تتوالى المواقفُ الصادرةُ عن حكومة صنعاء عن المسار الراهن للهُدنة، وفي تلك التصريحات تبدو الهُدنة مُجَـرّدة أمميًّا من كُـلّ مضامينها الإنسانية، فلا موانئ فُتحت، ولا مرتبات صُرفت، ولا مطارات سُمح لها بتسيير الرحلات المجدولة، وَعطفاً على هذا الواقع يبرز السؤال عما يمكن أن يخسرَه الشعب اليمني في حال انتهت الهُدنة لُغويًّا بعد أن تم إفراغها اصطلاحًا.
بات جليًّا أمام الرأي العام في اليمن أن ما يحولَ دونَ انتهاء الهُدنة وَاشتعالِ المواجهات من جديد هي الحروبُ التي تخوضُها الولاياتُ المتحدة في أُورُوبا، وَفيما تتمحورُ مخاوفُ واشنطن من التأثيرات الاقتصادية المتوقَّعة للضربات اليمنية على إمدَادات الطاقة في المملكة، تجدُ الأخيرةُ نفسَها وحيدةً في ظل الانشغال الأمريكي، غيرَ قادرة على أن تستمرَّ بحرب بلا غطاء، ما كانت لتقدم عليها أَسَاساً لولا الضمانات الأمريكية.
غير أن واشنطن وفي سياق استثمارها الكبير لضعفِ وَمخاوفِ هذا النظام لا تمانعُ في أن تبقيَه عالقًا في الكمائن اليمنية.
وبعد كُـلّ مكاشفةٍ أمريكية لابن سلمان بمدى اعتماده عليها وعدميته بدونها، تعود لتحييَ فيه آمالَ النصر من خلال جني المزيد من الأموال مقابلَ صفقات أسلحة دفاعية هزيلة لا تسمن ولا تغني.
لا يفوتُ الإدراكُ الوطني هذه الحقائق، وهو الذي يشهد تراكُمًا مع ثورة الوعي المعززة بالشواهد والأحداث، كما أن المِلَفَّ الإنساني استحقاقٌ شعبي بالدرجة الأولى، وكل ذلك يزيد من الضغط الشعبي على القرار السياسي، ويدفعُه نحوَ رفض القبول باستمرار مسرحية الهُدنة المنتقصة والمخترقة.
وإلى جانبِ الضغط الشعبي تأتي رسالةُ القوات المسلحة، لتحذِّرَ تحالفَ العدوان من استمرارية التشبُّثِ بالفراغ، وَالإنفاق على منظومات أصبحت خارجَ إطار السيطرة والتأثير، وفيما يتحدث الخطاب العسكري اليمني عن ملامحَ جديدةٍ لمستقبل المنطقة، مبنية على نتائجِ هذه المواجهة التاريخية، فَـإنَّه يطمئن الداخلَ بوصول القدرات اليمنية لمستويات متقدمة من التقنية العسكرية.
ومن اندفاع الشعبِ وَجاهزية مؤسّسته الدفاعية، تبدو الخيارات متاحة أمام حكمة القائد وقرار القيادة، وَإذَا لم يستجِدْ جديدٌ أمام هذا التحشيد العدائي على وَقْعِ الهُدنة المزعومة فَـإنَّ ميادينَ المواجهة كفيلةٌ بإيصال الرسالةِ المناسبةِ التي استعصى على العدوِّ إدراكُها فوقَ الطاولات.