نص كلمة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي لتدشين فعاليات إحياء مناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف 1443هـ
أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُهُ ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}[الأحزاب: الآية56].
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين.
أيُّها الإخوة الحاضرون جميعاً، من الجانب الرسمي، ومن الجانب الشعبي:
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
نجتمع اليوم في بداية شهر ربيعٍ الأول في هذه الفعالية التدشينية، التي نفتتح من خلالها الفعاليات الفرعية والتحضيرات اللازمة، التي تبدأ من اليوم، وإلى أن تأتي الفعالية الرئيسية، في الثاني عشر من الشهر إن شاء الله تعالى.
ومن الأشياء الإيجابية، والجيدة، والمفيدة، والنافعة: أن يكون هناك اهتمام منذ وقتٍ مبكر، واستعداد من بداية الشهر، إلى الفعالية الرئيسية، والتي تأتي في الثاني عشر منه، استعدادٌ مكثف، وأنشطة متنوعة ومكثفة، كلها في إطار الاهتمام بهذه المناسبة الدينية المباركة، والتي هي: الذكرى السنوية للمولد النبوي الشريف.
شعبنا اليمني بحكم هويته الإيمانية، وانتمائه الديني، يهتم بالمناسبات الدينية، وهو في طليعة الشعوب الإسلامية التي تهتم بالمناسبات الدينية، وبحكم وعيه بأهمية هذه المناسبات، وما يستفاد منها على المستوى التوعوي والتعبوي، على مستوى العمل، على زيادة مستوى الوعي، وكذلك فيما يتعلق بالجانب التربوي، فيما يتعلق بالأنشطة العملية، لا سيما وشعبنا في إطار مسيرته العملية، التي تنسجم مع القرآن الكريم، وتتحرك على أساسه، وعلى أساس الاهتداء والاقتداء برسول الله محمد “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، ونحن بحسب هذه الظروف التي نعيشها وتعيشها أمتنا بشكلٍ عام، وبحسب ما تشهده الأمة من تطورات وأحداث، وتواجهه من تحديات وأخطار، نلحظ الأهمية بشكلٍ متزايد للمناسبات الدينية، وللاستفادة منها.
عندما نأتي إلى ما يتعلق بهذه المناسبة، التي هي في مقدِّمة المناسبات الدينية وعلى رأسها؛ من حيث الأهمية، ومن حيث الأثر والثمرة الطيبة والمباركة، والنتائج المهمة، نجد أننا كشعبٍ يمنيٍ نلحظ من خلال هذه المناسبات- وبحكم التجربة، والمعايشة، والواقع- أنَّ لهذه المناسبة المباركة الأثر الطيب، عشنا بركتها خلال كل الأعوام الماضية، ولمسنا بشكلٍ مباشرٍ وبشكلٍ حقيقي أثرها الطيِّب:
-
في النفوس.
-
في الوعي.
-
في العمل.
-
في الاهتمام.
-
في الالتزام.
-
في الاندفاع
-
في التعبئة الروحية الإيمانية.
ولذلك فمن الطبيعي أن يكون شعبنا اليمني- يمن الإيمان، وأحفاد الأنصار- في طليعة الشعوب، وفي مقدِّمة شعوب الأمة التي تهتم بهذه المناسبة المباركة.
عندما نتحدث عن مناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف، فالعنوان الرئيسي الذي يرتبط بهذه المناسبة، هو: رسول الله محمد “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، فيما يتعلق بالحديث عنه:
-
عن الإيمان به.
-
عن عظمته.
-
عن منزلته عند الله “سبحانه وتعالى”.
-
عن كيفية علاقتنا الإيمانية به، وما يتصل بذلك.
والحديث عن رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، وموضوع الإيمان بالرسول، والحديث عن رسول الله، وعن منزلته عند الله، وعن سيرته، وعن علاقة الأمة به، هو في السياق الطبيعي لنا كأمةٍ مسلمة، يأتي من ضمن اهتماماتنا الرئيسية:
-
على المستوى التعليمي.
-
وعلى المستوى التثقيفي.
-
وعلى المستوى التربوي.
-
ثم أيضاً فيما يتعلق بالالتزام العملي.
ويصبح هذا من ضمن الاهتمامات المستمرة، وليس فقط على مستوى موسمٍ معين، أو على مستوى مناسبةٍ معينة؛ إنما ضمن الاهتمامات الرئيسية، على مستوى:
-
المناهج المدرسية.
-
التعليم الديني.
-
الخطاب الديني.
-
التثقيف والتعليم.
-
وعلى المستوى التربوي.
وهذه مسألة معروفة، ومسألة- في نفس الوقت- تدلنا على أهمية هذا الجانب.
لكنه يستفاد أيضاً من المناسبات، وتزداد أهميتها، وفي مقدِّمتها مناسبة الذكرى السنوية للمولد النبوي الشريف:
-
في ظل ما يستجد في واقع الأمة من تحديات وأخطار.
-
وفي ظل مساعي أعداء الأمة، أعداء الإسلام، أعداء الرسالة، أعداء الأنبياء، من سعيهم لفصل الأمة عن أنبيائها ورسلها، وعن خاتم النبيين، وسيد المرسلين: رسول الله محمد “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، بشتى الوسائل، من خلال الأنشطة التضليلية بمختلف أنواعها، على المستوى الثقافي، والفكري، والإعلامي، وبالوسائل المباشرة، والأساليب غير المباشرة.
لا شك أنَّ من أهم ما يركِّز عليه أعداء الأمة، أعداء الإسلام والمسلمين، هو: العمل بمختلف الوسائل والأساليب على فصل الأمة عن الاقتداء برسول الله “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، وفصل الأمة عن الإتِّباع للرسول، والتمسك بالقرآن، وإحداث شكلٍ مختلفٍ عن العلاقة المفترضة برسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، العلاقة الإيمانية، أنشطتهم في هذا السياق واسعة، وسياساتهم وأساليبهم متنوعة.
-
أضف إلى ذلك: ما عانته الأمة على مستوى واقعها الداخلي، من حدوث كثيرٍ من التشويه، من المرويات التي بعضها غير صحيح نهائياً، وبعضها ملتبسٌ بغيره من الباطل، وما قُدِّم من قِبَل فئات الضلال، مما يسيء إلى رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، أو يؤثر سلباً على مدى النظرة الصحيحة والإيجابية تجاه رسول الله، والعلاقة به “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله”، والمؤثرات التي تستجد في واقع الحياة، التي تؤثر على الأمة، تؤثر على الكثير من الناس، في مستوى الإتِّباع، والاقتداء، والاهتداء، والتمسك برسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”.
ففي ظل هذه المتغيرات، والتحديات، والأخطار، والمؤثرات المتنوعة والضاغطة على مجتمعنا الإسلامي، تزداد أهمية هذه المناسبة، وأهمية الاستفادة من هذه المناسبة.
-
عندما نأتي إلى القرآن الكريم (كتاب الله “سبحانه وتعالى”)، ونتأمل الحديث فيه عن الرسول “صلوات الله عليه وعلى آله”، نجد أنَّ من أول ما يذكِّرنا الله به في القرآن الكريم، هو: نعمته العظيمة علينا بالرسول “صلوات الله عليه وعلى آله”:
الله قال “جلَّ شأنه” في القرآن الكريم: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}[آل عمران: الآية164].
{لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}، نعمة الله على المؤمنين في كل عصرٍ وجيل، منذ مبعث الرسول “صلوات الله عليه وعلى آله”، وإلى قيام الساعة، نعمة الله بأن بعث في المؤمنين رسولاً من أنفسهم نعمةٌ عظيمة، نعمةٌ كبيرة، نعمةٌ لا تساويها أي نعمةٍ أخرى، إلَّا ما كان في إطارها، وهي نعمة القرآن الكريم، هي نعمةٌ في إطار هذه النعمة.
الله “سبحانه وتعالى” عندما بعث رسولاً منه؛ ليكون هو قائداً لمن يؤمن به، لمن يتَّبعه من المجتمع البشري، فقد أعظم النعمة بذلك.
المجتمع البشري بمختلف مكوناته واتجاهاته في عالم الدنيا، على مرِّ الأجيال، يرتبط دائماً برمزٍ معين:
-
يتَّبعه.
-
يتأثر به.
-
يقتدي به.
-
يسير في طريقه.
-
يحذو حذوه.
-
يتمسك بتعليماته وتوجيهاته.
ونجد أنَّ كثيراً من المجتمعات البشرية ترتبط برموز مضلين، أو طغاة جائرين، جاهلين، مفسدين، ويترتب على الارتباط بهم:
-
المخاطر الكبيرة.
-
الضلال الرهيب.
-
الانحراف الكبير.
-
التبعات السيئة جداً، على ذلك المجتمع، أو ذاك.
فعندما يبعث الله “سبحانه وتعالى” رسولاً من عنده، بكل ما للرسل والأنبياء من مكانةٍ عظيمة، بكل ما منحهم الله “سبحانه وتعالى” به من كمالٍ عظيم، هم صفوة العباد، هم أرشد الخلق، هم أزكى البشر، هم الصفوة المتميزة من البشر، هم الذين بلغوا أعلى مراتب الكمال الإنساني.
فهذا أولاً: فيما منحهم الله “سبحانه وتعالى” به من مؤهلات عظيمة لقيادة المجتمع البشري، لقيادة الناس، جعلهم الله “سبحانه وتعالى” في اصطفائه لهم، في بنائه لهم، في إعداده لهم، على أعلى مستوى من مراتب الكمال الإنساني:
-
على مستوى: الرشد، الزكاء، الهداية، الطهر.
-
على مستوى: ما وهبهم أيضاً من المهيئات والمؤهلات، التي تجعلهم أحرص على الناس على الناس، والأكثر اهتماماً بأمر الناس، وعنايةً بأمر الناس، ورحمةً بالناس.
مثلما يقول “سبحانه وتعالى” في آيةٍ أخرى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}[التوبة: الآية128]، وبرغم ما وهبهم الله ومنحهم به من كمالات ومؤهلات راقية جداً لقيادة المجتمع البشري، إلَّا أنهم مع ذلك كله، لا يتحركون من منطلق آرائهم الشخصية، أو أطروحاتهم البشرية، أو يتحركون بمستوى ويقدمون بمستوى ما قد يتوصلون إليه، من خلال اهتماماتهم الشخصية، ليس الأمر كذلك.
هم على أعلى مستوى من الكمال الذي وهبهم الله إيَّاه، وبلغوه بهداية الله، وبإعداد الله، وبتوفيق الله “سبحانه وتعالى”، وهم- في نفس الوقت- حلقة الوصل ما بيننا وبين الله، الله “سبحانه وتعالى” يوصل إليهم رسالته، يقدم من خلالهم: تعليماته، توجيهاته، هدايته، يوصل إلينا من خلالهم: نوره، وهديه، وكلماته، وتعليماته، وتوجيهاته، ويقدِّم لنا من خلالهم: المعارف الصحيحة، والمفاهيم الصحيحة، التي هي نورٌ يضيء لنا دروب الحياة، ويكشف كل الظلمات.
ومع هديه ونوره، الذي يوصله إلينا من خلالهم، ولهم- مع ذلك- الدور الرئيسي في تبليغ ذلك النور، في تقديمه، وفي الحركة على أساسه، وفي تجسيد قيمه وأخلاقه، وفي تقديم النموذج الكامل، الذي يعبِّر عن ذلك الهدى، ويجسِّد ذلك الهدى، ويتحرك بالمجتمع البشري على أساس ذلك الهدى، وذلك النور.
يؤدُّون دوراً رئيسياً، ليسوا فقط مجرد مبلِّغين، بالمستوى الذي قد يتصوره البعض: [أن يوصلوا الكلام فحسب]، لا، إنما هم حَمَلَة، يحملون ذلك النور، ويجسِّدونه في أرض الواقع، بكل ما فيه من قيم تتجلى، وأخلاق تتبين وتظهر:
-
في سلوكياتهم.
-
في أدائهم.
-
في اهتماماتهم.
ورسول الله محمد “صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله” هو خاتم النبيين، وسيِّد المرسلين، هو الذي بلغ أعلى مرتبة بين كل الرسل والأنبياء:
-
في منزلته عند الله “سبحانه وتعالى”.
-
وفي كماله الرسالي العظيم.
-
وفي تجسيده لكل القيم والمبادئ الإلهية العظيمة.
ولذلك عندما نتحدث عنه، فنحن نتحدث عن خير إنسانٍ عرفته الدنيا، منذ خُلِقَ آدم، منذ بداية الوجود البشري، وإلى قيام الساعة، وإلى آخر إنسانٍ يولد في المجتمع البشري، إنسانٌ عظيم.
فأن يكون قدوتنا، وأن يكون معلِّمنا، وأن يكون قائدنا، وأن يكون مرشدنا، وأن يكون هادينا، وأن يكون من هو لنا- بالنسبة لنا- القدوة، والقائد، والهادي، هو: خير البشر، منذ خلق الله آدم وإلى آخر إنسانٍ يولد، أرشد البشر، أزكى البشر، أطهر البشر، أعظم البشر، أعلى إنسان في مراتب الكمال البشري والإنساني، صفوة الله، الأعظم منزلةً عند الله، أهدى عباد الله، أتقى خلق الله؛ فهذا شرفٌ كبير، ونعمةٌ عظيمةٌ جداً، وفخرٌ كبير، ومبعث اعتزاز، نعتز به.
وتبقى المسؤولية علينا في الاقتداء والاهتداء، في أن نحرص على أن تتسع معارفنا عن سيرة هذا النبي، عن حركته، عن كماله، أن نتعرف عليه:
-
من خلال القرآن الكريم أولاً.
-
ثم ما كان منسجماً مع القرآن، ما كان متوافقاً مع القرآن، من المرويات والأخبار، وما ورد أيضاً في السِّيَرِ والأخبار، نستفيد منه.
نحن في أمسِّ الحاجة كأمةٍ مسلمة، والعالم كله بحاجة إلى أن يتعرَّف معرفةً صحيحة على رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، أن يتعرَّف على كمالاته، أن يستوعب منزلته العظيمة عند الله “سبحانه وتعالى”، وفي نفس الوقت أن نتعرف على رسالته، على منهجه العظيم، الذي نحن مكلَّفون بأن نسير عليه، أن نلتزم به في هذه الحياة، أن نتمسك به في هذه الحياة.
فالله “سبحانه وتعالى” يقول: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ}، يتلو علينا آيات الله “سبحانه وتعالى”، الآيات البيِّنات، آيات الله التي هي نور، يخرجنا به من كل الظلمات، بكل أشكالها، ومهما كانت مصادرها.
{وَيُزَكِّيهِمْ}؛ لأننا نحتاج إلى المعرفة، إلى الهداية، ونحتاج إلى تزكية النفوس، إلى تطهير النفوس من كل الشوائب، التي هي عبارة عن مساوئ الأخلاق، عن الخصال الدنيئة، عن التأثيرات السيئة، التي تؤثر على نفسيات الإنسان، وعلى سلوكه، وعلى أخلاقه، وعلى أدائه العملي بشكلٍ عام، {وَيُزَكِّيهِمْ}، وينمِّي في المقابل مكارم الأخلاق، والصفات الحميدة، والمعاني النبيلة، التي يزكو بها الإنسان، ويسمو بها الإنسان، ويشرف بها الإنسان، ويصلح بها الإنسان.
{وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}، {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ}، كتاب الله، الذي هو الهدى والنور، الذي يستوعب ويحتوي المعارف العظيمة والصحيحة، التي يحتاج إليها الإنسان؛ لتستقيم حياته، وليكون ذلك مُخرِجاً له ومنقذاً له من كل ضلال، ومن كل باطل، ومن كل جهل.
{الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}؛ لنكون أمةً: رؤيتها حكيمة، تصرفاتها حكيمة، مواقفها حكيمة، سلوكياتها حكيمة، قولها حكيم، وفعلها حكيم، ومسيرتها في هذه الحياة على أساسٍ من الحكمة، والتصرفات الصائبة والصحيحة، أمة معيار كلامها، ومعيار فعلها، ومعيار تصرفاتها، ومعيار مواقفها، هو: الحكمة، الحكمة المقتبسة من كتاب الله “سبحانه وتعالى”، الحكمة التي قدَّمها الله في آياته، فيما رسمه من مواقف، فيما حدده من مواقف، فيما هدى إليه من أقوال، وأفعال، والتزامات عملية في هذه الحياة.
{وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}، ولا بديل إلَّا الضلال، لا بديل عن مسيرة الرسول والقرآن إلَّا:
-
الضلال.
-
الضياع.
-
الانحراف.
-
التيه.
-
المفاهيم الخاطئة.
-
الأفكار الضالة والباطلة.
-
الانحرافات العملية.
-
الانحطاط.
الأشياء السيئة، التي هي بديلة عن الزكاء.
وهكذا نجد أنَّ منَّة الله “سبحانه وتعالى” برسوله، بما هو عليه من مؤهلات عظيمة، كلها تتجه بمضمون رسالته، التي تسمو بنا، تتجه إلينا، إلى أنفسنا:
-
تزكيةً.
-
وهدايةً.
-
وترشيداً.
-
وتبصيراً.
-
ونوراً نستضيء به في هذه الحياة.
-
وزكاءً للنفوس…إلخ.
فمن أول ما يركِّز عليه القرآن هو هذا: أن نستشعر نعمة الله “سبحانه وتعالى”، أنها نعمة عظيمة، وأنه تكريمٌ كبير.
مختلف الأمم قد يفتخرون بزعماء ورموز، كما قلنا:
-
بعضهم لهم سجلٌ إجراميٌ شنيع.
-
بعضهم لم يقدِّموا إلَّا الضلال، ولم يقدِّموا إلَّا الباطل.
-
بعضهم سجلهم السلوكي والعملي مشين ومخزٍ.
أمَّا الله “سبحانه وتعالى” فقد منَّ علينا وبعث رسولاً، رسولاً من عنده، حلقة وصلٍ به، أكمله، وأعدَّه، وجعله على مستوى عظيم، وقدم إلينا خير ما نسير عليه في هذه الحياة، بما لا يماثله شيء مما يمكن أن يقدمه أي بشرٍ آخر.
فإذاً نجد أنَّ هذه من أول المسائل التي علينا أن نستوعبها.
ثم نجد الحديث واسعاً في القرآن، عن الرسول، عن منزلته، عن عظمته، عن حرصه على هدايتنا، والكلام يطول في ذلك، هذا ما ينبغي أن نحرص عليه:
-
في النشاط التعليمي والتثقيفي، وهو موجود، ويحتاج إلى اهتمام أكثر.
-
وكذلك في إطار الفعاليات، والمناسبات، والمحاضرات… إلى غير ذلك.
الإنسان بحاجة إلى أن يتعرف أكثر وأكثر وأكثر.
-
ثم نجد الحديث في القرآن الكريم عن كيفية العلاقة بهذا الرسول:
لأن هذه مسألة ذات أهمية كبيرة، من ثمار وفوائد أن تستوعب عظمة رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، وما يعنيه لنا رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، من ثمار ذلك هو: أن تكون علاقتك برسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله” علاقة قوية، علاقة يعززها الوعي الكبير، المعرفة الكبيرة برسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، بكماله العظيم، بدوره، بمسؤوليته، بكيفية هذه العلاقة ما بينك وبينه، ما بينك كمسلم تنتمي للإيمان، وما بين رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”.
حالة الإقرار العام والإجمالي برسول الله، بأنه رسول الله، والتي نعبِّر عنها بشهادتنا: (أشهد أنَّ محمداً رسول الله)، (وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله)، حالة الإقرار هذه هي ضرورية، هي بداية هذا الإيمان، وعنوان هذا الإيمان، ولكن هذا الإقرار الإجمالي لا يكفي، لا يكفي، بمجرد هذا الإقرار لا تتعزز علاقتك برسول الله إلى المستوى المطلوب، الذي تكون ثمرته الاقتداء، والتأسي، والإتِّباع بكل رغبة، بكل اعتزاز، بكل شوق، بكل إيمان، بكل يقين، وهذه المشكلة عانى منها البعض من المسلمين، حتى في زمن رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”.
البعض منهم (من المسلمين) كانوا يشهدون بأنه: (لا إله إلا الله، وأنَّ محمداً رسول الله)، ويقرُّون برسالة رسول الله، ويشهدون برسالة رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، ثم عندما نقرأ في القرآن الكريم، والقرآن تتوجه الآيات فيه، يخاطبهم الله، بما فيه تأديبٌ لهم، بما فيه تنبيهٌ لهم على قصورهم في علاقتهم برسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، سواءً على مستوى:
-
احترامهم لرسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”.
-
طريقتهم في التعامل مع رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”.
-
مستوى اتِّباعهم له.
-
مستوى التزامهم.
-
مستوى استجابتهم.
-
مستوى تفاعلهم على المستوى العملي (في ميدان العمل) مع رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”.
عندما نتأمل في ذلك؛ ندرك أهمية أن نعزز علاقتنا الإيمانية برسول الله؛ حتى تكون بالمستوى المطلوب، بالمستوى الصحيح، الذي ينبغي أن نكون عليه بحكم إيماننا وانتمائنا للإسلام.
في القرآن الكريم نعرض- وباختصار كبير- ما يتعلق بهذا الجانب:
-
لاحظوا، على مستوى التعظيم للرسول:
الله يقول: {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ}[الفتح: من الآية9]، من ضمن علاقتنا بالرسول: أن نعظِّم رسول الله، أن نعرف أنه ليس إنساناً عادياً، لا نتصور أنه مجرد إنسان عادي وصَّل رسالة وانتهى الموضوع، بل ننظر إليه بمستوى مكانته العظيمة عند الله، أن نستوعب- بقدر ما نستطيع- مكانته ومنزلته العظيمة عند الله “سبحانه وتعالى”، هو عبد الله، ووليه، وخيرة خلقه.
الله “سبحانه وتعالى” في علاقته بعبده ونبيه ورسوله محمد “صلوات الله عليه وعلى آله”، يبين لنا في القرآن الكريم المنزلة العظيمة جداً لرسوله، من خلال أشياء كثيرة، منها أن يأمرنا بأن نعظِّم رسوله، الله يأمرنا أن نعظِّم رسوله، يوجِّهنا بذلك، وأنه يقترن بالإيمان به، {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ}، يقترن مع هذا الإيمان:
-
التعظيم.
-
والنصرة.
-
والتوقير.
فيقول: {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ}، يقرن الإيمان برسوله يقرنه بالإيمان به، {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ}، فيأمرنا بالتعظيم لرسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”.
-
نجد أيضاً في القرآن الكريم التأكيد على منزلة رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”:
عندما يقول الله “جلَّ شأنه” يخاطب المسلمين المعاصرين لرسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله” ويؤدِّبهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ}[الحجرات: الآية2]، إلى هذه الدرجة.
فتأتي حتى طريقة التخاطب مع الرسول “صلوات الله عليه وعلى آله” بطريقة مجرَّدة من التعظيم، مجرَّدة من الاحترام والتوقير، مجرَّدة من التقديس، تأتي في سلبيتها إلى درجة أن تكون محبطةً للأعمال، يعني: إلى درجة أنَّ أعمالهم:
-
ومنها: الجهاد في سبيل الله.
-
ومنها: صلاتهم.
-
ومنها: صيامهم.
-
ومنها: زكاتهم.
-
ومنها: حجُّهم.
ومختلف أعمالهم الصالحة.
كل تلك الأعمال، من صلاة، وصيام، وزكاة، وحج، وجهاد، وإنفاق… ومختلف الأعمال الصالحة، كلها معرَّضة لأن يحبطها الله، وتبقى بلا قيمة ولا أجر؛ بسبب أن يرفعوا أصواتهم فوق صوت النبي، أو أن يجهروا له بالقول كما يجهرون لبعضهم البعض: يكون مستوى أصواتهم كما يتخاطبون مع بعضهم البعض، نجد هذا التأديب تأديب كبير جداً، يعني: يساعدنا على أن ندرك- بقدر ما نستطيع- أهمية المسألة هذه، عظمة رسول الله، كيف ننظر إلى رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”.
فلو تأتي أنت، المصلي، الصائم، المنفق، المتصدق، المزكي، المجاهد، تأتي إلى رسول الله، وترفع صوتك فوق صوته، أو تتخاطب معه بمستوى الصوت الذي تتخاطب معه والطريقة التي تتخاطب بها مع الآخرين من المسلمين؛ لكان ذلك كافياً في أن يحبط عملك، بكل عملك.
فهي منزلة رسول الله منزلة عظيمة، ولذلك قال: {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى}[الحجرات: من الآية3]، فكان معياراً- لاحظوا- كان معياراً لمستوى تقواهم وإيمانهم، كان غضهم لأصواتهم عند رسول الله، يبرهن ويعبِّر عن تعظيمهم لرسول الله، عن إدراكهم لعظمة رسول الله، ومنزلة رسول الله، وكيفية هذ العلاقة مع رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، ولهذا أهمية كبيرة جداً:
-
في الاستفادة من رسول الله.
-
في التعامل مع توجيهاته وتعليمه.
-
في مقام الاقتداء.
-
في مقام الإتِّباع والعمل.
-
ولهذا نلحظ مثلاً مما أتى به التأديب في القرآن الكريم، ويقدِّم أيضاً- في نفس الوقت- صورة عن خطورة النظرة الاعتيادية الروتينية، التي هي بمجرد الإقرار بالرسالة والرسول:
يقول الله “سبحانه وتعالى” في القرآن الكريم: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}[الجمعة: الآية11].
حكاية هذه الآية حكاية عجيبة جداً، الآية تخبر بأنها، وكانت حالة تكررت، تكررت، أنَّ البعض من المسلمين، وعندما يكونون بمحضر رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، وحتى في مقام خطبة الجمعة، ورسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله” يتحدث إليهم، يتلو عليهم آيات الله، الوحي الإلهي الطري، الآيات التي تنزلت، ويقدم إليهم هدى الله، ويرشدهم، ويزكيهم، ويهديهم، ويدلهم على ما فيه خير الدنيا والآخرة، كان البعض منهم في تلك اللحظات، في تلك الأجواء، بمجرد أن يسمعوا لهواً، ويشاهدوا تجارةً، أو لهواً، يعني: قالوا البعض: أنه ضربة بالطبلة، وخرجوا يشتوا على الطبلة، {انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا}، قاموا بطريقة حتى غير مؤدبة، {انْفَضُّوا}: قيام سريع، وعلى عجلة، وبشكل غير لائق، ولا مؤدب، إلى ذلك اللهو، يتسمعوا للضربة، ويسيروا يتفرغوا عندها، أو تلك التجارة التي دخلت.
{وَتَرَكُوكَ}، تركوا مَنْ؟ {وَتَرَكُوكَ}، يعني: رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، {وَتَرَكُوكَ قَائِمًا}، قائماً يخطب، يتحدث، يتركون رسول الله، وما يقوله رسول الله، وما يقدِّمه رسول الله، وينفضون بطريقة غير مؤدبة، بشكلٍ سريع وعاجل، وبدون أي التفاتة، أو انتظار، إلى لهو (ضربة طبلة)، أو تجارة، {وَتَرَكُوكَ قَائِمًا}.
هذه الحالة تنتج عندما يكون الإنسان في مستوى علاقته برسول الله، مقتصراً على مستوى الإقرار الإجمالي: [أشهد أنَّ محمداً رسول الله]، لا يستوعب عظمة رسول الله، لا يستوعب مستوى العلاقة الإيمانية التي يجب أن تكون قائمةً في واقعه ما بينه وبين رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”.
-
نجد أيضاً نموذجاً آخر في ذلك:
عندما قال الله “سبحانه وتعالى”: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[النور: الآية63].
عندما كان الرسول “صلوات الله عليه وعلى آله” يستدعيهم إلى اجتماع لأمرٍ مهم، ولمواضيع عملية، ولقضايا مهمة، فيجتمعون، البعض قد يتعاطى مع دعوة الرسول، يتعامل مع دعوة الرسول، مع الاستدعاء للحضور، بطريقة غير مؤدبة، البعض قد لا يستجيب أصلاً، قد لا يذهب، قد لا يحضر، بايكفي إنه يقول: [أنا مشغول]، أبسط سبب يجعله يمتنع عن الحضور، أو يعتذر عن الحضور، أو لا يحضر، لأبسط الأشياء وأتفه الأشياء، يقول: [أنا مشغول، ما أنا ما معي فرصة أحضر، ولا أستمع].
والبعض حتى بعد أن يحضر، عندما يحضر، ويبدأ الرسول يتحدث “صلوات الله عليه وعلى آله”، يقوم البعض بالتسلل من بين أوساط الناس، {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا}، ينسلون بطريقة هادئة، ويخرجون ويذهبون، وكأنهم يجلسون عند إنسان عادي، أو كأن الموضوع عادي وغير مهم، فيذهبون قبل أن يكمل رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله” حديثه معهم، قبل أن يكتمل الموضوع، أو القضية، أو الأمر، بمخرجات عملية يتحركون على أساسها، يذهبون ما قبل ذلك.
الله يحذرهم من ذلك بأشد عبارات التحذير، فيقول: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}، {أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}، وهذا وعيد من الله “سبحانه وتعالى”، لدرجة أن البعض قد يفتن، فيزيغ عن الحق، كعقوبة خطيرة جداً، يصل إليها بتماديه هذا، بلا اهتمامه، بلا مبالاته، أو العذاب العاجل والأليم والعياذ بالله.
فيتحدث القرآن عن هذه النوعية من الناس، الذين لم يستوعبوا كيفية العلاقة مع رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”.
-
إضافةً إلى نوعيةٍ أخرى هي أكثر سوءاً، وهم المنافقون:
المنافقون كما حكى الله عنهم في القرآن الكريم: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ}[المنافقون: من الآية1]، المنافقون يشهدون أن محمداً رسول الله، يعترفون بذلك، ويشهدون بذلك، ويقرون بذلك، وينتمون للإسلام، المنافق ينتمي للإسلام، ويقدم نفسه من المسلمين، ويشارك المسلمين في أشياء كثيرة، من أمورهم، وأعمالهم، وعباداتهم.
بل إنهم يؤكدون حتى عندما كانوا يأتون إلى رسول الله، والنفاق حالة مستمرة من عصر رسول الله إلى آخر أيام الدنيا، في كل عصر منافقون، في ذلك الزمن عندما كان المنافقون يأتون إلى رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، كانوا يؤكدون شهادتهم بعبارات فيها تأكيد كبير: {قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ}[المنافقون: من الآية1]، هذا تأكيد كبير يعني.
مع ذلك كيف كانت علاقتهم بالنبي “صلوات الله عليه وعلى آله”؟ كانت علاقتهم سلبية في مقام الاقتداء، والإتباع، والتعظيم، والعمل:
كانوا ينشرون في أوساط المجتمع مختلف الدعايات التي تسيء إلى النبي “صلوات الله عليه وعلى آله”:
دعايات كثيرة، منها قولهم: {هُوَ أُذُنٌ}[التوبة: من الآية61]، بيقولوا: [رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله” شخص عظيم ومحترم ورسول الله، لكن يا أخي مسكين بيصدق من جاء، (لحية) من جاء هبا له كلمتين، صدقه وصدق كلامه، والا ما هو ما شاء الله العظيم عليه، رسول الله شخص عظيم].
دعايات مختلفة تحدث القرآن عنها في سورة التوبة، في سورة الأنفال، في سورة النساء، في سورة البقرة، في سور في القرآن، في سورة آل عمران:
-
يشككون في قراراته.
-
يشككون في توجيهاته.
-
يشككون في مواقفه.
-
يثبطون الناس عن الجهاد معه.
وكان من أبرز ما يتحركون فيه، هو: صد الناس عن الجهاد مع رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله، ودفع الناس للتخلف عن الجهاد:
وسورة التوبة مليئةٌ بالآيات التي تحدثت عن هذا الموضوع، ووبختهم كثيراً، وفيها الوعيد الشديد لهم.
فكانوا يتحركون بهذه الطريقة السلبية، التي تحاول أن تصد الناس عن رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، إلى درجة أن قال الله عنهم: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ}، يعني: إلى القرآن، إلى كتاب الله، {تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا}[النساء: الآية61].
فكانوا يثبطون الناس ويصدونهم عن الرسول، عن الاقتداء بالرسول، عن الإتباع للرسول، عن الجهاد مع رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، ويوالون أعداء الإسلام، يوالون أعداء رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، يدخلون في علاقات مع اليهود، مع النصارى، مع المشركين، المحاربين لرسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، والمعادين لرسول الله، والمعادين للإسلام، يدخلون معهم في علاقات، البعض منها بطريقة سرية، والبعض بطريقة علنية.
يثبطون الناس عن الجهاد في سبيل الله، ويشككون في الوعد الإلهي بالنصر، ويحاولون أن يزرعوا في نفوس الناس اليأس والهزيمة، إلى درجة أن رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، ما قبل غزوة الأحزاب، وأثناء حفر الخندق، عندما أمر بحفر الخندق في محيط المدينة، وكان ذلك في التحضير للاستعدادات اللازمة في التصدي لغزوة الأحزاب، الذين تحزبوا وتجمعوا وتعاونوا وتحالفوا في الحرب على رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، وعلى المسلمين، عندما بشر النبي “صلوات الله عليه وعلى آله” المسلمين آنذاك، في تلك اللحظات العصيبة، والظروف الصعبة، بأن الإسلام سيصل إلى صنعاء في اليمن، وإلى المدائن في العراق، وكانت هذه بشارة عظيمة، ومهمة، وعجيبة في تلك الظروف الصعبة، شكك المنافقون في أوساط المسلمين في هذا الوعد، مع أنه وعدٌ من الله، الرسول أخبرهم كوعد من الله، بأن الإسلام سيصل إلى صنعاء في اليمن، وإلى المدائن في العراق، فيحكي القرآن تشكيكاتهم في أوساط المسلمين، {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا}[الأحزاب: الآية12].
هكذا كانوا يقولون، قالوا: [هذا تغرير، هذا كلام غير صحيح، هذا مستحيل أن الإسلام سيصل إلى صنعاء]، وصنعاء اليوم هي عاصمة من عواصم الإسلام، ليس من هذا الزمن، من عصر رسول الله، من يوم أن وصل إليها علي بن أبي طالب، وقرأ رسالة رسول الله في صنعاء، وصنعاء اليوم هي في مقدمة العواصم الإسلامية التي تحتفل بذكرى المولد النبوي، وتعطيها أهميةً كبيرة، أكثر من ذلك، اليمنيون هم الذين قال عنهم: ((الإيمان يمان، والحكمة يمانية)).
وصنعاء اليوم هي التي يتحرك أحرارها، أحرار الشعب اليمني بشكلٍ عام في مختلف المحافظات، في إطار مسيرةٍ عملية، قائمةٍ على الإتِّباع لرسول الله، والاقتداء برسول الله، والاحتفاء بذكرى مولد رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”.
في كل عام من الأعوام الماضية، كان الاحتفال بذكرى المولد النبوي في شعبنا اليمني، في مختلف المحافظات، وفي صنعاء، متميزاً، وبأكبر من أي بلدٍ آخر وأي شعبٍ آخر، شعبنا هو في طليعة الشعوب التي تحتفل على نحوٍ عظيمٍ ومتميز بهذه المناسبة العظيمة، وغير غريبٍ على شعبنا، هذا هو جزءٌ من إيمانه، من وعيه، من محبته لرسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، هذه الخطوات التي يقتفي بها أثر آبائه وأجداده الأنصار، الذين سماهم الله بالأنصار، وهذا وسام شرفٍ كبيرٍ وعظيم.
ونحن نلحظ- كما قلنا- أهمية هذه المناسبة:
-
في الجوانب التوعوية، والتثقيفية، والتعليمية.
-
وفي ترسيخ العلاقة مع رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”.
-
وفي التزود منها، لمواجهة كل التحديات والصعوبات، ومن ضمنها العدوان الجائر، الذي اجتمع فيه الكافرون والمنافقون، وتحالفوا على شعبنا اليمني، كما تحالف الأحزاب في الحرب على رسول الله في غزوة الأحزاب.
-
شعبنا يستفيد من هذه المناسبة أيضاً في التصدي لكل مساعي الأعداء المسيئة إلى رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”.
ونحن لاحظنا في العام الماضي، بعد أن أتت التصريحات المشينة والمخزية، واللا إنسانية، من الرئيس الفرنسي، ومن بعض الفرنسيين، ومن الإعلام الفرنسي، ومن بعض الأوروبيين، ومن بعض الأمريكيين، الذين تتكرر منهم الإساءات إلى الرسول “صلوات الله عليه وعلى آله”، والإسرائيليون الصهاينة كذلك، الذين تتكرر منهم دائماً الإساءات إلى النبي “صلوات الله عليه وعلى آله”، كيف كان صدى الاحتفال الكبير في العام الماضي على مستوى بلدنا اليمن، وعلى مستوى مناطق كثيرة في العالم الإسلامي، كيف كان صدى ذلك الخروج الجماهيري الغاضب، الغاضب من أجل الله، من أجل رسول الله، من أجل الإسلام، على أولئك الكافرين، المجرمين، السيئين، المنحطين، الذين يسيئون إلى رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله، إلى درجة أن الإعلام الإسرائيلي، والإعلام الأمريكي، والإعلام الأوروبي، اعترف أن ذلك التوقيت المتزامن مع مناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف، بتوجيه الإساءات إلى رسول الله، كان توقيتاً فاشلاً، وخاطئاً، وتسبب بأن يكون مستوى التفاعل بهذه المناسبة كبيراً، وهذا أقلق الأعداء وأغاضهم، عندما كان التفاعل في العالم الإسلامي، بما في ذلك في اليمن، وركز الإعلام الإسرائيلي على مستوى إحياء مناسبة ذكرى المولد النبوي في اليمن، ركز على هذه النقطة، منزعجاً من ذلك، منزعجاً من ذلك.
إذا كان احتفالنا بهذه المناسبة يزعج اليهود الصهاينة، يزعج أعداء الإسلام، الذين يكررون الإساءات إلى رسول الله، وفي نفس الوقت نعبر فيه عن هويتنا الإيمانية، عن تعظيمنا لرسول الله، عن محبتنا لرسول الله، نقدم في خلاله الأنشطة والفعاليات ما يعزز من علاقتنا الإيمانية برسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، لتكون ثمرتها في واقع العمل اقتداءً برسول الله، واتباعاً لرسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، ألا يجدر بنا أن نهتم أكثر وأكثر؟ بلى.
وطبعاً شعبنا العزيز، الذي يحمل في قلوب أبنائه المحبة لرسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، لا يحتاج إلى تعب، ولا يحتاج إلى عناء، لدفعه للاهتمام بهذه المناسبة، بالقلوب الممتلئة حباً لرسول الله، وتعظيماً لرسول الله، بالمشاعر التي حملها الآباء والأجداد الأنصار، يوم رحبوا برسول الله قادماً إليهم، وآووه ونصروه، هذه المشاعر موجودةٌ في زمننا، في عصرنا، في مرحلتنا، في قلوب أبناء شعبنا، وتظهر هذه المشاعر جليةً في مستوى التفاعل والاحتفاء، المعبر عن المحبة الصادقة، وعن التفاعل الصادق، الذي ينطلق بكل رغبة.
تأتي أحياناً من جانب الأعداء بعض التشكيكات، عن مستوى الحضور الجماهيري الواسع في هذه المناسبة، فيقولون: هذا نتيجة إغراءات، أو نتيجة تخويف وضغوط، هم أغبياء، هم بعد لم يعرفوا شعب اليمن، لم يعرفوا يمن الإيمان، لم يعرفوا مستوى الانتماء الإيماني الراسخ لهذا الشعب المبارك، لهذا الشعب العظيم، لم يستوعبوا بعد ما يعنيه قول رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”: ((الإيمان يمان، والحكمة يمانية))، لم يستوعبوا كل هذا.
شعبنا العزيز، ومن واقع معرفتي بهذا الشعب، وإيماني بهذا الشعب، وثقتي بهذا الشعب، ووعي هذا الشعب، وإيمان هذا الشعب، سيتصدر إحياء هذه المناسبة قبل كل الشعوب، وأكثر من أي شعبٍ آخر، أنا أثق كثيراً بأنه- كما في الأعوام الماضية- في هذا العام كذلك وبإذن الله، وبتوفيق الله لهذا الشعب، وبالبركات العظيمة لرسول الله، والانتماء لهذا الدين العظيم، الراسخة في وجدان هذا الشعب، أثق أن شعبنا في هذا العام- كما في كل عام- سيتصدر بحضوره المهيب، والكبير، والعظيم، الساحات، أكثر من أي شعبٍ آخر، هذا شعب الأنصار، شعب المحبة لرسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”.
ولذلك خلال هذه الفترة تستمر الأنشطة، الفعاليات، المحاضرات، الأنشطة التعبوية بمختلف أنواعها، التحضيرات بمختلف أنواعها، الشعب هو متفاعل من الأساس.
الذي نود أيضاً أن نحذر منه وأن ننبه عليه: أنه من الممنوع أي جباية مالية إجبارية للمناسبة، نحن لا نسمح بذلك أبداً، لا يحتاج أبناء هذا الشعب إلى إجبار على أن يتعاونوا في الاهتمام بهذه المناسبة، الكثير منهم بكل محبة، بكل شوق، بكل لهفة، سيتعاونون من ذات أنفسهم، وبطيبة أنفسهم، لن يحتاج أحدٌ إلى إجبار، الذي سيحتاج إلى إجبار لا خير فيه، لا حاجة إلى ما يقدمه أصلاً، فنحن لا نسمح بأي جباية إجبارية، وإذا أحد تعرض لضغوط، على تعاون من أجل هذه المناسبة، بإمكانه أن يبلغ عبر الأرقام التي وزعت للشكاوى، وعبر كل الجهات والقنوات التي هي مخصصة للشكاوى، نحن لا نسمح بأي جباية إجبارية، شعبنا معطاء، كريم، سخي، بذول، منفق، مضحٍ، وسيقدم بكل طيب خاطر ما يموِّل به تفاعله مع هذه المناسبة، وإحياء هذه المناسبة.
أيضاً شعبنا لن يلتفت إلى المشككين والمثبطين من المنافقين، والذين يسيرون في دربهم، الذين يثبطون عن الحضور الفاعل والحاشد والمهيب والعظيم في الفعاليات المتعلقة بهذه المناسبة، وبالذات الفعالية الرئيسية في الثاني عشر منه.
من الطبيعي أن يتحرك التيار الوهابي التكفيري في التثبيط عن هذه المناسبة؛ لأنه يجعل مجرد التعظيم لرسول الله شركاً، ولا يقبل حتى مفردة (تعظيم)، الله قال في القرآن الكريم: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}[الحج: الآية32]؛ أما الوهابي فيعتبرها من الشرك، الله يعتبرها من تقوى القلوب، وهم يعتبرونها من الشرك، عندهم نظرة أخرى، وفهم خاطئ، وانحراف وضلال معروف، لن يلتفت إليهم شعبنا، ولا إلى الذين يعادون هذه المناسبة، يثبطون عنها، يخذلون عنها، يغتاظون من الحضور الواسع فيها، شعبنا لن يلتفت إلى ذلك، هو على درجة عالية من الوعي، وموضوع رسول الله خط أحمر عند شعبنا، ما بش مجال من يأتي ليحاول أن يثبط، أو يخذِّل، هو يفضح نفسه بنفسه، هو يفضح نفسه بنفسه.
إن شاء الله تستمر الأنشطة والفعاليات المفيدة والمثمرة، وكل مظاهر الابتهاج والفرح والسرور بهذه المناسبة، وفي مقدمتها، ومن أهمها، ومما نؤكد عليه بكل تأكيد:
-
العناية بالجانب الخيري والإغاثي والإنساني، الاهتمام بالفقراء.
هذه الأيام المباركة من ضمن ما نتقرب به إلى الله، وإلى روح رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، أن نقدم كل ما نستطيع أن نقدمه للفقراء من الإحسان والإغاثة، والاهتمام بهم، حتى يكون أيضاً هناك تميز حتى فيما يتعلق بهذا الجانب.
على مستوى كل أسرة تستطيع أن تقدم أي شيءٍ تقدمه للفقراء، ويكون تحت هذا العنوان: تقرباً إلى الله، وإحساناً وتبركاً بهذه المناسبة المباركة، إلى روح رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله”، وبركة مناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف.
أيضاً كل أنواع البر:
-
تواصل بين الأرحام.
-
صلاح ذات البين.
-
الإحسان بشكلٍ عام.
أن تظهر قيم هذه المناسبة في واقعنا العام بكل أشكاله، وفي كل مجالاته.
-
وأيضاً على مستوى الاهتمام المستمر برفد الجبهات، مسيرة رسول الله “صلوات الله عليه وعلى آله” هي مسيرة جهاد، الله “جلَّ شأنه” قال في القرآن الكريم: {لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[التوبة: الآية88].