(نص) كلمة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي خلال لقاء موسع تدشيناً للمولد النبوي الشريف 1442هـ بحضور العلماء ومسؤولي الدولة
19 /10 /2020م
أُعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُهُ ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين.
أيُّها الإخوة والآباء الحاضرون جميعاً
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ تَعَالَى وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
أرحب بكم جميعاً: العلماء والمسؤولين… وسائر الحاضرين من إخوتي المؤمنين الكرماء الأعزاء كباراً وصغاراً، وأرحب أيضاً بالضيوف الأعزاء الذين فك الله “سبحانه وتعالى” أسرهم، وحضروا في هذا الاجتماع المبارك، وأرحب أيضاً ترحيباً خاصاً بالإخوة الذين كانوا مرابطين في مدينة الدريهمي، في كل مرحلة الحصار التي استمرت لأكثر من عامين، ثم فكَّ الله “سبحانه وتعالى” هذا الحصار، أرحب بكم جميعاً في هذا الحضور المبارك، وفي هذا الاجتماع المهم، ويعبِّر تنوع هذا الحضور الذي يشمل الجانب الرسمي، وحضر في هذا الجانب الرسمي الكثير من الإخوة المسؤولين البارزين في الدولة: من مجلس القضاء الأعلى، من مجلس الوزراء، من مجلس الشورى، أعضاء من مجلس النواب… من مختلف مؤسسات الدولة، وأيضاً على المستوى الشعبي، هذا الحضور وهذا الاجتماع المبارك الذي يقدِّم صورةً عن الانسجام الشعبي والرسمي، وعن التوجه الذي يشمل الجميع في إطار العمل لما فيه رضا الله “سبحانه وتعالى”، والاهتمام بالمناسبات الدينية المباركة الجامعة.
الهدف من هذا الاجتماع المبارك هو: افتتاح الفعاليات والأنشطة التحضيرية لمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف، وشعبنا العزيز بكل فئاته ومكوناته التي تتجه هذا التوجه الإيماني، وبحكم هويته الإيمانية، يعطي اهتماماً متميزاً واستثنائياً لهذه المناسبة المباركة؛ ولذلك نفتتح في هذا اليوم الأنشطة التحضيرية لها، حتى نبذل- إن شاء الله- جميعاً من كل مواقعنا، ومن كل مستويات مسؤولياتنا، نبذل الجهد في الاستعداد لهذه المناسبة القادمة المباركة ذات الأهمية الكبيرة، والتي نجعل منها كشعبٍ يمني محطةً تربويةً، وتثقيفيةً، وتوعويةً، وتعبويةً كبيرةً، لها أهميتها وأثرها الكبير في واقع حياتنا، وفي تعزيز وترسيخ إيماننا، وفي مواجهة كل التحديات التي نتصدى لها.
من نعمة الله “سبحانه وتعالى”، ومن توفيقه الكبير: أن يهتم شعبنا اهتماماً متميزاً، وأن يكون في مقدِّمة شعوب هذه الأمة، وبأكثر من غيره من الشعوب، حتى ليمكننا أن نقول: أنه في الصدارة، وفي الموقع المتقدم في الاهتمام بهذه المناسبة المباركة، التي يعبِّر فيها عن حبه وولائه لرسول الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، والتي أيضاً تتكثف فيها كمناسبة مهمة الأنشطة التثقيفية والتوعوية، التي ترسخ فينا جميعاً المحبة والولاء لرسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، وتعزز العلاقة الإيمانية التي ينبغي أن تكون دائماً في مسار ارتقاء، ومسار ازدياد، ومسارٍ تصاعدي، هذه العلاقة الإيمانية برسول الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”.
من الجيد أن تكون هناك اهتمامات من الجميع: في كل مؤسسات الدولة، وعلى المستوى الشعبي على كل المستويات: في المساجد، في التجمعات، في المجالس، أنشطة متنوعة، وكذلك فعاليات متنوعة، كلها تتحدث عن رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، عن نعمة الله الكبيرة به، عن علاقتنا الإيمانية به، وكيف ينبغي أن تكون؛ لأن هذا الموضوع هو من المواضيع الأساسية على المستوى الإيماني في التزامنا وانتمائنا الإيماني، ونحن يمن الإيمان، هويتنا إيمانية، وينبغي أن تكون اهتماماتنا لكل ما من شأنه أن يعزز الإيمان في أنفسنا، في قلوبنا، في مشاعرنا، في وجداننا، في سلوكنا، في اهتماماتنا، في التزاماتنا العملية، في مسيرة حياتنا بكلها، أن يكون اهتمامنا بهذا الجانب اهتماماً كبيراً، وهذه المسألة رئيسية وأساسية.
عندما نأتي إلى الحديث عن هذه المناسبة التي نعد لها، ونسعى للتحضير لها خلال هذه الأيام المباركة، ونسعى للاحتفاء بها، عندما نتحدث عن أهميتها من خلال موقعها الديني، ومن خلال الميزان والمعيار الديني والإيماني، نجد أنها من أعظم المناسبات؛ لأننا نتحدث فيها عن نعمة الله العظيمة الكبيرة، ورحمته للعالمين، عن رسوله، وخاتم أنبيائه، وسيد رسله محمد “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”.
إنَّ الله “سبحانه وتعالى” قال في كتابه الكريم آيةً مهمةً عظيمةً مباركة- طالما نتلوها في مثل هذه المناسبات- هي قوله “جلَّ شأنه”: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}[يونس: الآية58]، {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ}، فضل الله “سبحانه وتعالى” بكل ما فيه من خيرٍ وشرفٍ، بكل ما فيه من عزة، بكل ما يترتب عليه في واقع حياتنا، هذا الفضل من الله علينا هو يتصل بواقع حياتنا، في أنفسنا، يسمو بنا، نشرف بذلك، نعتز بذلك، نسمو بذلك، تتحقق لنا في واقع حياتنا من خلال هذا الفضل الإلهي أن نجسِّد القيم الإنسانية على أرقى مستوى، هذا الفضل له أثره في نفسية الإنسان، في مشاعره، في وعيه، في دوره في هذه الحياة، في مسيرته في هذه الحياة، فهو فضلٌ علينا نحن، أثره فينا نحن، تجلياته ونتائجه في واقع حياتنا نحن؛ إنما كيف نتفاعل مع هذا الفضل؟ كيف نتقبل هذا الفضل؟ كيف ندرك أهمية وعظمة هذا الفضل؟ فهذه النعمة الكبيرة مطبوعةٌ بهاذين الطابعين الأساسيين العظيمين المهمين: فضل، ورحمة، فضل بكل ما يعبِّر عنه من شرف، من سمو، من كرامة، من عزة، وأيضاً رحمة، بكل ما يترتب عليها من خلاصٍ لنا في هذه الحياة، خلاصٍ لنا من البؤس، من الشقاء، من الهوان، من الخزي، من الهلاك، من عذاب الله في الدنيا والآخرة، خلاص لنا من كل ما نحتاج فيه إلى رحمة الله “سبحانه وتعالى” لينقذنا، ليدفع عنا، ليدفع عنا الكثير من الشرور، الكثير من المصائب، الكثير من أسباب الهلاك والردى، فهي رحمة شاملة في الدنيا، ورحمة عظيمة مستقرها الأبدي والدائم في الآخرة، يعيد لنا الصلة بالله “سبحانه وتعالى” في رعايته الواسعة، والمفتوحة، والشاملة، والممتدة من عالم الدنيا إلى عالم الآخرة، الذي هو عالمٌ أبدي لا نهاية له، والذي فيه أرقى نعيم وهو الجنة، وأشد عذاب وهو النار.
فالله “جلَّ شأنه” عندما يقول: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا}؛ لأن كل ما يمكن، وأسمى ما يمكن، وأعظم ما يمكن، وأهم ما يمكن أن ينشده الإنسان من خيرٍ لنفسه، وصلاحٍ لنفسه، وفلاحٍ لنفسه، وسعادةٍ لنفسه، هو موجودٌ في هذا الفضل وفي هذه الرحمة، هو في متناولنا في هذا الفضل وفي هذه الرحمة، ومنهما نحصل عليه، أنت تريد لنفسك الخير، تريد لنفسك الفضل، السعادة، تريد لنفسك الرحمة، هذه هي الرحمة، يقدِّمها الله لك في رسوله الكريم، وفي الرسالة التي حمَّله الله إيَّاها، في الرسالة التي أوصلها هذا النبي، والتي خلاصتها الجامعة المصونة المحفوظة هي القرآن الكريم، واقترن به هذا النبي الكريم فجسَّده في أرض الواقع مشروعاً عملياً، وتحرك به، جسَّد أخلاقه، حمل روحيته، تحرك بمقتضى تعليماته وتوجيهاته في واقع الحياة؛ ليحدث أعظم وأهم تغيير في المسار الإنساني، ليعيد للإنسانية اعتبارها، وكرامتها، وقيمتها الإنسانية والأخلاقية، ليعيد لها صلتها بالله “سبحانه وتعالى” في الإطار التشريعي، في الإطار العملي، في إطار المنهج، في إطار مسيرة الحياة، وفي إطار دورها كأمة، وكبشر مستخلفين في هذه الحياة، فهنا نفرح، نفرح؛ لأننا نريد الرحمة لأنفسنا بدافع الفطرة، نريد الفضل، الإنسان بفطرته يتطلع للرحمة الإلهية بكل مضامينها ومجالاتها، وبكل ما تتصل به في واقع حياته، ويتطلع إلى الفضل الإلهي في كل امتداداته، فهنا الفضل، وهنا الرحمة؛ إنما علينا أن نتفاعل مع هذا الفضل إيجاباً، مع هذه الرحمة إيجاباً، أن نقبل إليها، أن نستوعبها، أن نتصل بها، نتصل بها كل أشكال الاتصال: ثقافياً، فكرياً، عملياً، روحياً، وحينها سنجد كيف ستصنع الأثر العظيم، والتحولات الكبيرة الإيجابية والعظيمة في واقع حياتنا؛ لأن الله “سبحانه وتعالى” عندما يعرض علينا رحمته، عندما يقدِّم إلينا هذا الفضل، ويقدِّم إلينا هذه الرحمة، فهو قد أتمَّ النعمة، وأكمل الحجة، بقيت المسؤولية علينا نحن كيف نتعامل مع هذا الفضل؟ كيف نتفاعل مع هذه الرحمة؟ بقدر ما نتفاعل؛ بقدر ما نرى النتائج تتجسد في واقع حياتنا، وتتحقق في مسيرة حياتنا وفي واقع حياتنا، هذه الرحمة هي لنا نحن كبشر في واقع حياتنا، ليست مسألةً هناك بعيدة، بل إنها هنا، وهي أيضاً- كما قلنا- للعالم الأبدي القادم، الذي هو عالم الآخرة أيضاً.
{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا}، عندما نستوعب وندرك جيداً أهمية هذه النعمة العظيمة من الله، وما يترتب عليها في واقع حياتنا، وأنها صلةٌ لنا بالله “سبحانه وتعالى”، نحظى من خلالها بمعونته، نحظى من خلالها بالخير من عنده، برعايته الشاملة والواسعة، بتوفيقاته، بألطافه العظيمة، ونحظى بنصره، ونحظى بتأييده، نحظى بكل ما ننشده من الفلاح، عندما نستوعب وندرك عِظَم هذه النعمة؛ سنفرح، سنفرح من أعماق قلوبنا، من أعماق أنفسنا؛ لأن فرحنا- أيُّها الإخوة- بهذه النعمة، بهذه الرحمة، بهذا الفضل، ونحن في أمسِّ الحاجة إلى رحمة الله “سبحانه وتعالى” في كل واقع حياتنا، في كل شؤون حياتنا، في كل مجالات حياتنا نحتاج إلى رحمة الله “سبحانه وتعالى”، ونحتاج إلى فضله. عندما نستوعب وندرك هذه الرحمة وهذا الفضل؛ سنفرح من أعماق أنفسنا، ثم نعبِّر عن هذا الفرح في واقعنا، بكل ما يجسِّده هذا الفرح، فنرى في هدي الله “سبحانه وتعالى”، في رسوله، وحركة رسوله، وما قدَّمه رسوله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله” أنه الخير، أنه الصلاح، أنه الفلاح، أنه الذي به نسعد، نفوز، نفلح، نعتز، نكرم، أنه الذي به تصلح حياتنا، ويستقيم شأننا، نتفاعل مع ذلك بالفرح، بإدراك أنه نعمة، بإدراك أنَّ كل تلك التوجيهات الإلهية، وأنَّ هذا المنهج العظيم الذي أتانا به رسول الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله” مبلِّغاً عن الله، وكان هو القدوة في تجسيد هذا المنهج، وفي الالتزام بهذا المنهج، وفي العمل بهذا المنهج، وقدَّم التجربة العملية الراقية العظيمة الناجحة التي أحدثت تغييراً كبيراً في واقع الحياة، ندرك أنَّ هذه نعمة فنسعد بها، نبتهج بها، تؤسس هذه لعلاقة مع الله “سبحانه وتعالى” من موقع التعامل مع المنعم العظيم، مع الله ربنا الكريم، ثم نعبِّر عن هذا الفرح أيضاً في ابتهاجاتنا، في مناسباتنا، في فعالياتنا، ونتوجه إلى الله “سبحانه وتعالى” بالشكر، ونسأله أن يوفِّقنا للشكر.
أهمية هذه المناسبة المباركة: أنها تتصل بموضوعٍ رئيسيٍ من المواضيع الإيمانية، إيماننا بالله، إيماننا بكتبه، إيماننا برسله، إيماننا باليوم الآخر، إيماننا بملائكته… كل العناوين الإيمانية مفتاحها الأول هو الرسول “صلوات الله عليه وعلى آله”، والرسالة الإلهية التي أتت إلينا من خلاله، وبعثه الله بها.
والرسول “صلوات الله عليه وعلى آله” قال عنه الله “سبحانه وتعالى” وهو يذكِّرنا بعظيم منته علينا برسوله، قال “جلَّ شأنه”: {هُوَ}، يعني: الله العظيم الكريم، الله الملك القدوس، الله العزيز الحكيم، الله الرحيم الكريم، هو بعظمته، بفضله، بجلاله، بكماله، برحمته، {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}[الجمعة: الآية2]، الله “سبحانه وتعالى” أعظم النعمة والمنَّة، منَّ “جلَّ شأنه” علينا بذلك، عندما بعث في الأميين، بدايةً المنطقة العربية سكانها كانوا أميين، ليسوا بأهل كتاب، كانت تفتخر عليهم بعض الأمم وبعض الطوائف بأن لديها كتاب، وكان فيها رسل وأنبياء، وهم ليسوا بأهل كتاب، فالله “سبحانه وتعالى” {بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ}، بدلاً من أن تكون الكثير من ثقافاتهم وأفكارهم وتصوراتهم خرافية، وأن يكونوا أمةً أمية، بدلاً عن ذلك: يأتي لهم ما يسمو بهم؛ لكي يكونوا الأمة التي تمتلك رصيداً ثقافياً لا مثيل له، ويعطيها الله “سبحانه وتعالى” هدياً ومنهاجاً عظيماً يكون نوراً للبشرية بكلها.
{بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ}، والذين كانوا في وضعهم السابق- كما في آخر الآية- في حالة ضلالٍ مبين، {لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}، ضياع، كانوا في حالة شتات، ليس لديهم منهج موحَّد، منهج صحيح، منهج عظيم، ليس لديهم أهداف كبيرة في هذه الحياة، يعانون من الكثير من المشاكل والأزمات في واقع حياتهم، ولا يمتلكون الرؤية الصحيحة تجاه أكثر الأشياء، بدءاً من الحالة العقائدية، لديهم عقائد أكثرها باطل، وأكثرها خرافة، واقعون في مصيبة الشرك بالله “سبحانه وتعالى”، وفي طامات وكوارث على المستوى الأخلاقي، حالة متدنية حطتهم وسقطت بهم إلى الحضيض عن المقام الإنساني، وعن الفطرة الإنسانية، حالة خطيرة عليهم في الدنيا، وحالة خطيرة عليهم في الآخرة، لا ثقافة صحيحة، اعوجاج كبير في واقع الحياة، ضياع في هذه الحياة، شتات، بُعد عن الأهداف الاستراتيجية الصحيحة، التي ينبغي أن يعطيها الإنسان حياته، وجهده، وعمله، واهتمامه، واختلالات كبيرة جداً في كل شؤون حياتهم، بل على مستوى أنهم كانوا يأكلون الميتة، كانوا يأكلون الميتة، كانوا يئدون البنات، كانوا في واقعهم السلوكي في حالة من الانحراف الكبير جداً، والهبوط والانحطاط عن المستوى الإنساني، فقدوا إنسانيتهم. فجاء هذا النور وهذا الهدى، وأتى به مَنْ؟ أعظم إنسانٍ منذ وجود البشرية إلى ختامها، شرف كبير، الله شرفنا بالرسالة وبالرسول؛ لأن هذا الرسول الذي أتى بهذه الرسالة هو سيِّد المرسلين، هو خير، وأكمل، وأعظم، وأشرف إنسانٍ على وجه الأرض منذ بداية الوجود البشري إلى ختامه، ليس إنساناً عادياً، بل ليست مرتبته ومقامه بين الرسل والأنبياء أنه مجرد رسول كأحدهم، وكلهم له مقامه العظيم، وفضلهم عظيم، وشأنهم عظيم، ومرتبتهم عظيمة كرسل لله، وكأنبياء لله “سبحانه وتعالى”، ولكنه هو بينهم هو سيِّد المرسلين، هو خاتم الأنبياء وسيِّد المرسلين.
فرسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله” بما أعطاه الله من الكمال العظيم، وأهَّله به، جسَّد كل مكارم الأخلاق إلى حدٍ بلغ فيه مستوى العظمة، مستوى العظمة، فما من خُلُقٍ من مكارم الأخلاق إلَّا وهو بلغ فيه مستوى العظمة، وجاء القرآن الكريم ليعبِّر تعبيراً جامعاً عظيماً وراقياً ليقول: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}[القلم: الآية4]، الله يشهد لنبيه لرسوله محمد “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله” في هذه الآية المباركة بأنه بلغ مستوى العظمة في كل مكارم الأخلاق وبالتأكيد: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، بصيغة فيها تأكيد قاطع وكبير جداً، هذا الإنسان العظيم الذي نحتفي به، الذي قدَّمه الله ليكون هو قائدنا، وقدوتنا، وأسوتنا، وأعطاه منهجاً من نوره ووحيه وكلماته وتعليماته المباركة، التي هي برحمته وبحكمته، أليس نعمةً عظيمةً علينا؟
لو أتينا إلى الواقع البشري، واقع الأمم والشعوب فيما هي عليه، تراهم شعباً هنا أو شعباً هناك يتشبث ببعضٍ من العادات والتقاليد، وببعضٍ من الأساطير؛ ليجعلوا منها عقيدةً، وليجعلوا منها ثقافةً، وليعتمدوا عليها كهوية ينتمون إليها في مسيرة حياتهم، وتراهم يعتزون بها، ويقيمون من أجلها الأعياد والمناسبات، وتكون محط فخرهم واعتزازهم، يلتفون حولها، يتعصبون لها، يتشبثون بها، يخلصون لها، يتفانون من أجلها، ويجعلون منها هويةً يربون عليها أجيالهم جيلاً بعد جيل، ويتوارثونها عبر الأجيال، وكم فيها من خلل كبير جداً، ومن إشكالات، وأحياناً حتى من المتاعب والصعوبات.
لو نأتي إلى ما قد يعتبرونه في نظرهم أدياناً معينة، أو ثقافات معينة يعتقدونها، ويبنون عليها حياتهم، ويطبعون بها هوياتهم، في كثير من شعوب الأرض، تجد حتى المأساة فيها، حتى المأساة فيها، وكم ينشأ عن واقع حياتهم تلك في تلك العقائد، وذلك الموروث الذي يتشبثون به من مشاكل اجتماعية، مشاكل اقتصادية… مشاكل متنوعة في حياتهم؛ أما نحن كأمةٍ مسلمة، فإنَّ الله أعطانا وهو أعطى للبشرية بكلها، إنما مع نعمة الإسلام الحجة علينا أكبر، والنعمة متاحةٌ لنا أكثر من غيرنا من بني البشر؛ لأننا منتمين لهذه الإسلام، فلدينا أعظم منهج قويم؛ لأنه ممن؟ مصدره مَنْ؟ قد يكون مصدر ثقافة، أو عقيدة، أو حضارة معينة لشعبٍ معين: زعيم معين يعتزون به منتهى الاعتزاز، وأحياناً أسطورة حتى، يعتزون بها منتهى الاعتزاز، ويتشبثون بها بأشد ما يكون من التشبث والتمسك، ويحافظون عليها، ويسعون ألا يفرِّطوا فيها؛ أما نحن فالله منَّ علينا، وكما قلت وأعطى للعالمين، لكن مع نعمة الإسلام يتاح لنا أن نستفيد أكثر من غيرنا من بني البشر، وأن نقدِّم أرقى نموذج بأعظم منهج: آيات الله، تعليماته المباركة والقيِّمة والعظيمة، التي هي منطلق علمه، وحكمته، ورحمته، ما يساعدنا على أن نمتلك أرقى ثقافة، وأن تكون لدينا في هذه الحياة أرقى رؤية نعتمد عليها في كل شؤون حياتنا، وعندنا مشكلة بالفعل في واقعنا كأمةٍ مسلمة: هي الفجوة الكبيرة في علاقتنا بالرسول والقرآن؛ لأن العلاقة عندما إما يشوبها الكثير من الإشكالات نتيجة البعض من الخلل الثقافي والفكري، الذي يؤثر سلباً في ارتباطنا الصحيح والأصيل بهذه المصادر العظيمة جداً بهذه النعمة الكبيرة التي فيها الرحمة وفيها الفضل من الله “سبحانه وتعالى”.
في واقع المسلمين عندما حصل خلل ثقافي، عندما دخلت حالة التحريف والانحراف؛ أثَّرت وشوشت على هذه العلاقة، وهذا الارتباط العظيم بالرسول وبالقرآن، وترك هذا الانحراف والتحريف تأثيرات سيئة في واقع الحياة في واقع المسلمين، ومشاكل كثيرة في واقع المسلمين، وأصبح الكثير من المسلمين اليوم لديهم ثقافات تختلف مع ثقافة القرآن، لديهم تصورات خاطئة، لديهم انحرافات، لديهم تحريف، وهذا أثَّر في واقعنا كمسلمين، واستغله أعداؤنا في إساءتهم إلى الإسلام، وحتى في إساءتهم إلى الرسول وإلى القرآن.
ولذلك
علينا أن نعيد اتصالنا بهذه النعمة، بهذه الرحمة، بهذا الفضل؛ ليكون اتصالاً صحيحاً، سليماً من الشوائب التي أثَّرت سلباً، ورأينا تأثيراتها السلبية في واقع الحياة، إذا أعدنا هذا الاتصال السليم من الشوائب بالرسول، وتعرفنا على رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله” من خلال القرآن الكريم، ثم يكون القرآن نفسه في آياته المباركة، فيما نتعرف من خلاله على رسول الله هو المعيار الأساس حتى فيما ينقل إلينا في السير، فننظف مناهجنا، وننظف موروثنا كله: الثقافي، والفكري، والتاريخي، من كل ما يحسب على رسول الله، وهو يختلف مع القرآن، هنا سنجد عظمة رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، سنجد كم سيكون هذا الارتباط الصحيح وهذه الصلة التي تنظف من الشوائب فاعلةً ومباركةً ومؤثرةً في واقع حياتنا، فنرى فضل الله “سبحانه وتعالى” علينا في واقع هذه الحياة، نتصل حينها بالتعليمات الإلهية بشكلٍ صحيح، بالنور الإلهي بشكلٍ صحيح، ونرى أثر ذلك في أنفسنا، وفي واقع حياتنا، وفي مسيرة حياتنا، فنبني على ذلك أسمى حضارةٍ في الواقع البشري؛ لأن الإسلام هو يهيِّئ بتعاليمه العظيمة، بمنهجه العظيم، بهذا القدوة العظيم، والأسوة العظيم: رسول الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، يهيِّئ لنا أن نبني أرقى حضارة، تتميز بأنها حضارة مبنية على قيم إلهية، على مبادئ عظيمة وسامية وراقية، وعلى مكارم الأخلاق، الأخلاق الكريمة، فتكون حضارة المبادئ الإلهية، وحضارة مكارم الأخلاق، وحضارة التعاليم الإلهية، التي تؤسس هذه الحياة على أساسٍ من العدل والخير والرحمة والفضل، وتسمو بالإنسان. التوجهات الحضارية المنحرفة، والتي هي مطبوعةٌ بكلها بالطابع المادي، هي تبني ناطحات السحاب، ولكنها تدمِّر في الإنسان إنسانيته، ولكنها تسحق المجتمعات البشرية بلا رحمة.
إننا عندما ننظر إلى كل الحضارات القائمة اليوم والتي تكفر بالأنبياء وتبتعد عن تعاليمهم ولا تقبل بتعليمات الله “سبحانه وتعالى”، وترفض الأخلاق الكريمة الفطرية التي أتى الأنبياء من أجل إحياءها من جديد في واقع البشرية، نرى تلك الحضارات أنها تفقد الرحمة، كم البشرية اليوم بحاجة إلى الرحمة؟
اليوم عندما نأتي لنقيم الدور الأمريكي كحضارة مادية، الدور الغربي كحضارة مادية، نراها حضارة ليس فيها ذرةٌ من الرحمة، تدوس المجتمعات البشرية، تُضل وتظلم، تطغى وتجرم، تستكبر على بني البشر، تصادر حريات الشعوب، تنهب ثرواتهم، تعتدي عليهم، تحتل بلدانهم، ترتكب بحقهم أبشع الجرائم، ثم تقدم مجرد عناوين تتحدث عن حقوق الإنسان، ومتى وجدنا للإنسان عندهم أي حقٍ حقيقيٍ يحترم، هل احترموا حق الإنسان في اليمن، هل احترموا حق الإنسان في فلسطين، هل احترموا حق الإنسان في أي بلدٍ من بلداننا الإسلامية، سواءً في بلاد العرب أو في غيرها. لا، هم بكل بساطة يصادرون الحقوق.
يتباهى ترامب في أحد لقاءاته التطبيعية السابقة ويقول بكل وضوح: إذا أرادت إسرائيل أن تحتل أي أراضٍ أخرى فهو- يعني على العرب- فهو مستعد أن يعطيها، أن يصادرها لها، يوم أعلن عن مصادرة الجولان السورية لإسرائيل، قال: إذا أرادت إسرائيل أن تحتل أي أراضٍ أخرى فلا بأس سنعتبرها لها، أي حضارة هذه؟! قائمة على التوحش، على الجريمة، على الاستكبار، على الافساد، على تدمير القيم والأخلاق، وتأتي بعناوين زائفة، لا مصداقية لها في الواقع، يأتي بعنوان الحرية وهو يسلب الشعوب حريتها ويستعبدها.
عندما نأتي لنجد كيف أنهم يهيئون للرذيلة، للفساد، يدمرون القيم، يستهدفون الأخلاق، ويؤسسون للعداء حتى للأنبياء، والإساءة حتى للأنبياء، ويأتون بعنوان الحرية كغطاء لكل هذا العمل الفوضوي والإجرامي والسيء، ثم عندما تأتي المسألة إلى موقف من اليهود الصهاينة لا نرى هذا العنوان يحضر أبداً، ولا نراه مقبولاً أبداً.
في فرنسا على سبيل المثال: ممنوع أن تنتقد اليهود الصهاينة، ممنوع أن تشكك فيما يزعمونه بالمحرقة، ويمكن أن تحاكم لو شككت في ذلك حتى لو امتلكت الأدلة، ولو قدمت ما قدمت، كما فعلوا مع )روجيه غارودي)، كتب كتاباً وقدم فيه أدلةً وشواهد، وحاكموه، ممنوع، ليس هناك حرية في أن تنتقد اليهود الصهاينة، يسمح لك في فرنسا وفي الغرب وفي أمريكا أن تعادي الأنبياء، وأن تسيء إلى الأنبياء، وأن تسيء إلى الله “سبحانه وتعالى”، وأن تلحد به، وأن توجه الكلام المسيء إلى الله “سبحانه وتعالى”، لكنه لا يسمح لك أبداً بأن تسيء إلى اليهود الصهاينة، أن تعادي اليهود الصهاينة، أن تتكلم بعبارات تتناقض مع التوجهات السياسية التي تجعل منهم حالةً استثنائية، وإذا صدر منك أي شيء يقولون: [أنت تعادي السامية]، وستحاكم تحت عنوان: معادات السامية، وليس لك حرية أبداً، لا بأن تكتب بطريقة فكرية وتفند أو تظهر حقائق معينة عن إجرامهم وسوئهم وظلمهم، معاداة السامية هي عنوان حاضر لاستهدافك.
حتى في مواقع التواصل الاجتماعي، فيس بوك مثلاً وغيره، يبيحون ويتيحون الفرصة من على منابرهم تلك الإعلامية لكل شيءٍ سيء، لكل الرذائل والمفاسد، لكل ضلالٍ ولكل باطل، لكن عندما تأتي المسألة إلى موقف من اليهود الصهاينة المعتدين، موقف للحق، موقف صحيح، يمكن أن يحضروا عليك صفحتك.
نحن في هذه المرحلة كأمةٍ مسلمة بحاجة إلى عمل كبير، وعمل أساسي لتعزيز وترسيخ هويتنا الإيمانية، وركائز هذه الهوية الإيمانية تبدأ من تعزيز الصلة بشكلٍ دائم بالله “سبحانه وتعالى”، برسوله وبكتابه، وكعمل أساسي؛ لأن هذا من المتطلبات الضرورية للبناء الإيماني، والارتقاء الإيماني، وللتربية الإيمانية، ونحن كمجتمعٍ مسلم من البديهي ومن الطبيعي أن يكون من أهم أولوياتنا التربية الإيمانية، والتنشئة الإيمانية، والارتقاء الإيماني في كل مسيرة حياتنا.
ونحن كشعبٍ يمني في المقدمة، يمن الإيمان والحكمة، يجب أن نكون في الصدارة، وأن نحوز السبق في اهتمامنا بهذا الجانب: التربية الإيمانية بركائزها الأساسية، وبقدر ما يكون لدينا من اهتمامات على كل المستويات: ثقافياً، وفكرياً، في مناهجنا التعليمية، في أنشطتنا العامة على ترسيخ هذه الهوية الإيمانية وهذه التربية الإيمانية، سنرى أثرها الكبير في واقع حياتنا، وستصحح لنا واقعنا إلى حدٍ كبير، وسيكون أثرها في كل مجالات الحياة أثراً مميزاً وعظيماً؛ لأن الإيمان قيمة إلهية عظيمة وسامية، وصلةٌ عظيمةٌ بالله “سبحانه وتعالى”، ارتبطت بها كل وعوده العظيمة بالرحمة والنصر والفلاح والفوز في الدنيا والآخرة، قيمة عالية للإنسان أن يكون إنساناً مؤمناً بالله، من المؤمنين الصادقين بالله “سبحانه وتعالى”، مرتبطاً بالأنبياء، ومتأسياً بهم، ومقتدياً بهم، وملتزماً بتعليمات الله “سبحانه وتعالى”، هو يحقق لنفسه إنسانيته والقيم الإنسانية الفطرية على أرقى مستوى، وهو يحقق لنفسه الفلاح والفوز في الدنيا والآخرة.
ثم أيضاً لنحمي أنفسنا في مواجهة الهجمة التي تستهدفنا، نحن بحاجة بشكل تلقائي، بشكل طبيعي وبديهي في مسار اهتمامنا الإيماني إلى العناية بهذه المسألة، ولكن أيضاً نحتاج إليها في مواجهة هذه الهجمة، هناك في عالم اليوم هجمة صريحة تستهدفنا كأمةٍ مسلمة؛ لفصلنا عن ارتباطاتنا الإيمانية، هجمة مسيئة إلى الرسول “صلوات الله عليه وعلى آله”، هجمة مسيئة إلى الإسلام، هجمة مسيئة إلى المسلمين، هجمة تستهدفنا أول ما تستهدفنا في ثقافتنا وفي فكرنا، في إيماننا وفي إسلامنا؛ بغية السيطرة الفكرية علينا، بغية السيطرة الثقافية علينا، بغية السيطرة على قلوبنا وعقولنا، ومشاعرنا، وتوجهاتنا، وأفكارنا؛ وبالتالي السيطرة علينا سيطرةً كاملة، هذه مسألة مهمة، مع وجود مواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت والقنوات الفضائية، وكل الوسائل ذات التأثير الثقافي والفكري والنفسي، والأعداء يشتغلون من خلالها شغلاً كبيراً وواسعاً، شغل للتشكيك بالعقائد، شغل لفصل الناس عن الرسول والقرآن، شغل مكثف للإساءة إلى الرسول “صلوات الله عليه وعلى آله”، وسعي لفصل الإنسان المسلم- بل البشر كافة- عن هذا الانتماء العظيم، عن هذه الصلة المهمة بمصدر الهداية الإلهية، هنا نحتاج إلى تعزيز الارتباط والصلة، وتوثيق هذه الصلة؛ حتى تكون وثيقةً بما يكفي في مواجهة كل الهجمات الثقافية والفكرية.
هناك نشاط واسع بكل الوسائل يعتمد عليه أعدائنا كأمةٍ مسلمة، عنوانه ينحصر في مفردتين: (تضليل، وإفساد)، تضليل ممنهج وشامل على المستوى الثقافي والفكري والمفاهيم، وحتى في التأثير على الرأي تجاه كل مستجد، وتجاه مختلف القضايا، وهناك شغل كبير لإفساد الإنسان المؤمن، إفساد الإنسان المسلم رجلاً أو امرأة، إفساد الشاب المنتمي للإسلام في أخلاقه، في قيمه، في روحيته، في زكاء نفسه، سعي لتدمير قيمه وأخلاقه؛ حتى يتحول إلى إنسان تافه، مائع، ضائع، تسهل السيطرة عليه، يمكن التأثير عليه، يمكن التضليل له، يمكن الإغواء له، يمكن الاستغلال له، حتى يمكن أن يكون مجرد دمية بيد الاستعمار الغربي، إذا فقد كل هذه المقومات التي تحصنه، تحصنه في وعيه، في ثقافته، في أخلاقه، في قيمه، في اهتماماته.
هناك سعي ألَّا نكون أصحاب مشروع كأمة مسلمة، أن نكون نحن مشروع للآخرين: مشروع للأمريكي، مشروع للإسرائيلي، مشروع للغرب، أمة مستعمرة، مستعبدة، مستغلة، لا نكون أصحاب مشروع ذاتي بحكم انتمائنا، بحكم هويتنا، هذا الذي يريده أعدائنا ويسعى له أعدائنا: الاستهداف لنا في انتمائنا، في ثقافتنا، في هويتنا الإسلامية والإيمانية، السعي لفصلنا عن مصادر الهداية الإلهية، وفي مقدمتها الرسول والقرآن، هو سعيٌ للسيطرة علينا، سعيٌ لاستغلالنا، سعيٌ لاستعبادنا، سعيٌ للاستحواذ علينا في كل شيء، وهذا ما لا يجوز أن نرضى به، ولا أن نقبل به، ويجب أن نتحصن كلياً من خلال هذه الصلة الوثيقة بالهداية الإلهية، بالرحمة الإلهية، بفضل الله “سبحانه وتعالى”، بقرآنه ورسوله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، ثم سنرى كم سنكون أقوياء بالله “سبحانه وتعالى”، وبهذه الهوية التي نعزز صلتنا بها في مواجهة كل قوى الاستكبار، فلا تستطيع لا أمريكا، ولا كل الغرب، ولا إسرائيل، ولا أذيالهم، ولا عملائهم، أن يستغلونا، ولا أن يسيطروا علينا، ولا أن يتحكموا بنا، ولا أن يصادروا حرياتنا الحقيقية، ولا أن يهيمنوا علينا ولا على بلداننا، ولا أن ينهبوا ثرواتنا، حينها ستتحقق لنا الحرية في مفهومها الصحيح، الذي هو التحرر من كل أشكال العبودية، إلا لله “سبحانه وتعالى”؛ لأنه هو ربنا الحقيقي، المالك الحقيقي لنا، المنعم العظيم علينا، الذي يمتلك كل هذا العالم، فهو الملك والمالك، فنتحرر من كل أشكال العبودية لغيره من البشر ومن كل الطواغيت، هذه مسألة مهمة جداً، تعني لنا أن نتحصن من كل التأثيرات في الهجمة الصريحة التي تستهدفنا كمسلمين، وباتوا يتحدثون عن الإسلام بشكلٍ صريح بطريقة سلبية.
التصريح الأخير للرئيس الفرنسي الذي يسيء فيه إلى الإسلام، ويقول: إن الإسلام في أزمة في كل مكان، هو واحد من أشكال التعبير العدائي للأمة الإسلامية، وتجد كيف يتعصبون لليهود الصهاينة، كيف كما قلنا سابقاً في فرنسا وفي أي بلدٍ في الغرب يمنعوك كلياً عن أن تقول شيئاً لا يرضى به اليهود الصهاينة، أو تكشف حقيقةً من حقائقهم، ممنوع، وليس هناك حرية، وتسقط كل هذه العناوين، ولا يمكن أن تحتمي بها، لكن أن تسيء إلى الرسول المجال مفتوح، أن تسيء إلى الإسلام المجال مفتوح.
الإسلام ليس في أزمة، الإسلام هو الدين الإلهي، هو رحمة الله، هو وحي الله وهديه، هناك أزمات في واقع المسلمين نتيجةً لعملاء أعداء الأمة، ونتيجةً لبعض الانحرافات عن هذا الإسلام وعن هذا الدين العظيم، وعن تعاليمه الأساسية، ونتيجةً للاستهداف لهذه الأمة، الموروث الاستعماري، والتأثيرات السلبية للاستعمار الغربي على الأمة الإسلامية، وما فعلته تلك الأنظمة وتلك الدول بحق أمتنا الإسلامية هو أيضاً واحدٌ من الأسباب الرئيسية لأزمات المسلمين ومعاناتهم، ماذا فعل الاستعمار الفرنسي في الجزائر وحدها؟ أسوأ صفحة مقيتة سوداء تعبر عن الطغيان والإجرام تلك الصفحة السوداوية للاستعمار الفرنسي للجزائر.
وللرئيس الفرنسي أقول له: إن وصمة العار الأبدية التي تستمر في واقعكم إلى يوم القيامة هي ما فعلتموه أثناء الاستعمار للجزائر، والذي لحد الآن لم تعتذروا عنه، يعني: أنكم تصرون على تلك الجرائم الفظيعة وتبريرها.
إن من أهم أسباب معاناة المجتمع البشري في كل الأمم والشعوب، في شرق الأرض وفي غربها، وفي شمالها وفي جنوبها، من أهم الأسباب ما تمارسه دول الاستكبار في الغرب، وعلى رأسها أمريكا، وذيلها إسرائيل، من سياسات استكبارية وإجرامية واستعمارية بحق الشعوب والأمم في هذه الأرض، بحق المجتمع البشري كافة؛ لأنهم يستهدفون القيم والأخلاق والمبادئ الإلهية؛ لكي تتيسر لهم وتتهيأ لهم السيطرة على المجتمع البشري.
أما النسخة التكفيرية في واقعنا الإسلامي فالذي يدعمها، والذي يحتضنها، والذي يساندها هو أولئك، هي أمريكا، هي فرنسا، هي دول الغرب من تدعم التكفيريين بشكلٍ واضح، من الذي وقف مع التكفيريين في اليمن وهم يعتدون على الشعب اليمني؟ اليس هو تلك الدول التي هي يعجبها أن يكونوا هم من يقدم نفسه ممثلاً عن الإسلام؛ لكي يشوه الإسلام؟ فهم هم في الغرب من يدعمون التكفيريين، ويقفون إلى جانبهم، ويساندونهم لهدفين: ليضربوا بهم المسلمين من جهة، ويفتكوا بالمسلمين من خلالهم من جهة، والمسلمون في مختلف شعوب وبلدان العالم الإسلامي هم الأكثر معاناةً وتضرراً من الإجرام التكفيري، ومن جهةٍ أخرى لتشويه الإسلام.
ولذلك تدخلت أمريكا وتدخل معا حلفاؤها ومن معها ممن يدور في فلكها في الغرب والشرق لمساندة التكفيريين في سوريا، وفي اليمن… وفي بلدانٍ أخرى، وأصبحت المسألة مكشوفة وواضحة، معترفٌ بها حتى من ترامب ومن مسؤولين أمريكيين، ومسألة واضحة جداً، فهم لا يمثلون الإسلام في وحشيتهم وإجرامهم وأساليبهم، التكفيريون اليوم هم صناعة أمريكية غربية، والمخابرات الغربية بما فيها الفرنسية هي تساهم في رعايتهم والاهتمام بهم، ودعمهم بأشكال مختلفة من أشكال الدعم، فليسوا من يعبر عن الإسلام.
الإسلام هو إرث الأنبياء بكلهم، هو إرث موسى وإرث عيسى وإرث محمد، هو إرث إبراهيم، هو إرث نوح… هو إرث كل الأنبياء “صلوات الله عليهم”، هو عقيدتهم ومنهجهم وأخلاقهم وقيمهم الإلهية التي أوحى الله بها إليهم، ونحن في يمن الإيمان والحكمة منهجنا، مشروعنا، مسارنا هو هذا الدين العظيم، هويتنا هي هذه الهوية الإيمانية، قدوتنا وأسوتنا وقائدنا وحبيب قلوبنا هو رسول الله محمد “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، والمنهج الإلهي هو منهج الحرية الحقيقية، وهو أيضاً المنهج الحضاري الراقي، وهو أيضاً منهج العزة والاستقلال والكرامة والإباء، عليه نحيا، وعليه نموت، وعليه نبعث- إن شاء الله- يوم القيامة بالفوز العظيم.
بكل محبة، بكل شوق، بكل لهفة سنستقبل ذكرى المولد النبوي الشريف، سنجعل منها مناسبةً متميزةً- بإذن الله- لا نظير لها في كل مناسبات الدنيا، وسيعبر شعبنا اليمني من جديد عن ولائه العظيم لله ولرسوله، ولأنبياء الله، ولهذا الدين العظيم، كما نعبر عن ذلك في كل صلاةٍ نصليها، وفي كل يومٍ من أيام حياتنا، وكما هو تعبيرنا حتى في الرمق الأخير من حياتنا (أشهد ألَّا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله).
نختم بهذا هذا اللقاء، نأمل- إن شاء الله- من شعبنا العزيز التفاعل الكبير في الاستعداد لهذه المناسبة وفي التحضير لها، والحضور بالشكل الكبير- إن شاء الله- في كل الفعاليات التي ستقام في يوم الثاني عشر من هذا الشهر المبارك الأغر.
أسأل الله “سبحانه وتعالى” أن يوفقنا وإياكم لما يرضيه عنا، وأن يرحم شهداءنا الأبرار، وأن يشفي جرحانا، وأن يفرِّج عن أسرانا، وأن ينصرنا بنصره، إنه سميع الدعاء.
والسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ تَعَالَى وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
كتب الله أجركم وبارك فيكم… مع سلامة الله…