نص المحاضرة الرمضانية الأولى للسيد عبد الملك بدر الدين الحوثي 1443ه الموافق 02-04-2022
أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُهُ ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين والمجاهدين.
أيُّها الإخوة والأخوات
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
في رحاب شهر رمضان المبارك نتوجه إليكم من جديد بالمباركة والتهاني، ونسأل الله “سبحانه وتعالى” أن يوفِّقنا وإيَّاكم في هذا الشهر المبارك الكريم لما يرضيه عنا من صالح الأعمال، وأن يوفِّقنا للتزود بالتقوى من شهر الصيام والتقوى.
شهر رمضان هو من الفرص التي أتاحها الله “سبحانه وتعالى” وما أكثرها التي يهيئ الله للإنسان فيها الظروف الملائمة للتربية الإيمانية، لتزكية النفس، للاهتداء بهدى الله “سبحانه وتعالى”.
أبواب رحمة الله “سبحانه وتعالى” هي مفتوحةٌ في كل وقتٍ وحين، والاستقامة والصلاح والتقوى أمرٌ مطلوبٌ من الإنسان بشكلٍ مستمر، لكن الله “سبحانه وتعالى” يهيِّئ للإنسان الفرص والأجواء المتنوعة على المستوى الزمني، وعلى مستوى الأحداث والمتغيرات، أشياء كثيرة يهيِّئ الله للإنسان من خلالها التذكر، وتمثل عاملاً مساعداً على الاستقامة، وأيضاً فرص كثيرة هيَّأها الله “سبحانه وتعالى” تساعد الإنسان على الارتقاء الإيماني والأخلاقي من جهة، وعلى اكتساب الأجر والثواب، وأن يحظى بالقرب من الله “سبحانه وتعالى”، وأن تتعزز علاقته الإيمانية بالله جلَّ شأنه من جهةٍ أخرى، ويهيِّئ الله للإنسان على المستوى الشخصي، وعلى مستوى المجتمع كمجتمعٍ مسلم، يتجه اتجاهاً إيمانياً وفق هدى الله “سبحانه وتعالى”، أن يحظى من خلال ذلك برعايةٍ واسعةٍ من الله، فيما لذلك من ثمرات ونتائج طيبة وعظيمة في عاجل الدنيا وفي آجل الآخرة.
في شهر رمضان تتهيأ الظروف كمحطةٍ سنويةٍ مع أجواء الصيام وبركاته للصفاء الذهني والنفسي، وللقابلية لهدى الله “سبحانه وتعالى” على نحوٍ متميز، وهي فرصة، فرصةٌ للتذكير، لِنُذكِّر أنفسنا بهدى الله، كما قال الله “سبحانه وتعالى”: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}[الذاريات: من الآية55]، وأيضاً شهر رمضان هو شهر نزول القرآن، وهناك صلةٌ وثيقةٌ ما بين الصيام في الغاية المرجوة منه وهي التقوى، وما بين القرآن الكريم، والاهتداء بالقرآن الكريم، والقرآن الكريم في أثره العظيم على المستوى التربوي سماه الله شفاءً، يشفي النفس البشرية من كل ما تعانيه من الترسبات والعلل الأخلاقية والتربوية التي تدنسها، التي تؤثر سلباً على فطرتها، التي تؤثر عليها التأثيرات السيئة، فينتج عن ذلك الأعمال السيئة والانحرافات في مسيرة الحياة، ولذلك للقرآن الكريم أثره الكبير عندما نتذكر بالقرآن، ونذكر بالقرآن، ونلتفت إلى القرآن الكريم بالتدبر والتأمل، مع التقييم لأنفسنا، والتقييم لواقعنا، والتقييم لأعمالنا، والتوجه العملي الصادق على تلافي جوانب القصور، وإصلاح جوانب الخلل:
أول ما نتحدث عنه في هذا السياق هو عن الصيام في غايته المرجوة العملية منه، الله “سبحانه وتعالى” قال في كتابه الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة: الآية183]، فهنا يحدد الله “سبحانه وتعالى” ثمرةً عمليةً هي ثمرةٌ تربوية، لها أهميتها الكبيرة التي تساعد الإنسان على الاستقامة، وبالتالي الوقاية من النتائج للأعمال السيئة.
كثيراً ما نذكر أن مصدر الخطر على الإنسان بالدرجة الأولى والمباشرة هي: الأعمال السيئة ونتائجها السيئة، عندما نلتفت إلى واقع المجتمع البشري، فأكثر ما يعاني منه الناس هي الجرائم، هي المظالم، هي المفاسد، لها تأثيرات سيئة جداً على حياة الناس على:
-
المستوى الاقتصادي: على المستوى الاقتصادي كثيرٌ من الأزمات، كثير من المشاكل الاقتصادية، تعود إلى اختلالين:
-
اختلال في المحرمات، في التجاوزات، في المعاصي، وما لذلك من تأثيرات مباشرة، الجرائم لها تأثيرات مباشرة، المفاسد لها تأثيرات مباشرة، ثم أيضاً في عقوباتها في واقع الحياة، في نتائجها في واقع الحياة، ما يترتب عليها من العقوبات، من نقص البركات، من نقص الخيرات، إلى غير ذلك.
-
وأيضاً الاختلال الآخر هو: عدم الاهتمام بما علينا أن نهتم به، بما على المجتمع البشري أن يفعله، أن يقوم به، هناك التزامات عملية فيما علينا أن نعمل، وهناك التزامات تجاه ما ينبغي أن نتركه، أن نحذر منه، ما نهانا الله “سبحانه وتعالى” عنه.
-
ثم الجانب الأمني كذلك: الكثير من المشاكل الأمنية، بل كل المشاكل الأمنية تعود إلى اختلالات كبيرة في الجوانب السلوكية والعملية، نتيجةً لما يحصل من جرائم، من مفاسد، من رذائل، تسبب الكثير من المآسي للناس في حياتهم، فمصدر الشر في هذه الحياة هو الأعمال السيئة، ونتائجها السيئة المباشرة، والعقوبات عليها، ولذلك تأتي مسألة التقوى لتضبط لدى الإنسان أداؤه العملي فيما يقيه من تلك النتائج السيئة، من تلك الأعمال السيئة ومن عواقبها السيئة، ونحن نلحظ مثلاً ما يمثله الأشرار في واقع البشر، والسيئون، والمجرمون، والظالمون، والمفسدون، من مشاكل كبيرة في حياة الناس، في كل مجالات حياتهم: في الجوانب الاقتصادية، في الجوانب الأمنية، في الجوانب الاجتماعية، في الجوانب السياسية، في جوانب كثيرة، وأيضاً من جانبٍ آخر ما ينتج عن التقصير عن الإهمال، عن التفريط، في الأعمال الصالحة، في المسؤوليات الكبيرة، في الواجبات العظيمة، من نتائج خطيرة جداً وسلبية تساعد أولئك الأشرار والمجرمين والظالمين والسيئين والمفسدين على أن يعم فسادهم، وظلمهم، وإجرامهم، وشرهم، وآثار ذلك، فتطال الجميع.