هذه هي قاعدة من قواعد الحرب في القرآن، يجب على طائفة المؤمنين أن يعملوا بها متى ما أبدى عدوهم جنوحَه للسلام، ولا يجوز بأي حال من الأحوال مخالفتها لأي مبرّر، حتى ولو اشتهر العدوّ بالخيانة ونقض العهود والمواثيق، فليس من حقنا أن نشكك مثلاً في مساعي دولة عمان الشقيقة ولا في الاتّفاق المبدئي الذي تم التوقيع عليه من قبل فخامة الرئيس مهدي المشاط والأُستاذ محمد عبدالسلام بحجّـة أن قوى العدوان لم تفِ بأي اتّفاق من الاتّفاقات السابقة التي تم الاتّفاق عليها في جولات المفاوضات التي جرت خلال الست سنوات الماضية، رغم أنها كانت اتّفاقاتٍ جزئيةً وليست بحجم الاتّفاق التي تسعى فيه السلطنة الشقيقة؛ كونها مساعي لإنهاء العدوان.
كما لا يجوز لنا أَيْـضاً أن نشكِّكَ فيها بحجّـة أن ما يجري مُجَـرّد محاولة لوقف تطهير مدينة مأرب بعد أن أصبح أبطالنا على تخومها ومن ثلاث جهات، ولا أَيْـضاً بحجّـة معرفتنا اليقينية بأن قوى العدوان رغم فشل عدوانها الذريع ووصولها إلى طريق مسدود لا يمكن أن تذعنَ للأمر الواقع وللنتيجة الميدانية النهائية لحرب سبع سنوات، بحجّـة أننا نعلم علم اليقين أنهم لا يمكن أن يتركونا نعيشُ بسلام على أرضنا ونستغل مقدراتنا.
ونعلمُ أَيْـضاً أنهم يرَون مصالحَهم في السيطرة على السواحل والجزر والمناطق الحيوية والاستراتيجية اليمنية، وأن لعابهم لا يتوقفُ سيلانُه على ثروات اليمن النفطية والمعدنية، وليس من حقنا أَيْـضاً أن نشير إلى معرفتنا بأنهم حتى لو سلّموا للأمر الواقع فسيحاولون بألف طريقة وطريقة التدخل في شؤوننا الداخلية.
من المؤكّـد أنهم لن يتنازلوا عن مصالحهم الاستكبارية في الهيمنة على اليمن خُصُوصاً وعلى المنطقة بشكل عام؛ لأَنَّ “فاجنح” قاعدةٌ إجبارية وَعلينا تنفيذها وجوباً هذا من ناحية، ومن ناحية أُخرى؛ لأَنَّنا نعلم أن قيادتنا الحكيمة متمثلة بسماحة قائد الثورة -يحفظه الله ويرعاه- سيمضي عليه صادقاً وفياً، وهذا ما نعلمه ويعلمه العالم عنه وما عهدناه وعهده الجميع منه، فهو أحرص الناس التزاماً بتوجيهات الله وأسرعهم تنفيذاً لها أياً كانت، وهو-يحفظه الله ويرعاه- يتحَرّك في ذلك من منطلق إيماني وقرآني بثقة كاملة بالله وبثقة مطلقة بتحقّق وعود الله في هذا الصعيد وفق قاعدة قرآنية أُخرى في الحرب هي قاعدة “وَمَنْ نَكَثَ فَـإنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ”، وقد شاهدنا تحقُّقَ هذه القاعدة أمام عيوننا عشرات المرات من بداية حرب صعدة الأولى وحتى اليوم.
لذلك فلا غرابة من الترحيب الكبير الذي لاقاه الوفدُ العُماني من سماحة السيد العلم قائد الثورة وبكل ما حمله الوفد العماني في جعبته خلال لقائه معه بخصوص التفاهمات التي تم التوافق عليها مبدئياً وكذلك كان موقف فخامة الرئيس مهدي المشاط والمجلس السياسي، وهذا الموقف نابع من ثقافتنا القرآنية وثقافة المشروع الذي نحمله.
الوفد العماني غادر صنعاء بصحبة رئيس الوفد الوطني المفاوض بعد ظهر الجمعة، بعد أن حقّق نجاحاً كاملاً في مهمته مع قيادتنا وفق رؤية قيادتنا لخارطة السلام المبدئية وليس وفق رؤية أمريكية أَو سعوديّة، وأول خطوة منها هو فصلُ استحقاقات الشعب اليمني الإنسانية عن جدول المفاوضات، ويأتي في مقدمتها رفع الحظر عن مطار صنعاء الدولي وميناء الحديدة كخطوة أَسَاسية لإثبات جديتهم في جنوحهم للسلام، وكمؤشر للدخول في مفاوضات جدية تبدأ بالتوافق على آلية وقف إطلاق النار وإيقاف العمليات العسكرية في مختلف الجبهات، وهكذا.
هذا الموقف العظيم لقيادتنا يعد انتصاراً لصمود الشعب اليمني، ويؤكّـد أن قيادتنا المباركة يستحيل أن تدخلَ في مفاوضات مع قوى العدوان تتعارض مع مصلحة الشعب اليمني واستحقاقاته وتضحياته، وهذا ما يفرض علينا جميعاً أن نقفَ خلف قيادتنا ونتحَرّك وفق المسارات التي تحدّدها لنا، وأن نسلّم تسليماً مطلقاً لها ونستجيبَ لها دون أن نستجيبَ لشكوكنا ومخاوفنا فهي ترى من منظور قرآني واسع يُفضِي إلى النصر والتمكين ونحن نرى من منظور شخصي ضيِّق مبنيٍّ على هوى النفس الذي يفضي دائماً إلى الخُسران.