على إيقاع تقدم الجيش واللجان الشعبية باتجاه أبواب مأرب آخر قلاع التحالف الأمريكي السعودية وذراعهم الإخواني في اليمن تواصل أمريكا استنفارها الدبلوماسي لمنع سقوط ما تبقى من مأوى لأدواتها في اليمن إذ أن تحرير مدينة مأرب ودخول الجيش اللجان المدينة يعتبر نصر كبير للشعب اليمني وهزيمة قاسية ومذلة لأمريكا والنظام السعودي ومرتزقتهم لذا ليس من الغرابة أن تحشد أمريكا كل طاقاتها وتمارس ضغوطا على صنعاء بكل الوسائل السياسية والاقتصادية أملاً في إحداث معجزة تجعل الجيش واللجان يتوقفون عن دخول المدينة التي اكتسبت بعداً استراتيجياً بحكم أنها أصبحت تضم غرفة عمليات قوى العدوان ومنطلق لقيادة عملياتهم العسكرية ووكراً للجماعات التكفيرية التي تمولها وتدربها أمريكا كما أنها أصبحت شبه عاصمة غير رسمية لمايسمى الحكومة الشرعية التي يديرها السفير السعودي آل جابر والأهم من ذلك أنها تعتبر غنية بالنفط والغاز الذي يتم سرقته من قبل أمريكا والنظام السعودي.
لقد بات من الواضح أن مفاتيح مأرب أصبحت بيد الجيش واللجان الشعبية ولم يعد بيد أمريكا سوى المغادرة بخفي حنين فحتى لحظة كتابة هذا الخبر لم يتبق من محافظة مأرب بيد التحالف سوى مديرية واحدة تقريباً من أصل 14 مديرية وبالتالي فإن العدو نفسه أصبح أكثر إيماناً بواقعه المهزوم وبات فقط يبحث عن مخارج مقبولة كان سابقاً يرفضها.
في هذا التقرير سنحاول استعراض مجريات معركة مارب وأبعادها الاستراتيجية على الواقع المحلي والإقليمي:
عدوان كوني ودعم دولي بلا حدود
الحسابات الأمريكية تجاه الثورة اليمنية أثبتت سبع سنوات من الحرب أنها كانت حسابات خاطئة لأن أمريكا أخذت بالحسبان القوة والقدرة المادية وانتشارها العسكري في المنطقة إضافة إلى أفضلية التطور التكنولوجي والمخابراتي وقبل وبعد كل هذا القدرة المالية الضخمة التي تمتلكها دول الخليج وبالذات النظام السعودي الذي تولى كبر هذا العدوان.. ولقد أضافت أمريكا إلى ذلك تحالف دولي عريض منها 17 دولة بينها بريطاني وفرنسا وإسرائيل شاركت فعليا في العدوان الذي دشنته واشنطن ضد الشعب اليمني 26 مارس 2015م بجلباب سعودي إماراتي فيما ساندت أغلب دول العالم العدوان الأمريكي الوحشي الغير مبرر بالصمت والبيانات التي تهاجم الشعب اليمني المظلوم المدافع عن أرضه وعرضه وكرامته كما استخدمت أمريكا الأمم المتحدة لتسويق العدوان والتغطية على الجرائم الوحشية التي طالت حتى الأعراس وصالات العزاء والأسرى وغيرهم..
كل هذه الإمكانيات التي توفرت لأمريكا كانت كفيلة باحتلال عشرات الدول التي تعيش وضعية مشابهة للوضع في اليمن من الناحية المادية والمعيشية وبعض حالات التفكك التي أوجدها الأوصياء على اليمن خلال الفترة الماضية وبالتحديد خلال نظام عفاش.. إذا كان يلجأ لضرب القبائل واشغالها ببعضها البعض ليتنسى له توفير الأرضية الملائمة لتنفيذ المطالب الأمريكية والسعودية..
الشعب اليمني يكسر جموح العدوان الأمريكي السعودي
قد يتبادر إلى أذهاننا سؤال جوهري حول كيف استطاع الشعب اليمني كسر جموح التحالف العدواني الأمريكي البريطاني الصهيوني السعودي الإماراتي والصمود كل هذه السنوات وليس مجرد صمود وحسب بل إنزال أقسى الهزائم بهذا التحالف العدواني ومن المتوقع أن تنتظر أمريكا هزيمة القرن التي تشابه هزيمتها في فيتنام في سبعينيات القرن الماضي؟.
ليس من الصعب الإجابة على هكذا السؤال إذا ما فهمنا التركيبة الاجتماعية والقبلية للشعب اليمني ومعرفة تاريخه فمن المعروف عن الشعب اليمني البأس والأنفة والحمية والغيرة والكرامة وكل القيم الإسلامية العظيمة التي تجذرت مع الزمن لتصبح هوية وعقيدة لهذا الشعب الأبي.. ولقد كان اليمن بمثابة مقبرة حقيقية للغزاة والقادمين من خلف البحار ذلك أن الشعب اليمني يأبى العبودية والإذلال ولا يتردد في العطاء بدمه وماله في سبيل حماية هذه القيم النبيلة..
وقد كانت السنوات الماضية خير برهان على العطاء العظيم والصمود الاسطوري للشعب اليمني والدفع بخيرة رجاله للدفاع عن كرامته وسيادته والسخاء والجود بالأموال اسناداً للميدان فرأينا القوافل من الرجال والمال تتدفق باستمرار على جبهات الشرف والبسالة.
الشي الثاني أنه توفر للشعب اليمني قيادة ربانية حكيمة متمثلة بالسيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي (حفظه الله) الذي استطاع أن يعيد احياء الهوية الإيمانية للشعب اليمني وأن يشدهم إلى حيث ينبغي أن يكونوا فمسألة القيادة مسألة حساسة فعندما يجد الناس من يمثلهم التمثيل الصحيح فمن الطبيعي أن يلتفوا حوله وعلى طول السنوات السبع الماضية وهي عمر العدوان ما فتئ السيد القائد يرفع الهمم ويرسخ الوعي بأهمية خيارمواجهة الغزاة والمعتدين وبث الحماسة والروحية الجهادية بين صفوف الشعب من خلال المحاضرات القرآنية والخطابات في المناسبات والبيانات وغير ذلك كما هو أيضا المخطط الحكيم وصانع الحدث المدروس لمواجهة العدوان في الميدان العسكري وبقية ميادين المواجهة كالجانب الإعلامي والاقتصادي..
ثالثاً: قناعة الشعب اليمني تجاه مخاطر التنصل عن المسؤولية واتاحة الفرصة للغزاة والمعتدين وادواتهم من احتلال بلادهم وأرضهم استفادته من التجارب المحيطة به كما حدث في العراق وافغانستان حيث كان الامريكي يتباهى وهو يهتك أعراض الرجال والنساء امام عدسات الكاميرات وداخل سجون التعذيب..
كل ذلك مكن الشعب اليمني من الصمود والاستبسال ومواصلة التصدي للعدوان حتى كتب الله لهم النصر وأعانهم ووقف إلى جانبهم في مقابل الخسران الكبير لأمريكا وأدواتها..
سقوط دراماتكي
يقال أن الكتاب يعرف من عنوانه وبالتالي فإطلاق قائد الثورة السيد عبد الملك توصيف (النفس الطويل) على معركة التصدي للعدوان كان توصيفا حيكما وذكيا ومعبرا عن الصبر الاستراتيجي والتخطيط المدروس الذي اتبعه الجيش واللجان الشعبية في مهمة وأد أكبر عدوان كوني يشارك فيه أمهر الخبراء وأحدث التقنيات واغنى الدول وقد استطاع النفس الطويل امتصاص الصدمة رغم الهجوم الكبير المتزامن مع قصف جوي وحشي وبلا سقف ووصلت جحافل الغزاة على مشارف العاصمة صنعاء وعلى اطراف محافظة صعدة كما استطاع التحالف تفجير فتن داخلية في حجة وصنعاء وإب فتنة حجور وفتنة عفاش وفتنة ردمان بالبيضاء لكن سرعان ما انقلبت الموازين وتغيرت المعادلات وانتقل الجيش واللجان من مرحلة الدفاع إلى مرحلة الهجوم وتم تحرير كتاف وصولاً لاطراف نجران بعملية اطلق عليها الجيش واللجان عملية (نصر من الله) كما تم تحرير مديرية نهم ومحافظة الجوف والبيضاء بعدة عمليات كبرى وأصبحت المعارك اليوم في أطراف مدينة مأرب بعد أن قارب الجيش واللجان على تطويقها من جميع الاتجاهات..
كما لاقى العدو فشل ذريع في استهدافه للجانب الأمني والاقتصادي وكذلك استهداف في معركة الحرب الناعمة وبات اليوم أمام خيار وحيد هو الاعتراف بالهزيمة..
آخر القلاع تتهاوى وصبي نجد يستنجد بواشنطن
أصبحت اليوم معركة مأرب معركة مصيرية العيون شاخصة إليها والجميع يترقب الأيام القادمة وما ستسفر عنه باستثناء واشنطن والرياض اللتان تعيشان جنون سياسي وهستيريا عسكرية جعلتهم يتخبطون في كل واد وناد فآل سعود يستغيثون بواشنطن وواشنطن تكتفي بلعق الكلمات المهزومة والمنطق المهزوز وتواصل ادانتها للشعب اليمني لأنه مصمم على تحرير كل شبر من أرضيه المحتلة..
أمريكا معتادة على الهزائم العسكرية ومن الغريب أنها رغم قوتها العسكرية لم تنتصر في أي حرب معتبرة بل هزمت على يد الفيتنام بأسلحة بسيطة وبدائية كما هزمت في افغانستان وفي العراق ولبنان والصومال وكوبا وفي كل الدول التي تتدخل فيها وهي في اليمن سترحل قريبا بخفي حنين.. وستترك أدواتها كما تركت من قبلهم.
أما النظام السعودي فكوابيس هزيمته النكراء في اليمن دفعته لافتعال أزمات هنا وهناك كما حدث في لبنان وعلى اتفه الأسباب ومع هذا لم ينتصر حتى في لبنان وما زال الشعب اللبناني يرفض الوصاية السعودية أو الركوع لأوامر صبي نجد..
ثمن النصر
لقد دفع الشعب اليمني ثمناً كبيراً حتى الآن ولكنه في المقابل ليس فيه خسارة إذا قارناه مع ما يمكن أن يحصل لو قبلنا بالوصاية الصهيوأمريكية وأن يبقى اليمن مؤخرة لنفايات آل سعود فما يجري في المنطقة اليوم من مخاضات لا يليق بالشعب اليمني إلا أن يكون في مكانه الصحيح رافع الرأس معلنا البراءة من اليهود وأوليائهم لا شعباً ينقاد بسهولة كما تقاد الأغنام ليكون مطبعاً ذليلا تحت أقدام المجندات الإسرائيليات.
لقد أختار اليمنيون الخيار الصحيح المنسجم مع تاريخهم المشرف ودينهم الحنيف وقيمهم النبيلة في مواجهة الصلف الأمريكي والتعالي السعودي والتصدي لعدوانهم الإجرامي الذي كان أكبر غايته أن نكون عبيداً لا حرية لنا ولا سيادة ولا وطن مستقل.. تنهب ثروتنا وتنتهك كرامتنا وتداس رقابنا نحن نصفق لهم.
إن أعظم وأنبل وأقدس موقف هو لمن وقف في وجه العدوان الأمريكي السعودي وتحرك بكل ما أمكنه لمواجهة هذا بغي المعتدين المجرمين وسجل موقفاً أمام الله وأمام الأجيال القادمة والإسهام في تحقيق النصر العظيم الذي أصبح أقرب من أي وقت مضى بفضل الله القائل: ألا إن نصر الله قريب..