أكتوبر المجيد.. برع يا استعمار
14/ 10 /2020م
مقالات:
عبدالرحمن الاهنومي:
ذكرى ثورة 14 من أكتوبر 1963/م ، تأتي هذا العام ومعظم ربوع اليمن يعود لها أمنها وأمانها وحريتها واستقلالها ، بعد تطهيرها من دنس العدوان والمرتزقة والعملاء إثر الانتصارات التي يحققها الأبطال في مختلف الجبهات ، وكل ذلك بفضل الله وبتضحيات الشعب اليمني وجيشه ولجانه وقبائله الشرفاء.
بذور الاستقلال التي نثرها ثوار الرابع عشر من أكتوبر قبل 57 عاماً، نمت وتباركت في مسيرها حتى باتت اليوم تشكل تاريخاً طويلاً زاخراً بالمآثر الكفاحية التي اجترحها اليمنيون في الشمال والجنوب وصنعوا بها تحولات كبرى وإلى اليوم الحاضر ما زالوا يتواجهون مع مشاريع الاستعمار والاحتلال والغزو ، ومع كل معركة يخوضها أبطال الجيش واللجان الشعبية في مواجهة العدوان والاحتلال التحالفي وحشد العملاء والمرتزقة ، تتجدد ثورة أكتوبر ويتوهج ألقها في الوجدان والضمير ، والحال أن مقاومة الاحتلال والغزو ودرء مخاطر الوجود الأجنبي في اليمن ، تعد عملية تاريخية ثابتة منذ الزمن الذي قالت فيه الملكة بلقيس «(إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً ) عنوة وغلبة ( أفْسَدُوها )» ، وقد سارت هذه العملية في اتجاه ثابت ومتصاعد حتى اليوم.
حين تفجرت ثورة 14 أكتوبر ، لم تكن عدن مجرد مدينة محتلة، فقد تحولت عدن إلى قاعدة عسكرية بريطانية ، إذ أعلن التاج البريطاني عام 1960، مدينة عدن مقر قيادة الشرق الأوسط ، ومن بعدها «كانت بريطانيا تتعامل معها باعتبارها الركيزة الأساسية للدفاع عن الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس ، وأمام تعاظم القوة الاستعمارية آنذاك ، كان سيل الثورة اليمنية يتعاظم ويشتد يوماً بعد آخر، والمؤكد اليوم أن اليمنيين وإن كانوا يتواجهون مع عدوان تحالفي مكون من أكثر من عشرين دولة على رأسها أمريكا ، إلا أنه لا يمكنهم التفريط في مكتسباتهم التاريخية وقيمهم الحضارية ، ولا في ثوابتهم الوطنية والقومية والإسلامية ، ولا في حق الاستقلال الذي يعد قيمة أصيلة المساسُ بها يعد مساساً بالكرامة الشخصية ، وبالتالي فإن القدر المحتوم هو الانتصار وإنجاز الاستقلال الكامل لليمن.
كان المستعمر يخشى يمناً موحداً ، فعمل على تفكيك الجنوب إلى 22 سلطنة وإمارة ، فكان السلاطين والأمراء والإقطاعيون في جنوب الوطن هم الركيزة الداخلية للوجود الاستعماري، وكان توحيد الوطن على رأس أولويات ثوار أكتوبر، إذ أن تحرير البلاد يقتضي القضاء على مشروع التفكيك والتجزئة ، وهو ما ينبغي إدراكه اليوم ، فلا انتصار بدون توحيد الصفوف وتعزيز تلاحم الجبهة الداخلية ، لقد سقط المشروع البريطاني أرضاً بوحدة الحركة الوطنية شمالاً وجنوباً ، ولقيت 23 سلطنة ومشيخة وإمارة على الأرض اليمنية حتفها ، وبعد سنوات من تكريس التجزئة واستهداف الهوية والبحث عن هوايات زائفة انتصرت إرادة الشعب ، وذهب الثوار في كل جهات البلاد لتطهيرها من دنس الاستعمار البغيض.
إن الشعب الذي استطاع بإمكاناته المتواضعة وإرادته القوية أن يدحر المستعمر البريطاني ويُجبره على الرحيل عن أرض الوطن، لهو الشعب القادر على هزيمة العدوان التحالفي الأمريكي السعودي الأوروبي والعربي حتى ،فإرادة الصمود على تحرير الأرض ومواجهة الغازين قد ترسخت ثقافة وسلوكا في نفوس اليمنيين على امتداد أجيالهم ، وقد نجح اليمنيون في كل مراحل تاريخهم في إلحاق الهزائم بكل المشاريع الأجنبية منذ زمن البرتغال والحبش والإمبراطوريات الاستعمارية القديمة ، فاليمن كهوية وثقافة وحضارة وتاريخ ، هي «مقبرة الغزاة» ، واليمن كجغرافيا هي تلك الجبال الشاهقة التي احتضنت البدايات الأولى للعرب ، واليمنيون أولو قوة وبأس وحرب ، فالغزاة العثمانيون الذين طوّعوا القارات في أوروبا وشرق آسيا ، كانوا يُلقون بأنفسهم من شواهق الحيود اليمنية، هرباً من بنادق ومعاول اليمنيين.