نص الدرس الحادي عشر من محاضرات السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي من دروس عهد مالك الأشتر 1443 هـ -2022م
أَعُـوْذُ بِاللهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْـــمِ اللهِ الرَّحْـمَـنِ الرَّحِـيْـمِ
الحمدُ لله رَبِّ العالمين، وأَشهَـدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ الملكُ الحقُّ المُبين، وأشهَدُ أنَّ سيدَنا مُحَمَّــداً عبدُهُ ورَسُــوْلُه خاتمُ النبيين.
اللّهم صَلِّ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، وبارِكْ على مُحَمَّــدٍ وعلى آلِ مُحَمَّــد، كما صَلَّيْتَ وبارَكْتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنك حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين، وعن سائر عبادك الصالحين والمجاهدين.
أيُّها الإخوة والأخوات
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
وصلنا إلى الحديث عن فئةٍ مهمةٍ من الفئات التي سبق الحديث عنها على وجه الإجمال، ثم ذكرها أمير المؤمنين “عليه السلام” على سبيل التفصيل.
قال “عليه السلام”:
((ثُمَّ اللَّهَ اللَّهَ فِي الطَّبَقَةِ السُّفْلَى، مِنَ الَّذِينَ لَا حِيلَةَ لَهُمْ، مِنَ الْمَسَاكِينِ، وَالْمُحْتَاجِينَ، وَأَهْلِ الْبُؤْسَى وَالزَّمْنَى، فَإِنَّ فِي هَذِهِ الطَّبَقَةِ قَانِعاً وَمُعْتَرّاً، وَاحْفَظِ لِلَّهِ مَا اسْتَحْفَظَكَ مِنْ حَقِّهِ فِيهِمْ)).
عندما أتى الحديث عن هذه الفئة من أبناء المجتمع، من الذين هم بحاجة ماسة إلى الرعاية الاجتماعية، وإلى العناية بهم، أتى الحث والتأكيد بهذا التعبير المهم، بقوله “عليه السلام”:
((ثُمَّ اللَّهَ اللَّهَ))
استشعر مسؤوليتك تجاه الله “سبحانه وتعالى” بالنسبة لهؤلاء، للعناية بأمرهم، أنت مسؤولٌ عنهم أمام الله، فاذكر الله، وتذكَّر أنك مسؤولٌ أمامه عنهم، فلتبذل اهتمامك، ولتبذل جهدك، ولتبذل كل ما تستطيع من أجل العناية بهم، لا تغفل عنهم، وتتوجه بكل اهتماماتك نحو بقية الأمور، بقية جوانب المسؤولية فيما يتعلق بالمجالات السابقة: التجارة، الصناعة، الجانب الخدمي، الجوانب الأمنية والعسكرية… وغير ذلك، ثم تنسى أبناء المجتمع من هذه الفئة المتضررة، المعانية، التي هي بحاجة إلى الرعاية والاهتمام بها.
((ثُمَّ اللَّهَ اللَّهَ فِي الطَّبَقَةِ السُّفْلَى))
وتقدَّم الحديث عما يعنيه هذا التعبير، أنه يقصد من حيث ظروفهم ووضعهم في المجتمع، وظروفهم المعيشية.
((مِنَ الَّذِينَ لَا حِيلَةَ لَهُمْ))
يعنـي: لا يمتلكون التدبير والقدرة على اكتساب المعيشة، والأخذ بأسباب الرزق، والسعي لتوفير احتياجاتهم، فهم لا يمتلكون التدبير، والخبرة، والمعرفة لذلك، ولا القدرة، عندهم عجز.
((مِنَ الْمَسَاكِينِ، وَالْمُحْتَاجِينَ))
يشمل هذا التعبير مختلف الفقراء بحسب ظروفهم، البعض مثلاً هم أشد فقراً، وأشد بؤساً وعناءً.
((وَأَهْلِ الْبُؤْسَى))
((أَهْلِ الْبُؤْسَى)): من ذوي الفقر المدقع، والمعاناة الشديدة جداً.
((وَالزَّمْنَى))
الذين يعانون من ظروف صحية، وأمراض مزمنة، أعاقتهم عن العمل، وحالت بينهم وبين التكسب والأخذ بأسباب الرزق، فهم بحاجة إلى مساعدتهم، البعض منهم يحتاج إلى مساعدة للعلاج بشكل مستمر، إضافةً إلى مساعدة في واقعه المعيشي، لتوفير متطلبات حياته الضرورية.
((فَإِنَّ فِي هَذِهِ الطَّبَقَةِ قَانِعاً وَمُعْتَرّاً))
منهم من هو يعيش الظروف الصعبة إلى درجة أن يسأل، أن يمد يده للسؤال، وأن يتسول، والبعض منهم قد لا يصل إلى درجة أن يعرِّض نفسه للسؤال؛ لحرصه على حفظ ماء وجهه، ولتعففه عن ذلك، ولكنه يعيش ظروفاً صعبةً جداً، وعلى كلٍّ ينبغي الاهتمام بالجميع، {لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}[المعارج: الآية25]، الكل بحاجة إلى الرعاية والعناية.
وطبعاً في مسألة المتسولين، وفي مسألة الفقراء بشكل عام والمساكين، من ضمن برامج الرعاية الاجتماعية التي ينبغي أن توجه نحوهم، وأن يحظوا بها، ما يؤهل من يمكن تأهيله منهم، من يتمكن مثلاً بالنظر إلى وضعه الصحي لا بأس به، إلى تأهيلهم عملياً، لكسب الرزق، وإلى الحصول على ما يحتاجون إليه من ضروريات الحياة بدون الاستمرار في مهنة التسول؛ لأن امتهان التسول أمر مسيء، وغير محبب، وينبغي السعي للحد منه، لكن بهذه الطريقة التي فيها بدائل، فيها إعانة، فيها إغاثة، فيها اهتمام بهم، وليس منع مع الحرمان والإهمال.
وأيضاً من المؤسف جداً أنَّ البعض يمتهنون التسول، وليسوا بمستوى الحاجة الملحة، التي تصل بالإنسان مثلاً إلى تلك الحالة، يعني: البعض منهم يعتبرها وسيلةً تناسبه- لأنه فقد الشعور بالكرامة- لأن تكون مصدراً للدخل المالي، قد يعتبرها طريقة أيسر عليه من بعض الأعمال، ويجدها موفرة، يستطيع من خلالها الحصول على المال بشكل أفضل من بعض المهن- مثلاً- الصعبة، فالبعض بدافع الكسل، وبفقدانه الحياء والكرامة، يجعل منها وسيلةً للكسب، لا ينبغي أن تكون وسيلةً للكسب، وينبغي فيمن يعانون من ظروف صعبة جداً، صعبة بشكل كبير، أوصلتهم إلى مستوى السؤال والتسول، أن يكون هناك برامج للعناية بهم، وتوفير ضرورياتهم، والتأهيل لهم عملياً بما يغنيهم عن ذلك، ما يرتقي بهم إلى مستوى حصولهم على أرزاقهم واحتياجاتهم الضرورية من مصادر دخل، إمَّا وفق رعاية اجتماعية، أو أيضاً من خلال العمل الذي هُيأت لهم فرصه وأسبابه، وهيأت لهم الظروف العملية له، سواءً يحتاجون إلى تأهيل عملي، يتم ذلك، أو غير ذلك.
((وَاحْفَظِ لِلَّهِ مَا اسْتَحْفَظَكَ مِنْ حَقِّهِ فِيهِمْ))
تعامل مع هذه المسؤولية باهتمام كبير؛ لأنها مسؤولية كبيرة أمام الله “سبحانه وتعالى”، وهي واجبٌ إنسانيٌ، وأخلاقيٌ، وديني، فاسعَ للاهتمام بذلك، لا تهمل، لا تهمل هؤلاء، لا تتجاهل هؤلاء؛ بحجة الانشغال ببقية الأمور، يجب أن يكونوا هم- في العناية برعايتهم، والاهتمام بظروفهم- من ضمن أولوياتك العملية، واهتماماتك الأساسية.
((وَاجْعَلْ لَهُمْ قِسْماً مِنْ بَيْتِ مَالِكَ، وَقِسْماً مِنْ غَلَّاتِ صَوَافِي الْإِسْلَامِ فِي كُلِّ بَلَدٍ))
هذه كانت من الموارد المالية آنذاك.
-
(بَيْتِ المَال): كان عبارة عن البنك في ذلك الزمن (بنك الدولة)، والذي تجمع إليه الإيرادات المالية من مختلف مصادرها المشروعة.
-
و(الغَلَّاتِ): كذلك الأراضي التي كانت تجبى منها جبايات بحسب الشرع الإسلامي.