نص الدرس السابع من محاضرات السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي من دروس عهد مالك الأشتر 1443 هـ -2022م
أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُهُ ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين والمجاهدين.
أيُّها الإخوة والأخوات
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
سبق الحديث فيما يتعلق بالمسؤوليات، والهيكل الإداري في الدولة، عن المستشارين، والوزراء، والأعوان المباشرين، وعن المسؤوليات العسكرية والأمنية، وعن القضاة، والقضاء، وما يتعلق بذلك.
ثم وصلنا الآن إلى معايير اختيار المسؤولين والعمال، قال “عليه السلام”:
((ثُمَّ انْظُرْ فِي أُمُورِ عُمَّالِكَ، فَاسْتَعْمِلْهُمُ اخْتِبَاراً، وَلَا تُوَلِّهِمْ مُحَابَاةً وَأَثَرَةً، فَإِنَّهُمَا جِمَاعٌ مِنْ شُعَبِ الْجَوْرِ وَالْخِيَانَةِ))
العمال: الذين هم مسؤولون على مناطق معينة، سواءً بحسب المسميات الإدارية، أو العناوين الإدارية، محافظات، أو مديريات، أو ولايات، أو… في أي مستوى من المستويات، أو على رأس مثلاً مؤسسات معينة كبيرة، حسن الاختيار للمسؤولين والموظفين عاملٌ أساسيٌ في النجاح، والنهضة، والازدهار، وتحقق الأهداف المهمة، وتحقيق الاستقرار في الواقع، لا يمكن أن تنهض أمةٌ ولا شعبٌ، وأن تنجح في تحقيق أهدافها، وأن تبني حضارة، وأن تزدهر حياتها، وأن يستقر واقها، إلا بذلك، عندما يكون المسؤولون القائمون على الأعمال والمسؤوليات من ذوي الكفاءة الأخلاقية، والمهنية، والعملية.
وهذه مسألة مهمة جدًّا، ولابدَّ تفهمها من الجميع، ممن هم في موقع المسؤولية، ومن المجتمع نفسه؛ لأن المجتمع إذا لم يعتمد على أساس هذه النظرة، ويبني على ذلك، فيمكن أن يكون هو مساهمٌ في اختلال هذا الأمر، من خلال فرض شخصيات غير كفؤة في أعمال معينة، أو مسؤوليات معينة، بطريقة أو بأخرى، وكذلك داخل الدولة نفسها فيما يتعلق بالمعنيين بالمسؤوليات الأساسية، عندما لا يتفهمون أهمية هذه المسألة، فتأتي التعيينات الخاطئة.
حسن الاختيار ينبغي أن يعتمد:
-
أولاً: على المعايير، معايير محددة، تبين مثلاً صلاحية لهذه المسؤولية، أو لهذه الوظيفة بحسبها، بحسب ما تتعلق به، وما يستلزم ذلك من معايير معينة، أو مواصفات معينة، بحسب نوع المسؤولية، أو مجالها، هذا جانب.
-
كذلك أن يلحظ في مدى الأهلية والكفاءة: التجربة العملية، أن يكون هذا الإنسان الذي يراد تعيينه على رأس مسؤولية معينة، ممن له تجربة عملية، لا يكون إنسان لا كفاءة له في العمل، وليس له أي تجربة عملية أصلاً، وإنما أوتي به من أول يوم ليكون في تلك المسؤولية، أو في ذلك العمل، وليس بالضرورة أن تكون التجربة العملية في نفس المنصب، يمكن أن تكون في نفس المجال، أو في مهام وأعمال ذات تشابه مع طبيعة تلك المسؤولية، الكفاءة فيها تعتبر كفاءة لتلك المسؤولية، وما شابه ذلك.
-
أيضاً التأهيل لمثل ذلك النوع من المسؤوليات: أن يكون هناك تأهيل، أن يكون هناك بناء وتعليم سابقاً، ما قبل تبوؤ ذلك المنصب، ولاحقاً فيما بعد أن تستمر عملية التأهيل للارتقاء بالكادر العملي، بالموظفين، بالمسؤولين في أداء مسؤولياتهم.
عملية الاختبار عندما يقول هنا: ((فَاسْتَعْمِلْهُمُ اخْتِبَاراً))، من خلال الاختبار لهم، ليس فقط بمجرد حسن الظن فيهم، أو الأمل فيهم، أو بالنظر إلى جوانب معينة في سلوكياتهم العامة، لا يكفي هذا، والاختبار يمكن أن يلحظ في ذلك الجانب العملي، والجانب النظري:
-
الجانب النظري، مثلاً: أن تستشيره، أن تستفسر منه، أن تتعرف على رؤيته، تفكيره عن تلك المهام، عن تلك الأعمال، بالطريقة المناسبة، أو أن يقدم دراسة، أو رؤية عملية، عن ذلك المجال؛ لتعرف كيف يفكر، كيف ينظر في مسائل معينة، في جوانب عملية معينة.
-
ثم كذلك الاختبار في الأداء العملي: من خلال تكليفه بمهام عملية، وتقيم كيف نجاحه في تلك المهمة العملية، وتلك المهمة العملية الأخرى، وهكذا، حتى يكون لديك صورة تقريبية عن مستوى كفاءته لتلك المسؤولية التي تفكر في أن تعينه فيها.
فالاختبار طريقة مهمة جدًّا، يساعد الإنسان حتى لا يتورط عندما يعتمد فقط على الظن والتخمين، والتقدير النفسي، تقدير غير المبني على واقع عملي، ولا على اختبار عملي؛ إنما من باب حسن الظن فحسب، فالاختبار في مهام، في أعمال ينجزها، الاختبار في معرفة تفكيره تجاه ذلك الأمر، أو ذلك الأمر، أمر مهم جدًّا، وأمر يساعد على حسن الاختيار، قد تكتشف أن ذلك الإنسان ليس مناسباً في ذلك العمل أصلاً، وأنت كنت اختبرته فقط بمهمة عملية محدودة، وليس بوضعه في نفس المنصب والمسؤولية.
((فَاسْتَعْمِلْهُمُ اخْتِبَاراً))، طريقة جيدة، مع ملاحظة المعايير أن تكون ظاهرة بشكل أو بآخر، أو بأي مستوى، الاختبار أيضاً.
((وَلَا تُوَلِّهِمْ مُحَابَاةً وَأَثَرَةً))
لا تولهم في تلك المسؤوليات والأعمال محاباةً، مجاملةً وميلاً، لسبب صداقة، أو قرابة، أو صهارة، أو علاقة معينة؛ لأنه قريبٌ لك في نسبك، أو لأنه صديقٌ لك، أو لأن بينكما علاقة مادية معينة، أو مصالح معينة مشتركة، كل ما كان من قبيل الميل والمجاملة فقط، ليس بالاستناد إلى الكفاءة العملية فلا يجوز.
((وَأَثَرَةً)): إيثاراً له على غيره لمثل هذه الاعتبارات: اعتبارات مصالح، أو قرابة، أو صداقة… أو نحو ذلك، وهذه مسألة خطيرة جدًّا، عندما يتصور الناس مثلاً أن المسؤولية في الأعمال والمناصب المهمة في الدولة، هي تعود إلى إعطاء الإنسان لها وكأنها مقابل إما استحقاقات، أو كأن الشخص نفسه يمتلك تلك المسؤولية امتلاكاً، كأنها ملكه، فيتصور أن له أن يعين من يشاء ويريد بحسب مزاجه الشخصي ورغباته الشخصية، بدون النظر إلى الكفاءة الفعلية المؤكدة، مسألة خطيرة جدًّا، أو يتصور الناس مثلاً أن المسؤوليات والمناصب يلحظ فيها المكافأة في أمور معينة، واعتبارات معينة، أو مجرد الولاء، مثلاً: يريد أن يعين شخصاً في مسؤولية معينة، وهو لا يمتلك أي كفاءة نهائياً، لكنه يطمئن إلى ولائه فقط، هذا الاعتبار لوحده لا يكفي ولا يجوز فقط أن يكون هو لوحده المعتبر والمعتمد، مسألة خطيرة وحساسة؛ لأن البعض من الناس مثلاً يظنون أنهم يستحقون المناصب والمسؤوليات المعينة، بالاستناد مثلاً إلى اعتبارات غير الكفاءة، إما لأنهم أصحاب دور معين، أو عطاء معين، أو إسهام معين، فيتصورون أن ذلك كافٍ لأن يعطوا تلك المسؤوليات، وهذه مشكلة خطيرة جدًّا؛ لأن لها تأثيرات سيئة.
مثلاً: البعض في مراحل التصعيد الثوري يأتي فيما بعد ليقول: [أريد منصب كذا، أو وظيفة كذا]، لماذا؟ هو لا يمتلك الكفاءة لنفس ذلك المنصب، أو لتلك المسؤولية، قال: [لأنني قدمت جملاً، أو أسهمت بتبيع، أو أحضرت قافلة، أو شاركت في مظاهرة، أو حضرت في مخيم اعتصام، أو…]، أي شيء من هذا القبيل، البعض مثلاً يأتي ولديه قائمة، قبيلة محدودة فقط مثلاً أسهمت إسهاماً جيداً، يأتي الشيخ مثلاً ليقول: [أريد- هذه قائمة- خمسة وعشرين مديراً، وإلا كذا كذا وزراء، أو كذا كذا محافظين، أو كذا كذا مسؤولين، هؤلاء أريد أن يكونوا كذا، وهؤلاء أريد أن يكونوا كذا، وهؤلاء…]، لماذا؟ قال: [هؤلاء فعلوا، وهؤلاء عملوا، وهؤلاء قدموا]، هذا ليس كافٍ، لابدَّ من النظر إلى مسألة الكفاءة، الكفاءة العملية، الناس مثلاً حتى في الثورة عندما ثاروا لديهم مثلاً مطالب معينة، لديهم اعتبارات معينة؛ حتى يكونوا أوفياء لمبادئهم الثورية، وأوفياء لأهدافهم المعلنة، لابدَّ أن يأخذوا بعين الاعتبار هم ذلك، ثم يلحظون الكفاءة التي تعود إلى المعايير الصحيحة.
أحياناً بعض المعايير يمكن أن تصحح، بعض المعايير شكلية، ليست ذات أهمية حقيقية، شكلية، يمكن أن يتجاوزها الآخرون، والمتسلقون، والمتحيلون، المحتالون يمكن أن يتسلقوا من خلالها المعايير الشكلية، لكن المعايير المهمة الأساسية، التي يبنى عليها النجاح، وتعتبر ضروريةً للنجاح في العمل.
((وَلَا تُوَلِّهِمْ مُحَابَاةً وَأَثَرَةً، فَإِنَّهُمَا جِمَاعٌ مِنْ شُعَبِ الْجَوْرِ وَالْخِيَانَةِ))
المحاباة: التولية والتعيين في المسؤوليات المهمة لمجرد المجاملة، والاعتبارات غير الصحيحة، الميل، العلاقة المعينة، وكذلك الأثَرَة، هذا يجمع فروع الجور والخيانة، يتفرع عنه الكثير من المفاسد، والمظالم، والمخاطر، والتي تؤثر سلباً على الناس في حياتهم؛ لأن المسؤولية ليست عبارة عن استحقاق شخصي وملك شخصي للإنسان، يتصرف فيها وفق مزاجه ورغباته وأهوائه، المسؤولية تتعلق بالناس، هي مسؤولية أولاً أمام الله “سبحانه وتعالى”، ما بينك وبين الله “جلَّ شأنه”، وهي عمل لخدمة الناس، هي تتعلق بهم أصلاً، فإذا لم يلاحظ الإنسان ذلك، لم يأخذ بعين الاعتبار ذلك، وتصرف وفق هوى نفسه، ومزاجه، ورغباته، وعلاقاته، وأهوائه، ومنطلقاته الشخصية، ومكاسبه الشخصية، فهذا سينتج عنه الكثير من المفاسد والمظالم:
-
من بينها: إقصاء ذوي الكفاءة.
-
من بينها: تضييع الأمة، تضييع الناس، تضييع الأعمال.