نحيي مناسبة الصرخة في وجه المستكبرين، وهتاف الحرية والبراءة الذي أطلقه السيد/ حسين بدر الدين الحوثي -رضوان الله عليه- بتاريخ 2002/1/17م، من مدرسة الإمام الهادي -عليه السلام- بمران، صرخة:
الله أكـــــــــــــــــــبر
المــوت لأمـريكـــا
الموت لإسرائيـــل
اللعنة على اليهود
النصـــر للإســــلام
هذه الصرخة التي أطلقها -رضوان الله عليه- كشعارٍ لمسيرةٍ قرآنية، وكعنوانٍ لمشـروعٍ عمليٍ لتصحيح واقع الأمة، والنهوض بها لمواجهة التحديات والأخطار المصيرية، وكخطوة عملية حكيمة وفعَّالة لتحصين المجتمع المسلم من التطويع والتدجين لأعدائه المستكبرين، وعلى رأسهم أمريكا وإسرائيل، ولحماية المجتمع المسلم من الانحراف به في ولاءاته وعداواته لصالح أعدائه.
وهتاف البراءة- أيضًا- موقفٌ فعَّالٌ في إفشال كثيرٍ من الخطوات المعادية الرامية إلى اختراق الأمة من الداخل بهدف إفسادها وتضليلها واستغلالها، وهو موقفٌ ضمن مسارٍ عملي، وخلفه ثقافة، وخلفه رؤية ومشـروع، وبجانبه خطوات عملية أخرى، كـ: مقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية، وبناء الأمة وعلى كل المستويات: سياسيًا، وعسكريًا، واقتصاديًا، وثقافيًا، وفي كل المجالات، حتى تكون في مستوى التحمل للمسؤولية، وبمستوى مواجهة الأخطار والتحديات.
وهو -أيضًا- موقفٌ طبيعيٌ وسليمٌ، ومشروع في ظرفٍ حسَّاس ومرحلةٍ خطيرة، يتوجب على الأمة فيها: اليقظة، والوعي، والتحرك الجاد، والتحمل للمسؤولية في مقابل الهجمة الأمريكية والإسرائيلية الشاملة وغير المسبوقة، حيث دخلت المنطقة منذ ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر مرحلةً جديدة سعت فيها أمريكا، ومعها إسرائيل ومن يتحالفون معها، إلى السيطرة الشاملة والتامة على أمتنا الإسلامية: إنسانًا، وأرضًا، ومقدرات، وموقعًا جغرافيًا، وبدافع استعماري، وبدافع– أيضًا- عدائي، وليس فقط بهدف السيطرة على ما في هذه المنطقة من موارد اقتصادية، هناك عداء لهذه الأمة، وهو دافعٌ إضافيٌ إلى دافع الأطماع، دافعٌ إضافيٌ لاستهداف هذه الأمة والسعي للسيطرة الشاملة عليها.
الاستعمار واستهدافه للأمة على كل المستويات
والتحرك الأمريكية والإسرائيلي في اتجاه السيطرة على الأمة ليس فقط تحركًا عسكريًا، بل هو استهدافٌ شامل، اتجه ليس فقط لاحتلال الأرض، وإنما لاحتلال النفوس، والسيطرة على الإنسان في: فكره، وثقافته، ورأيه، والسيطرة على هذا الإنسان في مسارات حياته وفي وضعه بشكلٍ كامل.
السيطرة على الوضع السياسي في منطقتنا، والسيطرة اقتصاديًا، والسيطرة إعلاميًا، والسيطرة في كل المجالات وفي كل الاتجاهات، وسيطرة معادية، ليست سيطرة بهدف إرادة الخير لهذه الأمة، والسعي لما فيه مصلحة هذه الأمة، إنما هي سيطرة العدو على عدوه، وعدوٌ -في الوقت نفسه- حاقد ومستكبر، ومجردٌ من كل القيم الإنسانية والأخلاقية والدينية، عدوٌ يسعى إلى السيطرة العسكرية علينا بشكلٍ تام، وأن تتحول منطقتنا هذه التي تحتل وتتبوأ موقعًا جغرافيًا مهمًا على مستوى العالم، أن تكون أهم المناطق فيها، وأهم المواقع فيها قواعد عسكرية يجعل فيها جنوده، ويسيطر من خلال ذلك سيطرةً تامة.
يسعى على المستوى السياسي إلى السيطرة الشاملة علينا كأمةٍ إسلامية في هذه المنطقة العربية بالدرجة الأولى، وفي سائر العالم الإسلامي، وليس ليهتم بنا على الوضع السياسي، حينما يتحكم بواقعنا السياسي يعمل على هندسة هذا الواقع بكل ما يضمن له السيطرة التامة علينا، الانتقام منا كأمةٍ مسلمة، والإذلال لنا، والتصميم والهندسة لواقعنا السياسي فيما يضمن له إضعافنا والوصول بنا إلى حافة الانهيار.
كيف يهندس واقعنا السياسي؟ يصنع واقعًا سياسيًا مأزومًا، مليئًا بالمشاكل، غارقًا في النزاعات، تعيش القوى والمكونات فيه حالةً من التباين الشديد، والتنازع على كل المسائل والأمور، والخلافات الساخنة، والأزمات المعقدة، حتى نتحول إلى أمة مأزومة تعيش دائمًا المشاكل المتفاقمة في واقعها السياسي؛ حتى لا تتمكن أبدًا أن تنهض، ولا أن تبني نفسها وواقعها. يشجع الانقسامات، يغذي المشاكل، يعمل على اختلاق المزيد منها، يوسع دائرة الانقسامات تحت كل العناوين، يشجع على الصـراعات، ويتجه لبعثرة هذه الأمة وتفكيكها.
– على المستوى الثقافي والفكري والإعلامي: يسعى إلى السيطرة التامة على الإعلام، على المدارس والجامعات في مناهجها، يسعى إلى السيطرة حتى على الخطاب الديني.
– في الجانب الإعلامي يسعى إلى أن يسيطر على كل النشاط الإعلامي في داخل الأمة، على الإعلاميين أنفسهم في أدائهم الإعلامي؛ فيتحولون -فيما يكتبون- إلى أقلام تخط له كل ما يخدمه، كل ما يبرر له مواقفه وسياساته ومساراته العملية، كل ما يساعده على استغلال الأمة، وعلى تدجين الأمة، وعلى السيطرة على الأمة، كل ما يتوافق مع كل خطوة يخطوها لضـرب هذه الأمة، كل ما يضلل هذه الأمة ويغطي على الحقائق ويزيف الوقائع، على مستوى الإعلاميين في نشاطهم الإعلامي: في التحليلات، في المقالات، في الطرح الإعلامي في كل البرامج والأنشطة الإعلامية، أن يتحول إعلاميو هذه الأمة إلى أبواق ينفخ فيها؛ فتكون صوتًا له، تتكلم بما يخدمه، يما يخدع الرأي العام، بما يصنع رؤية مغلوطة في أوساط الأمة، ونظرة خاطئة وغبية تجاه كل تحركات هذا العدو، بما يقلب الحقائق التي هي حقائق كبيرة وحقائق مهمة، والانخداع فيها والتضليل فيها له تداعيات كبيرة في مواقف الأمة، كل ما يساعده على تكبيل هذه الأمة والانحراف بها عن مساراتها الصحيحة في مواقفها، ومشاريعها العملية، واهتماماتها؛ فيدجِّنها له ويخضعها له.
– في المدارس، في المناهج: على مستوى المناهج المدرسية والجامعية، وعلى مستوى -أيضًا- ما يحمله المدرسون من آراء وأفكار، ما يقدِّمونه إلى التلاميذ والطلاب، التضليل للمدرسين، والتأثير عليهم، والسعي لأن يحملوا آراء خاطئة، وثقافات مغلوطة، ومفاهيم سلبية، كلها تسهم في سيطرة الأمريكي على منطقتنا، وفي خدمة الإسرائيلي، ولصالح السياسات الأمريكية والإسرائيلية.
والاتجاه -أيضًا- إلى الطلاب -كذلك- لتنشئتهم على مفاهيم ترسِّخ فيهم الولاء بإخلاص لأمريكا، والنظرة بإيجابية إلى العدو الإسرائيلي، نظرة خاطئة ونظرة مغلوطة، والابتعاد عن كل ما من شأنه أن يصنع وعيًا ونورًا لهذه الأمة، وفهمًا صحيحًا لهذه الأمة تجاه واقعها وتجاه أعدائها.
– على مستوى الخطاب الديني: يسعى العدو إلى السيطرة عليه، فتكون هناك أقلام وكتابات، -وأيضًا- هناك أنشطة لعلماء سوء من علماء السلاطين، من علماء البلاط، من علماء الضلال الذين يعملون لصالح العدو، تصدر فتاوى تدجِّن هذه الأمة لأعدائها ولعملائهم، تسعى -أيضًا- بالدفع بالأمة إلى كل ما يتوافق مع نفس السياسات الأمريكية والإسرائيلية: في العداء، في الموقف، في التصرفات، في تبرير السياسات والمواقف، كما نشاهده اليوم في هيئة كبار علماء السعودية، في مفتيها، وهو يسطر كل فترة الفتوى التي تناسب السلطة العميلة لأمريكا، والتي تبرر الموقف الذي يتجه في نفس السياق الذي رسمته أمريكا وأرادته إسرائيل.
وهكذا سعي للسيطرة الشاملة، وهذه السيطرة تهدف -أيضًا- -وبشكلٍ رئيسي- إلى انتزاع كل عناصر القوة، وكل ما يساهم في بناء هذه الأمة لتواجه هذا العدو. أسلوب خطير جدًّا للسيطرة الشاملة والكاملة، أخطر من الاقتصار على السيطرة العسكرية، لو كان التوجه الأمريكي والإسرائيلي توجهًا عسكريًا بحتًا، ليس إلى جانبه سعي في كل المسارات والاتجاهات، ليس إلى جانبه سيطرة: فكرية، ثقافية، نفسية، صياغة للإنسان بما يعبِّده لهم، بما يحوِّل دوره في هذه الحياة في كل اهتماماته وطاقاته، وفي كل ما يمتلكه من مؤهلات وعناصر لخدمتهم، لو كان التحرك عسكريًا فحسب لكانت المسألة هينة وبسيطة، ولكنه تحركٌ شامل، وتحركٌ شيطاني، وتحركٌ مدروس يستغل حالة الغفلة في هذه الأمة عن فهم طبيعة هذا الصراع، وما تحتاج إليه الأمة بحسب طبيعة هذا الصـراع وأسلوبه ومساراته واتجاهاته ومجالاته.
– السيطرة على المستوى الاقتصادي؛ حتى تتحول كل ثروات وإمكانات هذه الأمة، وبالذات المواد الخام: سواءً البترول، أو غيره من المواد الخام في منطقتنا تتحول لصالح العدو، ونتحول نحن في واقعنا الاقتصادي إلى مجرد سوق استهلاكية، وأمة تستهلك ولا تنتج، ولا تبني لها اقتصادًا حقيقيًا، أمة عطَّلت في داخلها الإنتاج والاستغلال والاستفادة من خيراتها وثرواتها، فثرواتها كمواد خام تتجه لصالح العدو، يستغلها هو، يستفيد منها، ويصدِّر إلينا بعضًا منها كسلع، ندفع له قيمتها بثمن باهض جدًّا، ومع ذلك نعيش حالة دائمة من الأزمة الاقتصادية، والمشاكل الاقتصادية، والمحنة الاقتصادية التي تجعل منا أمة فقيرة ومعانية وبائسة وشقية، وأمة تعيش الكثير والكثير من المشاكل والأزمات، تُفرض عليها سياسات اقتصادية تعتمد على الربا، تعتمد على الاستيراد بشكلٍ تام وتعطيل الإنتاج والبناء الاقتصادي، تعتمد على سياسات إدارية خاطئة جدًّا؛ ينتج عن ذلك بطالة بشكلٍ واسع ومتفشٍ، وحالة من الضياع بشكلٍ كبير والبؤس والعناء الشديد، الذي يساهم في نشوء: مشاكل اجتماعية، ومشاكل اقتصادية، وبيع للضمير، وبيع للأخلاق، وبيع للوفاء، وبيع للولاءات، وبيع للمواقف، وارتهان وخنوع لصالح الأعداء.
وهكذا في كل المجالات وفي كل الاتجاهات سعي لسيطرة شاملة في كل واقع حياتنا، وفي كل مسارات عملنا ونشاطنا في هذه الحياة، أرادنا الأمريكي والإسرائيلي أن نكون نحن وكل ما بأيدينا وكل ما نسعى له في هذه الحياة لهم، تحت سيطرتهم، تحت تحكمهم، وأن يكونوا هم المتحكمين في كل شؤون حياتنا، وفي كل مسارات أعمالنا، نفعل ما يريدون منا أن نفعل، نقف الموقف الذي يريدون لنا أن نقفه، نوالي من يريدون منا أن نوالي، ونعادي من يريدون منا أن نعادي.
الكارثة الكبرى للخضوع والاستسلام
وما مؤدى هذه الحالة إذا قبلنا بها، وإذا سلمنا أمرنا لهم، وقبلنا بالخضوع لهم والاستسلام لهم، ومكنَّاهم من السيطرة التامة علينا، وقررنا أن نسير في كل شؤون حياتنا على حسب ما يريدون وما يفرضون وما يقررون، هل المسألة سهلة؟ |لا|، مؤدى هذا كارثي علينا، وخسارة بكل ما تعنيه الكلمة: خسارة في الدنيا، وخسارة في الآخرة، وخسارة فظيعة وقبيحة وشنيعة؛ لأنك عندما تضحي بكل شيء لصالح عدوك، في خدمة عدوك، في طاعة عدوك، العدو الحاقد، العدو المجرم، العدو الشيطاني الذي يتحرك بأجندة شيطانية، العدو الذي لا يستحق منك أن تقدِّم إليه أي جميل، ولا أن تفعل له أو تحقق له أي مصلحة، هو يتعامل معك بدافع الحقد، والاستهتار، والاستكبار، والعدوان، والطغيان، والإجرام، وهو يحتقرك بكل ما تعنيه الكلمة، فتقبل بأن تكون له: أعمالك، تصرفاتك، حياتك، حتى على مستوى حياة الناس، يريد أن يجنِّد من أبناء هذه الأمة أكبر قدر ممكن من المقاتلين، ثم يكونون هم فداءً بأرواحهم وحياتهم ودمائهم لجنوده، يُقتلون في أي معركةٍ يريد هو أن يخوضها بهم، في أي معترك مع أي طرف في هذا العالم، سواءً في داخل الأمة مع أحرارها، وضد رجالها وشرفائها وأخيارها، كما يفعل اليوم في كثيرٍ من الأقطار وفي كثيرٍ من البلدان، أو ضد أي قوة منافسة له في الساحة العالمية، سواءً مثلما فعل في الماضي في معركته مع الاتحاد السوفيتي، التي خاضها بعرب ومسلمين، فقُتِل منهم مئات الآلاف فداءً للضباط والجنود الأمريكيين، بدلًا من أن يقتل أي جندي أمريكي، أو ضابط أمريكي، فخاض معركته مع الاتحاد السوفيتي -آنذاك- بمقاتلين ومجنَّدين من أبناء الأمة، من كل بلدانها وشعوبها، وبأموال مدفوعة من ثروة هذه الأمة، دفعتها -آنذاك- أنظمة عربية، على رأسها النظام السعودي، أليست هذه خسارة؟! أن تتحول ثروتنا إلى تمويل للأمريكي، نحن كأمة مسلمة، نحن كمنطقة عربية، تتحول ثروات هذه المنطقة إلى ثروة للأمريكي، يرغد بها، يحل بها مشاكله الاقتصادية، يحل بها مشكلة البطالة في أمريكا، تنمي الميزانية الأمريكية، ثم يستفيد منها -أيضًا- لتمويل حروبه، اعتداءاته، مشاكله في داخل أمتنا، ضد الأحرار من أمتنا، وفي خارج أمتنا ضد القوى المنافسة والمناوئة الأخرى.
ويخطط مستقبلًا لمعركة مع الصين من هذا النوع، وهو اليوم يخوض معارك كثيرة في الساحة، هي معركته هو، ولو أنها تمول بمال عربي ومال الأمة الإسلامية، ويقاتل فيها ويضحى فيها بالعرب، وبعشرات الآلاف من العرب فداءً له ولجنوده ولضباطه، حتى لا يخسر جنديًا أمريكيًا أو ضابطا أمريكيًا إلا عند الضرورة القصوى، هذا الذي يسعى له.
مؤدى هذه العمالة، مؤدى القبول بهذه السيطرة، مؤدى أي خيارات للاستسلام أو للعمالة، هو مؤدى يصل بالأمة إلى الخسارة الرهيبة بكل ما تعنيه الكلمة، الخسارة والإفلاس على كل المستويات: على المستوى المالي تخسر الأمة، تنفق الكثير والكثير من أموالها، وتستنزف في مواردها الاقتصادية، وتصل إلى حافة الإفلاس، كما عليه اليوم كلٌ من النظام السعودي والنظام الإماراتي، كلٌ منهما وصل اليوم إلى درجة عجز كبير في الميزانية يحتاج للإيفاء به ولتوفيره إلى الاستدانة، النظام السعودي اليوم يتدين (يقترض)، والنظام الإماراتي كذلك فيما يقدمون مئات المليارات إلى الخزينة الأمريكية، ولصالح الأمريكيين، ويستفيد الإسرائيلي من كل ما يقدمونه للأمريكي، إن لم يكونوا يقدمون له -أيضًا- ما يخصه، كارثة، مصيبة، خسارة على المستوى الاقتصادي، خسارة على المستوى السياسي خسارة -بكل ما تعنيه الكلمة- في كل شيء، خسارة في هذه الحياة وخسارة في الآخرة، خسارة في هذه الحياة؛ لأن مؤدى الإذعان للسيطرة الأمريكية أن ينتج عنها واقع بئيس وكارثي وتدميري؛ لأن كل السياسات والمخططات والمؤامرات الأمريكية والإسرائيلية التي تقدم إلينا كأمة، وتفرض على واقعنا كأمةٍ مسلمة في المنطقة العربية بالدرجة الأولى، وفي غيرها كذلك، كلها مؤامرات لتدميرنا، كلها مؤامرات لخسارتنا، كلها مؤامرات حاقدة ومعادية تؤدي بنا إلى الانهيار.
مصير المجتمع إذا تمكن الأمريكي من السيطرة
على مستوى واقعنا كمجتمعٍ مسلم: إذا تمكَّن الأمريكي من السيطرة التامة علينا، ماذا ينتج عن ذلك؟ نتحول إلى مجتمع خاسر وسيء، مجتمع مليء بالمشاكل السياسية، والأزمات الاقتصادية، ومفكك ومبعثر، تنشأ مشاكل تحت كل العناوين، تساعد كلها على بعثرته، على تمزيق حتى نسيجه الاجتماعي: عناوين مناطقية، عناوين طائفية، عناوين عنصرية، عناوين… كل العناوين التي تمزق المجتمع، تبعثر المجتمع، تعزز التباينات والنزاعات والصراعات بين أبناء المجتمع، كلها تنزل ضمن تلك السياسات، تلك الأنشطة، تلك البرامج التي يشتغل عليها الأمريكي والإسرائيلي في منطقتنا، ثم نتحول إلى مجتمع مليء بالأزمات والعاهات الاجتماعية، مجتمع غارق في المخدرات، في الفساد الأخلاقي، في الميوعة وخسران الشرف والضمير والقيم، مجتمع مليء وموبوء بالإيدز والمشاكل الصحية، والآفات الرهيبة والفظيعة في كل شيء، مجتمع محطَّم، فَقَدَ كل عناصر القوة، كل عناصر المَنَعَة، كل العناصر والعوامل التي تساهم في بناء واقعه، في تقويته، في حمايته، في النهوض به، كلها يجرد منها؛ فيتحول إلى مجتمع بئيس، ومجتمع فاقد لكل حالات الوعي، مجتمع غبي، مجتمع ضال، مجتمع منحرف، مجتمع منحل، مجتمع مائع، مجتمع فاسد، يطغى عليه الفساد في كل شيء، هذا ما تريده أمريكا وإسرائيل، هذا ما تسعى له أمريكا وإسرائيل، هذا ما تعمل من أجله الكثير والكثير من الخطط والأنشطة والبرامج التي تدخل إلى ساحتنا العربية والإسلامية تحت عناوين مخادعة ومسميات مخادعة، وكلها للتضليل والخداع، عنوان براق، لكن وراءه أنشطة تدميرية وهدَّامة ومفسدة، وتأتي تلك العناوين، يروج لها في هذه الساحة -الساحة العربية والإسلامية- سياسيون ومسؤولون من موقع المسؤولية في تلك الحكومة أو تلك، في تلك الدولة أو تلك، وإعلاميون، وعلماء سوء، ومثقفون أغبياء يشتغلون لصالح العدو، وآخرون كثر وكثر، فيروِّجون لعنوان معين، أو لنشاط معين، أو لموقف معين، ولكن خلفيته تدميرية، كارثية، تفسد واقع هذا المجتمع وتحطِّمه، وهذا ما يسعى له الأمريكي، وما يعمل من أجله الإسرائيلي.
النتيجة الأخطر.. لو قبلنا بالمستعمر
مؤدى هذه السيطرة أن يفصلنا الأمريكي والإسرائيلي عن انتمائنا وهويتنا الإسلامية، وهذه مسألة من أخطر المسائل على الإطلاق، وتلقى تجاهلًا كبيرًا لدى الكثير من أبناء هذه الأمة، وتُهمش في الحديث عن الخطر الأمريكي والإسرائيلي، وهي نقطة جوهرية وحسَّاسة وفي غاية الأهمية، لا يمكن للإنسان أبدًا أبدًا أبدًا أن يكون عميلًا لأمريكا وإسرائيل، أو يكون خانعًا مستسلمًا، وخاضعًا ومسلِّمًا للسيطرة الأمريكية والإسرائيلية؛ إِلَّا وينفك وينفصل عن مبادئ الإسلام وقيم الإسلام وأخلاق الإسلام؛ لأن مبادئ الإسلام العظيمة، وقيمه وأخلاقه الكريمة، ومشروعه في الحياة لا ينسجم بأي حالٍ من الأحوال مع ما تريده أمريكا، وما تسعى له إسرائيل، المسار والطريق الذي يدفعك فيه الأمريكي، ويدفعك نحوه الإسرائيلي، وتتحرك فيه مسارعًا لاسترضائهم، والتودد إليهم، والتقرب إليهم، هو مسار ينفصل كليًا عن المبادئ الإلهية، عن تعاليم الله، عن إسلامه العظيم، إسلامه الأصيل، إسلامه الحقيقي الذي جاء به رسول الله محمد بن عبد الله -صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله- وأتى في القرآن الكريم.
هناك إسلام من نوعٍ آخر، إسلام تعرَّض لبرمجة كثيرة، تعرَّض لحالة من التزييف والتغيير، ليس هو الإسلام الحقيقي، بقي فيه بعضٌ من الشكليات، وحرِّفت فيه كثيرٌ من المفاهيم والمعارف، وقُدِّم ليكون توليفة مختلفة عن الإسلام في حقيقته، الإسلام كما هو في القرآن، والإسلام كما كان عليه رسول الله خاتم النبيين محمد -صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله-.
الإسلام السعودي هو توليفة تتناسب مع ما تريده أمريكا، ومع ما تريده وتسعى له إسرائيل، ويخضع دائمًا للمزيد والمزيد من عمليات التغيير، ومن عمليات البرمجة التي تحذف وتعدِّل وتضيف وتقرر وتزيد وتنقص… وهكذا. إسلام من نوعٍ آخر، إسلام يدجِّن أبناء الأمة ليس في التسليم لله والاتباع لرسول الله والاتباع للقرآن الكريم، بل الاتباع لترامب ونتنياهو، لأمريكا وإسرائيل، الخنوع والطاعة لأمريكا وإسرائيل، والولاء والتبعية المطلقة لأمريكا.
هذا هو إسلامٌ آخر، ليس إسلام محمد، ليس الإسلام الذي هو دين الله الحق، الإسلام الأمريكي السعودي الإماراتي نموذج مختلف، هو النموذج النفاقي، هو النفاق وليس الإسلام، وليس من الإسلام في شيء، له الاسم وبعض الشكليات، أما الجوهر والمضمون والأساس والمسار فهو مسار النفاق لخدمة أمريكا وإسرائيل.