حصاره وتشديد الخناق عليه، وهنا شعبٌ بريء أعزل يئن موتاً وقتلاً وجوعاً وقهراً على مرأى ومسمع وتأييد ممن يزعمون أنهم “قضاةُ العالم” الغافلون عن أن هناك يوماً لا مفرَّ فيه “لقضاة الأرض” من “قاضي السماء”.