نص خطاب السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي في ذكرى المولد النبوي الشريف 1443هـ – 2021
حياكم الله، أرحب بكم جميعاً.
نفسي لكم الفداء، يا أحفاد الأنصار، ويا يمن الإيمان.
احتفالكم هذا اليوم على هذا النحو المنقطع النظير، من الشواهد الجلية للحديث النبوي الشريف: ((الإيمان يمان، والحكمة يمانية)).
أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَدُ أن لا إلهَ إلَّا الله الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُهُ ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــدٍ، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللَّهُم برِضَاك عن أَصْحَابِهِ الأخيارِ المنتجبين، وعن سائرِ عِبَادِك الصالحين.
أيُّها الإِخْوَةُ والأخوات، الحاضرون في كل ساحات الاحتفال، يا أحفاد الأنصار، ويا يمن الإيمان، ويا جماهير الإسلام:
ونبارك لكم، ولكل أبناء شعبنا وأمتنا الإسلامية، بهذه المناسبة الدينية المباركة: ذكرى مولد خاتم الأنبياء، رسول الله، محمد بن عبد الله “صلى الله عليه وعلى آله وسلم”، الذي كان مولده مولداً للنور، ومَقْدَمُهُ رحمةً من الله للعالمين، وخلاصاً للبشرية من ظلمات الجاهلية.
اليوم- وكما في الأعوام الماضية- يحتفل شعبنا العزيز بهذه المناسبة المقدَّسة، بكل محبةٍ، وإعزازٍ، وتقديسٍ، وتعظيم، وتوقيرٍ لخاتم أنبياء الله؛ عرفاناً بالنعمة، وشكراً لله، واحتفاءً برسول الله، وتأكيداً متجدداً للولاء، وتصدياً لكل المحاولات الشيطانية، الهادفة إلى الاستنقاص من مكانته في القلوب، وفصل الأمة عن اتِّباعه والاقتداء به.
كما أنَّ شعبنا المسلم العزيز جعل من هذه المناسبة موسماً تربوياً وثقافياً، وتنويرياً وخيرياً، حافلاً بالأنشطة المكثفة، التي تعزز حالة الوصل مع رسالة الله “سبحانه وتعالى”:
على مستوى البصيرة والوعي والنور.
وعلى مستوى الزكاء والتربية، وتقويم السلوك.
وعلى مستوى العطاء والتضحية والثبات، وإحياء الشعور بالمسؤولية.
مستلهماً من سيرة رسول الله “صلى الله عليه وعلى آله وسلم”، ومستنيراً من هديه، ومن واقع الوعي بما يعنيه الإيمان به، وبرسالته، من: اقتداءٍ، واهتداءٍ، واتِّباع، في إطار التوجه العملي لشعبنا العزيز للتحرر من هيمنة الطاغوت والاستكبار، وتحقيق الاستقلال، على أساسٍ من هويته الإيمانية، وانتمائه للإسلام؛ باعتبار ذلك من أهم ثمرات مبدأ التوحيد، والإيمان برسل الله وكتبه، الذي هو العنوان الأول لأركان الإسلام، وتعبِّر عنه الشهادتان: (أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنَّ محمداً رسول الله)؛ وباعتبار ذلك الأساس الذي يُبنى عليه الإتِّباع الحقيقي، والاقتداء الصادق برسول الله “صلى الله عليه وآله”، اقتداءً واتِّباعاً في المبادئ الكبرى، والمواقف المهمة، والالتزامات العملية، في كبير الأمور وصغيرها، وفي الولاء والعطاء، وتحمل المسؤولية، وفي التضحية والثبات والصبر.
وفي هذه المناسبة المباركة، نتذكر ما ينبغي أن نتذكره وأن نستحضره من المفاهيم الأساسية، المتعلِّقة بالرسالة الإلهية:
نبي الله عيسى “عليه السلام” كان آخر الأنبياء من بني إسرائيل، وسعى لتقويم الاعوجاج، وتصحيح الانحراف، وإعادة المنتمين إلى الدين الإلهي إلى الصراط المستقيم، وإلى نشر الرسالة الإلهية، وتوسيع دائرة النور الإلهي في أوساط المجتمع البشري، وكان من أبرز العناوين في رسالته: البشارة بخاتم الأنبياء، وسيِّد المرسلين، ورحمة الله للعالمين، رسول الله محمد “صلى الله عليه وآله”، كما قال الله “سبحانه وتعالى” في القرآن الكريم: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ}[الصف: الآية6].
وما بين بعثة نبي عيسى “عليه السلام”، وعلى مدى قرونٍ طويلة، إلى بعثة رسول الله، وخاتم أنبيائه محمد “صلى الله عليه وعلى آله وسلم”، كان المنحرفون، من الجاحدين المكذِّبين بالرسل والأنبياء والرسالة الإلهية، والمحرِّفون لمفاهيم الدين، والمهملون لتعليماته، من المنتمين لها، قد طمسوا معالم الرسالة، وانحرفوا بالناس عن القيم الفطرية، ونشروا الخرافات، والأباطيل الظلامية، وجعلوا منها معتقداتٍ وثقافات، وملأوا الدنيا بظلمهم وظلماتهم، حتى تحوَّل الواقع البشري إلى الجاهلية الجهلاء، وتفاقمت المعاناة، وتراكمت المشاكل، وساءت ظروف الحياة، وملأوا الدنيا ظلماً وجوراً، وأصبح الناس في أمسِّ الحاجة إلى الإنقاذ من ذلك الوضع الكارثي.
وفي نفس الوقت كانت المؤشرات، والإرهاصات، والبشارات، تهيِّئ الساحة لقدوم التغيير الكبير، وقرب الخلاص والفرج، وقدوم الرحمة الإلهية.
ولد رسول الله محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، يمتد نسبه إلى نبي الله إسماعيل، ابن نبي الله وخليله إبراهيم “عليهما السلام”، بمكة المكرمة، في عام الفيل، العام الذي أهلك الله فيه الجيش الموالي للروم، الذي اتجه غازياً لمكة، بهدف تدمير الكعبة، ووأد المشروع الإلهي، في وقتٍ ظهرت فيه الدلائل والمؤشرات على قرب قدوم منقذ البشرية، ومحطم الطاغوت، خاتم الأنبياء، وكانت الآية العجيبة، التي هي من أكبر الإرهاصات، عندما أرسل الله طير الأبابيل، {تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ}[الفيل: 4-5]، وأهلك الله ذلك الجيش بكله، ولم يكن ذلك حدثاً عادياً، بل لربما كان أبرز حدثٍ من بعد نبي الله عيسى “عليه السلام”، وكان له أثره الكبير في تعزيز مكانة ودور الكعبة المشرفة، ومكة المكرمة، كمركزٍ دينيٍ مقدس، والتهيئة للرسالة الإلهية، التي سيكون مهدها الأول، وموطنها في المنطلق، هو مكة.
كما حدثت متغيراتٌ كونيةٌ كبرى، مقترنةً بقدومه الميمون، ومولده المبارك، وكان من أبرزها: منع الجن والشياطين من استراق السمع في السماء، ورميهم بالشهب، كما ذكره الله في الآية المباركة: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا}[الجن: الآية8].
وقد نشأ رسول الله “صلى الله عليه وآله” نشأةً مباركةً طيبة، وآواه الله تعالى برعاية جده عبد المطلب، ثم عمه أبي طالب، فجبر يتمه، وحظي بالإعداد الخاص من الله تعالى؛ لمهمته المقدسة، ومسؤوليته الكبرى، فلم يتندس بدنس الجاهلية، ولم يتأثر بالجو العام السائد في مكة، بل كان ينمو ويكبر في سموٍ وزكاءٍ وكمالٍ أخلاقيٍ عظيم، ورشدٍ فكريٍ، وحكمةٍ متميزة.
وفي الأربعين من عمره الشريف بعثه الله بالرسالة إلى العالمين، وأمره بالتبليغ بشيراً ونذيراً، {وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا}[الأحزاب: الآية46]، وهادياً ومنقذاً، وأنزل عليه القرآن، الذكر الحكيم، والنور المبين، والصراط المستقيم، والمعجزة الخالدة، مواكباً لحركته بالرسالة، ومنهجاً عملياً يتبعه، ويسعى به لإخراج الناس من الظلمات، كما قال الله تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}[إبراهيم: من الآية1].
فنهض “صلوات الله عليه وعلى آله” بأمر الله تعالى، وفق تعليمات الله، متوكلاً على الله، وبدأ مشواره في تبليغ رسالة الله، وإقامة دينه، وإنقاذ عباده، من نقطة الصفر، حيث كانت بداية عمله في تكوين النواة الأولى للأمة المسلمة، ثم توسعت دائرة الدعوة في مكة، وفي مواسم الحج، مع الحجاج الوافدين من مختلف أرجاء المناطق والقبائل العربية، التي كانت تحج إلى بيت الله الحرام.
وقد امتازت الرسالة الإلهية بكل عناصر الجاذبية والجمال والتأثير:
فهي في مضمونها راقيةٌ، ومنسجمةٌ مع الفطرة، وترتكز على مكارم الأخلاق، وعلى الحق والعدل، وتستند إلى الحجة والبرهان.
وهي كذلك تمتلك المعجزة الخارقة العجيبة: القرآن الكريم، الذي قال الله عنه: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا}[الإسراء: الآية88].
إضافةً إلى أنها تقدم الحلول للمشاكل التي يعاني منها المجتمع، وتصلح الواقع.
كما أن الذي يتحرك بهذه الرسالة، مبلغاً، وقائداً، وقدوةً، هو رسول الله “صلى الله عليه وآله”، بما يمتاز به من مؤهلاتٍ راقيةٍ وعظيمة، بلغ بها أعلى مراتب الكمال الإنساني:
فهو في سلوكه، وتعامله، وتصرفاته، وأعماله، يجسد مكارم الأخلاق، وبلغ في ذلك إلى مستوى العظمة، كما قال الله “سبحانه وتعالى”: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}[القلم: الآية4].
وهو في رشده، ووعيه، وفهمه، ومعارفه، وتعليماته، وحكمته، وبيانه، من بلغ أعلى المراتب في أنبياء الله ورسله، فكان كما وصفه الله “سبحانه وتعالى” بقوله في القرآن الكريم: {وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا}[الأحزاب: الآية46]، فقوله تعالى: {وَسِرَاجًا مُنِيرًا} هو أرقى تعبير، يبين لنا مستوى ما كان عليه رسول الله “صلى الله عليه وآله” من الهداية والنور.
وهو الذي اتصل بالوحي الإلهي بشكلٍ مباشر، فكل معارفه وعلومه من الله تعالى، لا تشوبها أي شائبةٍ من ضلالٍ، أو خرافةٍ، أو باطل، بل كما قال الله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}[النجم: 3-4].
ثم هو في حرصه العجيب على هداية الناس، واهتمامه الكبير بإنقاذهم من الضلال، من بلغ إلى درجةٍ عجيبةٍ في ذلك، فكان يتألم أشد الألم لحالهم، إلى المستوى الذي عبَّر عنه القرآن الكريم في قول الله تعالى: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}[الشعراء: الآية3]، فيما يعنيه ذلك أنه يكاد أن يهلك نفسه حزناً عليهم.
وهو في قدرته البيانية، ومستوى التقديم للهدى، ومواهبه في الإقناع، والتأثير إلى درجة الإقناع بالحق، ومصداقيته المعروفة، من كان يصل بالمتعنتين الجاحدين إلى مستوى الإقرار بالحق في قرارة أنفسهم، حتى ولو جحدوا بألسنتهم، كما قال الله تعالى: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ}[الأنعام: الآية33].
وهو في حكمته، وطريقته في العمل، والتزامه بتعليمات الله له في ذلك، من قال الله عنه: {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا}[النساء: من الآية113].
ومع ما كان يبين لهم عن عظمة هذا الهدى، وأنه يحظى بتأييد الله تعالى، وأنه سيظهره على الدين كله، وأن المجتمع الذي يتحرك على أساسه سيحظى بالشرف الكبير، كما قال تعالى: {لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}[الأنبياء: الآية10]، مع كل ذلك كانت ردة الفعل من الملأ المستكبر ومن اتبعهم من أغلبية المجتمع في مكة سلبية، فكفروا، وكذبوا، واستكبروا، واتجهوا للصد والمحاربة للإسلام والرسالة الإلهية، بكل الوسائل والأساليب:
وفي مقدمتها الدعايات الكاذبة.
والاتهامات الباطلة.
والاستهداف للذين يسلمون بمختلف أساليب الضغوط.
والتعذيب للمستضعفين منهم.
وفي تلك المرحلة، ما قبل الهجرة النبوية، أسرى الله بعبده ورسوله محمد “صلوات الله عليه وعلى آله”، من المسجد الحرام، إلى المسجد الأقصى، في رحلةٍ ليليةٍ عجيبة، أراه الله فيها من الآيات العجيبة، إضافةً إلى ما حملته تلك الرحلة المعجزة من دلالاتٍ وإشارات، تضمنتها الآيات المباركة في سورة الإسراء، وكشفت عن مستقبل الصراع بين المسلمين، وأعدائهم من الصهاينة الإسرائيليين، وعن الدور التخريبي المفسد، الذي يقومون به في الأرض، وبعتوٍ وعلوٍ وإجرام، وعن عاقبتهم الوخيمة المحتومة، وتسليط الله عليهم من عباده أولي البأس الشديد، من يضع الله على أيديهم الحد لفساد وعتو بني إسرائيل، وكما حدث في الماضي، يتحقق الوعد الإلهي في المرة الآخرة.
وقد تجلى في عصرنا ما كشفه القرآن، وأخبر عنه في سورة الإسراء، من فسادهم، وظلمهم، واستكبارهم، وسيتحقق بلا ريبٍ ما وعد الله به من التسليط عليهم، ونهاية ما هم فيه من العلو والاستكبار: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا}[المعارج: 6-7].
وفي مكة في موسم الحج، عرض النبي “صلى الله عليه وآله” فرصة الفوز بشرف وفضل الإيواء والنصرة، والاحتضان للإسلام والرسالة الإلهية، على نحو ثلاثين قبيلة من قبائل العرب، لكنها رفضت، والبعض اشترطوا شروطاً لا يمكن القبول بها؛ بينما حظي بهذا الشرف الكبير، والفضل العظيم: الأوس والخزرج اليمانيون، القاطنون في يثرب، فهاجر رسول الله “صلى الله عليه وآله وسلم” إليهم، وأصبح بلدهم موطناً تكوَّن فيه المجتمع المسلم من المهاجرين والأنصار، وبدأت مرحلةٌ جديدة من التمكين للرسالة الإلهية، ودين الله الحق، وبناء أمةٍ قوية، تتمكن من العمل بمنهج الله تعالى، وتتصدى لكل محاولات الأعداء الرامية إلى منع ذلك، وتقدِّم النموذج في الواقع، الذي يتجلى من خلاله عظمة الإسلام، وصلاح الحياة به، وأثره العظيم في الإنسان.
لكن كيانات الطاغوت والكفر، من مشركي العرب، ومن اليهود، ومن النصارى، لم يرق لهم ذلك، واتجهوا لمحاربة الإسلام عسكرياً، وكانت البداية من قريش، الذين لم يكفهم ما فعلوه على مدى ثلاثة عشر عاماً من الصدِّ عن سبيل الله، ومحاربة الإسلام في مكة بالدعاية، والتعذيب، والترهيب، ومحاولة قتل رسول الله “صلى الله عليه وآله”، فبدأوا بإعداد العدة لشن الحرب العسكرية، والتحضير لهجومٍ عسكري، يستهدف الرسول “صلى الله عليه وآله” إلى المدينة المنوَّرة، وبتحريضٍ لهم، وتشجيعٍ لهم من قِبَل اليهود، فنزل قول الله تبارك وتعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}[الحج: 39-40]، فكان الجهاد في سبيل الله تعالى هو الطريقة المعتمدة، لدفع الأشرار، الطغاة، المعتدين، المجرمين، الذين يسعون إلى الحيلولة دون تحرر الأمة، وإلى منع المسلمين من الاستقلال، على أساسٍ من دينهم، وإيمانهم، وقيمهم، ومبادئهم.
وأتى الأمر من الله تبارك وتعالى إلى نبيه “صلى الله عليه وآله” بالتحرك، ورفع راية الجهاد، كما قال تبارك وتعالى: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (5) يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ}[الأنفال:5-6]، فكانت غزواته والسرايا العسكرية، التي يبعثها في المهمات القتالية، قرابة ثمانين غزوةٍ وسرية، تصدى بها لمختلف الجهات المعادية للإسلام، والمتآمرة المحاربة للمسلمين، من مشركي العرب، ومن اليهود، ومن النصارى.
ولم يتوان “صلى الله عليه وآله” عن مواصلة الجهاد، والتصدي للأعداء، ودفع شرهم وفسادهم، حتى حطَّم كيان الطاغوت، وثبَّت دعائم الإسلام، وأحقَّ الله بجهاده، وجهوده، ومساعيه العظيمة، الحق، وأزهق الباطل، وتصدى لكل التحديات، متوكلاً على الله تعالى، واثقاً بنصره، مقدِّماً التضحيات، وصابراً على كل أنواع المعاناة، ومثابراً، لا يكل ولا يمل، يتلقى من الله تعالى التوجيهات، فلا يتردد في التحرك، حتى لو تردد البعض من حوله، بالرغم مما واجهه من صعوباتٍ ومخاطر، لا تقتصر فقط على مؤامرات ومكائد الكافرين بمختلف فئاتهم: من المشركين العرب، ومن اليهود والنصارى، الذين بذلوا كل جهدهم، وتحركوا بكل إمكانياتهم لمحاربة الإسلام والمسلمين؛ وإنما التحديات أيضاً والعوائق، التي كانت تواجهه في داخل الساحة الإسلامية، حيث كان المنافقون والذين في قلوبهم مرض، بالرغم من انتمائهم للإسلام، يتحركون بين أوساط المسلمين؛ لتثبيطهم عن الجهاد في سبيل الله، ويستخدمون كل الأساليب:
من التشكيك في الموقف.
ومن الإرجاف والتهويل.
ومن الإثارة للعوائق، والمشاكل الداخلية، وإثارة الفتنة.
مع ما كانوا يقومون به من الدخول في علاقاتٍ وروابط مع أعداء الإسلام، وتنسيقٍ معهم، وكانوا يكثفون نشاطهم التخريبي أكثر عند كل مستجدٍ مهمٍ من الأحداث، وكان البعض- للأسف الشديد- من المسلمين، من ناقصي الوعي، وضعاف الإيمان، يتأثرون بدعاياتهم، وينخدعون بأساليبهم، كما قال الله “سبحانه وتعالى”: {وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ}[التوبة: من الآية47].
كانوا يعتبرون الجهاد مع رسول الله “صلى الله عليه وآله” فتنةً، لا يريدون الاشتراك فيها بزعمهم، كما قال الله تعالى عنهم: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا}[التوبة: من الآية49].
وكانوا يعتبرونه مغامرةً فاشلة، كما قال الله تعالى عنهم: {إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ}[الأنفال: من الآية49].
وكانوا يثبِّطون المجتمع عن الإنفاق في سبيل الله، كما قال الله عنهم: {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ}[المنافقون: الآية7].
وكانوا يثبِّطون تحت كل العناوين، حتى في أصعب الظروف، وأخطر المراحل، والأعداء يحاولون اقتحام المدينة، واستئصال المسلمين، كانوا يقولون كما حكى الله عنهم: {يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا}[الأحزاب: من الآية13]. وفي أوقات النفير العام يثبِّطون حتى باستغلال المناخ الصعب، كما قال الله عنهم: {وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ}[التوبة: من الآية81].
وكانوا يتربصون برسول الله وبالمؤمنين، ويفرحون عند أي نكبةٍ، أو إخفاقٍ، أو معاناةٍ تحصل للمؤمنين، ويستاؤون عند أي نصرٍ، أو نجاحٍ، يتحقق لرسول الله “صلى الله عليه وآله” وللمؤمنين، كما قال الله تعالى يكشف حالهم في ذلك: {إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ}[التوبة: الآية50]، ويحمِّلون رسول الله “صلى الله عليه وآله” المسؤولية فيما يحصل عليهم، كما قال الله تعالى: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ}[النساء: من الآية78].
وقد رضوا لأنفسهم ما هم عليه من التخاذل والقعود، بالرغم مما يواجه المسلمين من أخطار، تستوجب التحرك الجاد، والوقوف بوجه الأعداء، والتصدي لهم، إن لم يكن بدافع الإيمان، فبدافع درء خطر الأعداء، كما قال الله تعالى: {وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا}[آل عمران: من الآية167]، فكانوا يتهرَّبون من ذلك، ويتنصَّلون عن المسؤولية، فوبَّخهم الله تعالى في آياتٍ كثيرة، منها قوله تعالى: {رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ}[التوبة: الآية87]، وقال تعالى: {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}[التوبة: من الآية81].
لكنَّ رسول الله “صلى الله عليه وآله”، والذين آمنوا معه، واستجابوا له، كانوا يتحركون، بكل جدٍ، واهتمامٍ، وإخلاص، للجهاد في سبيل الله تعالى، كما قال الله تعالى: {لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[التوبة: الآية88].
وأصبح الجهاد في سبيل الله تعالى، والموقف من أعداء الإسلام والمسلمين، علامة اختبار، تبيِّن مصداقية الانتماء، كما قال الله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}[التوبة: الآية16].
كما حسم الله في آياته المسألة، وبيَّن: أنه لن يقبل من المنتمين للإسلام ذلك المسلك، الذي يدفع إليه المنافقون، في الانتماء الشكلي، الذي يقتصر على بعض العبادات والشعائر، مع نبذ الجهاد، والتخلي عن قضايا الأمة، والرضى بالقعود والتخاذل، والتنصل عن المسؤولية في دفع الشر والفساد، فقال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}[آل عمران: الآية142].
لقد كان أهم وأعظم دورٍ للجهاد في سبيل الله تعالى، والتصدي للتحديات والأخطار التي استهدفت المسلمين، هو: دور رسول الله “صلى الله عليه وآله”، الذي خاطبه الله بقوله تعالى: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا}[النساء: الآية84]، وخاطبه بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}[التوبة: الآية73]، وخاطبه بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ}[الأنفال: من الآية65].
فكان “صلى الله عليه وآله” يكثِّف نشاطه لتعبئة الأمة، ورفع روحها المعنوية، وتذكيرها بالمسؤولية، وتحريضها للجهاد، ويشرف على مهماتها الجهادية، يأمر، ويوجِّه، ويحرِّك، ويتابع، ويدير، ويبعث السرايا العسكرية، ويتابع تحركات الأعداء، ويبعث العيون والطلائع، دون غفلةٍ، ولا كللٍ، ولا مللٍ، ولا توانٍ.
وأتى في القرآن الكريم التذكير للمسلمين بقبح وسوء تقصيرهم، وتخاذلهم عن الجهاد في سبيل الله، والتصدي للأعداء، فيما القدوة والأسوة رسول الله “صلى الله عليه وآله” هو أعظم الأنبياء جهاداً في سبيل الله، وأعظم البشر منزلةً عند الله، فقال الله تعالى: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ}[التوبة: من الآية120]، وقال تعالى في سورة الأحزاب: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}[الأحزاب: الآية21].
وهكذا كانت مسيرة رسول الله “صلى الله عليه وآله”، مسيرة هدايةٍ، وتزكيةٍ، ورحمةٍ، وجهاد، حتى منَّ الله تعالى بالفتح المبين، والنصر العزيز، وأنقذ الله به عباده، وحطم كيانات الطاغوت، وهي مسيرة الإسلام يا أمة الإسلام، ولم يكن المتخاذلون، القاعدون، المثبطون، والمتنصلون عن المسؤولية، والأذلة على الكافرين، لم يكونوا أبداً هم الذين يمثِّلون حالة الطاعة والاستقامة في المجتمع الإسلامي، ولا من أثنى الله على جمودهم، وقعودهم، وتخاذلهم، في القرآن الكريم.
إنَّ تقديم الكافرين والمنافقين لعنوان الإبراهيمية، لتحالفاتهم الشيطانية، وتسميتهم لاتفاق الخيانة، والعمالة، والتطبيع، باتفاق [ابراهام]، هو- بحد ذاته- اساءةٌ كبيرةٌ إلى نبي الله وخليله إبراهيم “عليه السلام”، الذي هو رمزٌ للبراءة من أعداء الله، وأعداء الإنسانية، وهو محطِّم الأصنام، والمتصدي للطاغوت، وهو رمز الثبات على الحق في الظروف العصيبة، يوم رُمِي به لإحراقه في نار النمرود.
إنَّ الأولى بإبراهيم، ونهج إبراهيم، وملة إبراهيم، والوارث لكل أنبياء الله، هو: رسول الله محمد “صلى الله عليه وآله”، كما قال الله تعالى في القرآن الكريم: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67) إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ}[آل عمران: 67-68].
إنَّ قوى الطاغوت والجاهلية- في ماضيها وحاضرها- جرَّت المشاكل على المجتمع البشري، من خلال الانحراف به عن الرسالة الإلهية في شؤون حياته، واستبدالها ببدائل ظلاميةٍ ومفسدة:
وعلى المستوى الاجتماعي:
نشروا الفساد، والفواحش، والرذائل، وضربوا زكاء النفوس.
وقوَّضوا مكارم الأخلاق، والعفة، والطهارة، والشرف.
واستهدفوا اللبنة الأساسية للمجتمع، وهي: الأسرة؛ لتفكيكها.
وسعوا إلى التفريق بين المجتمع البشري؛ لتحويل المرأة إلى كيانٍ منفصلٍ عن الأسرة.
وينشرون الجرائم، ويروِّجون لها، ولكل ما يساعد على انتشارها، كالخمور والمخدرات.
إضافةً إلى مؤامراتهم الشيطانية الخبيثة في تشويه الإسلام، من خلال عملائهم التكفيريين، المجرمين السفاحين، الذين يقدِّمون بممارساتهم الإجرامية، والقتل الجماعي للأبرياء المسلمين في المساجد وغيرها، أبشع صورةٍ مشوِّهةٍ وهمجيةٍ تُحسب زوراً على الإسلام.
إضافةً إلى سعيهم المستمر لنشر الفرقة والكراهية والبغضاء بين المسلمين.
إننا في هذه المناسبة المباركة، وفي هذا المقام، وانطلاقاً من المبادئ والقيم الرسالية، نؤكد على التالي:
أولاً: على ثباتنا على موقفنا المبدئي الديني تجاه قضايا الأمة، وفي مقدمتها الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني في مظلوميته الواضحة، وحقه المشروع في الحرية والاستقلال، واستعادة كامل أراضيه، واستعادة المقدسات، وعلى رأسها المسجد الأقصى الشريف.
كما نؤكد في هذا السياق- ما أعلناه سابقاً- من أننا جزءٌ من المعادلة التاريخية، التي أعلنها سماحة الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله “حفظه الله”، في أن التهديد والخطر على القدس يعني حرباً إقليميه.
كما نؤكد تضماننا مع كل أبناء أمتنا المظلومين في العالم العربي والإسلامي، وكافة أنحاء المعمورة، ونعتز بإخوتنا الإسلامية مع أحرار الأمة، ومحور الجهاد والمقاومة.
ثانياً: أدعو شعبنا العزيز، يمن الإيمان، وأحفاد الأنصار، إلى مواصلة الجهود في التصدي للعدوان الأمريكي السعودي الغاشم، الذي يواصل وللعام السابع ارتكاب أبشع الجرائم بحق أبناء شعبنا، ويواصل الحصار الظالم، والاستهداف الشامل، والاحتلال لمناطق واسعة؛ بهدف الاستعباد لشعبنا، والاحتلال لبلدنا، ومصادرة حريتنا واستقلالنا، مما يتوجب علينا شرعاً التصدي له بكل جدٍ وثبات، حتى يتم دحره، ورفع الحصار، وإنهاء الاحتلال، واحترام سيادة واستقلال بلدنا، ومعالجة ملفات الحرب، المتعلقة بالأسرى، وتعويض الأضرار.
كما نؤكد في هذا المقام، وفي هذا اليوم المبارك، على أن هدفنا في تحقيق الحرية والاستقلال، على أساسٍ من هويتنا الإيمانية، وانتمائنا للإسلام، هو هدفٌ مقدس، يرتكز على مبدئنا في التوحيد لله تعالى، والكفر بالطاغوت، وأن العمل لتحقيق هذا الهدف، والتضحية من أجله، هو جهادٌ مقدسٌ في سبيل الله تعالى، ولن يخضع هذا الهدف للمساومة أبداً، عليه نحيا، وعليه نلقى الله تعالى شهداء، كرماء، أعزاء، بإذن الله، في ميادين البطولة والثبات، وله نرفع راية النصر بإذن الله تعالى.
والعاقبة للمتقين.
أسوتنا، وقدوتنا، وقائدنا، ومرشدنا، ومعلمنا، وهادينا، هو رسول الله “صلى الله عليه وآله”، قال الله تبارك وتعالى: {لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (88) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[التوبة: 88-89] صدق الله العلي العظيم.
أسأل الله “تبارك وتعالى” أن يكتب أجركم، وأن يبارك فيكم، وأن يوفِّقنا وإيَّاكم لما يرضيه عنا، وأن يحشرنا وإيَّاكم في زمرة خاتم أنبيائه، وسيد رسله، محمد بن عبد الله “صلوات الله عليه وعلى آله”.