التاريخ يصنع وعينا
|| مقالات ||
بقلم/ د. حمود عبدالله الأهنومي
إنَّ استمرارَ العُدوان على شعبنا من ذاتِ العَدُوِّ المُجرِم الذي ارتكب مجزرة الحجاج الكبرى يُحَتِّمُ إحياء ذكرى هذه المجزرة، ولا سيما الذكرى المئوية الأولى بشكل قوي ولائق وبما يُعَزِّزُ واقعَ الصمود والثبات والانتصار الذي يستعد له اليمنيون بعون الله وفضله؛ ذلك لتحقيق عددٍ من الأهداف والنتائج، والتي من أهمّها: نشرُ مساحةِ الوعي بالمجزرة بشكلٍ أوسع محليا وإقليميا ودوليا، والمساهمة في تأصيل الوعي الجمعي للأمَّة بجذور العدوان القائم على بلدنا، وإسقاط الذرائع الواهية التي يعلنها العدوانُ الراهن، وجعلُ الذكرى محطَّةً للتوعية بخطورة العدوان، وأهمية التعبية ضده، إضافةً إلى ما في الإحياء من الوفاء لدماء الشهداء ومواساة أحفادهم وذويهم، وفيه أيضا إيصالُ رسالةٍ ساخنة وقوية للعدوِّ والصديق أننا قومٌ لا ننسى شهداءنا، ولو تقادَمَ العهد بهم عقودا وقرونا من الزمان.
وهنا لا يفوتني أن أدعو الباحثين إلى بذل المزيد من البحث في الأبعاد والوقائع والنتائج التاريخية والسياسية والاجتماعية للمجزرة بشكل مُعَمّق، وإلى جمعِ مزيدٍ من الوثائق والمعلومات حولها، وتشجيع الكتابات التاريخية عنها في الوسط الأكاديمي، وأكرِّر الدعوة لأبناء شعبنا للتفاعل والتواصل لتوثيق ما أمكن من الروايات الشفهية والمتناثرة حولها، وتوثيق ما أمكن من أسماء الشهداء والضحايا والناجين وتراجمهم، كما أدعو إلى بحث آفاق التحرُّكِ السياسي والقضائي والقانوني لمقاضاة هذا الكيان المجرم أمام المحاكم الدولية والمحلية، وطرح هذه القضية في أية مفاوضات سياسية قد تنشأ بين شعبنا وهذا النظام؛ حيث باب القضية لم يُغْلَقْ سياسيا ولا قضائيا، ولا يزال مفتوحا على مصراعيه، والجريمة مصنفة دوليا بأنها ضد الإنسانية وأنها إبادة جماعية، وعليه فلا تسقط بتقادم العهد.
ليست قضية تنومة هي الوحيدة في العلاقات اليمنية السعودية التي أُسْدِلَ الستار على كثيرٍ من تفاصيلها، ووقائعها، فطالما حرص النظام السعودي على جعل مؤسسة (دارة الملك عبدالعزيز آل سعود) الممولة من الديوان الملكي مباشرة، مغسلة كبرى لتنظيف جرائم عبدالعزيز بحق المسلمين جميعا، في العراق، والشام، واليمن، ونجد، والحجاز، بالترغيب والترهيب، لكن يمن 21 سبتمبر قد شاء أن يتحرر من التبعية المخزية، وعليه فقد تم رفع الغطاء عن كثير من الملفات التي حاول ويحاول النظام السعودي أن تبقى تحت الظل وفي طي الكتمان، ومنها جريمة مقتل الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي، وغيرها من الجرائم، التي آن الأوان لكشفها على الملأ، وفضح المجرمين، وإظهار الحقائق على الملأ.
بات الأمر ملحا لعمل كلِّ ما من شأنه تمتين الذاكرة اليمنية وتقويتها أمام المؤامرات الأجنبية، والسعودية منها بالخصوص، وهذا أمر يجب أن تضطلع بها جميع جهات التثقيف والتعليم والتوعية، من علماء، ومعلمين، وأكاديميين، وكتاب، وإعلاميين، وجهات رسمية وشعبية، وفي اعتقادي بأن جعل هذه المجزرة مدخل للحديث عن جميع القضايا المغيبة، والحديث عنها بالشكل الذي نراه اليوم كما ظهر في حديث المتحدث الرسمي للقوات المسلحة، ورئيس الوفد الوطني المفاوض، وغيرهما، لهو أمر مبشر، ويؤدّي إلى المساهمة في هزيمة العدو معنويا، وأخلاقيا، ونفسيا، أما إذا تمَّت عملياتُ ردعٍ هجومية نوعية واستراتيجية بالصواريخ والطيران المسير، وتحمل اسم (شهداء تنومة) فإن ذلك سيكون أمرا محمودا، ويعزز هذه الذاكرة الوطنية المطلوبة بشكل حماسي، ويثير مشاعر العزة والكرامة، ويثأر للشهداء، ويطمئن أقاربهم بأن أوان الاقتصاص من القتلة قادم، وأن زمن الحرية والكرامة والانتصاف من المستكبرين وعملائهم قد أورفت ظلاله، رفرفت أعلامه، وخفقت ألويته وراياته على أنحاء يمننا العزيز.
وليس غريبا أن نجد تعطشا كبيرا عند مختلف فئات شعبنا إلى كل ما يذكرهم بجرائم الكيان السعودي، كما ظهر لنا من خلال عدد من النشاطات والإنجازات؛ ولهذا فالجميع معني اليوم بأن يخوض هذه المعركة الثقافية والتوعوية بجدارة، والتي ستكون أحد أهم المحطات التاريخية بإذن الله، وهي التي يمكنها أن تصحح مسار الوعي، وتعيد الأمور إلى نصابها في كل ما يتعلق بالعدوان السعودي وجذوره العدوانية وتاريخه العدائي، ومن ثم يتضح بشكل لا مرية فيه خطأ مسلك العمالة له، والارتزاق في موائد النذالة التي نصبها لأوليائه، وبالمقابل فضيلة الأحرار وعظمة تحركهم الحر والمواجه للعدوان والمعتدين.
أخيرا يجب أن يكون ما بعد الذكرى المئوية الأولى للمجزرة مختلفا عما قبلها بإذن الله وعونه، والله نعم المعين، نعم المولى ونعم النصير.