تاريخ أسود للأمم المتحدة.. الرقص على أشلاء الطفولة
ليس غريباً أن تأتيَنا الأخبارُ السيئة من مقر الأمم المتحدة، فتاريخها مشهود بجلد الضحايا والانتصار للمستكبرين.
العدوان الأمريكي السعوديّ يدفعُ بقوة نحو تتويج أنطونيو غوتيريش أميناً عاماً للأمم المتحدة في فترة رئاسية جديدة، وقد تحقّق له ما يريد، لكن ثمن ذلك كان “أشلاء أطفال اليمن”، والتغاضي عن أجسادهم المحترقة؛ بفعل غارات طيران العدوان الأمريكي السعوديّ التي لا تزال تحصد أرواح هؤلاء الأطفال إلى يومنا هذا.
ومن واقع تجارب الدول التي عانت من اضطهاد دول الاستكبار كفلسطين والعراق وليبيا وغيرها، فليس في قاموس الأمم المتحدة ما يشجع على مناصرة المكلومين، بل إن المواقفَ التي تسجلها “سوداء” لا يشع منها “النور” على الإطلاق.
وبالنظر إلى التقارير الأممية والإحاطات الصحفية لمفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، نجد الكثير من عبارات الشجب والإدانة لقوى العدوان الأمريكي السعوديّ، وتحميلهم مسؤولية قتل المدنيين ولا سيما الأطفال، لكن الأمين العام للأمم المتحدة يضع كُـلّ هذا التقارير “جانباً”، ويبرئ ساحة تحالف العدوان بعد أن قبض الثمن.
وخلال السنوات الماضية، وثقت الأمم المتحدة الكثير من الجرائم التي ارتكبها تحالف العدوان الأمريكي السعوديّ على بلادنا، وخرجت ببيانات تتحدث عن انتهاك هذه الغارات التي استهدفت الأطفال للمواثيق الأممية، ولو قدر لنا البحث عن جميع هذه البيانات لوجدنا الشيء العجاب، لكن الأموال التي تدفقت بحرارة على غوتيريش جعلته يبلع لسانه ويلتزم الصمت الطويل تجاه الانتهاكات بحق الطفولة في اليمن.
وفي تعليقه على هذا القرار، قال القائم بأعمال وزارة حقوق الإنسان، علي الديلمي: إن ذلك لم يكن مستغرَباً، فالأمم المتحدة قد خذلت الكثير من الشعوب، وفي مقدمتها فلسطين، مُضيفاً أن تحالف العدوان على اليمن كان ضمن القائمة السوداء لمنتهكي حقوق الأطفال، وأن صنعاء كانت تطالب الأمم المتحدة باتِّخاذ خطوات عملية ضد التحالف للحد من ارتكاب جرائم إضافية ولا سيما ضد الأطفال، لكنهم تفاجأوا بشطب التحالف من القائمة في المرة الأولى سنة 2016 ثم استبعادها من القائمة السوداء هذه المرة 2021.
في تلك السنة وبعد الضغوط السعوديّة الهائلة التي مورست على الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون، خرج الرجل حزيناً في مؤتمر صحفي، ليعلن أمام العالم أنهم اضطروا لشطب السعوديّة من هذه القائمة؛ حفاظاً على الأموال التي تمنحها لهم!!، لكن عاقبة هذا الشطب كانت وخيمة على أطفال اليمن، فبعدها تجرأ العدوان على ارتكاب أفظع الجرائم في بلادنا، غير آبهٍ بمصير طفل أَو امرأة، طالما وأن هذه الجرائم التي ترتكب أمام مرأى ومسمع من العالم لن يردعها أحد.
ويطالب الديلمي الأمينَ العام للأمم المتحدة للرجوع إلى تقاريرِ المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، كما يطالبه أَيْـضاً بمراجعةِ تقارير المنظمات الدولية، ففيها ما يمكن أن يستنبطَه ويكتشفَه لهول ما حَـلّ للأطفال من مذابح في اليمن من قبل تحالف الإجرام الأمريكي السعوديّ.
ويوضح الديلمي أنه وبعد إعادة انتخاب الأمين العام لفترة رئاسية جديدة تم إدراج “أنصار الله” في القائمة السوداء لمنتهكي حقوق الأطفال، منوِّهًا إلى أنه كان من المفترض أن يتم ذكر حكومة الإنقاذ بصنعاء؛ باعتبَارها جهةً معنيةً بالموضوع، لكن القرار ذكر “أنصار الله” وهم أحد الأطراف الموجودين، وهذا يعني ابتعاد الأمم المتحدة عن الحياد لتعمل وفق أجندة تخدم تحالف العدوان، مُشيراً إلى أن الأمم المتحدة تتحمل المسؤولية الكاملة تجاه ما يحدث للأطفال في اليمن مستقبلاً.
ويؤكّـد الديلمي أن القرار “مسيس” ويعتبر فضيحة من الطراز الأول، وأن وزارة حقوق الإنسان بصنعاء ستعقد مؤتمراً صحفياً أمام مبنى الأمم المتحدة بصنعاء وسيوجهون رسالة إليها بهذا الخصوص وسيحملونها المسؤولية الكاملة تجاه حقوق الأطفال والإنسان في اليمن، لافتاً إلى أن الإشكالية التي تواجههم في مثل هكذا قرارات أنها ترتبط بالأجندة والدول الإمبريالية الكبرى، حَيثُ تأتي مصالحها –أي الأمم المتحدة- في مقدمة مصالح الشعوب الفقيرة، وأن ما يحدث هو فرز حقيقي للآليات الدولية، مطالباً العالم بإعادة النظر في آليات الأمم المتحدة، وأن تعود إلى احترام الإنسان والمعاهدات والمواثيق الخَاصَّة بها، ما لم فَـإنَّ هناك استغلال لهذه الاتّفاقات.
وينوّه الديلمي إلى أنهم يتحَرّكون في ظل إمْكَانات ضعيفة نتيجة العدوان والحصار، كما أن حكومة الفار هادي التي تقدم نفسها كممثل وحيد للشعب اليمني في المحافل الدولية تتماهى مع العدوان ولا تدافع عن اليمن، مُشيراً إلى أنهم يعوّلون على المنظمات الإسلامية والجهات المحايدة، وأنهم سيتحَرّكون بخطوات كثيرة عبر التواصل مع كُـلّ النشطاء الإنسانيين لفضح هذه القرارات.
تجاهل متعمد
من جهته، يؤكّـد الناطق الرسمي للمجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي، طلعت الشرجبي، أن الأمم المتحدة مختطفة من قبل القوى الكبرى التي باتت صاحبة السلطة والنفوذ والهيمنة في الأمم المتحدة، وباتت تسخر قراراتها وهيئاتها المختلفة وفق إرادتها ومما يحقّق مصالحها، لافتاً إلى أن ما تقوم به الأمم المتحدة من خطوات ليس له علاقة بالمهنية والحياد ولا يتماشى مع مبادئها وإنما وفق معايير مزدوجة تفرضها إرادات ومصالح تلك الدول ورغبات أممية للابتزاز؛ مِن أجلِ تحقيق مكاسب وأموال.
ويضيف الشرجبي في تصريح خاص لصحيفة “المسيرة ” قائلاً: “للأسف الشديد لقد حوّل الأمين العام الحالي للأمم المتحدة غوتيريش وسلفه بان كي مون الأدوات الأممية إلى إجراءات شكلية ليست ذات جدوى؛ كونها باتت تستند على معايير مزدوجة وغير محايدة وتُبنى على وقائع غير موثَّقة، ولم يتم إجراء تحقيقات مهنية ومحايدة للتأكّـد من مصداقيتها وتحديد الطرف المسؤول عن ارتكابها لدعم سلامة آلية الإدراج، فضلاً عن التطبيق غير المتسق لمعايير الرفع من القوائم”.
ويواصل بقوله: “اليوم لا يزال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يتجاهل كافة التقارير الصادرة من عشرات المنظمات الدولية ومنها منظمات أممية التي تؤكّـد على مسؤولية تحالف العدوان بقيادة السعوديّة والإمارات عن قتل وتشويه مئات الأطفال في اليمن بشكل مباشر نتيجة الغارات الجوية والقصف البري على المدنيين في المناطق الحدودية والملايين منهم نتيجة استمرار العدوان والحصار، آلاف منهم الذين يفقدون حياتهم نتيجة الإصابة بسوء التغذية”.
وبحسب برنامج الأغذية العالمي، فَـإنَّ نصف الأطفال هذا العام (أي 2.3 مليون طفل دون سن الخامسة معرضون لخطر سوء التغذية) وأن 16.2 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي. وما يزيد على 5 ملايين شخص يتعرضون لخطر المجاعة بشكل مباشر، ونحو 50 ألف شخص يعانون بالفعل من ظروف شبيهة بالمجاعة)، والذين يفقدون حياتهم نتيجة إصابتهم بالأمراض والأوبئة والأجنة المشوهة والأطفال حديثي الولادة الذين يولدون بتشوهات خلقية نتيجة تعرضهم لإشعاعات الأسلحة المحرمة التي يتم استخدامها في الغارات الجوية، كما يتجاهل دعوات عشرات المنظمات الحقوقية في العالم وتقارير فريق الخبراء ولجنة العقوبات الدولية التي وثقت استمرار تحالف العدوان في ارتكاب الانتهاكات الجسيمة في حق الأطفال في اليمن، ويستمر في مغازلة الدول العظمى وابتزاز الدول الغنية كالسعوديّة والإمارات من خلال شطبها من قائمة منتهكي الطفولة في اليمن، ويعتبرها اتخذت إجراءات قللت من عدد الضحايا، وهذا أمر معيب ومهين وغير مقبول، بحسب الشرجبي.
ويزيد الشرجبي قائلاً: لكن نحن ندرك أن الأمين العام يتعرّض لضغوط سياسية؛ بسَببِ هذا التقرير منذ عدّة سنوات. وكان الأمين العام السابق بان كي مون قد رضخ لضغوط من حكومة الكيان الصهيوني في 2015 والسعوديّة في 2016، فأزال قواتهما من القائمة. لكن يُحسَب له أنه انتقد علناً الابتزاز السعوديّ الفعلي للأمم المتحدة عبر التهديد بالتوقّف عن تمويل برامج الأمم المتحدة، لكن الأمين العام الحالي غوتيريش قد أعاد التحالف إلى القائمة في 2017، وحمّله مسؤولية 683 إصابة بين الأطفال و38 هجوما ضد المدارس والمستشفيات، لكنه ابتكر له فئة جديدة في القائمة الأطراف التي تتخذ خطوات “تهدف إلى تحسين حماية الأطفال”.
ويشير الشرجبي إلى أنه وَفي عام 2018، أزال غوتيريش تحالف العدوان من قائمة الأطراف التي شنت هجمات على المدارس والمستشفيات، رغم 19 هجوماً على المدارس وثّقتها الأمم المتحدة خلال العام السابق، وهذا العام يستمر في شطبها من القائمة كما يستمر في شطب الكيان الصهيوني من القائمة، لافتاً إلى أنه من غير المستبعد أن تكون هذه القائمة صفقةً قام بها غوتيريس؛ مِن أجلِ إعادة انتخابه أميناً عاماً للأمم المتحدة.