الاستشراق الغربي والحربُ الأمريكية على العالم العربي الإسلامي
29/ 9 /2020م
مقالات:
أنس القاضي:
من يناير حتى فبراير في العام 1991م، دمّـرت القواتُ الأمريكية في العراق أكثرَ من 8437 داراً سكنية، وَ157 جسراً وسكة حديد، وَ130 محطة كهرباء رئيسية وفرعية، و249 داراً لرياض الأطفال، و139 داراً للرعاية الاجتماعية، و100 مستشفى ومركز صحي، وَ1708 مدارس ابتدائية.
تنطلق السياسَةُ الأمريكية تجاه العرب والمسلمين، من رؤية عُنصرية تؤمن بتفوق العرق الأبيض ذوي الأصل الأُورُوبي على سواه من الأعراق والسلالات البشرية، وبوجود حالة أصيلة من التخلف لدى العرب والمسلمين، تقابلها حالة أصيلة من الحضارة والتمدن لدى الغرب، وبموجب هذه الرؤية العُنصرية يجوز للغرب غزوَ البلدان العربية الإسلامية؛ مِن أجلِ تمدينها، ويجوزُ للغرب وفق هذه الفلسفة الرجعية محاربة العرب والمسلمين؛ حفاظاً عن الحضارة الغربية والديمقراطية الأمريكية.
في حديث أجرته صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية قال الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش: إن الولايات المتحدة الأمريكية “لا بد لها من أن تقودَ العالم وتفرض سيادتها حتى وإن لم يرضَ البعض”. أما تبريره لذلك فهو مِن أجلِ زعم حماية الحضارة الديمقراطية الغربية من الأخطار التي تتهدّدها، وأما مصدر هذه الأخطار المزعومة فهم العرب والمسلمين.
وقد أضاف بوش أنه “بفضل إرادَة الولايات المتحدة استطعنا مقاومة تنظيم القاعدة، واستطعنا خلق مجتمعات حرة في كُـلّ من العراق وفلسطين”!
أي أن المجتمعات العربية الحرة هي المجتمعات المستعمرة الخاضعة للهيمنة الأمريكية، أما المجتمعات والدول المُستقلة فهي دول متخلفة، والحركات المقاومة فهي وفق هذه الفلسفة جماعات إرهابية.
وهذه الرؤية العُنصرية لا تقتصر على الانتقاص من العرب فقط بل وتعم كُـلّ شعوب الأرض وخَاصَّة الآسيويين والأفارقة وشعوب أمريكا اللاتينية.
في كتابه عن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسم، استخدم بوش الجدُّ أبشعَ الأوصاف، مما يفسّر لنا تصرفات الرئيس بوش الحفيد وعموم السياسيين الأمريكيين والإسرائيليين، في فلسطين والعراق وقاعدة غوانتنامو، ضدّ الإسلام والمسلمين، فالحفيد الرئيس جورج بوش، الوريث المتحمس للثقافة التلمودية اللوثرية، كان يرى نفسه مسؤولاً عن تشكيل العالم بما يتفق مع هذا الإرث الصهيوني المسيحي.
وفي ذات المقابلة مع الصحيفة الفرنسية قال أيضاً: “ما دمت رئيساً للعالم الحرّ فسوف تواصل الولايات المتحدة محاربة التيارات المعادية للسامية في جميع أنحاء العالم، وقد أوفدت كولن باول إلى برلين ليمثلنا في مؤتمر مناهضة اللاسامية، ولإلقاء الضوء على مسألة تزايد العداء للسامية بعد الانتفاضة الفلسطينية الثانية”!
وفي هذا العصر، يواصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حمْلَ هذه الراية العُنصرية العدوانية ضد العرب والمسلمين، ولم تكن آخر الأعمال العدوانية الأمريكية الاعترافَ بمدينة القدس المحتلّة عامة للكيان الصهيوني، والاعتراف بأن هضبة الجولان السورية جزء من دولة الكيان الصهيوني.
ويمثل الاعتراف الأمريكي بسيادة الكيان الصهيوني على مدينة القدس ضربة قاسية للحقوق العربية وانتهاكاً للمقرّرات الدولية، واستخفافاً بالعالمين العربي والإسلامي.
يترافق مع الفلسفة العُنصرية الغربية صعودٌ للقوى اليمينية الفاشية في أُورُوبا، وأصبح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رمزاً وملهماً للفاشية الغربية، وقد ظهر ذلك جليلاً في اهتمامات وقناعات الإرهابي النيوزلندي الذي قام بقتل المسلمين في ثلاثة مساجد وهم ركع سجود في صلاة الجمعة،. وقد عبر هذا المجرم عن حبه للرئيس الأمريكي دونالد ترامب واعتبره قدوته، كما وجدت أسماء وتواريخ على بندقيته وهي متعلقة بالحروب الصليبية ضد العالم الإسلامي.
في القرن السادس عشر حيث بدأت التعبئةُ المركّزة ضدّ الإسلام والعرب، مع بدايات نهوض العصر الأُورُوبي الأمريكي العالمي على أنقاض العصر العربي الإسلامي العالمي، فقد كان النهوضُ الغربي يقتضي وراثةَ الوجود العربي، وتدميره أَيْـضاً؛ بسَببِ الاختلاف في التوجّـهات والسياسات العربية الإسلامية والفلسفات الغربية.
قامت العقيدة العربية الإسلامية وسياستها العالمية على التكافؤ والمساواة بين البشر، فيما العقيدة السياسية الأُورُوبية والأمريكية قامت على التمييز وعدم التكافؤ والاحتكار. واعتبرت تاريخ الحضارات البشرية العام مقتصراً على اليهود والإغريق والأُورُوبيين المعاصرين، فيما الحضارة العربية الإسلامية والحضارات الآسيوية والأفريقية لا قيمة لها؛ تمهيداً لغزو شعوب هذه الحضارات تحت مسمى تمدينها.
يقول المستشرق الغربي أرنست رينان: “إن عقول شعوب الشرق وأفريقية مغلقة أمام العلم، ومستقبل الإنسانية متوقف على الأُورُوبيين، لكن هناك شرطاً ضرورياً لذلك وهو: تحطيم عناصر الحضارة السامية والقوى الدينية للإسلام”.
ويقول المستشرق المعاصر برنارد لويس: إن الخطرَ على الإنسانية سوف يكتمل بحيازة المسلمين للسلاح النووي، حيث إن حيازة هذا السلاح يجب أن لا تكون بيد متعصب جاهل وغير عقلاني كالمسلم!
في الماضي، كان المستشرقون الأُورُوبيون المسيحيون هم الذين يزوّدون الثقافةَ الأُورُوبية بالحُجَج اللازمة لاستعمار العالم الإسلامي وللتحقير من اليهود أَيْـضاً، أما اليوم فَـإنَّ الحركة اليهودية الصهيونية هي التي تنتجُ جهازَ المسؤولين الاستعماريين، وأُطروحات اليهود الأيديولوجية عن الذهن الإسلامي أَو العربي هي السائدة في الأوساط الغربية وخَاصَّة الأمريكية.
وهذه الفلسفة العُنصرية أثبتت زيفَها علومُ الاجتماع والعلوم الطبيعية، كما أنها تتنافى مع القوانين الدولية ومواثيق الأمم المتحدة، والرسالات السماوية ومع الفلسفات الإنسانية، إلا أن العالَمَ الغربي يضرِبُ عرضَ الحائط بكل القوانين والفلسفات والأديان التي تؤمنُ بوحدةِ البشرية ويمارِسُ استعبادَه للعالَم من منطق القوة.