المولد وشهود الزور …
مقالات:
أحمد يحيى الديلمي:
للأسف الشديد هناك جماعات توالدت خلال الزمن الماضي واتبعت أسلوب تزوير الحقائق كمدخل لاحتلال المساحات الشاغرة في وجدان الناس الديني ، وابتكرت أساليب إقناع تشبه التنويم المغناطيسي واستغلال الخواء الفكري في أذهان الشباب والرغبات الصادقة في العودة إلى الدين لكي تلوِّث العقول بأفكار ونظريات وفتاوى غير سوية، زعزعت ثقة الشباب بالمراجع الدينية الأساسية التي أتصفت بالوعي والمصداقية ونهلت العلم من مصادره الحقيقية ، وبذلك أصبح من السهل على مثل هذه الجماعات اختراق هؤلاء الناس وأن تصنع بداخلهم فجوات كبيرة تنفذ من خلالها لتجذير أفكار ومسميات ما أنزل الله بها من سلطان ولا علاقة لها بالدين بروحه وأهدافه السامية العظيمة، حيث احتل الأدعياء والجهلة غير المؤهلين الصدارة في إصدار الفتاوى فانصاعوا لتعليمات أصابع خفية وأنطلقوا في ظل الدعم المادي الكبير إلى إصدار فتاوى التكفير والتبديع والتفسيق التي أباحت سفك الدماء والأعراض ووجَّهت سهامها إلى العلماء ونخب الثقافة والسياسة، وانقاد أولئك الشباب المخدوعون لفتاوى الضلال بمضمونها المتَّسم بالانغلاق والتطرف والغلو لمواجهة ما يُسمى بالكفر والإلحاد ومزاعم إعادة الناس إلى الدين الحنيف وإحياء السنة النبوية ، فتمكنت تلك الجماعة من زرع بذور الشك في نفوس اليمنيين عن فترة حياتهم الماضية وتحت هذه الشعارات نفذ التيار الوهابي إلى قطاعات عريضة من مختلف شرائح المجتمع ، وتحوَّل الأمر إلى كارثة حقيقية في فترة التحالف بين النظام وهذه الجماعات ، التي أمتلكت القوة والنفوذ فتجاوزت سهامها الخبيثة المذاهب المخالفة لتصل إلى التيارات السياسية بمختلف اتجاهاتها ومؤسسات الدولة الرسمية بكل مكوناتها، فأضعفت هيبتها وسلطتها بزعم مقاومة المنكر وتطبيق أحكام الشريعة المهملة ، وبالفعل تراجعت الدولة أمامهم وأعطتهم مساحة كبيرة للتحرك واللعب على مشاعر الناس الدينية فزاد الأتباع والمريدين ووجدت زعامات هُلامية ومرجعيات زائفة سُرعان ما استغلت المكانة وسخَّرتها لتحقيق أغراض مشبوهة بعيدة كل البُعد عن الإسلام ، فكانت النتيجة محاولة طمس هوية الدين بدءاً بمنع الاحتفال بالمناسبات الدينية العظيمة المترجمة لروح الإسلام وانتهاءً بإقامة ما يشبه محاكم التفتيش التي أمعنت في تفتيش ضمائر الناس .
على هذا الأساس توالت الفتاوى الظالمة بما صاحبها من إرهاب فكري زرع الخوف وأثار الفزع والرعب في النفوس وفاقم المخاوف لدى الناس ، وتم كل هذا برعاية وإشراف الدولة حيث كانت أطقم الأمن تتموضع أمام المساجد التي تحتفي بأية مناسبة من المناسبات الدينية وتمنع الناس من دخولها بحجة أن من في الداخل يمارسون بدعة وضلالة ، وتم اختزال تلك المناسبات في احتفالات يتيمة تنظمها وزارة الأوقاف ويحضرها قليل من البشر ، ببرنامجها المعروف والمحدد سلفاً الذي يُمجِّد الحاكم القابع على كرسي السلطة أكثر مما يتحدَّث عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وبطولات الصحابة .
ما أثار الدهشة لديَّ ودفعني إلى استعراض مشاهد الماضي المخزية جاء رد فعل على نفس الهرطقات والأقاويل الكاذبة التي تبثها قنوات الزيف مدفوعة الأجر المسبق ، كما جاء على لسان شخص يدَّعي أنه أكاديمي وأستاذ جامعي قال بالحرف الواحد ( إن الاحتفال بمولد النبي خرافة من خرافات الماضي وبدعة وضلالة ابتكرتها جماعة الحوثي، حسب وصفه ) وهي شهادة زور نطق بها الرجل إلى جانب ما ورد على لسانه من هرطقات وأكاذيب إرجاف وتهويل حاول من خلالها إقناع العامة والبسطاء بمعلومات لا وجود لها إلا في ذهنه ، مثل قوله “إن جماعة أنصار الله دعمت إيران وحزب الله وسوريا والحشد الشعبي في العراق بعشرات المليارات من الدولارات ” ألم تكن هذه شهادة زوراً !!؟ خاصة أنه لم يذكر مصدر هذه المليارات وهو يعرف أننا في اليمن نعيش على الكفاف ، مما أضطر المذيع إلى مجاراته والانغماس في شهادة الزور بقوله ” إن حكومة الإنقاذ الوطني في صنعاء أو الحوثيين كما يقول اعتمدوا 55مليار ريال كتكاليف لإحياء المولد النبوي إلى غير ذلك من الأكاذيب الملفقة والأخبار الزائفة التي لا تنم إلا عن الحقد والعداء الايديولوجي الممنهج للمسلم الآخر المخالف ، إنه حقاً أمر مثير للدهشة إلى حد التقزز خاصة أنه يصدر عن أناس يدَّعون بأنهم أكاديميون ومثقفون ، لكنهم لا يبالون بردود فعل اليمنيين الذين يعرفون حقيقة ما يجري وكما يقال (كم الديك وكم مرقه)، لا أدري من أين جاءت هذه المليارات إلى رؤوس هؤلاء وكيف استطاعوا أن ينطقوا بها وهم يعرفون حال الشعب والدولة وقيادة الثورة التي تغطي نفقات أربعين جبهة في وقت واحد ، بينما هم استحوذوا على النفط والغاز وعائدات الجمارك والضرائب والموانئ الواقعة ليس تحت سيطرتهم وإنما تحت سيطرة المحتلين من الإماراتيين والسعوديين ومن يقعون تحت إمرتهم يعانون الجوع والفاقة ، ولم تصرف لهم المرتبات لعدة شهور، فأين تلك الدخول ؟! وأين تلك المبالغ التي تصرف من قبل النظامين السعودي والإماراتي ؟ الغرابة أن تلك الأنظمة لا تحاسبهم على طريقة الإنفاق والإسراف والبذخ لأنها في الأساس تُريد مثل هذا التصرف كي تمعن في احتلال المناطق التي وصلت إليها وتمنعهم من العودة إليها ، وهذا هو ديدنُها وهذه هي الأسباب التي تهوي بهم إلى مراتع الزور والبهتان ، غير عابئين بعقاب السماء إن كانوا قد ضمنوا عدم حدوث العقاب البشري .
كلام الأكاديمي والمذيع ذكرني بتلك القصة اللطيفة حينما “طلب شخص من آخر أن يشهد له بأن لدى غريمه خمسة أقداح زبيب أبيض وخمسة أقداح زبيب أسود مقابل مبلغ من المال ، فبدأ الرجل بالشهادة ورفع كمية الأبيض إلى خمسة عشر قدحاً ، فقال صاحب الشأن: قلِّل في الأسود لأنك زدت في الأبيض إلى حد كبير” ، ولهؤلاء نقول قلِّلوا من هذا التهريج فقد فضحكم الشعب وتعريتم أمامه وأصبحتم منبوذين ، حتى قنواتكم مقفلة لا يستمع إليها أحد إلا من هو على شاكلتكم في الداخل ، فمتى تفوقون من سكرة المال المدنس وتعودون إلى رشدكم ؟!! إنها أمنية كل إنسان يمني شريف مخلص لهذا الوطن وتربته الطاهرة .. وفي الأخير نقول لكم : الاحتفاء بمولد الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم سيظل مستمراً وسيتعاظم من عام إلى عام لأننا نحب رسول الله ونؤمن به كمنقذ وستظل المناسبات الدينية خالدة في نفوسنا وعقولنا وسنتوارثها جيلاً بعد جيل إن شاء الله مهما تماديتم في الأفك وشهادات الزور .. والله من وراء القصد ..